jueves, 26 de mayo de 2011

تابع الجزء الثالث من هذه الرسالة : العلم والجهل بلا إله إلا الله (الجزء الأول)

  تابع الجزء  الثالث  من هذه الرسالة :                      العلم والجهل بلا إله إلا الله                                (الجزء الأول)


ال مشركون حيث أن الظن يطلق علي العلم المخطئ أو الجهل المركب والتخيلات الباطلة
1= تفسير قوله تعالى : { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ فصل الثالث- ذكر الظن و الشك ومرادفاته في أكثر من موضع في القرآن ومع ذلك أهله
بِمَا يَفْعَلُونَ (36) }يونس 36
وجاء في التفسير الطبري - (ج 15 / ص 89)
(قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما يتبع أكثر هؤلاء المشركين إلا ظنا، يقول: إلا ما لا علم لهم بحقيقته وصحته، بل هم منه في شكٍّ وريبة (إن الظن لا يغني من الحق شيئًا ) ، يقول: إن الشك لا يغني من اليقين شيئًا ، ولا يقوم في شيء مقامَه، ولا ينتفع به حيث يُحتاج إلى اليقين (إن الله عليم بما يفعلون) ، يقول تعالى ذكره: إن الله ذو علم بما يفعل هؤلاء المشركون ، من اتباعهم الظن ، وتكذيبهم الحق اليقين، وهو لهم بالمرصاد، حيث لا يُغني عنهم ظنّهم من الله شيئًا) ا هـ
وجاء في تفسير القرطبي - (ج 8 / ص 343)
(قوله تعالى: (وما يتبع أكثرهم إلا ظنا) يريد الرؤساء منهم، أي ما يتبعون إلا حدسا وتخريصا في أنها آلهة وأنها تشفع، ولا حجة معهم.
وأما أتباعهم فيتبعونهم تقليدا.
(إن الظن لا يغنى من الحق شيئا) أي من عذاب الله، فالحق هو الله.
وقيل " الحق " هنا اليقين، أي ليس الظن كاليقين.
وفي هذه الآية دليل على أنه لا يكتفى بالظن في العقائد.(إن الله عليم بما يفعلون) من الكفر والتكذيب، خرجت مخرج التهديد).ا هـ
جاء في التحرير والتنوير - (ج 6 / ص 480)
وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36)
(عطف على جملة : { قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق } [ يونس : 35 ] باعتبار عطف تلك على نظيرتيها المذكورتين قبلَها ، فبعد أن أمر الله رسولَه بأن يحجهم فيما جعلوهم آلهة وهي لا تصرف ولا تدبير ولا هداية لها ، أعقب ذلك بأن عبادتهم إياها اتّباع لظن باطل ، أي لوهَم ليس فيه شبهة حق .
والضمير في قوله : { أكثرهم } عائد إلى أصحاب ضمير { شركائكم } [ يونس : 35 ] وضمير { ما لكم كيف تحكمون } [ يونس : 35 ] .
وإنما عَمَّهم في ضمائر { شركائِكم و ما لَكم كيف تحكمون } ، وخصّ بالحكم في اتِّباعهم الظن أكثرَهم ، لأن جميع المشركين اتفقوا في اتباع عبادة الأصنام . وبين هنا أنهم ليسوا سواء في الاعتقاد الباعث لهم على عبادتها إيماء إلى أن من بينهم عُقَلاء قليلين ارتقت مدارك أفهامهم فوق أن يعتقدوا أن للأصنام تصرفاً ولكنهم أظهروا عبادتها تبعاً للهوَى وحفظاً للسيادة بين قومهم . والمقصود من هذا ليس هو تبرئة للذين عبدوا الأصنام عن غير ظن بإلهيتها فإنهم شر من الذين عبدوها عن تَخيل ، ولكن المقصود هو زيادة الاستدلال على بطلان عبادتها حتى أن من عُبَّادها فريقاً ليسوا مطمئنين لتحقق إلهيتها . وبالتأمل يظهر أن هؤلاء هم خاصة القوم وأهل الأحلام منهم لأن المقام مقام تخطئة ذلك الظن . ففيه إيقاظ لجمهورهم ، وفيه زيادة موعظة لخاصتهم ليقلعوا عن الاستمرار في عبادة ما لا تطْمئن إليه قلوبهم . وهذا كقوله الآتي : { ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به } [ يونس : 40 ] .
والظن : يطلق على مراتب الإدراك ، فيطلق على الاعتقاد الجازم الذي لا يشوبه شك ، كما في قوله تعالى : { وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون } [ البقرة : 45 ، 46 ] ؛ ويطلق على الاعتقاد المشوب بشك . ويظهر أنه حقيقة في هذا الثاني وأنه مجاز في الأول لكنه في الأول شائع فصار كالمشترك . وقد تقدم في سورة البقرة عند الكلام على الآية المذكورة . ومنه قوله تعالى : { قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين } في سورة [ الأعراف : 66 ] ، وقوله : { وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه } في سورة [ براءة : 118 ] .
وقد أطلق مجازاً على الاعتقاد المخطىء ، كما في قوله تعالى : { إن بعض الظن إثم } [ الحجرات : 12 ] وقول النبي عليه الصلاة والسلام إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث .
والظن كثر إطلاقه في القرآن والسنة على العلم المخطىء أو الجهل المركب والتخيلات الباطلة ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : « إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث » وقد يطلق على الظن الحصيبي كقوله تعالى : { ظَنَّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً } [ النور : 12 ] وقوله تعالى : { إن بعض الظن إثم } [ الحجرات : 12 ] . وهذا المعنى هو المصطلح عليه عند علماء أصول الدين وأصول الفقه ).ا هـ
2= تفسير قوله تغالي (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) [الأنعام/148]
جاء في تفسير البيضاوي - (ج 2 / ص 216)
({ قُلْ هَلْ عِندَكُم مّنْ عِلْمٍ } من أمر معلوم يصح الاحتجاج به . على ما زعمتم . { فَتُخْرِجُوهُ لَنَا } فتظهروه لنا . { إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن } ما تتبعون في ذلك إلا الظن . { وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ } تكذبون على الله سبحانه وتعالى ، وفيه دليل على المنع من اتباع الظن سيما في الأصول ، ولعل ذلك حيث يعارضه قاطع إذ الآية فيه ).اهـ.
جاء في تفسير السعدي - (ج 1 / ص 278)
(هذا إخبار من الله أن المشركين سيحتجون على شركهم وتحريمهم ما أحل الله، بالقضاء والقدر، ويجعلون مشيئة الله الشاملة لكل شيء من الخير والشر حجة لهم في دفع اللوم عنهم.
وقد قالوا ما أخبر الله أنهم سيقولونه، كما قال في الآية الأخرى: { وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ … } الآية.
فأخبر تعالى أن هذه الحجة، لم تزل الأمم المكذبة تدفع بها عنهم دعوة الرسل، ويحتجون بها، فلم تجد فيهم شيئا ولم تنفعهم، فلم يزل هذا دأبهم حتى أهكلهم الله، وأذاقهم بأسه.
فلو كانت حجة صحيحة، لدفعت عنهم العقاب، ولما أحل الله بهم العذاب، لأنه لا يحل بأسه إلا بمن استحقه، فعلم أنها حجة فاسدة، وشبهة كاسدة، من عدة أوجه:
منها: ما ذكر الله من أنها لو كانت صحيحة، لم تحل بهم العقوبة.
ومنها: أن الحجة، لا بد أن تكون حجة مستندة إلى العلم والبرهان، فأما إذا كانت مستندة إلى مجرد الظن والخرص، الذي لا يغني من الحق شيئا، فإنها باطلة، ولهذا قال: { قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا } فلو كان لهم علم -وهم خصوم ألداء- لأخرجوه، فلما لم يخرجوه علم أنه لا علم عندهم. { إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ } ومَنْ بنى حججه على الخرص والظن، فهو مبطل [ ص 279 ] خاسر، فكيف إذا بناها على البغي والعناد والشر والفساد؟
ومنها: أن الحجة لله البالغة، التي لم تبق لأحد عذرا، التي اتفقت عليها الأنبياء والمرسلون، والكتب الإلهية، والآثار النبوية، والعقول الصحيحة، والفطر المستقيمة، والأخلاق القويمة، فعلم بذلك أن كل ما خالف هذه الأدلة القاطعة باطل، لأن نقيض الحق، لا يكون إلا باطلا.
ومنها: أن الله تعالى أعطى كل مخلوق قدرة، وإرادة، يتمكن بها من فعل ما كلف به، فلا أوجب الله على أحد ما لا يقدر على فعله، ولا حرم على أحد ما لا يتمكن من تركه، فالاحتجاج بعد هذا بالقضاء والقدر، ظلم محض وعناد صرف.
ومنها: أن الله تعالى لم يجبر العباد على أفعالهم، بل جعل أفعالهم تبعا لاختيارهم، فإن شاءوا فعلوا، وإن شاءوا كفوا. وهذا أمر مشاهد لا ينكره إلا من كابر، وأنكر المحسوسات، فإن كل أحد يفرق بين الحركة الاختيارية والحركة القسرية، وإن كان الجميع داخلا في مشيئة الله، ومندرجا تحت إرادته.
ومنها: أن المحتجين على المعاصي بالقضاء والقدر يتناقضون في ذلك. فإنهم لا يمكنهم أن يطردوا ذلك، بل لو أساء إليهم مسيء بضرب أو أخذ مال أو نحو ذلك، واحتج بالقضاء والقدر لما قبلوا منه هذا الاحتجاج، ولغضبوا من ذلك أشد الغضب.
فيا عجبا كيف يحتجون به على معاصي الله ومساخطه. ولا يرضون من أحد أن يحتج به في مقابلة مساخطهم؟"
ومنها: أن احتجاجهم بالقضاء والقدر ليس مقصودا، ويعلمون أنه ليس بحجة،وإنما المقصود منه دفع الحق، ويرون أن الحق بمنزلة الصائل، فهم يدفعونه بكل ما يخطر ببالهم من الكلام وإن كانوا يعتقدونه خطأ) ا هـ.
3=-قال تعالي (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106) يونس104-106
جاء في تفسير الطبري - (ج 15 / ص 217)
(قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل ، يا محمد ، لهؤلاء المشركين من قومك الذين عجبوا أن أوحيت إليك : إن كنتم في شك ، أيها الناس ، من ديني الذي أدعوكم إليه ، فلم تعلموا أنه حقّ من عند الله: فإني لا أعبد الذين تعبدون من دون الله من الآلهة والأوثان التي لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عني شيئًا ، فتشكُّوا في صحته..)ا هـ
جاء في تفسير فتح القدير - (ج 3 / ص 420)
({ فَإِن فَعَلْتَ } أي : فإن دعوت ، ولكنه كنى عن القول بالفعل { فَإِنَّكَ إِذًا مّنَ الظالمين } هذا جزاء الشرط ، أي فإن دعوت من دون الله مالا ينفعك ولا يضرّك ، فإنك في عداد الظالمين لأنفسهم ).ا هـ
جاء في تفسير السعدي - (ج 1 / ص 375)
(يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، سيد المرسلين، وإمام المتقين وخير الموقنين: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي } أي: في ريب واشتباه، فإني لست في شك منه، بل لدي العلم اليقيني أنه الحق، وأن ما تدعون من دون الله باطل، ولي على ذلك، الأدلة الواضحة، والبراهين الساطعة.
ولهذا قال: { فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } من الأنداد، والأصنام وغيرها، لأنها لا تخلق ولا ترزق، ولا تدبر شيئًا من الأمور، وإنما هي مخلوقة مسخرة، ليس فيها ما يقتضي عبادتها.
{ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ } أي: هو الله الذي خلقكم، وهو الذي يميتكم، ثم يبعثكم، ليجازيكم بأعمالكم، فهو الذي يستحق أن يعبد، ويصلى له ويخضع ويسجد.
{ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا } أي: أخلص أعمالك الظاهرة والباطنة لله، وأقم جميع شرائع الدين حنيفًا، أي: مقبلا على الله، معرضًا عما سواه، { وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } لا في حالهم، ولا تكن معهم.
{ وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ } وهذا وصف لكل مخلوق، أنه لا ينفع ولا يضر، وإنما النافع الضار، هو الله تعالى.
{ فَإِنْ فَعَلْتَ } بأن دعوت من دون الله، ما لا ينفعك ولا يضرك { فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ } أي: الضارين أنفسهم بإهلاكها، وهذا الظلم هو الشرك كما قال تعالى: { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } فإذا كان خير الخلق، لو دعا مع الله غيره، لكان من الظالمين المشركين فكيف بغيره؟!)ا هـ
والشاهد من تفسير الآية أمور
1-    أن الشك في الدين كفر والشك يأتي نتيجة الجهل فلا ينبغي التشكك فيه
2-    من فعل الشرك فهو مشرك كما قال السعدي{ فَإِنْ فَعَلْتَ } بأن دعوت من دون الله، ما لا ينفعك ولا يضرك) }{ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ } أي: الضارين أنفسهم بإهلاكها، وهذا الظلم هو الشرك فإذا كان خير الخلق، لو دعا مع الله غيره، لكان من الظالمين المشركين فكيف بغيره)ا هـ وفيها من الفقه الكثير وانها ترد علي كل من يقول الفعل كفر لكن الفاعل لا يكفر في أن هذا لا يكون في الشرك الاكبر لان فعل الشرك الاكبر يسمي فاعله مشرك
4= تفسي قوله تعالي (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30) [النجم/27-31]
جاء في تفسير الطبري - (ج 22 / ص 530)
(يقول تعالى ذكره: هذا الذي يقوله هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة في الملائكة من تسميتهم إياها تسمية الأنثى( مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ) يقول: ليس لهم علم إلا هذا الكفر بالله، والشرك به على وجه الظنّ بغير يقين علم.) ا هـ
5=تفسير قوله تعالي(وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) 116 الانعام
جاء في تفسير ابن كثير - (ج 3 / ص 322)
(يخبر تعالى عن حال أكثر أهل الأرض من بني آدم أنه الضلال، كما قال تعالى: { وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأوَّلِينَ } [الصافات: 71]، وقال تعالى: { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [يوسف: 103]، وهم في ضلالهم ليسوا على يقين من أمرهم، وإنما هم في ظنون كاذبة وحسبان باطل، { إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ } فإن الخرص هو الحزر، ومنه خرص النخل، وهو حَزْرُ ما عليها من التمر وكذلك كله قدر الله ومشيئته، و { هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ } فييسره لذلك { وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } فييسرهم لذلك، وكل ميسر لما خلق له.) ا هـ
جاء في زاد المسير - (ج 2 / ص 400)
(سبب نزولها : أن الكفار قالوا للمسلمين : أتأكلون ما قتلتم ، ولا تأكلون ما قتل ربُّكم؟ فنزلت هذه الآية ، ذكره الفراء . والمراد ب { أكثر من في الأرض } : الكفار . وفي ماذا يطيعهم فيه أربعة أقوال .
أحدها : في أكل الميتة .
والثاني : في أكل ما ذبحوا للأصنام .
والثالث : في عبادة الأوثان .
والرابع : في اتباع ملل الآباء؛ و { سبيل الله } : دينه . قال ابن قتيبة : ومعنى { يخرصون } : يحدسون ويوقعون ، ومنه قيل للحازر : خارص فان قيل : كيف يجوز تعذيب من هو على ظنٍ من شركه ، وليس على يقينٍ من كفره؟! فالجواب : انهم لما تركوا التماس الحجة ، واتبعوا أهواءهم ، واقتصروا على الظن والجهل ، عُذِّبوا ، ذكره الزجاج .)ا هـ
جاء في تفسير الرازي - (ج 6 / ص 453)
(اعلم أنه تعالى لما أجاب عن شبهات الكفار ثم بين بالدليل صحة نبوة محمد عليه الصلاة والسلام بين أن بعد زوال الشبهة وظهور الحجة لا ينبغي أن يلتفت العاقل إلى كلمات الجهال ، ولا ينبغي أن يتشوش بسبب كلماتهم الفاسدة فقال : { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى الأرض يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ الله } وهذا يدل على أن أكثر أهل الأرض كانوا ضلالاً ، لأن الإضلال لا بد وأن يكون مسبوقاً بالضلال . واعلم أن حصول هذا الضلال والإضلال لا يخرج عن أحد أمور ثلاثة : أولها : المباحث المتعلقة بالإلهيات فإن الحق فيها واحد ، وأما الباطل ففيه كثرة ، ومنها القول بالشرك إما كما تقوله الزنادقة وهو الذى أخبر الله عنه في قوله : { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء الجن } [ الأنعام : 100 ] وإما كما يقوله عبدة الكواكب . وإما كما يقوله عبدة الأصنام ، وثانيها : المباحث المتعلقة بالنبوات . إما كما يقوله من ينكر النبوة مطلقاً أو كما يقوله من ينكر النشر . أو كما يقوله من ينكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم . ويدخل في هذا الباب المباحث المتعلقة بالمعاد . وثالثها : المباحث المتعلقة بالأحكام ، وهي كثيرة ، فإن الكفار كانوا يحرمون البحائر والسوائب والوصائل ويحللون الميتة ، فقال تعالى : { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى الأرض } فيما يعتقدونه من الحكم على الباطل بأنه حق ، وعلى الحق بأنه باطل يضلوك عن سبيل الله ، أي عن الطريق والمنهج الصدق .
ثم قال : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : المراد أن هؤلاء الكفار الذين ينازعونك في دينك ومذهبك غير قاطعين بصحة مذاهبهم ، بل لا يتبعون إلا الظن وهم خراصون كذابون في ادعاء القطع وكثير من المفسرين يقولون : المراد من ذلك الظن رجوعهم في إثبات مذاهبهم إلى تقليد أسلافهم لا إلى تعليل أصلاً ) ا هـ
6= قال تعالي (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) [الجاثية/24]
جاء في تفسير الطبري - (ج 22 / ص 80)
( وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ ) يقول تعالى ذكره: وما لهؤلاء المشركين القائلين: ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر، بما يقولون من ذلك من علم: يعني من يقين علم، لأنهم يقولون ذلك تخرّصا بغير خبر أتاهم من الله، ولا برهان عندهم بحقيقته( إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ ) يقول جلّ ثناؤه: ما هم إلا في ظنّ من ذلك، وشكّ يخبر عنهم أنهم في حيرة من اعتقادهم حقيقة ما ينطقون من ذلك بألسنتهم.) ا هـ
جاء في تفسير الرازي - (ج 14 / ص 34)
(فثبت أنه ليس علم ولا جزم ولا يقين في صحة القول الذي اختاروه بسبب الظن والحسبان وميل القلب إليه من غير موجب ، وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن القول بغير حجة وبيّنة قول باطل فاسد ، وأن متابعة الظن والحسبان منكر عند الله تعالى ).ا هـ
جاء في بحر العلوم للسمرقندي - (ج 4 / ص 133)
({ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } يعني : يقولون قولاً بغير حجة ، ويتكلمون بالجهل { إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } يعني : ما هم إلا جاهلون ).ا هـ
7= تفسير قوله تعالي(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)الحجرات وهذا الظن غير مكفر ولا شركي
جاء في زاد المسير - (ج 5 / ص 403)
(قوله تعالى : { اجتنبوا كثيراً من الظَّنِّ } قال ابن عباس : نهى اللهُ تعالى المؤمنَ أن يظُنَّ بالمؤمن شرّاً . وقال سعيد بن جبير : هو الرجل يسمع من أخيه كلاماً لا يريد به سوءاً أو يدخُل مَدخلاً لا يريد به [ سوءاً ] ، فيراه أخوه المسلم فيظُن به سوءاً . وقال الزجاج : هو أن يظُن بأهل الخير سوءاً ، فأمّا أهل السوء والفسق ، فلنا أن نظُنَّ بهم مِثْل الذي ظهر منهم . قال القاضي أبو يعلى : هذه الآية تدل على أنه لم يُنْه عن جميع الظَّنّ؛ والظَّنُّ على أربعة أضرب . محظور ، ومأمور به ، ومباح ومندوب إِليه ، فأمّا المحظور ، فهو سوء الظن بالله تعالى ، والواجب : حُسْنُ الظن بالله ، وكذلك سوء الظن بالمسلمين الذين ظاهرُهم العدالةُ محظور ، وأما الظن المأمور به ، فهو ما لم ينصب عليه دليل يوصل إِلى العِلْم به ، وقد تُعُبِّدنا بتنفيذ الحُكم فيه ، والاقتصار على غالب الظن ، وإجراء الحُكم عليه واجب ، وذلك نحو ما تُعُبِّدنا به من قبول شهادة العُدول ، وتحرِّي القِبلة ، وتقويم المستهلَكات ، وأروش الجنايات التي لم يَرِدْ بمقاديرها توقيف ، فهذا وما كان من نظائره قد تُعُبِّدنا فيه بأحكام غالب الظنُّون . فأمّا الظن المباح : فكالشّاكِّ في الصلاة إِذا كان إماماً ، أمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالتحرِّي والعملِ على ما يَغْلِب في ظنِّه ، وإن فعله كان مباحاً ، وإِن عَدَلَ عنه إِلى البناء على اليقين كان جائزاً . وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إِذا ظَنَنْتُم فلا تحقّقوا » وهذا من الظن الذي يَعْرِض في قلب الإِنسان في أخيه فيما يوجب الرِّيبة فلا ينبغي له أن يحقِّقه . وأما الظن المندوب إِليه : فهو إِحسان الظن بالأخ المسلم يُنْدَب إِليه ويُثاب عليه . فأمّا ما روي في الحديث : « احترِسوا من الناس بسوء الظن » فالمراد : الإحتراس بحفظ المال ، مثل أن يقول : إن تركت بابي مفتوحاً خشيت السُّرّاق .
قوله تعالى : { إِنَّ بعض الظَّنِّ إِثم } قال المفسرون : هو ما تكلم به مما ظنَّه من السُّوءِ بأخيه المسلم ، فإن لم يتكلَّم به فلا بأس ، وذهب بعضهم إِلى أنه يأثم بنفس ذلك الظن وإِن لم يَنْطِق به) ا هـ
جاء في مجموع فتاوى ابن تيمية (التفسير) - (ج 2 / ص 95)
(وقوله تعالى في هذه : { مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ } [ النساء : 157 ] ، هو ذم لهم على اتباع الظن بلا علم، وكذلك قوله : { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى } [ النجم : 23 ] ، وكذلك قوله : { وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا } [ النجم : 28 ] ، وقوله تعالى : { وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [ يونس : 66 ] ، وقوله : { أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } [ يونس : 35، 36 ] .
فهذه عدة مواضع يذم اللّه فيها الذين لا يتبعون إلا الظن، وكذلك قوله : { قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ } [ الأنعام : 148، 149 ] ، مطالبة بالعلم وذم لمن يتبع الظن وما عنده علم، وكذلك قوله : { نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ الأنعام : 143 ] ، وقوله : { وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ الأنعام : 119 ] ، وأمثال ذلك ذم لمن عمل بغير علم، وعمل بالظن .
وقد ثبت في السنة المتواترة وإجماع الأمة أن الحاكم يحكم بشاهدين، وإن لم يكن شهود حلف الخصم . وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إنكم تختصمون إلى، ولعل بعضكم أن يكون ألْحَنَ بحجته من بعض وإنما أقضى بنحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار ) . )اهـ
ومن صفات المشركين الضلالومما يذكر أن (الضال) هو الجاهل بالحق، وأن (الضلال) هو انتفاء العلم الصحيح وإتباع غيره من الأهواء والآراء الضالة الفاسدة،
تفسير قوله تعالي({ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } الفاتحة
يقول الشيخ حلمي هاشم في شهد الاعتقاد ج2 ص 47
(وأما عن تفسير الضالين والمغضوب عليهم فإن عامة أهل التفسير تنقل الحديث الذي رواه الإمام أحمد بسنده يحدث عن عدي بن حاتم الطائي، وفيه قول الرسول (r):(إن المغضوب عليهم اليهود، وإن الضالين النصارى) كما ذكر الحديث الآخر الذي رواه ابن مردويه بسنده عن عبد الله بن شقيق عن أبي ذر قال: سألت رسول الله (صلي الله عليه وسلم ) عن المغضوب عليهم قال: (اليهود) قلت: الضالين، قال: (النصارى). قال ابن كثير رحمه الله بعد أن أورد الآثار المتعددة في ذلك: قال ابن أبي حاتم: ولا أعلم بين المفسرين في هذا اختلافاً أ.هـ
كما قال أيضاً في قوله: { وَلَا الضَّالِّينَ } إنما جيء بـ (لا) لتأكيد النفي، لئلا يتوهم أنه معطوف على { الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } ، ولتأكيد الفرق بين الطريقتين ليجتنب كل واحد منهما:
فإن طريقة أهل الإيمان مشتملة علي العلم بالحق والعمل به.
واليهود فقدوا العمل، والنصارى فقدوا العلم، ولهذا كان الغضب لليهود، والضُّلَّال للنصارى؛ لأن من علم وترك استحق الغضب بخلاف من لم يعلم، والنصارى لما كانوا قاصدين شيئاً لكنهم لا يهتدون إلي طريقة لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه وهو اتباع الحق وضلوا.
وكل من اليهود والنصارى ضال مغضوب عليه، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب؛ كما قال تعالى عنهم:
{ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ } الآية، وأخص أوصاف النصارى الضلال؛ كما قال تعالى عنهم: { قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ } وبهذا جاءت الأحاديث والآثار) أ.هـ
ويقول أيضا ص48
فانظر كيف حسمت هذه الآيات المباركات في صرامة وقوة قضية من أشد قضايا العصر الحالي اشتعالاً وهي قضية (الجهل) وفقد العلم الشرعي الصحيح عن طائفة من الناس، وكما قال ابن كثير رحمه الله: كانوا قاصدين شيئاً - أي يتعبدون به إلى الله - لكنهم لا يهتدون إلى طريقه، لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه، وهو اتباع الحق ، وضلوا أ.هـ
هذا مع وضوح الحق في كتاب ربنا الكريم وسنة نبينا العظيم، ولكنهم أعرضوا عن العلم وركنوا إلى الجهل ويحسبون أنهم مهتدون.
فإذا أدرك القارئ الكريم أن مصطلح (الضلال) يقصد به انتفاء العلم الشرعي الصحيح، والتعبد إلى الله تعالى بغير علم ، لأدرك أن هذه القضية برمتها (أي قضية الجهل، وهل يعد عذراً أم لا يعد عذراً لمن أشرك بالله ما ليس له به علم) قد حسمت وقضت فيه بالحكم الصريح الواضح تلك الآيات المباركات الأولى في أولى سور القرآن العظيم، وأول صفحاته الشريفة، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
يقول ابن القيم رحمه الله عن هذه الآيات المباركات في كتاب (الصلاة وحكم تاركها في قوله تعالى:
{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } فاتحة الكتاب.
قال: أهل هذه الهداية هم المختصون بنعمته، دون (المغضوب عليهم) وهم الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه،
ودون (الضالين) وهم الذين عبدوا الله بغير علم. فالطائفتان اشتركتا في القول على الله في خلقه وأمره وأسمائه وصفاته بغير علم، فسبيل المنعم عليهم مغاير لسبيل أهل الباطل كلها علماً وعملاً أ.هـ
وفي تفسير نفس هذه الآيات المباركات من سورة الفاتحة، يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:في تاريخ نجد ص491
المغضوب عليهم هم العلماء الذين لم يعملوا بعلمهم، والضالون هم العاملون بغير علم؛ فالأول صفة اليهود، والثاني صفة النصارى، وكثير من الناس إذا رأى في التفسير أن اليهود المغضوب عليهم وأن النصارى ضالون ظنَّ الجاهل أن ذلك مخصوص بهم، وهو يقر - في ذات الوقت - أن ربه فارض عليه أن يدعو بهذا الدعاء، ويتعوذ من طريق أهل هذه الصفات أ.هـ
وفي نفس هذه الآيات المباركات من سورة الفاتحة يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه (الفوائد). صـ31: وقوله تعالى: ]اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } يتضمن بيان أن العبد لا سبيل له إلى سعادته إلا باستقامته علي الصراط المستقيم،وأنه لا سبيل له إلى الاستقامة على الصراط إلا بهدايته.وقوله:{ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَاالضَّالِّينَ } يتضمن طرفي الانحراف عن الصراط المستقيم، وأن الانحراف إلى أحد الطرفين:
أ - انحراف إلى الضلال الذي هو فساد العلم والاعتقاد.
ب - والانحراف إلى الطرف الآخر، انحراف إلى المغضوب عليهم الذي سببه فساد القصد والعمل أ.هـ)
قال ابن كثير رحمه الله سورة التوبة. الآية: 34.: قال سفيان بن عيينة: من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى، وفي الحديث الصحيح بنحوه: ((لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة)) قالوا اليهود والنصارى؟ قال: ((فمن؟)) ، والحاصل: التحذير من التشبه بهم في أقوالهم وأحواله)
وعن العالم الفاجر المنتمي إلى طائفة المغضوب عليهم، و العابد الجاهل المنتمى لطائفه الضالين، قال ابن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم. صـ25.: ويقولون أيضا احذروا فتنة العالم الفاجر و العابد الجاهل فإن فتنتهما فتنه لكل مفتون،
لأن الأول يشبه المغضوب عليهم الذين يعلمون الحق ولا يتبعونه.
والثاني: يشبه الضالين الذين يعملون بغير علم أ.هـ)
ويقول الشيخ حلمي في نفس الكتاب ص54-55
6- ولما كان الضلال في المصطلح الشرعي يعني (الجهل) وانتفاء العلم - وكما سبق بيانه في سائر الأدلة - فقد كان ذلك يعني: أن الضلال صفة نقص، وأن مثل هذه الصفات لا تليق أن يوصف بها الذات العليا لخالق للخلق وصاحب الملك؛ لذا يقول تعالى: { لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى } [طه: 52].
قال ابن كثير رحمه الله: لا يشذ عنه شيء، ولا يفوته صغيرة ولا كبيرة، ولا ينسى شيئاً. يصف (علمه) تعالى بأنه بكل شيء محيط، وأنه لا ينسى شيئاً، تبارك وتعالى، وتقدس وتنزه. فإن علم المخلوق يعتريه النقصان
من جانبين : أحدهما: عدم الإحاطة بالشيء (أي الجهل به).
والثاني: نسيانه بعد علمه. فنزه نفسه - سبحانه وتقدس ـ عن ذلك . أ.هـ
7- وإذا كان (الضلال) في المصطلح الشرعي صفة مذمة ونقص، ناشئة عن الجهل وانتفاء العلم الصحيح، وقد نزه المولى تبارك وتعالى نفسه عن ذلك، فقد نزه أيضاً الرسول الكريم، والنبي الأمين عن ذلك فقال وعز من قائل: { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } [النجم: 1/2].
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير ذلك: { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } هذا هو المقسم عليه، وهو الشهادة للرسول (
r) بأنه راشد تابع للحق. ليس بضال: وهو الجاهل الذي يسلك على غير طريق بغير علم.
والغاوي: هو العالم بالحق العادل عنه قصداً إلى غيره.
فنزه الله رسوله وشرعه عن متابعة أهل الضلال كالنصارى وطرائق اليهود، وهي علم الشيء وكتمانه والعمل بخلافه، بل هو صلاة الله وسلامه عليه وما بعثه به من الشرع العظيم في غاية الاستقامة والاعتدال والسداد؛ ولهذا قال تعالى { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى } أ.هـ
فالضلال ضد الهدى، ولا يكون إلا عن جهل وهوى. وهو سبيل من فقد العلم الشرعي الصحيح كما قال ابن كثير في غير موضع، أو سبيل من عبد الله بغير علم، كما قال ابن القيم في كتاب (الصلاة)، أو فساد العلم والاعتقاد، كما قال ابن القيم في (الفوائد)، وهو سبيل وطريق الباطل الذي يسلكه الجاهل بغير علم متبعاً للهوى؛ كما قال تعالى:{ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } [ص: 26].
ثم أخيراً: أليس من العجب أن يكون حكم الجهل أو العمل الشركي في ظل انتفاء العلم الشرعي الصحيح موضوع معركة حامية الوطيس بين طوائف المنتسبين إلى هذا الدين الحنيف على وضوح الحكم وصراحته في النصوص المشهورة المتداولة بين جميع الأطراف دون أن تكون هي الحكم وعليها الفصل في الخصومة والقضاء بين المتنازعين، ولو أنصفوا لانتفى الخلاف، وصاروا من أهل الرحمة المجتمعين بعيداً عن الخصومة التي لم تكن أبداً لنقص في العلم الشرعي أو البيان، ولكن كما قال تعالى:
{ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } [الجاثية: 17].
وأخيراً في هذا المقام ينبغي أن يعلم أن كل من أشرك بالله في أي قول أو فعل أو اعتقاد ، هو جاهل ضال سواء أتى بهذا الشرك عن علم أو عمد، أو عن جهل حقيقي بالحق من الباطل؛ يدلك على ذلك قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا } [النساء: 116].
فقد دلت هذه الآية بمنطوقها وصريح لفظها أن كل من أشرك بالله، ولو ساعة من الزمان، ثم مات دون أن يحدث توبة، مات ضالاً ضلالاً بعيداً، وكان من الخاسرين في الدنيا والآخرة؛ لأن هذا الشرك لا يغفره الله
تعالى، دوناً عن سائر الذنوب والمعاصي، قال ابن كثير رحمه الله:
قوله: { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا } أي فقد سلك غير الطريق الحق، وضلَّ عن الهدى، وبعد عن الصواب، وأهلك نفسه، وخسرها في الدنيا والآخرة، وفاتته سعادة الدنيا والآخرة أ.هـ
فكل مشرك ضال ، وكل ضال جاهل فاقد للعلم الشرعى الصحيح ،علم هذا من علم وجهله من جهل دون أن يغير ذلك من هذه الحقيقة الشرعية شيئا. انتهي كلام الشيخ حلمي
ويقول ص67
وذلك من حيث أن الضلال هو القول والعمل بغير علم ولا مستند من الشرع صحيح.
وأيضاً الافتراء هو القول الكاذب على الله وفي دين الله بغير علم ولا مستند من الشرع صحيح.
فقالت الآية الأولى عنهم: { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } [النساء: 48].
وقالت الآية الثانية عنهم: { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا } [النساء: 116]. ا هـ



الفصل الرابع
ما هناك قوم مشركون إلا ووصفوا بالجهل
1- نوح عليه السلام يصف قومه بالعمي ومع ذلك مشركون
- تفسير قوله تعالي(قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ )هود 28-29
جاء في النكت والعيون – للماوردي (ج 2 / ص 196)
(قوله عز وجل : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَّبِّي } فيه وجهان أحدهما : يعني على ثقة من ربي ، قاله أبو عمران الجوني .
الثاني : على حجة من ربي ، قاله عليّ بن عيسى .
{ وَآتَانِي رَحْمَة مِنْ عِنْدِهِ } فيها وجهان :
أحدهما : الإيمان .
والثاني : النبوة ، قاله ابن عباس .
{ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ } يعني البينة في قوله { إنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةِ مِن رَبِّي } وإنما قال { فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ } وهم الذين عموا عنها ، لأنها خفيت عليهم بترك النظر فأعماهم الله عنها .
وقرأ حمزة والكسائي وحفص { فعميت عليكم } بضم العين وتشديد الميم ، وفي قراءة أُبي { فعمّاها } وهي موافقة لقراءة من قرأ بالضم على ما لم يسم فاعله .
وفي الذي عماها على هاتين القراءتين وجهان :
أحدهما : أن الله تعالى عماها عليهم .
الثاني : بوسوسة الشيطان . وما زينه لهم من الباطل حتى انصرفوا عن الحق . وإنما قصد نبي الله نوح بهذا القول لقومه أن يرد عيهم قولهم { وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } ليظهر فضله عليهم بأنه على بينة من ربه وآتاه رحمة من عنده وهم قد سلبوا ذلك ، فأي فضل أعظم منه .
ثم قال تعالى : { أَنُلْزِمْكَمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ } فيها وجهان : أنلزمكم الرحمة ، قاله مقاتل .
الثاني : أنلزمكم البينة وأنتم لها كارهون ، وقبولكم لها لا يصح مع الكراهة عليها .
قال قتادة والله لو استطاع نبي الله نوح عليه السلام لألزمها قومه ولكنه لم يملك ذلك )ا هـ.
2- قوم صالح عليه السلام يشكون في التوحيد مع ذلك لا يعذرون
- قال تعالي (قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) [هود/62]
جاء في تفسير الطبري - (ج 15 / ص 370)
(يعنون أنهم لا يعلمون صحَّة ما يدعوهم إليه من توحيد الله، وأن الألوهة لا تكون إلا لهُ خالصًا)ا هـ.
جاء في تفسير ابن كثير - (ج 4 / ص 331)
(يذكر تعالى ما كان من الكلام بين صالح، عليه السلام، وبين قومه، وما كان عليه قومه من الجهل والعناد في قولهم: { قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا } أي: كنا نرجوك في عقلك قبل أن تقول ما تقول)ا هـ
جاء في تفسير الألوسي - (ج 8 / ص 290)
({ ءابَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِى شَكّ مّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ } من التوحيد وترك عبادة الآلهة وغير ذلك من الاستغفار والتوبة { مُرِيبٍ } اسم فاعل من أرابه المتعدي بنفسه إذا أوقعه في الريبة وهي قلق النفس وانتفاء الطمأنينة باليقين )، ا هـ
3=قوم عاد يجهلون
قال تعالي(وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آَلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23) [الأحقاف/21-23]
جاء في تفسير الرازي - (ج 14 / ص 63)
(الثاني : أراكم قوماً تجهلون من حيث إنكم بقيتم مصرين على كفركم وجهلكم فيغلب على ظني أنه قرب الوقت الذي ينزل عليكم العذاب بسبب هذ الجهل المفرط والوقاحة التامة )ا هـ
4=قوم نوح وعاد وثمود يشكون في دعوة الرسل
قال تعلي(لَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) [إبراهيم/9، 10]
جاء في تفسير الألوسي - (ج 9 / ص 329)
(فتأمل { وَإِنَّا لَفِى شَكّ } عظيم { مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ } من الإيمان والتوحيد ، وبهذا وتفسير { مَا * أُرْسِلْتُمْ بِهِ } بما ذكر أولاً يندفع ما يتوهم من المنافاة بين جزمهم بالكفر وشكهم هذا ، وقيل في دفع ذلك على تقدير كون متعلقي الكفر والشك واحداً : إن الواو بمعنى أو أي أحد الأمرين لازم وهو أنا كفرنا جزماً بما أرسلتم به فإن لم نجزم فلا أقل من أن نكون شاكين فيه؛ وأياً ما كان فلا سبيل إلى الإقرار والتصديق ، وقيل : إن الكفر عدم الإيمان عمن هو من شأنه فكفرنا بمعنى لم نصدق وبذلك فسره ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وذلك لا ينافي الشك . وفي البحر أنهم بادروا أولاً إلى الكفر وهو التكذيب المحض ثم أخبروا أنهم في شك وهو التردد كأنهم نظروا بعض نظر اقتضى أن انتقلوا من التكذيب المحض إلى التردد أو هما قولان من طائفتين طائفة بادرت بالتكذيب والكفر وأخرى شكت ، والشك في مثل ما جاءت به الرسل عليهم السلام كفر ، )ا هـ
جاء في تفسير البيضاوي - (ج 3 / ص 249)
(وقيل الأيدي بمعنى الأيادي أي ردوا أيادي الأنبياء التي هي مواعظهم وما أوحى إليهم من الحكم والشرائع في أفواههم ، لأنهم إذا كذبوها ولم يقبلوها فكأنهم ردوها إلى حيث جاءت منه . { وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ } على زعمكم . { وَإِنَّا لَفِى شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ } من الإِيمان وقرىء «تدعونا» بالادغام . { مُرِيبٍ } موقع في الريبة أو ذي ريبة وهي قلق النفس وأن لا تطمئن إلى الشي .
{ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى الله شَكٌّ } أدخلت همزة الإنكار على الظرف لأن الكلام في المشكوك فيه لا في الشك . أي إنما ندعوكم إلى الله وهو لا يحتمل الشك لكثرة الأدلة وظهور دلالتها عليه . وأشاروا إلى ذلك بقولهم : { فَاطِرِ السموات والأرض } وهو صفة أو بدل ، و { شَكٌّ } مرتفع بالظرف . { يَدْعُوكُمْ } إلى الإِيمان ببعثه إيانا . { لِيَغْفِرَ لَكُمْ } أو يدعوكم إلى المغفرة كقولك : دعوته لينصرني ، على إقامة المفعول له مقام المفعول به . { مِّن ذُنُوبِكُمْ } بعض ذنوبكم وهو ما بينكم وبينه تعالى ، فإن الإسلام يجبه دون المظالم ، وقيل جيء بمن في خطاب الكفرة دون المؤمنين في جميع القرآن تفرقة بين الخطابين ، ولعل المعنى فيه أن المغفرة حيث جاءت في خطاب الكفار مرتبة على الإِيمان وحيث جاءت في خطاب المؤمنين مشفوعة بالطاعة والتجنب عن المعاصي ونحو ذلك فتتناول الخروج عن المظالم .).ا هـ


جاء في زاد المسير - (ج 4 / ص 19)
({ قالت رسلهم أفي الله شك } هذا استفهام إِنكار ، والمعنى ، لا شك في الله ، أي : في توحيده) اهـ
5= قوم شعيب عليه السلام لايفقهون ولا يعذرون بعد فهمهم
- تفسير قوله تعالي(قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) هود
جاء في تفسير ابن كثير - (ج 4 / ص 346)
(يقولون: { يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ } أي: ما نفهم ولا نعقل كثيرًا من قولك، وفي آذاننا وقر، ومن بيننا وبينك حجاب. { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا } .
قال سعيد بن جبير، والثوري: كان ضرير البصر. قال الثوري: وكان يقال له: خطيب الأنبياء.)ا هـ
جاء في زاد المسير - (ج 3 / ص 371)
(قوله تعالى : { ما نفقه كثيراً مما تقول } قال ابن الأنباري : معناه : ما نفقه صحة كثير مما تقول ، لأنهم كانوا يتديَّنون بغيره ، ويجوز أن يكونوا لاستثقالهم ذلك كأنهم لا يفقهونه )ا هـ
جاء في الكشاف - (ج 3 / ص 116)
({ مَا نَفْقَهُ } ما نفهم { كَثِيرًا مّمَّا تَقُولُ } لأنهم كانوا لا يلقون إليه أذهانهم رغبة عنه وكراهية له ، كقوله : { وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } [ الأنعام : 25 ] . أو كانوا يفقهونه ولكنهم لم يقبلوه ، فكأنهم لم يفقهوه . وقالوا ذلك على وجه الاستهانة به ، كما يقول الرجل لصاحبه إذا لم يعبأ بحديثه : ما أدري ما تقول أو جعلوا كلامه هذياناً وتخليطاً ، لا ينفعهم كثير منه ، وكيف لا ينفعهم كلامه وهو خطيب الأنبياء ،).ا هـ
جاء في النكت والعيون - (ج 2 / ص 223)
(قوله عز وجل : { قالوا يا شعيبُ ما نفقهُ كثيراً مما تقول } أي ما نفهم ، ومنه سمي عِلم الدين فقهاً لأنه مفهوم ، وفيه وجهان :
أحدهما : ما نفقه صحة ما تقول من العبث والجزاء .
الثاني : أنهم قالوا ذلك إعراضاً عن سماعه واحتقاراً لكلامه .
{ وإنا لنراك ضعيفاً } فيه سبعة تأويلات :
أحدها : ضعيف البصر ، قاله سفيان .
الثاني : ضعيف البدن ، حكاه ابن عيسى .
الثالث : أعمى ، قاله سعيد بن جبير وقتادة .
الرابع : قليل المعرفة وحيداً ، قاله السدي .
الخامس : ذليلاً مهيناً ، قاله الحسن .
السادس : قليل العقل .
السابع : قليل المعرفة بمصالح الدنيا وسيا سة أهلها .
{ ولولا رهطك } فيه وجهان :
أحدهما : عشيرتك ، وهو قول الجمهور .
الثاني : لولا شيعتك ، حكاه النقاش .
{ لرجمناك } فيه وجهان : أحدهما : لقتلناك بالرجم .
الثاني : لشتمناك بالكلام ، ومنه قول الجعدي .
تراجمنا بمُرِّ القول حتى … نصير كأننا فَرسَا رِهان
{ وما أنت علينا بعزيز } فيه وجهان :
أحدهما : بكريم .
الثاني : بممتنع لولا رهطك ).ا هـ
6=قوم إبراهيم عليه السلام يصفهم بالضلال وهو الجهل
تفسير قوله تعالي(قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) الانبياء54
جاء في تفسير السعدي - (ج 1 / ص 525)
(فقالوا: { وَجَدْنَا آبَاءَنَا } كذلك يفعلون، فسلكنا سبيلهم، وتبعناهم على عبادتها، ومن المعلوم أن فعل أحد من الخلق سوى الرسل ليس بحجة، ولا تجوز به القدوة، خصوصا، في أصل الدين، وتوحيد رب العالمين، ولهذا قال لهم إبراهيم مضللا للجميع: { لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } أي: ضلال بين واضح، وأي ضلال، أبلغ من ضلالهم في الشرك، وترك التوحيد؟" أي: فليس ما قلتم، يصلح للتمسك به، وقد اشتركتم وإياهم في الضلال الواضح، البين لكل أحد.)ا هـ
جاء في تفسير النسفي - (ج 2 / ص 328)
(أراد أن المقلِدين والمقلَدين منخرطون في سلك ضلال ظاهر لا يخفى على عاقل )ا هـ
جاء في تفسير البيضاوي - (ج 4 / ص 198)
{ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ فِى ضلال مُّبِينٍ } منخرطين في سلك ضلال لا يخفى على عاقل لعدم استناد الفريقين إلى دليل ، والتقليد إن جاز فإنما يجوز لمن علم في الجملة أنه على حق ).ا هـ
جاء في تفسير الألوسي - (ج 12 / ص 408)
(وفي الآية دليل على أن الباطل لا يصير حقاً بكثرة المتمسكين به) .ا هـ
2- قوله تعالي(يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44)مريم 43-44
جاء في تفسير البغوي - (ج 5 / ص 234)
({ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ } بالله والمعرفة { مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي } على ديني { أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا } مستقيما. { يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ } لا تطعه فيما يزين لك من الكفر والشرك)ا هـ
جاء في تفسير الألوسي - (ج 11 / ص 498)
({ ياأبت إِنّى قَدْ جَاءنِى مِنَ العلم مَا لَمْ يَأْتِكَ } ولم يسم أباه بالجهل المفرط وإن كان في أقصاه ولا نفسه بالعلم الفائق وإن كان كذلك بل أبرز نفسه في صورة رفيق له يكون أعرف بأحوال ما سلكاه من الطريق فاستماله برفق حيث قال : { فاتبعنى أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً } أي مستقيماً موصلاً إلى أسنى المطالب منحياً عن الضلال المؤدي إلى مهاوي الردى والمعاطب . وقوله : { جَاءنِى } ظاهر في أن هذه المحاورة كانت بعد أن نبىء عليه السلام ، والذي جاءه قيل العلم بما يجب لله تعالى وما يمتنع في حقه وما يجوز على أتم وجه وأكمله . وقيل : العلم بأمور الآخرة وثوابها وعقابها . وقيل : العلم بما يعم ذلك ثم ثبطه عما هو عليه بتصويره بصورة يستنكرها كل عاقل ببيان أنه مع عرائه عن النفع بالمرة مستجلب لضرر عظيم فإنه في الحقيقة عبادة الشيطان لما أنه الآمر به فقال :{ سَوِيّاً ياأبت لاَ تَعْبُدِ الشيطان } فإن عبادتك الأصنام عبادة له إذ هو الذي يسولها لك ويغريك عليها ). ا هـ
جاء في تفسير البحر المحيط - (ج 8 / ص 26) أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان
(ولما سأله عن العلة في عبادة الصنم ولا يمكن أن يجد جواباً ، انتقل معه إلى إخباره بأنه قد جاءه من العلم ما لم يأته ولم يصف أباه بالجهل إذ يغني عنه السؤال السابق . وقال { من العلم } على سبيل التبعيض أي شيء من العلم ليس معك ، وهذه المحاورة تدل على أن ذلك كان بعدما نبىء ، إذ في لفظ { جاءني } تجدد العلم ، والذي جاءه الوحي الذي أتى به الملك أو العلم بأمور الآخرة وثوابها وعقابها أو توحيد الله وإفراده بالالوهية والعبادة أقوال ثلاثة { فاتبعني } على توحيد الله بالعبادة وارفض الأصنام { أهدك صراطاً مستقيماً } وهو الإيمان بالله وإفراده بالعبادة . وانتقل من أمره باتباعه إلى نهيه عن عبادة الشيطان وعبادته كونه يطيعه في عبادة الأصنام ثم نفره عن عبادة الشيطان بأنه كان عصياً للرحمن ، حيث استعصى حين أمره بالسجود لآدم فأبى ، فهو عدوّ لك ولأبيك آدم من قبل ). ا هـ

جاء في زاد المسير - (ج 4 / ص 277)
(قوله تعالى : { ولا يغني عنكَ شيئاً } أي : لا يدفع عنكَ ضرّاً .
قوله تعالى : { إِني قد جاءني من العِلْم } بالله والمعرفة { مالم يأتك } .
قوله تعالى : { لا تعبد الشيطان } أي : لا تُطعه فيما يأمر به من الكفر والمعاصي )ا هـ
جاء في تفسير السعدي - (ج 1 / ص 494)
({ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ } أي: يا أبت لا تحقرني وتقول: إني ابنك، وإن عندك ما ليس عندي، بل قد أعطاني الله من العلم ما لم يعطك، والمقصود من هذا قوله: { فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا } أي: مستقيما معتدلا وهو: عبادة الله وحده لا شريك له، وطاعته في جميع الأحوال،.وفي هذا من لطف الخطاب ولينه، ما لا يخفى، فإنه لم يقل: " يا أبت أنا عالم، وأنت جاهل " أو " ليس عندك من العلم شيء " وإنما أتى بصيغة تقتضي أن عندي وعندك علما، وأن الذي وصل إلي لم يصل إليك ولم يأتك، فينبغي لك أن تتبع الحجة وتنقاد لها.
{ يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ } لأن من عبد غير الله، فقد عبد الشيطان،)ا هـ
أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن - (ج 3 / ص 486)
(وقوله تعالى في هذا الآية الكريمة : { إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ العلم مَا لَمْ يَأْتِكَ } يعني ما علمه الله من الوحي ما ألهمه وهو صغير ، كما قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ } [ الأنبياء : 51 ] ومحاجة إبراهيم لقومه كما ذكرنا بعض الآيات الدالة عليها أثنى الله بها على إبراهيم ، وبين أنها حجة الله آتاها نبيه إبراهيم . كما قال تعالى : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ آتَيْنَاهَآ إِبْرَاهِيمَ على قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ } [ الأنعام : 83 ] الآية ، وقال تعالى : { وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أتحاجواني فِي الله وَقَدْ هَدَانِ } [ الأنعام : 80 ] الآية ، وكون الآيات المذكورة واردة في محاجته لهم المذكورة في سورة « الأنعام » لا ينافي ما ذكرنا . لأن أصل المحاجة في شيء واحد وهو توحيد الله جل وعلا ، وإقامة الحجة القاطعة على أنه لا معبود إلا هو وحده جل وعلا في سورة « الأنعام » وفي غيرها . والعلم عند الله تعالى ).ا هـ
ملخص الآية السابقةأ - الشاهد من الآية أن الموحد معه علم بالتوحيد والمشرك ليس معه علم بالتوحيد بل هو يعبد الشيطان علي جهل وأن هذا الجهل عيب عليه وليس عذر كما يقول المشركون وأن المسلم يدعوا إلي الله علي علم والمشرك ليس معه إلا الجهل كما في قوله(قَدْ جَآءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ) وان المشرك يقاتل من أجل ألهته الباطلة (لَئِن لّمْ تَنتَهِ لأرْجُمَنّكَ) والمسلم لا يترك دينه وان رجم وخرج من الديار (لأرْجُمَنّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً )
ب-من كان مسلما لابد أن يعتزل الشرك والمشركين وقت عبادتهم غير الله ومن هذه العبادة الدعاء لغير الله (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ)والمسلم لا يدعوا إلا الله(وَأَدْعُو رَبّي) لان دعاء غير الله عبادة لغير الله وشرك في الألوهية قال بن كثير وقوله "وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعوا ربي" أي أجتنبكم وأتبرأ منكم ومن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله "وأدعوا ربي" أي وأعبد ربي وحده لا شريك له "عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا" وعسى هذه موجبة لا محالة فإنه عليه السلام سيد الأنبياء بعد محمد صلى الله عليه سلم). ا0هـ
7= قوم لوط عليه السلام يوصفون بالجهل
- قال تعالي(أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) [النمل/55]
جاء في تفسير الطبري - (ج 19 / ص 481)
(يقول: ما ذلك منكم إلا أنكم قوم سفهاء جهلة بعظيم حقّ الله عليكم، فخالفتم لذلك أمره، وعصيتم رسوله) ا هـ
8= قوم موسي عليه السلام يدعون إلي الكفر عن جهل منهم وعدم علم
- قال تعالي(وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) [غافر/41، 42]
جاء في تفسير ابن كثير - (ج 7 / ص 145)
(يقول لهم المؤمن: ما بالي أدعوكم إلى النجاة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له وتصديق رسوله الذي بعثه { وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ . تَدْعُونَنِي لأكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ } أي: علي جهل بلا دليل { وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ } أي: هو في عزته وكبريائه يغفر ذنب من تاب إليه، { لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } يقول: حقا.
قال السدي وابن جرير: معنى قوله: { لا جَرَمَ } حقا.
وقال الضحاك: { لا جَرَمَ } لا كذب.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { لا جَرَمَ } يقول: بلى، إن الذي تدعونني إليه من الأصنام والأنداد { لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ }
قال مجاهد: الوثن ليس بشيء.
وقال قتادة: يعني الوثن لا ينفع ولا يضر.
وقال السدي: لا يجيب داعيه، لا في الدنيا ولا في الآخرة. )ا هـ
أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن - (ج 7 / ص 80)
(قوله تعالى : { وتدعونني إِلَى النار تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بالله وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ } .
الظاهر أن جملة قوله تدعونني لأكفر بالله ، بدل من قوله : وتدعونني إلى النار ، لأن الدعوة إلى الكفر بالله والإشراك به دعوة إلى النار .وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الكفر والإشراك بالله مستوجب لدخول النار ، بينه تعالى في آيات كثيرة من كتابه كقوله : { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بالله فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الجنة وَمَأْوَاهُ النار } [ المائدة : 72 ] ، وقد قدمنا ما فيه كفاية من ذلك ، في سورة الحج في الكلام على قوله تعالى : { وَمَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السمآء } [ الحج : 31 ] الآية ).ا هـ
9- 10- 11=اليهود والنصارى ومشرك العرب جميعا وصفوا بالجهل وقد جعلنا لكل منهم فصل مستقل وكذلك المسلمون من المنافقين وغيرهم وصفوا بالجهل وقد جعلنا لهم فصل مستقل
وبعد ذلك كله نقول للمدافعين عن المشركين بحجة أنهم يجهلون الشرك والتوحيد وهم بهذا الجهل مسلمون (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46) [القمر/43-46]
جاء في تفسير الطبري - (ج 22 / ص 601)
(عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس( أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ ) قال: كفار هذه الأمة.)ا هـ
جاء في تفسير الألوسي - (ج 20 / ص 98)
(قال عز وجل لهم : لم لا تخافون أن يحل بكم مثل ما حل بهم أأنتم أقل كفراً وعناداً منهم ليكون ذلك سبباً للأمن من حلول نحو عذابهم بكم أم أعطاكم الله عز وجل براءة من عذابه أم أنتم أعز منهم منتصرون على جنود الله تعالى) اهـ
جاء في تفسير البحر المحيط - (ج 10 / ص 184)
(والمعنى : أهم خير في القوّة وآلات الحروب والمكانة في الدنيا ، أو أقل كفراً وعناداً؟ فلأجل كونهم خيراً لا يعاقبون على الكفر بالله ، وقفهم على توبيخهم ، أي ليس كفاركم خيراً من أولئكم ، بل هم مثلهم أو شرّ منهم ، وقد علمتم ما لحق أولئك من الهلاك المستأصل لما كذبوا الرسل ).ا هـ
وجاء في فتح القدير - (ج 7 / ص 98)
(والاستفهام للإنكار ، والمعنى النفي ، أي : ليس كفاركم يا أهل مكة ، أو يا معشر العرب خير من كفار من تقدّمكم من الأمم الذين أهلكوا بسبب كفرهم ، فكيف تطمعون في السلامة من العذاب) ا هـ
جاء في تفسير الرازي - (ج 15 / ص 26)
( أيزعم كفاركم أنهم خير من الكفار المتقدمين الذين أهلكوا وهم كانوا يزعمون في أنفسهم الخير ، وكذا فيمن تقدمهم من عبدة الأوثان ومكذبي الرسل وكانوا يقولون : إن الهلاك كان بأسباب سماوية من اجتماع الكواكب على هيئة مذمومة )ا هـ
جاء في نظم الدرر للبقاعي - (ج 8 / ص 287)
({ خير } في الدنيا بالقوة والكثرة أو الدين عند الله أو عند الناس { من أولائكم } أي الكفار أي الكفار العظماء الجبابرة الأشداء الذين وعظناكم بهم )ا هـ
جاء في تفسير البيضاوي - (ج 5 / ص 250)
{ أكفاركم } يا معشر العرب . { خَيْرٌ مّنْ أُوْلَئِكُمْ } الكفار المعدودين قوة وعدة أو مكانة وديناً عند الله تعالى . ا هـ
وبذلك يتضح المعني أنه ليس عند الله كافر خير من كافر فالكل متساويا في وصف الكفر وإن كانوا متفاوتون في دركات النار ولا خير في دينهم الذي هو سبب كفرهم وإن كان بعضهم يظن أنه علي خير فظنه باطل فليس بين الله وبين احد نسب ونقول لكفار هذه الأمة ليس كفاركم خيراً من أولئكم ، بل هم مثلهم أو شرّ منهم فلم لا تخافون أن يحل بكم مثل ما حل بهم أأنتم أقل كفراً وعناداً منهم ليكون ذلك سبباً للأمن من حلول نحو عذابهم بكم أم أعطاكم الله عز وجل براءة من عذابه أم أنتم أعز منهم منتصرون على جنود الله تعالى
قال ابن القيم رحمه الله: ومن هذا أدلة القرآن بتعذيب المعينين الذين عذبهم على تكذيب رسله وعصيان أمره ، على أن هذا الحكم عام شامل على من سلك سبيلهم واتصف بصفتهم ، وهو سبحانه قد نَبَّه عباده على نفس هذا الاستدلال وتعديه هذا الخصوص إلى العموم؛ كما قال تعالى عقيب أخباره عن عقوبات الأمم المكذبة لرسلهم وما حل بهم: { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ } [ القمر: 43 ].
فهذا تعدية الحكم إلى من عدا المذكورين بعموم العلَّة ، وإلا فلو لم يكن حكم الشيء حكم مثله لما لزمت التعدية ، ولا تمت الحجة أ.هـ
نقل السيوطي رحمه الله في الإتقان عن الإمام ابن تيمية قوله: قد يجيء كثيرا من هذا الباب قولهم: هذه الآية نزلت في كذا لا سيما إن كان المذكور شخصاً كقولهم أن آية الظهار نزلت في أمرأه ثابت بن قيس ، وأن آيه الكلالة نزلت في جابر بن عبد الله ، وأن قوله تعالى
{ وأن احكم بينهم بما أنزل الله } نزلت في بني قريظة والنضير ، ونظائر ذلك مما يذكرون أنه نزل في قوم من المشركين بمكة أو قوم من اليهود والنصارى أو في قوم من المؤمنين ، فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية يختص بأولئك الأعيان دون غيرهم ، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق ، والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب - هل يختص بسببه؟ فلم يقل أحد أن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين ، وإنما غاية ما يقال أنها تختص بنوع هذا الشخص , فتعم ما يشبهه ، ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ ، والآية التي لها سبب معين إن كانت: أمراً أو نهياً فهي متناوله لذلك الشخص ولغيره ممن كان بمنزلته ، وإن كانت خبراً بمدح أو ذم فهي متناوله لذلك الشخص ولمن كان بمنزلته)


لفصل الخامس صفة الكفر والشرك هي اسم لكل من يقع في الشرك الأكبر حتى قبل الرسالة والبيان
كما يظهر ذلك في تفسير قوله تعالي
1- (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) [التوبة/6]
جاء في تفسير الطبري - (ج 14 / ص 138)
(قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه: وإن استأمنك، يا محمد، من المشركين، الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم، أحدٌ ليسمع كلام الله منك = وهو القرآن الذي أنزله الله عليه =(فأجره)، يقول: فأمّنه حتى يسمع كلام الله وتتلوه عليه =(ثم أبلغه مأمنه)، يقول: ثم رُدَّه بعد سماعه كلام الله إن هو أبَي أن يسلم، ولم يتعظ لما تلوته عليه من كلام الله فيؤمن = "إلى مأمنه"، يقول: إلى حيث يأمن منك وممن في طاعتك، حتى يلحق بداره وقومه من المشركين =(ذلك بأنهم قوم لا يعلمون)، يقول: تفعل ذلك بهم، من إعطائك إياهم الأمان ليسمعوا القرآن، وردِّك إياهم إذا أبوا الإسلام إلى مأمنهم، من أجل أنهم قوم جهلة لا يفقهون عن الله حجة، ولا يعلمون ما لهم بالإيمان بالله لو آمنوا، وما عليهم من الوِزْر والإثم بتركهم الإيمان بالله.)ا هـ
جاء في زاد المسير - (ج 3 / ص 151)
(وفي قوله : { ذلك بأنهم قوم لا يعلمون } قولان .
أحدهما : أن المعنى : ذلك الذي أمرناك به من أن يُعرَّفوا ويُجاروا لجهلهم بالعلم
والثاني : ذلك الذي أمرناك به من ردِّه إلى مأمنه إذا امتنع من الإيمان ، لأنهم قوم جهلة بخطاب الله ). ا هـ
جاء في تفسير الرازي - (ج 7 / ص 462)
(المسألة الرابعة : اعلم أن هذه الآية تدل على أن التقليد غير كاف في الدين وأنه لا بد من النظر والاستدلال ، وذلك لأنه لو كان التقليد كافياً ، لوجب أن لا يمهل هذا الكافر ، بل يقال له إما أن تؤمن ، وإما أن نقتلك فلما لم يقل له ذلك ، بل أمهلناه وأزلنا الخوف عنه ووجب علينا أن نبلغه مأمنه علمنا أن ذلك إنما كان لأجل أن التقليد في الدين غير كاف ، بل لا بد من الحجة والدليل فأمهلناه وأخرناه ليحصل له مهلة النظر والاستدلال .
إذا ثبت هذا فنقول : ليس في الآية ما يدل على أن مقدار هذه المهلة كم يكون ولعله لا يعرف مقداره إلا بالعرف ، فمتى ظهر على المشرك علامات كونه طالباً للحق باحثاً عن وجه الاستدلال أمهل وترك ومتى ظهر عليه كونه معرضاً عن الحق دافعاً للزمان بالأكاذيب لم يلتفت إليه والله أعلم .
المسألة الخامسة : المذكور في هذه الآية كونه طالباً لسماع القرآن فنقول : ويلتحق به كونه طالباً لسماع الدلائل ، وكونه طالباً للجواب عن الشبهات ، والدليل عليه أنه تعالى علل وجوب تلك الإجارة بكونه غير عالم لأنه قال ذلك بأنهم قوم لا يعلمون وكان المعنى فأجره ، لكونه طالباً للعلم مسترشداً للحق وكل من حصلت فيه هذه العلة وجبت إجارته .
المسألة السادسة : في قوله : { حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله } وجوه : قيل : أراد سماع جميع القرآن ، لأن تمام الدليل والبينات فيه ، وقيل : أراد سماع سورة براءة ، لأنها مشتملة على كيفية المعاملة مع المشركين ، وقيل : أراد سماع كل الدلائل . وإنما خص القرآن بالذكر ، لأنه الكتاب الجاري لمعظم الدلائل . وقوله : { ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } معناه أوصله إلى ديار قومه التي يأمنون فيها على أنفسهم وأموالهم ثم بعد ذلك يجوز قتالهم وقتلهم .
المسألة السابعة : قال الفقهاء : والكافر الحربي إذا دخل دار الإسلام كان مغنوماً مع ماله ، إلا أن يدخل مستجيراً لغرض شرعي كاستماع كلام الله رجاء الإسلام ، أو دخل لتجارة . فإن دخل بأمان صبي أو مجنون فأمانهما شبهة أمان ، فيجب تبليغه مأمنه . وهو أن يبلغ محروساً في نفسه وماله إلى مكانه الذي هو مأمن له ، ومن دخل منهم دار الإسلام رسولاً فالرسالة أمان ، ومن دخل ليأخذ مالاً في دار الإسلام ولماله أمان فأمان له والله أعلم ). ا هـ
جاء في تفسير السعدي - (ج 1 / ص 329)
(والسبب في ذلك أن الكفار قوم لا يعلمون، فربما كان استمرارهم على كفرهم لجهل منهم، إذا زال اختاروا عليه الإسلام، فلذلك أمر اللّه رسوله، وأمته أسوته في الأحكام، أن يجيروا من طلب أن يسمع كلام اللّه.
وفي هذا حجة صريحة لمذهب أهل السنة والجماعة، القائلين بأن القرآن كلام اللّه غير مخلوق، لأنه تعالى هو المتكلم به، وأضافه إلى نفسه إضافة الصفة إلى موصوفها، وبطلان مذهب المعتزلة ومن أخذ بقولهم: أن القرآن مخلوق.) ا هـ
ومن الملاحظ من الآية امور منها
1-    سمي الله من يفعل الشرك مشركا قبل أن يصلهم البلاغ { حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله } لان التقليد غير كاف في الدين وفي ذلك رد لكل الأباطيل التي تزعم أنه لا يسمي مشركا من فعل الشرك الأكبر إلا بعد البلاغ من عالم مجتهد 
2-    المشركون الذين هم في حالة حرب مع المسلمين لا يشملهم هذاالامان كما ذكر الرازي (والكافر الحربي إذا دخل دار الإسلام كان مغنوماً مع ماله)ا هـ
3- للمشركين الجهال أمان من القتل حتي يسمعوا بهذا الدين التي تقاتلهم عليه وكذلك كل مشرك يدخل دار الإسلام مستجيراً لغرض شرعي كاستماع كلام الله رجاء الإسلام ، أو دخل لتجارة . فإن دخل بأمان صبي أو مجنون فأمانهما شبهة أمان ، فيجب تبليغه مأمنه . وهو أن يبلغ محروساً في نفسه وماله إلى مكانه الذي هو مأمن له ، ومن دخل منهم دار الإسلام رسولاً فالرسالة أمان ، ومن دخل ليأخذ مالاً في دار الإسلام ولماله أمان فأمان له والله أعلم)ا هـ
2- تفسير قوله تعالي(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) البينة1
جاء في تفسير البغوي - (ج 8 / ص 493)
({ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } وهم اليهود والنصارى ، { وَالْمُشْرِكِينَ } وهم عبدة الأوثان، { مُنْفَكِّين } [منتهين عن كفرهم وشركهم، وقال أهل اللغة]: زائلين منفصلين، يقال: فككت الشيء فانفكَّ، أي: انفصل، { حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ } لفظه مستقبل ومعناه الماضي، أي: حتى أتتهم البينة، الحجة الواضحة، يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم، أتاهم بالقرآن فبيَّن لهم [ضلالاتهم] وجهالتهم ودعاهم إلى الإيمان. فهذه الآية فيمن آمن من الفريقين، أخبر أنهم لم ينتهوا عن الكفر حتى أتاهم الرسول فدعاهم إلى الإيمان فآمنوا فأنقذهم الله من الجهل والضلالة).ا هـ
جاء في بحر العلوم للسمرقندي - (ج 4 / ص 427)
(قوله تعالى : { لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب } يعني : اليهود والنصارى { والمشركين } يعني : عبدة الأوثان { مُنفَكّينَ } يعني : غير منتهين عن كفرهم ، وعن قولهم الخبيث { حتى تَأْتِيَهُمُ البينة } يعني : حتى أتاهم البيان ، فإذا جاءهم البيان ، فريق منهم انتهوا وأسلموا ، وفريق ثبتوا على كفرهم . ويقال : لم يزل الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ، حتى وجب في الحكمة علينا في هذا الحال ، إرسال الرسول إليهم . ويقال : معناه لم يكونوا منتهين عن الكفر ، حتى أتاهم الرسول والكتاب ، فلما آتاهم الكتاب والرسول ، تابوا ورجعوا عن كفرهم ، وهم مؤمنو أهل الكتاب ، والذين أسلموا من مشركي العرب . وقال قتادة : { البينة } أراد به محمداً صلى الله عليه وسلم ، وقال القتبي : { مُنفَكّينَ } أي : زائلين يقال : لا أنفك من كذا أي : لا أزول ). ا هـ
يقول بن تيمية رحمه الله في الجزء السابع من الفتاوي ص325
(قالوا ولما كان العلم بالله إيمانا والجهل به كفرا وكان العمل بالفرائض إيمانا والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر لأن أصحاب رسول الله قد أقروا بالله أول ما بعث الله رسوله إليهم ولم يعلموا الفرائض التي افترضت عليهم بعد ذلك فلم يكن جهلهم بذلك كفرا ثم أنزل الله عليهم الفرائض فكان إقرارهم بها والقيام بها إيمانا وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله ولو لم يأت خبر من الله ما كان يجهلها كافرا وبعد مجئ الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافرا والجهل بالله فى كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر) ا هـ
فأين هذا من قول أصحاب الجهل كعذر فالجهل بالتوحيد قبل الرسالة وبعدها شرك وكفر بالله تعالي وهو مفهوم من الآيتين السابقتين ففي الأولي سماه الله مشرك قبل أن يسمع كلام الله وفي الثانية يصف الله المشركين وأهل الكتاب بالكفر قبل أن تأتيهم البينة
ويقول بن تيمية في مجموع الفتاوى ( 20/37-38):
(" وكذلك أخبر عن هود أنه قال لقومه[,,,, إن أنتم إلا مفترون] فجعلهم مفترين قبل أن يحكم بحكم يخالفونه لكونهم جعلوا مع الله إلها آخر .فاسم المشرك ثبت قبل الرسالة ,فانه يشرك بربه و يعدل به ويجعل معه آلهة أخرى و يجعل له أنددا قبل الرسالة ,ويثبت أن هذه الأسماء مقدم عليها ,كذلك اسم الجهل و الجاهلية,يقال جاهلية و جهلا قبل مجيء الرسول أما التعذيب فلا,و التولي عن الطاعة كقوله:[ فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى] فهذا لا يكون إلا بعد الرسول ." )ا هـ
والدرر السنية ( 10/136-138) حيث قال ابناء الشيخ محمد ، وحمد بن ناصر بن معمر :
(" إذا كان يعمل بالكفر والشرك لجهله أو عدم من ينبهه فلا نحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة ، ( ولا نحكم بأنه مسلم ) … ، ولايقال : (إن لم يكن كافرا فهو مسلم) بل نقول عمله عمل الكفار وإطلاق الحكم على هذا الشخص بعينه متوقف على بلوغ الحجة ") أ.هـ.
وقال صالح آل الشيخ في شرحه على كشف الشبهات (ص56) :
(" فإن المتلبس بالشرك يقال له مشرك سواء أكن عالما أو كان جاهلا ، والحكم عليه بالكفر يتنوع " )ا هـ
وفي فتاوى اللجنة ( 1/220) ط.أولي النهى :
" فالبيان وإقامة الحجة للإعذار إليه قبل إنزال العقوبة به ((( لا ليسمى كافرا بعد البيان )))) فإنه يسمى كافرا بما حدث منه من سجود لغير الله أو نذره قربة أو ذبحه شاة مثلا لغير الله )أ.هـ
قال الشيخ حلمي هاشم في كتاب شهد الاعتقادج1ص570قال الشوكاني: قوله ( فادعهم ) .. في هذا دليل على أنه يشرع للإمام إذا أرسل قومه إلى قتال الكفار ونحوهم أن يوصيهم بتقوي الله وينهاهم عن المعاصي المتعلقة بالقتال كالغلول والغدر والمثلة وقتل الصبيان ، وفيه دليل على وجوب تقديم دعاء الكفار إلى الإسلام قبل المقاتلة - وفي المسألة ثلاثه مذاهب:
المذهب الأول - أنه يجب تقديم الدعاء للكفار إلى الإسلام من غير فرق بين من بلغته الدعوة منهم ومن لم تبلغه ، وبه قال مالك والهادويه وغيرهم ، وظاهر الحديث معهم.
المذهب الثاني - أنه يجب مطلقا وسيأتي في هذا الباب دليل من قال به.
المذهب الثالث - أنه يجب لمن لم تبلغهم الدعوة ولا يجب إن بلغتهم لكن يستحب ، قال ابن المنذر: وهو قول جمهور أهل العلم ، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على معناه وبه يجميع بين ما ظاهره الاختلاف من الأحاديث ، وقد زعم الإمام المهدي أن وجوب تقديم دعوة من لم تبلغه الدعوة ( مجمع عليه ) , ويرد ذلك ما ذكرنا من المذاهب الثلاثة) أ.هـ
وفي هذا فوائد ينبغي أن تكون محل النظر:
أولها: أن الحديث عن الدعوة قبل القتال لا عن الحكم بكفرهم , بل إن الحكم بكفرهم لم يرد عليه شك فيه لحظه من اللحظات بل هو المستند في قتالهم وغزوهم , بل وهو المستند في القول بدعوتهم قبل القتال.
ثانياً: أن فقه الحديث قد تناول من الكافرين من بلغتهم الدعوة ومن لم تبلغهم ولم يكن لذلك أي أثر في إثبات كفرهم ووجوب غزوهم وقتالهم ما داموا قائمين على الكفر وأن الأثر الوحيد المترتب على هذا الفارق بين الطائفتين هو القول بوجوب دعوتهم قبل القتال إن كانوا ممن لم تبلغهم الدعوة مع العلم بأن ذلك غير مجمع
عليه ( أي الوجوب ) ، أما القول بكفرهم فلم يكن محل شك يوما أو اختلاف بين أهل العلم الناظرين في الأدلة بوعي وفهم لا بالشبه.
ثالثاً: أن من لم ينتبه إلى الفرق بين الحكم بكفر هذه الطوائف وبين واجب دعوتهم قبل قتالهم ظن - وبعض الظن إثم - أن تكفيرهم أيضا مما ينبغي التوقف فيه كتوقفنا عن قتالهم حتى ندعوهم وهو ظن باطل لم تذهب إليه الأدلة قرآنا وسنة لحظة , ولم يرد بذلك أقوال أهل العلم ، بل الحديث يتعلق بدعوتهم قبل قتالهم لا التوقف عن تكفيرهم أو الشك في ذلك.
وبالتالي فمحاولة تخليط الفهم على الأدلة هو من باب تحريف الكلم عن مواضعه ، ولن يغني عن فاعل ذلك شيئا إلا كما أغنى عن سلفهم من علماء اليهود وأهل الكتاب , وما كان لذلك من بالغ الأثر فيما نالهم من غضب الله عليهم ولعنهم ، إضافه إلى ما في ذلك الفعل الآثم من تصحيح عقائد المشركين ممن قطعت النصوص بكفرهم.
ومما ساقه الشوكاني أيضا في هذا المعنى المتعلق ( بالدعوة قبل القتال ) من أدلة ما ساقه:
عن فروه بن مسيك قال: قلت يا رسول الله أقاتل بمقبل قومي ومدبرهم؟ قال: ( نعم ) فلما وليت دعاني فقال ( لا تقاتلهم حتي تدعوهم إلى الإسلام ) رواه أحمد. ا هـ
ونقل عن الإمام ابن تيمية قال الشيخ الإمام ابن تيمية رحمه الله في الصارم المسلول على شاتم الرسول صـ104.:
(الأصل أن دم الآدمي معصوم لا يقتل إلا بالحق ، وليس القتل للكفر من الأمر الذي اتفقت عليه الشرائع ، ولا أوقات الشريعة الواحدة كالقتل قودا - أي ليس هذا كهذا - فالقتل قودا مما لا يختلف فيه الشرائع ولا العقول ، وكان دم الكافر في أول الإسلام معصوماً بالعصمة الأصلية وبمنع الله تعالى المؤمنين من قتله. ودماء هؤلاء القوم - الكافرين - كدم القبطي الذي قتله موسي عليه السلام ، وكدم الكافر الذي لم تبلغه الدعوة في زماننا أو أحسن حالاً من ذلك ، وقد عد موسي عليه الصلاة والسلام ذلك ذنباً في الدنيا والآخرة مع أن قتله كان خطأ شبه عمد أو خطأ محضا ولم يكن عمدا محضا )أ.هـ
ونقل عن بن تيميةفي المصدر السابق صـ321/322 قوله أيضا
(وسر ذلك أنا لا نجيز قتل الكافر حتي نستتيبه بأن يكون قد بلغته دعوة محمد (صلي الله عليه وسلم إلى الإسلام ، فإن قتل من لم تبلغه الدعوة غير جائز ، والمرتد قد بلغته الدعوة فجاز قتله كالكافر الأصلي الذي بلغته ، وهذا هو عله من رأي الاستتابه مستحبه ، فإن الكفار يستحب أن ندعوهم إلى الإسلام عند كل حرب وإن كانت الدعوة قد بلغتهم ، فكذلك المرتد ، ولا يجب ذلك فيهما) أ.هـ
ويقول الشيخ حلمي حفظه الله في نفس الكتاب ص573 -574فلعل القارئ الكريم قد تبين له الأن أن قول القائل ( أن المتلبس بالشرك أو الكفر الأكبر لا يكفر إلا بعد البيان ) أن هذا القول الذي ادعوه بل ارتقوا به إلى إدعاء القول بأن ذلك ( قاعدة ) هو كلام عار عن الحقيقة من وجوه متعددة:
الوجه الأول - معارضته لصريح الأدلة الناصَّة على أن الكافر هو من تلبس بأعمال الكفر أو الشرك الأكبر ولو بكلمة أوبقت دنياه وآخرته , ولو لساعة من الزمان لم يندم عليها أو يتوب منها ، فهذا هو الكافر حقيقة فى المصطلح الشرعى وقواعد الاشتقاق حاكمة في ذلك ، من ناحية عدم جواز اشتقاق اسم فاعل حقيقة إلا لمن أتى بالصفة أو الفعل حقيقة وأما المجاز فلا يشتق منه اسم فاعل حقيقة ولا تصرف له أحكام الحقيقة .. وهكذا في سائر ما يتعلق باشتقاق اسم فاعل حقيقي ، فالزاني حقيقة هو من أتى بفعل الزنا وهكذا السارق والقاتل حقيقة.
والوجه الثاني - أن النصوص لم تفرق في اعتبار الكافر وحكمه , وسواء في ذلك من بلغته الدعوة أو لم تبلغه ، والفارق الوحيد بينهما أن من لم تبلغه الدعوة كافر لا يجوز قتله قبل دعوته ، وأما من بلغته الدعوة فلا يشترط في قتاله ذلك ، وقد سبق بيان أدلة ذلك وأقوال العلماء في هذا الشأن على النحو الواضح الجلي ، ولم يقل أحد من أهل العلم أن الكافر الذي لم تبلغه الدعوة ليس بكافرا أو يتوقف تكفيره على البلاغ أو البيان , بل جعلوا المرتد في حكم الكافر الذي بلغته الدعوة فلم يتوقف حكمه أيضا على البيان.
الوجه الثالث - أن الحجة هي ما أنزل الله به كتابه وما أرسل به رسوله ( فهي الكتاب والسنة ) وما يقرره الكتاب والسنه هو الأصول وهو القواعد الأساسية للدين وأي قاعدة لم يقررها الكتاب والسنة فليست بقاعدة ، وكل أصل لم يقل به الكتاب والسنة فليس بأصل ، فما سبق بيانه من أدلة ونصوص دالة على دعوة الكافر قبل قتاله - ولم يفرق في ذلك بين من بلغته الدعوة ومن لم تبلغه حسبما دلت عليه النصوص وشرحه أهل العلم في مصنفاتهم وأن الكافر كافر في الحالتين ، ولم يتوقف حكمه أو القول بكفره على بيان من أحد , فذلك هو ماجاءت به النصوص ودلت عليه الآثار وأقوال أهل العلم ، فذلك هو القاعدة وليست القاعدة ما يخالف النصوص والأثار ، قال ابن القيم رحمه الله: أما أن نقعد قاعدة ونقول: هذا هو الأصل ثم نرد السنة لأجل مخالفة تلك القاعدة ، فلعمر الله لهدم ألف قاعدة لم يؤصلها الله ورسوله أفرض علينا من رد حديث واحد أ.هـ
ولذا فإن قول القائل: أن من تلبس بالكفر الأكبر أو الشرك لايحكم بكفره حتى يبين له , من أبطل الباطل فإن المتلبس بالشرك هو المشرك , والمتلبس بالكفر هو الكافر , فإن الشرك من صناعة المشرك , والكفر من صناعة الكافر؛ قال تعالى: { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } [ الصافات: 95 ].
وقال تعالى: { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ } [ النجم: 23 ].
والقول بعدم تكفير من أتى بالشرك أو الكفر الأكبر , قول محدث مردود باطل معارض للنصوص الكثيرة الصريحة والقاطعة والمنتشرة في نصوص القرآن والسنة ، فأين في القرآن والسنه أن فاعل الكفر لا يكفر إلا بعد البيان ، وقد قال تعالى: { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } التوبة.
فقوله {حتى يسمع كلام الله } هو البيان ، وقوله { أحد من المشركين } هو الحكم الثابت لهذا المستحق
للبيان ، ولم يرد بالنص خلاف ما ذكرنا من أن الذي لم تبلغه الدعوة كافر لا يجوز قتله , وليس ما ادعاه أهل التحريف من القول بعدم جواز القول بكفره حتى يبين له وادعوا أن ذلك قاعدة ، وهي من أبطل ما تكون ويكفي ما فيها من الشك في كفر أهل الكفر والمرتدين أو تصحيح عقائدهم الشركية أو عدم تكفير من قطعت النصوص بكفرهم وما فى ذلك من الرضا بكفرهم ، وما في ذلك كله من مناقضة لأحكام الولاء والبراء الواجبة وعنصر المفاصلة مع أهل الشرك الذي هو أحد أخطر معالم عقيدة التوحيد لدى أهل الإسلام ومضمون ما أوجبته شهادة ( لا إله إلا الله ) وتضمنته. ا هـ
ثم يقول حفظه الله في مصنفه السابق(الوجه السادس - ثم إن القول بعدم تكفير فاعل الكفر الأكبر أو الشرك إلا بعد البيان والتبيين له , هو قول يحتاج إلى وقفة مع القائل من حيث:
- أن البيان والتبيين إن قصد به بلاغ الرسالة وأداء الأمانه وحجة الله تعالى على عباده ، فقد كان ذلك على أبلغ ما يكون البيان والتبيين ، حتى أن الرسول صلي الله عليه وسلم  قد قال: ( تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ).
وبالتالي فإن التلبس بأعمال الشرك الأكبر أو الكفر هو مخالفة صارخة لما جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم وبلغه , ومناقضة لما أنزل به الكتاب من وجوب توحيد الله عز وجل والنهي عن الشرك به شيئا ، فاستحق صاحب ذلك الفعل الشركي أو الكفري أن ينسب إلى هذا الفعل الذي أتي به مناقضاً لأصل دينه وما التزمه من شهادة التوحيد التي تعد عهداً وميثاقا أن يوحد الله تعالى ولايشرك به شيئا ، ثم عاد ليشرك به مالم ينزل به سلطانا فصار من أولئك الذين قال الله فيهم: { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [ البقرة: 27 ].
· وأما إن قيل أن المقصود بالبيان والتبيين هو أقوال العلماء بحيث يقال أن فاعل الشرك أو الكفر الأكبر لا يحكم بكفره حتى يبين له العلماء حكم ذلك ، فإن هذا الادعاء فيه ما فيه من الفساد والبطلان ما لا يخفى على كل عاقل إنسان فضلاً أن يكون منسوبا إلى أهل العلم والبيان وذلك للآتي: أن قائل هذا الادعاء يقر بكون الفعل ذاته المخالف هو من الكفر فعلاً أو من الشرك الأكبر ولا يعد الفعل كذلك حقيقة إلا إذا كان فيه ما يناقض أركان الإيمان الأساسية من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر أو يناقض أركان التوحيد الأساسية من توحيد الربوبية أو الإلهية ، ولأن تخلف ركن من أركان أي عبادة - عامة - هو في ميزان الشرع الحنيف بطلان لهذه العبادة فلا تصح عبادة مع تخلف ركن من أركانها الأساسية, كالصلاة تبطل إذا تخلف عنها أي ركن من أركانها الرئيسية مع القدرة ، وذلك من المعلوم من الدين بالضرورة وهكذا سائر العبادات ، والتوحيد أجل عبادة على الإطلاق لا يمكن القول بصحته مع تخلف ركن من أركان التوحيد أو مناقضته بل يبطل ادعاء التوحيد بذلك ويثبت في حق الشخص الحكم بخلافه ( أي الحكم بكفره ) وانتفاء الحكم بالتوحيد عنه مع هذا التخلف لشيء من أركانه أو التلبس بما يناقض هذه الأركان ويثبت في حقه الحكم بالكفر لذلك , شاء أم أبى ، لأن الأحكام في مثل ذلك لا تتوقف على رضا الشخص أو عدم رضاه ، فمن ارتكب الشرك مشرك شاء أم أبى ، كما أن من ارتكب القتل قاتل شاء أم أبي ، ومن ارتكب الزنى زان شاء أم أبي وهكذا ( وهذا مقتضى قواعد الاشتقاق لغة وشرعا ) وعلى هذا فإذا أقر المدعي بهذه القاعدة المفتراة ( بعدم تكفير فاعل الكفر إلا بعد البيان ) نقول إذا أقر هذا المدعي بأن الفعل الصادر من هذا الشخص هو من الكفر أو الشرك الأكبر المخرج من الملة ، فقد أقر شرعا أن أركان التوحيد عند هذا الشخص قد وقع بها الخلل مما يبطل ادعائه للتوحيد شاء أم أبى
وصار من أهل الشرك بهذا ، وسواء جاءه بعد ذلك البيان من آخرين أو لم يأت ، وهذا بالضبط هو ما نصَّت عليه الآيات في محكم التنزيل كقوله تعالى: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا } [ الكهف: 103/105 ].
قال ابن كثير رحمه الله في هذه الآيات: هي عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها وأن عمله مقبول وهو مخطئ وعمله مردود ، وقوله: { الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا } أي عملوا أعمالاً باطلة على غير شريعة مشروعة مرضية مقبولة { وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا } أي يعتقدون أنهم على شيء وأنهم مقبولون محبوبون ، وقوله: { أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه } أي جحدوا آيات الله في الدنيا وبراهينه التي أقامها على وحدانيته وصدق رسله وكذبوا بالدار الآخرة أ.هـ
وهؤلاء بالضبط أيضا ممن قال الله فيهم: { فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } [ الأعراف: 30 ].
قال ابن كثير رحمه الله: قال ابن جرير: وهذا من أبين الدلالة على خطأ من زعم أن الله لا يعذب أحداً على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيركبها عنادا منه لربه فيها ، لأنه لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد وفريق الهدى فرق ، وقد فرق الله تعالى بين أسمائهما وأحكامها في هذه الآية أ.هـ
الوجه السابع - أن هذا الشخص فاعل الشرك أو الكفر الأكبر , والذي ناقض ما أرسل الله به رسوله وأنزل به كتابه من الأمر بالتوحيد والنهى عن الشرك ، نقول: إذا قيل أنه لا يكفر لمجرد ذلك حتي يبين له من أحد العلماء ، فإذا خالف بعد هذا البيان يكفر.
نقول: أن هذا القول فيه من الفساد أيضا ما لا يخفى ، إذ كيف يقال عن مثل هذا الشخص أنه لا يكفر بمخالفة النص ثم يقال بكفره إذا خالف بيان أحد العلماء ، سبحانك هذا بهتان عظيم ، إن الفعل لا يعد مخالفة في ميزان الشريعة إلا إذا خالف ما أرسل الله به رسوله وأنزل به كتابه لا لمخالفة قول عالم من العلماء ، إن الحجة القائمة لله عز وجل على عباده أجمعين فيما أنزل به كتابه وأرسل به رسوله
r , وليست في قول أحد من الناس سوى ذلك كائنا من كان ، إن الأحكام الشرعية في الإسلام تثبت لمرتكب ما نهى الله تعالى عنه ونهى عنه رسوله صلي الله عليه وسلم وليس لمرتكب ما نهى عنه واحد من العلماء.
أن القائل بعدم تكفير مرتكب الشرك الأكبر إلا بعد البيان جعل من بيان أحد الناس عالماً أو غيره هو الذي تدور عليه الأحكام إثباتا ونفيا ، وذلك من التقنص بمنزلة القرآن العظيم وسنة سيد المرسلين التي عليها وبها أصول الثواب والعقاب , وبهما يعرف الصحيح أو الباطل من الأعمال - عبادات أو معاملات - وليس على قول أحد من الناس كائناً من كان ، وقد قال تعالى وتقدس: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } [ الحجرات: 1/2 ].
وها هو الإمام مالك ينقل عنه قوله: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب ،فانظروا في قولي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به , ومالم يوافق الكتاب والسنه فاتركوه أ.هـ
وهذا مبدأ عند عامة أئمة السلف وليس عند الإمام مالك وحده ، وقد تكاثرت أقوالهم في ذلك.
فكيف توقف أحكام القرآن والسنة الصحيحة الصريحة القاطعة على بيان من يعرض كلامه على القرآن والسنة ذاتهما ليتبين صحة قوله من عدمه ، هذا مما لا يقول به عاقل فضلا عن عالم ، فإذا علمنا أن القاعدة الشرعية تقضي بأن ( لا اجتهاد مع النص ) أي الصريح الواضح ، تبين للقارئ الكريم أن هذا القول المدعي من
( عدم تكفير فاعل كذا وكذا حتى يبين له ) قد يتعلق بالمسائل الخفية من الأحكام الشرعية التي يرد عليها الشبهة كشأن موضوع تأويل الصفات أو تعريف الإيمان الذي يزيد وينقص ، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي , وهي جميعها مما يتعلق بالسنن لا بأصل الدين ( وهو توحيد رب العالمين ، والبعد عما يناقضه من أعمال الشرك أو الكفر الأكبر المخرج من الملة ) وأما هذه السنن التي قد يرد عليها نوعاً من الشبهات والمتشابهات فهي التي تدرس في مصنفات مذهب أهل السنة والجماعة ، وهذا النوع من العلم الشرعي مرتبة تلي مرتبة التوحيد كأصل هذا الدين - وهو شأن السنن دائما من حيث كونها تأتي في مرتبة تالية للأصل , وسيأتي بأذن الله تعالى بيان ذلك في موضعه في دراستنا هذه التي نتناول فيها عقيدة المسلم وما تضمنتة من أصل هذا الدين العظيم وهو توحيد رب العالمين ، وسنن كريمة تحيط بهذا الأصل هي المسماة بمذهب أهل السنة الجماعة.
وبهذا يتبين للقارئ الكريم أن قول القائل ( أن مرتكب الكفر لا يكفر إلا بعد البيان أو بعد إقامة الحجة عليه أو مثل هذا ) هو من الأقوال العارية عن الصحة وعن الحق ، والحقيقة فيما يتعلق بموضوع توحيد رب العالمين بما يتضمنه من توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية , وأن مجال عمل هذا القول ( إن صح اعتباره ولا يكاد)
في حدود المعاني التي موضع شبهة أو يرد عليها الشبهة ، إما لظنية الدليل من حيث الدلالة (كشأن الكيف في الصفات ) أو كشأن تعريف الإيمان لغة وشرعا ) أو لكون الدليل يرد عليه الشبهة من حيث الثبوت ، وجميع ذلك لا علاقة له بأحكام التوحيد كأصل هذا الدين العظيم وما يناقضه من شرك لما يتمتع به هذا الأصل من أدله هي أعلي ما تكون من الأحكام والقطعية فلا تقبل الشبهة ولا تعارض بشبهة ولا تقبل التأويل ولا تعارض بتأويل ولا تقبل الإجتهاد ولا تعارض باجتهاد ، وهكذا وقد سبق بيان ذلك بما يغني عن الإعادة فليرجع إليه والحمد لله رب العالمين.)ا هـ





الفصل السادس وصف الذين يدعون الإسلام بالكفر مع أنهم يجهلون
تري كثيرا من أهل الجدل العقيم يقولون أن الجهال الذين لا يعزرون بالجهل هم الذين لم يدخلوا في الإسلام ولم يتلفظوا بالشهادتين من أهل الكتاب والشيوعيين وعباد البقر أما الذين يتلفظون بالشهادتين ممن يدعون الإسلام ويصلون ويصومون هؤلاء معذورون بجهلهم وما علم هؤلاء الجهال أن الله ليس بينه وبين أحدا من خلقه نسب وليس لاحد من المشركين عند الله عهد وإليك بعض الأيات التي توضح أن هناك ممن يدعي الإسلام والإيمان كفار مع انهم يجهلون ذلك
1-    في المنافقين الذين يحكم لهم بالإسلام في الدنيا  
كما يظهر في تفسير قوله تعالي (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) [البقرة/8-13]
جاء في تفسير الطبري - (ج 1 / ص 273)
(كما قال جل ثناؤه:"وما يخدَعُون إلا أنفسهم ومَا يشعُرُون"، إعلامًا منه عبادَه المؤمنين أنَّ المنافقين بإساءتهم إلى أنفُسهم في إسخاطهم رَّبهم بكُفْرهم وشكِّهم وتكذيبهم - غيرُ شاعرين ولا دارين، ولكنهم على عَمْيَاء من أمرِهم مُقيمون.
وهذه الآية من أوضح الدليل على تكذيب الله جلّ ثناؤه الزاعمين: أن الله لا يُعذِّب من عباده إلا من كَفَر به عنادًا، بعد علمه بوحدانيته، وبعد تقرُّر صحة ما عاندَ ربّه تبارك وتعالى عليه مِن تَوْحيده، والإقرار بكتبه ورُسله - عنده. لأن الله جلّ ثناؤه قد أخبرَ عن الذين وَصفهم بما وصفهم به من النفاق، وخِداعهم إياه والمؤمنين - أنهم لا يشعرون أنهم مُبْطلون فيما هم عليه من الباطل مُقِيمون، وأنَّهم بخداعهم - الذي يحسبون أنهم به يُخادعون ربهم وأهلَ الإيمان به - مخدوعون. ثم أخبر تعالى ذكره أنّ لهم عذابًا أليمًا بتكذيبهم بما كانوا يكذِّبون من نبوة نبيّه، واعتقاد الكفر به، وبما كانوا يَكذِبون في زعمهم أنهم مؤمنون، وهم على الكفر مُصِرُّون) ا هـ.
وها كلام طيب يرد علي قول بن عثيمين الذي سوف نذكره بعد قليل إن شاء الله والذي يقول فيه(النوع الثاني: أن يكون من شخص يدين بالإسلام ولكنه عاش على هذا المكفر ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام، ولا نبهه أحد على ذلك فهذا تجري عليه أحكام الإسلام ظاهراً، أما في الآخرة فأمره إلى الله عز وجل) ا هـ
تفسير قوله تعالي(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) )
وفي تفسير الطبري - (ج1 / ص 288)
("لا تفسدوا في الأرض"، فإن الفساد، هو الكفر والعملُ بالمعصية.وحدِّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الرَّبيع:(وإذا قيل لهمْ لا تفسدوا في الأرض) يقول: لا تعْصُوا في الأرض(قالوا إنما نحن مصلحون)، قال: فكان فسادُهم ذلك معصيةَ الله جل ثناؤه، لأن من عَصى الله في الأرض أو أمر بمعصيته، فقد أفسدَ في الأرض، لأن إصلاحَ الأرض والسماء بالطاعة)ا هـ .
ويقول الطبري - (ج 1 / ص 289-290)
(صفة أهل النفاق: مُفسدون في الأرض بمعصِيَتهم فيها ربَّهم، وركوبهم فيها ما نَهاهم عن ركوبه، وتضييعِهم فرائضَه، وشكِّهم في دين الله الذي لا يقبَلُ من أحدٍ عملا إلا بالتَّصديق به والإيقان بحقيقته ، وكذبِهم المؤمنين بدَعواهم غير ما هم عليه مقيمُون من الشّك والرَيب، وبمظاهرتهم أهلَ التكذيب بالله وكُتُبه ورسله على أولياء الله، إذا وجدوا إلى ذلك سبيلا. فذلك إفساد المنافقين في أرض الله، وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها. فلم يسقط الله جل ثناؤه عنهم عقوبتَه، ولا خفَّف عنهم أليمَ ما أعدَّ من عقابه لأهل معصيته - بحُسبانهم أنهم فيما أتَوْا من معاصي الله مصلحون - بل أوجبَ لهم الدَّرْكَ الأسفل من ناره، والأليمَ من عذابه، والعارَ العاجلَ بسَبِّ الله إياهم وشَتْمِه لهم، فقال تعالى:( أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ ). وذلك من حكم الله جل ثناؤه فيهم، أدلّ الدليل على تكذيبه تعالى قولَ القائلين: إن عقوباتِ الله لا يستحقها إلا المعاند ربَّه فيما لزمه من حُقُوقه وفروضه، بعد علمه وثُبوت الحجّة عليه بمعرفته بلزوم ذلك إيّاه.)ا هـ
ويقول / ص 291)
(قال أبو جعفر: وأيُّ الأمرين كان منهم في ذلك، أعني في دعواهم أنهم مُصْلحون، فهم لا شك أنهم كانوا يحسبون أنهم فيما أتوا من ذلك مصلحون. فسواءٌ بين اليهود والمسلمين كانت دعواهم الإصلاحَ، أو في أديانهم، وفيما ركبوا من معصية الله، وكذِبهم المؤمنينَ فيما أظهروا لهم من القول وهم لغير ما أظهرُوا مُستبْطِنون؛ لأنهم كانوا في جميع ذلك من أمرهم عند أنفسهم محسنين، وهم عند الله مُسيئون، ولأمر الله مخالفون. لأن الله جل ثناؤه قد كان فرض عليهم عداوةَ اليهودِ وحربَهم مع المسلمين، وألزمهم التصديق برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند الله، كالذي ألزم من ذلك المؤمنين. فكان لقاؤهم اليهودَ - على وجه الولاية منهم لهم، وشكُّهم في نبوَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما جاء به أنه من عند الله - أعظمَ الفساد، وإن كان ذلك كان عندهم إصلاحًا وهُدًى: في أديانهم أو فيما بين المؤمنين واليهود، فقال جل ثناؤه فيهم:(ألا إنهم هم المفسدون) دون الذين ينهونهم من المؤمنين عن الإفساد في الأرض،(ولكن لا يشعرون)
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: { أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12) }
وهذا القول من الله جل ثناؤه تكذيبٌ للمنافقين في دعواهم. إذا أمِروا بطاعة الله فيما أمرَهم الله به، ونُهوا عن معصية الله فيما نهاهم الله عنه، قالوا: إنما نحن مصلحون لا مفسدون، ونحن على رُشْدٍ وهُدًى - فيما أنكرتموه علينا - دونكم لا ضالُّون. فكذَّبهم الله عز وجل في ذلك من قيلِهم فقال: ألا إنهم هم المفسدون المخالفون أمرَ الله عز وجل، المتعدُّون حُدُودَه، الراكبون معصيتَه، التاركُون فروضَه، وهم لا يشعرون ولا يَدرُون أنهم كذلك - لا الذين يأمرونهم بالقسط من المؤمنين)،ا هـ
جاء في تفسير الطبري - (ج 1 / ص 293)
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: { قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ }
(قال أبو جعفر: والسفهاء جمع سَفِيه، كما العلماء جمع عليم ، والحكماء جمعُ حكيم. والسفيه: الجاهل، الضعيفُ الرأي، القليلُ المعرفة بمواضع المنافع والمضارّ. ولذلك سمى الله عز وجل النِّساء والصبيانَ سفهاء، فقال تعالى:( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ) [النساء: 5]، فقال عامة أهل التأويل: هم النساء والصبيان، لضعف آرائهم، وقلة معرفتهم بمواضع المصالح والمضارِّ التي تصرف إليها الأموال.
وإنما عَنَى المنافقون بقيلهم: أنؤمن كما آمَن السُّفهاء - إذْ دُعوا إلى التصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به من عند الله، والإقرار بالبعث فقيل لهم: آمنوا كما آمن [الناس] - أصحابَ محمدٍ وأتباعَه من المؤمنين المصدِّقين به، من أهل الإيمان واليقين، والتصديقِ بالله، وبما افترض عليهم على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وفي كتابه، وباليوم الآخر. فقالوا إجابة لقائل ذلك لهم: أنؤمن كما آمَن أهل الجهل، ونصدِّق بمحمد صلى الله عليه وسلم كما صدّق به هؤلاء الذين لا عقولَ لهم ولا أفهام؟) ا هـ
جاء في تفسير الطبري - (ج 1 / ص 294)
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {
أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) }
(قال أبو جعفر: وهذا خبرٌ من الله تعالى عن المنافقين الذين تقدم نعتُه لهم، ووصفُه إياهم بما وصفهم به من الشك والتكذيب - أنَّهم هُم الجُهَّال في أديانهم،الضعفاء الآراء في اعتقاداتهم واختياراتهم التي اختاروها لأنفسهم، من الشكّ والريْب في أمر الله وأمر رسوله وأمر نبوته، وفيما جاء به من عند الله، وأمر البعث، لإساءَتهم إلى أنفسهم بما أتَوْا من ذلك وهم يحسبون أنَّهم إليها يُحْسِنون. وذلك هو عَيْنُ السَّفه، لأن السفيه إنما يُفسد من حيث يرى أنه يُصلحُ، ويُضيع من حيث يَرى أنه يحفظ، فكذلك المنافق: يَعصي رَبَّه من حيث يرى أنه يطيعُه، ويكفرُ به من حيث يرى أنه يُؤمن به، ويسيء إلى نفسه من حيث يحسب أنه يُحسن إليها، كما وصفهم به ربنا جلّ ذكره، فقال:(ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)، وقال:(ألا إنهم هم السفهاء) - دون المؤمنين المصدّقين بالله وبكتابه، وبرسوله وثوابه وعقابه -(ولكن لا يعلمون). )ا هـ
جاء في تفسير ابن كثير - (ج 1 / ص 181)
قال تغالي (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)) البقرة 11-12
(فالمنافق لما كان ظاهره الإيمان اشتبه أمره على المؤمنين، فكأن الفساد من جهة المنافق حاصل؛ لأنه هو الذي غَرّ المؤمنين بقوله الذي لا حقيقة له، ووالى الكافرين على المؤمنين، ولو أنه استمر على حالته الأولى لكان شرّه أخف، ولو أخلص العمل لله وتطابق قوله وعمله لأفلح وأنجح؛ ولهذا قال تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } أي: نريد أن نداري الفريقين من المؤمنين والكافرين، ونصطلح مع هؤلاء وهؤلاء، كما قال محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } أي: إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب. يقول الله: { أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ } يقول: ألا إن هذا الذي يعتمدونه ويزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد، ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فسادًا.)ا هـ
ويقول أيضا في معني السفهاء
(والسفيه هو: الجاهل الضعيف الرأي القليل المعرفة بمواضع المصالح والمضار، وقد تولى الله سبحانه جوابهم في هذه المواطن كلها فقال: { أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ } فأكد وحصر السفاهة فيهم { وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ }
يعني: ومن تمام جهلهم أنهم لا يعلمون بحالهم في الضلالة والجهل، وذلك أردى لهم وأبلغ في العمى والبعد عن الهدى) أ.هـ مختصرا
ً جاء في تفسير البغوي - (ج 1 / ص 66)
({ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ } أي لا يعلمون أنهم مفسدون لأنهم يظنون أن الذي هم عليه من إبطان الكفر صلاح. وقيل: لا يعلمون ما أعد الله لهم من العذاب.) ا هـ
2- قال تعالي (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93) التوبهجاء في تفسير الطبري - (ج 14 / ص 424)
(وطبع الله على قلوبهم)، يقول: وختم الله على قلوبهم بما كسبوا من الذنوب =(فهم لا يعلمون)، سوء عاقبتهم، بتخلفهم عنك، وتركهم الجهاد معك، وما عليهم من قبيح الثناء في الدنيا، وعظيم البلاء في الآخرة.)ا هـ
جاء في تفسير الألوسي - (ج 7 / ص 333)
({ وَطَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ } خذلهم فغفلوا عن سوء العاقبة { فَهُمُ } بسبب ذلك { لاَّ يَعْلَمُونَ } أبداً وخامة ما رضوا به وما يستتبعه عاجلاً كما لم يعلموا نجاسة شأنه آجلا ).ا هـ
3-تفسير قوله تعالي (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) [المنافقون/8]
جاء في تفسير البغوي - (ج 8 / ص 133)
(فعزة الله: قهره من دونه، وعزة رسوله: إظهار دينه على الأديان كلها، وعزة المؤمنين: نصر الله إياهم على أعدائهم. { وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ } ، ذلك ولو علموا ما قالوا هذه المقالة).ا هـ
جاء في تفسير البيضاوي - (ج 5 / ص 296)
{ وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } ولله الغلبة والقوة ولمن أعزه من رسوله والمؤمنين .
{ ولكن المنافقين لاَ يَعْلَمُونَ } من فرط جهلهم وغرورهم )ا هـ.
جاء في فتح القدير - (ج 7 / ص 228)
{ ولكن المنافقين لاَ يَعْلَمُونَ } بما فيه النفع فيفعلونه ، وبما فيه الضرّ فيجتنبونه ، بل هم كالأنعام لفرط جهلهم ومزيد حيرتهم ، والطبع على قلوبهم ).ا هـ
جاء في تفسير الرازي - (ج 15 / ص 359)
(وقوله تعالى : { ولكن المنافقين لاَ يَفْقَهُونَ } أي لا يفقهون أن : { أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ ياس : 82 ] وقوله يقولون : { لَئِن رَّجَعْنَا } أي من تلك الغزوة وهي غزوة بني المصطلق إلى المدينة فرد الله تعالى عليه وقال : { وَلِلَّهِ العزة } أي الغلبة والقوة ولمن أعزه الله وأيده من رسوله ومن المؤمنين وعزهم بنصرته إياهم وإظهار دينهم على سائر الأديان وأعلم رسوله بذلك ولكن المنافقين لا يعلمون ذلك ولو علموه ما قالوا : مقالتهم هذه ، قال صاحب «الكشاف» : { وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } وهم الأخصاء بذلك كما أن المذلة والهوان للشيطان وذويه من الكافرين والمنافقين ، وعن بعض الصالحات وكانت في هيئة رثة ألست على الإسلام وهو العز الذي لا ذل معه ، والغنى الذي لا فقر معه ، وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما أن رجلاً قال له : إن الناس يزعمون أن فيك تيهاً قال : ليس بتيه ولكنه عزة فإن هذا العز الذي لا ذل معه والغنى الذي لا فقر معه ، وتلا هذه الآية قال بعض العارفين في تحقيق هذا المعنى : العزة غير الكبر ولا يحل للمؤمن أن يذل نفسه ، فالعزة معرفة الإنسان بحقيقة نفسه وإكرامها عن أن يضعها لأقسام عاجلة دنيوية كما أن الكبر جهل الإنسان بنفسه وإنزالها فوق منزلها فالعزة تشبه الكبر من حيث الصورة ، وتختلف من حيث الحقيقة كاشتباه التواضع بالضعة والتواضع محمود ، والضعة مذمومة ، والكبر مذموم ، والعزة محمودة ، ولما كانت غير مذمومة وفيها مشاكلة للكبر ، قال تعالى : { ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق } وفيه إشارة خفية لإثبات العزة بالحق ، والوقوف على حد التواضع من غير انحراف إلى الضعة وقوف على صراط العزة المنصوب على متن نار الكبر ، فإن قيل : قال في الآية الأولى : { لاَّ يَفْقَهُونَ } وفي الأخرى { لاَّ يَعْلَمُونَ } فما الحكمة
فيه؟ فنقول : ليعلم بالأول قلة كياستهم وفهمهم ، وبالثاني كثرة حماقتهم وجهلهم ، ولا يفقهون).ا هـ4- تفسير قوله تعالي(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) [الكهف/103، 104]
جاء في تفسير الطبري - (ج 18 / ص 125)
والصواب من القول في ذلك عندنا، أن يقال: إن الله عزّ وجلّ عنى بقوله( هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا ) كلّ عامل عملا يحسبه فيه مصيبا، وأنه لله بفعله ذلك مطيع مرض، وهو بفعله ذلك لله مسخط، وعن طريق أهل الإيمان به جائر كالرهابنة والشمامسة وأمثالهم من أهل الإجتهاد في ضلالتهم، وهم مع ذلك من فعلهم واجتهادهم بالله كفرة، من أهل أيّ دين كانوا.
ثم يقول

وقوله:( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) يقول: هم الذين لم يكن عملهم الذي عملوه في حياتهم الدنيا على هدى واستقامة، بل كان على جور وضلالة، وذلك أنهم عملوا بغير ما أمرهم الله به بل على كفر منهم به، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا : يقول: وهم يظنون أنهم بفعلهم ذلك لله مطيعون، وفيما ندب عباده إليه مجتهدون، وهذا من أدَل الدلائل على خطأ قول من زعم أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته، وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية، أن سعيهم الذي سعوا في الدنيا ذهب ضلالا وقد كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهم ذلك، وأخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات ربهم. ولو كان القول كما قال الذين زعموا أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يعلم، لوجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهم الذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون فيه أنهم يحسنون صنعه ، كانوا مثابين مأجورين عليها، ولكن القول بخلاف ما قالوا، فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم بالله كفرة، وأن أعمالهم حابطة).ا هـ
جاء في أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن - (ج 3 / ص 414)
(. وقد قدمنا أن الضلال يطلق في القرآن واللغة العربية ثلاثة إطلاقات :
الأول - الضلال بمعنى الذهاب عن طريق الحق إلى طريق الباطل . كالذهاب عن الإسلام إلى الكفر . وهذا أكثر استعمالاته في القرآن . ومنه قوله تعالى : { غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم وَلاَ الضآلين } [ الفاتحة : 7 ] ، وقوله : { وَلاَ تتبعوا أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ السبيل } [ المائدة : 77 ] .ا هـ
5= تفسير قوله تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) [الحجرات/2، 3]
جاء في تفسير الطبري - (ج 22 / ص 281)
وقوله( وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ) يقول: وأنتم لا تعلمون ولا تدرون. ا هـتفسير الألوسي - (ج 19 / ص 251)
{ أَن تَحْبَطَ أعمالكم } تعليل لما قبله من النهيين على طريق التنازع بتقدير مضاف أي كراهة أن تحبط أعمالكم ، والمعنى إني أنهاكم عما ذكر لكراهة حبوط أعمالكم بارتكابه أو تعليل للمنهى عنه ، وهو الرفع والجهر بتقدير اللام أي لأن تحبط ، والمعنى فعلكم ما ذكر لأجل الحبوط منهى عنه ، ولام التعليل المقدرة مستعارة للعاقبة التي يؤدي إليها الفعل لأن الرفع والجهر ليس لأجل الحبوط لكنهما يؤديان إليه على ما تعلمه إن شاء الله تعالى ، وفرق بينهما بما حاصله أن الفعل المنهى معلل في الأول والفعل المعلل منهى في الثاني وأيهما كان فمرجع المعنى إلى أن الرفع والجهر كلاهما منصوص الاداء إلى حبوط العمل ، وقراءة ابن مسعود . وزيد بن علي { *فتحبط } بالفاء أظهر في التنصيص على أدائه إلى الإحباط لأن ما بعد الفاء لا يكون إلا مسبباً عما قبلها ، وقوله تعالى : { بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } حال من فاعل { تَحْبَطَ } ومفعول { تَشْعُرُونَ } محذوف بقرينة ما قبله أي والحال أنتم لا تشعرون أنها محبطة ، وظاهر الآية مشعر بأن الذنوب مطلقاً قد تحبط الأعمال الصالحة؛ ومذهب أهل السنة أن المحبط منها الكفر لا غير ، والأول مذهب المعتزلة ولذا قال الزمخشري : قد دلت الآية على أمرين هائلين . أحدهما أن فيما يرتكب من الآثام ما يحبط عمل المؤمن . والثاني أن في أعماله ما لا يدري أنه محبط ولعله عند الله تعالى محبط
وأجاب عن ذلك ابن المنير عليه الرحمة بأن المراد في الآية النهي عن رفع الصوت على الإطلاق ، ومعلوم أن حكم النهي الحذر مام يتوقع في ذلك من إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم ، والقاعدة المختارة أن إيذاءه عليه الصلاة والسلام يبلغ مبلغ الكفر المحبط للعمل باتفاق فورد النهي عما هو مظنة لأذى النبي صلى الله عليه وسلم سواء وجد هذا المعنى أولاً حماية للذريعة وحسبما للمادة ، ثم لما كان هذا المنهى عنه منقسماً إلى ما يبلغ مبلغ الكفر وهو المؤذى له عليه الصلاة والسلام وإلى ما لا يبلغ ذلك المبلغ ولا دليل يميز أحد القسمين عن الآخر لزم المكلف أن يكف عن ذلك مطلقاً خوف أن يقع فيما هو محبط للعمل وهو البالغ حد الأذى إذ لا دليل ظاهراً يميز ، وإن كان فلا يتفق تمييزه في كثير من الأحيان ، وإلى التباس أحد القسمين بالآخر وقعت الإشارة بقوله سبحانه : { أَن تَحْبَطَ أعمالكم وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } وإلا فلو كان الأمر على ما يعتقده الزمخشري لم يكن لقوله سبحانه : { وَأَنتُمْ لاَ } موقع إذ الأمر منحصر بين أن يكون رفع الصوت مؤذياً فيكون كفراً محبطاً قطعاً وبين أن يكون غير مؤذ فيكون كبيرة محبطة على رأيه قطعاً ، فعلى كلا حاليه الإحباط به محقق إذن فلا موقع لادعام الكلام بعدم الشعور مع أن الشعور ثابت مطلقاً ، ثم قال عليه الرحمة : وهذا التقدير يدور على مقدمتين كلتاهما صحيحة ).ا هـ
6= قال تعالي(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) [المجادلة/18]
جاء في تفسير الطبري - (ج 23 / ص 255)
(وقوله:( وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ ) يقول: ويظنون أنهم في أيمانهم وحلفهم بالله كاذبين على شيء من الحقّ،( أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) فيما يحلفون عليه)اهـ

جاء في تفسير ابن كثير - (ج 8 / ص 52)
(ثم قال: { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا } أي: يحشرهم يوم القيامة عن آخرهم فلا يغادر منهم أحدًا، { فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ } أي: يحلفون بالله عز وجل، أنهم كانوا على الهدى والاستقامة، كما كانوا يحلفون للناس في الدنيا؛ لأن من عاش على شيء مات عليه وبعث عليه، ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم عند الناس، فيجرون عليهم الأحكام الظاهرة؛ ولهذا قال: { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ } أي: حلفهم ذلك لربهم، عز وجل.ثم قال منكرًا عليهم حسبانهم { أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ } فأكد الخبر عنهم بالكذب.)ا هـ
جاء في تفسير الألوسي - (ج 20 / ص 398)
({ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً } تقدم الكلام في نظيره غير بعيد { فَيَحْلِفُونَ لَهُ } أي لله تعالى يومئذٍ قائلين : { والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] { كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ } في الدنيا أنها مسلمون مثلكم ، والتشبيه بمجرد الحلف لهم في الدنيا وإن اختلف المحلوف عليه بناءاً على ما قدمنا من سبب النزول { وَيَحْسَبُونَ } في الآخرة { أَنَّهُمْ } بتلك الأيمان الفاجرة { على شَىْء } من جلب منفعة أو دفع مضرة كما كانوا عليه في الدنيا حيث كانوا يدفعون بها عن أرواحهم وأموالهم ويستجرون بها فوائد دنيوية { أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكاذبون } البالغون في الكذب إلى غاية ليس وراءها غاية حيث تجاسروا على الكذب بين يدي علام الغيوب ، وزعموا أن أيمانهم الفاجرة تروج الكذب لديه عز وجل كما تروّجه عند المؤمنين .) ا هـ
تنوير المقباس من تفسير ابن عباس - (ج 2 / ص 74)
{ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً } يعني المنافقين واليهود وهو يوم القيامة { فَيَحْلِفُونَ لَهُ } بين يدي الله ما كنا كافرين ولا منافقين { كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ } في الدنيا { وَيَحْسَبُونَ } يظنون { أَنَّهُمْ على شَيْءٍ } من الدين { أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكاذبون }عند الله في حلفهم) ا هـ






فصل لماذا لم يكفر المنافقون في أحكام الدنياقال ابن القيم رحمه الله ناقلا عن الشافعي ومقررا رأيه ( الإعلام ج3/102ط.أنصار السنة
" ومن حكم على الناس بخلاف ما ظهر منهم استدلالا على أن ما أظهروه خلاف ما أبطنوه بدلالة منهم أو غير دلالة لم يسلم عندي من خلاف التنزيل والسنة " .
وقال ابن حجر في " الفتح " (12/272) : " وكلهم أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر والله يتولى السرائر " .
وانظر : " الموافقات " للشاطبي (2/271) .
و" درء التعارض " (8/432).):
وجاء في تفسير القرطبي - (ج 1 / ص 199-200)
(قال مالك: وإنما كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنافقين ليبين لامته أن الحاكم لا يحكم بعلمه، إذ لم يشهد على المنافقين.
قال القاضي إسماعيل: لم يشهد على عبد الله ابن أبي إلا زيد بن أرقم وحده، ولا على الجلاس بن سويد إلا عمير بن سعد ربيبه، ولو شهد على أحد منهم رجلان بكفره ونفاقه لقتل.
وقال الشافعي رحمه الله محتجا للقول الآخر: السنة فيمن شهد عليه بالزندقة فجحد
وأعلن بالايمان وتبرأ من كل دين سوى الاسلام أن ذلك يمنع من إراقة دمه.
وبه قال أصحاب الرأي وأحمد والطبري وغيرهم.
قال الشافعي وأصحابه.
وإنما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل المنافقين ما كانوا يظهرونه من الاسلام مع العلم بنفاقهم، لان ما يظهرونه يجب ما قبله.)ا هـ
وقال الطبري) جعل الله تعالى الاحكام بين عباده على الظاهر، وتولى الحكم في سرائرهم دون أحد من خلقه، فليس لاحد أن يحكم بخلاف ما ظهر، لانه حكم بالظنون، ولو كان ذلك لاحد كان أولى الناس به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حكم للمنافقين بحكم المسلمين بما أظهروا، ووكل سرائرهم إلى الله.
وقد كذب الله ظاهرهم في قوله: " والله يشهد إن المنافقين لكاذبون "
[ المنافقون: 1 ] قال ابن عطية: ينفصل المالكيون عما لزموه من هذه الآية بأنها لم تعين أشخاصهم فيها وإنما جاء فيها توبيخ لكل مغموص عليه بالنفاق،
وبقي لكل واحد منهم أن يقول: لم أرد بها وما أنا إلا مؤمن، ولو عين أحد لما جب كذبه شيئا.
قلت: هذا الانفصال فيه نظر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم أو كثيرا منهم بأسمائهم وأعيانهم بإعلام الله تعالى إياه، وكان حذيفة يعلم ذلك بإخبار النبي عليه السلام إياه حتى كان عمر رضي الله عنه يقول له: يا حذيفة هل أنا منهم ؟ فيقول له: لا.)ا هـ
والشاهد أن الحكم في الدنيا علي الظاهر الحقيقي وليس علي الباطن  ولذلك حكمنا علي الجهال الذين يفعلون الشرك عن جهل انهم مشركون
قال الشيخ عبدالرحمن بن قاسم الحنبلي ــ جامع فتاوى ابن تيمية ــ في كتابه (السيف المسلول على عابد الرسول) صـ 11 ــ 12. " اهـ النقل .
فكيف بالذي بين المسلمين وهو يعبد البدوي، أو يعبد الحسين، أو يعبد الشيخ عبدالقادر الجيلاني، أو يعبد الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم، أو يعبد علياً أو يعبد غيرهم. فهؤلاء وأشباههم لايعذرون من باب أولى، لأنهم أتوا الشرك الأكبر وهم بين المسلمين، والقرآن بين أيديهم.. وهكذا سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودة بينهم، ولكنهم عن ذلك معرضون.) ا هـ
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز كما في فتوى له برقم 3548وتاريخ 18/3/1401هـ:
" من مات على الشرك جاهلا لعدم مجئ أحد إليه يعرفه معنى التوحيد وأن النذر والدعاء عبادة لا يجوز صرفها لغير الله ، فهومشرك كافر ( لايجوز المشي في جنازته ولا الصلاة عليه ولاالدعاء والاستغفار له ولاقضاء حجه والتصدق عنه
وهؤلاء ليسوا بمعذورين بما يقال عنهم أنهم لم يأتهم من يبين أنه هذه الأمور
المذكورة التي يرتكبونها شرك لأن الأدلة في القرآن واضحة واهل العلم موجودون لديهم ")ا هـ
ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله كما في عقيدة الموحدين ( ص392):" … فإن كثيرا من الناس ينتسبون الى الإسلام وينطقون بالشهادتين (ولا يكتفى بذلك في الحكم بإسلامهم ) ولاتحل ذكاتهم لشركهم بالله في العبادة وغير ذلك من أسباب الردة عن الإسلام .
وهذا التفريق بين المنتسبين إلى الإسلام أمر معلوم بالأدلة من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها " !!انتهى .
ومما يذيد الأمر إيضاح أن المسلم يكفر بالشرك الأكبر قوله تعالي ( الّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوَاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلََئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مّهْتَدُونَ} [الأنعام:82].
قال صاحب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد في هذه الآية العظيمة:
قال ابن زيد وابن إسحاق: هذا من الله على فصل القضاء بين إبراهيم وقومه). أ.هـ
وقال ابن كثير رحمه الله في ذلك أيضاً: أي هؤلاء أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له، ولم يشركوا به شيئاً هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة.
قال البخاري بسنده عن عبد الله قال: لما نزلت {وَلَمْ يَلْبِسُوَاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} الآية. قال أصحابه: وأينا لم يظلم نفسه؟ فنزلت {إن الشرك لظلم عظيم}.وقال الإمام أحمد بسنده عن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية شقَّ ذلك على الناس فقالوا يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه؟ قال: [إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} إنما هو الشرك] أ.هـ.وبذلك يتضح أن من أمن ثم لبس إيمانه بالشرك لن يكون من الذين لهم الأمن في الأخرة ولا من المهتدون في الدنيا والاخرة وهو ما يقوله السعدي في التفسير (ج 1 / ص 263)
قال الله تعالى فاصلا بين الفريقين { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا } أي: يخلطوا { إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } الأمن من المخاوفِ والعذاب والشقاء، والهدايةُ إلى الصراط المستقيم، فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقا، لا بشرك، ولا بمعاص، حصل لهم الأمن التام، والهداية التامة. وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك وحده، ولكنهم يعملون السيئات، حصل لهم أصل الهداية، وأصل الأمن، وإن لم يحصل لهم كمالها. ومفهوم الآية الكريمة، أن الذين لم يحصل لهم الأمران، لم يحصل لهم هداية، ولا أمن، بل حظهم الضلال والشقاء). ا هـ
وجاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري ج1 ص106
في (باب [المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها إلا بالشرك] يقول رحمه الله: وقوله [إلا بالشرك] أي: أن كل معصية تؤخذ من ترك واجب أو فعل محرم فهي من أخلاق الجاهلية ـ والشرك أكبر المعاصي ولهذا استثناه ـ ومحصل الترجمة لما قدم أن المعاصي يطلق عليها [الكفر] مجازاً، على إرادة كفر النعمة لا كفر الجحد، أراد أن يبين أنه كفر لا يخرج من الملة، خلافاً للخوارج الذين يكفرون بالذنب )أ.هـ
قال الشيخ حلمي هاشم في شهد الاعتقاد ج1ص94-95بعد أن ذكر حديث الخوارج قال (وفي إحدى رواياته ((تخرج في آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يقولون من قول خير البرية، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)) ([33])
فالخوارج جهلة سفهاء الأحلام بنص الحديث فهم يقرؤن القرآن ولا يفقهونه ولم يعذروا بجهلهم، فهم أهل ضلال ولو تلبسوا بشرك لكفروا ولا عذر لهم.
قال الشاطبي رحمه الله: الجهل بمقاصد الشريعة والتخرص على معانيها بالظن من غير تثبت، أو الأخذ فيها بالنظر الأول، ولا يكون ذلك من راسخ في العلم، ألا ترى الخوارج كيف خرجوا عن الدين كما يخرج السهم من الصيد المرمي؟ لأن رسول الله (صلي الله عليه وسلم) وصفهم بأنهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يعني والله أعلم: أنهم لا يتفقهون فيه حتى يصل إلى قلوبهم - لأن الفهم راجع إلى القلب - فإذا لم يصل إلى القلب لم يحصل فيه فهم،وإنما يقف عند محل الأصوات[أي الأذن]وهو الذي يشترك فيه من يفهم ومن لا يفهم أ.هـ
فهؤلاء الذين يقرئون القرآن لا يجاوز تراقيهم، أي: بلا فهم ولا تفقه به هم الموصوفين بسفهاء الأحلام، أي: أصحاب الجهل والعقول الضعيفة، ولم يكن هذا الجهل والسفاهة يوما ً عذراً لهم في أفعالهم المشينة، هؤلاء السفهاء الجهلة من أهل الشرك والنفاق وأهل الابتداع في الدين والضلال هم موطن المعركة حالياً بين طوائف المنتسبين لهذا الدين، والتي موضوعها: هل هم معذورون بالجهل فيما يتلبسون به من شركيات وكفريات في الأقوال والأعمال والاعتقادات الفاسدة، أم غير معذورون؟!
وقد جاء الحديث بصريح لفظه (يمرقون من الدين) ولم يقل معذورون في الدين، ولم تكن هذه السفاهة أو في هذا الجهل منهم أبداً ملتمساً لعذرهم في أفعالهم أو أقوالهم الآثمة، بل ما كان منها شركياً كانوا به مشركين وما كان منها ابتداع كانوا به مبتدعين.
وفي معجم البغوي عن جابر : أن النبي (صلي الله عليه وسلم) قال لكعب بن عجرة: ((أعاذك الله يا كعب من إمارة السفهاء)) قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: ((أمراء بعدي لا يهتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون علي الحوض، ومن لم يصدقهم على كذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك مني وأنا منهم، ويردون عليّ الحوض))الحديث صحيح أخرجه أحمد.
وفيه النهي عن متابعة أهل الجهل والسفاهة من الأكابر من الأمراء أو أدعياء العلم، وأن من تابعهم وصدقهم فهو مثلهم في الضلال وفي السفاهة، وهذا مثل الحديث الآخر الوارد في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله(
r)يقول:(إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما ً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) الحديث.
فانظر كيف كان الإفتاء والقول في دين الله بغير علم، بل عن جهل سبب في ضلال السائل والمسؤول، ولم يكن الجهل أو انتفاء العلم عذراً لأحدهما، أصبحوا معاً من الضالين بصريح لفظ النص، والذي لا يحتمل تأويلاً ولا خروجاً عن ظاهر معناه، ولم تكن الآفة إلا في الجهل والإعراض عن تعلم ما أرسل الله به رسوله، وما أنزل به كتابه، وإحسان الظن في العقول مجرداً عن الأدلة الشرعية. وفي هذا تصديق لقوله تعالى:
{ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ
فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } [فاطر: 8]. ا هـ
ما ضل من ضل من الفرق التي تدعي الإيمان إلا بسبب ضلاله في قضية الإيمان
يقول الشبخ حلمي في شهد الاعتقاد ج2ص 124-وما بعدها
قال صاحب معارج القبول رحمه الله تحت عنوان (الإيمان قول وعمل):
اعلم أن الدين قول وعمل فاحفظه وافهم ما عليه اشتمل
(اعلم) يا أخي وفقني الله وإياك والمسلمين (بأن الدين) الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، ورضيه لأهل سماواته وأرضه، وأمر ألا يعبد إلا به، ولا يقبل من أحد سواه، ولا يرغب عنه إلا من سفه نفسه، ولا أحسن ديناً ممن التزمه واتبعه هو (قول) أي: بالقلب واللسان (وعمل) أي: بالقلب واللسان والجوارح.
فهذه أربعة أشياء جامعة لأمور دين المسلمين:
الأول: قول القلب: وهو تصديقه وإيقانه.
قال الله تعالى:{ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } [الزمر: 23].
وقال تعالى: { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } [الأنعام: 75].
وقال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا } [الحجرات: 15].
أى: صدقوا ثم لم يشكوا.
وقال تعالى في المرتابين الشاكين: { يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } [آل عمران: 167].
وقال تعالى في المنافقين: { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } [المنافقون: 1].
كاذبون أي: في قولهم { نَشْهَدُ } أي: كذبوا إنهم لا يشهدون ذلك بقلوبهم، إنما هو بألسنتهم تقية ونفاقاً ومخادعة.
الثاني: قول اللسان: وهو النطق بالشهادتين (أن لا إله إلا الله، وإن محمداً رسول الله). والإقرار بلوازمهما.
قال تعالى: { وَقُولُوا آَمَنَّا } [العنكبوت: 46].
{ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ } [القصص: 53].
{ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ } [الشورى: 15].
وقال تعالى: { إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [الزخرف: 86].
قال (
r): ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله)) وما في معناه.
الثالث: عمل القلب: وهو النية والإخلاص والمحبة والانقياد - للقلب - والإقبال على الله عز وجل، والتوكل عليه. ولوازم ذلك وتوابعه.
قال تعالى:{ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [الأنعام: 52].
{ وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى } [الليل: 19/20].
وقال النبي (صلي الله عليه وسلم): ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) الحديث.
وقال ((قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري، تركته وشركه)).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)).
وهذا غاية الانقياد، إذا لم يكن له هوى غير ما جاء به الرسول (
r).
الرابع: عمل اللسان والجوارح: فعمل اللسان: ما لا يؤدى إلا به؛ كتلاوة القرآن وسائر الأذكار من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والدعاء والاستغفار، وغير ذلك.
وعمل الجوارح: ما لا يؤدى إلا بها؛ مثل القيام والركوع والسجود والمشي في مرضات الله كنقل الخطى إلى المساجد وإلى الحج وإلى الجهاد في سبيل الله عز وجل، وأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك مما يشمله حديث شعب الإيمان.
قال: والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جداً ليس هذا موضع بسطها. وإنما المقصود تقرير هذه الأمور من (أصول الدين).
فإذا حققت هذه الأمور الأربعة تحقيقاً بالغاً وعرفت ما يراد بها معرفة تامة، وفهمت فهماً واضحاً، ثم أمعنت النظر في أضدادها ونواقضها، تبين لك أن أنواع الكفر لا تخرج عن أربعة:
1-كفر جهل وتكذيب.
2-كفر جحود.
3- كفر عناد واستكبار.
4- كفر نفاق.
فأحدهما يخرج من الملة بالكلية، وإذا اجتمعت في شخص فظلمات بعضها فوق بعض، والعياذ بالله من ذلك، لأنها إما أن تنتفي هذه الأمور كلها (قول القلب / وقول اللسان / وعمل القلب / وعمل الجوارح) أو ينتفي بعضها.
أ - فإذا انتفت كلها اجتمع أنواع الكفر غير النفاق؛ قال الله تعالى:
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [البقرة: 6/7].
ب - وإن انتفى تصديق القلب مع (عدم العلم) بالحق فكفر الجهل والتكذيب؛ قال الله تعالى:{ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ } [يونس: 39].
وقال تعالى: { أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [النمل: 84].
جـ - وإن كتم الحق مع العلم بصدقه فكفر الجحود والكتمان؛ قال الله تعالى:
{ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } [النمل: 14].
وقال تعالى: { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ } [البقرة: 89]
د- وإن انتفى عمل القلب (من النية والإخلاص والمحبة..) مع انقياد الجوارح الظاهرة ([36]) فكفر نفاق (سواء وجد التصديق المطلق، أو انتفى - وسواء انتفى بتكذيب أو شك).
قال الله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } إلى قوله:
{ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة: 8/20].
هـ - وإن انتفى عمل القلب وعمل الجوارح مع المعرفة بالقلب والاعتراف باللسان فكفر عناد واستكبار ككفر إبليس وكفر غالب اليهود الذين شهدوا أن الرسول حق ولم يتبعوه، أمثال حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف، وغيرهم، وكفر من ترك الصلاة عناداً واستكباراً. ومحال أن ينتفي انقياد الجوارح بالأعمال الظاهرة مع ثبوت عمل القلب. قال النبي (صلي الله عليه وسلم ): ((إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، ألا وهي القلب)) رواه البخاري ومسلم أ.هـ
فعقيدة أهل السنة والجماعة في شأن العلم وما يضاده وينافيه من الجهل لم تخرج قيد أنملة عما قطعت به النصوص وقام به ميزان القرآن الكريم والسنة الشريفة في باب (التوحيد) و(شروط صحة التوحيد) والشهادتين، وذلك من وجوه متعددة منها:
1- فإن الميزان الذي وضعة صاحب الشريعة، فقضى به، وقطع بأن (العلم) شرط في صحة شهادة التوحيد؛ فقال: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ } الآية.
وقال: { إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [الزخرف: 68].
فقد قضى في هذا الشأن بحكمه و { لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ }، و { لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ } فأينما تذكر الشهادتين فلا معنى لذلك إلا الشهادة القائمة على العلم ؛ لا مجرد الكلمات والحروف دون ما تقتضيه وما تستلزمه من معانٍ لا تصح إلا به؛ لأن شهادة بغير علم في ميزان الشرع ليست بشهادة، بل هي من قول الزور والباطل فهي (شهادة زور) فمن ساوى بين شهادة صحيحة، وقول الزور فهو كمن لا يعلم دين محمد من دين أبو جهل. ولذا لا يذكر أهل العلم موضوع شهادة التوحيد في مصنفاتهم المتخصصة بمناقشة التوحيد إلا ويذكر هذه الشروط التي لا تصح الشهادة إلا به من العلم واليقين والصدق والإخلاص وغير ذلك. وهذا ما ذكره صاحب المعارج في مصنفه أيضاً وغيره من أهل العلم.)
وقال ايضا في كتاب شهد الاعتقاد ج2ص407
· ولعل بعض الناس يظن أن ذلك في حق الكافر الأصلي فقط:
فيظن أن من قال [لا إله إلا الله] لا يكفر بشيء، ولو تلبس ببعض أقوال أو أعمال الشرك. وقد أخطأوا في ذلك أفحش الخطأ؛ فقد قال تعالى لمن ظن مثل ذلك من الأمم السابقة: [المائدة:18].
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنّصَارَىَ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللّهِ وَأَحِبّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمّنْ خَلَقَ}
قال ابن كثير رحمة الله في تفسير ذلك: قال الله تعالى رداً عليهم " قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم" أي: لو كنتم كما تدَّعون أبناؤه وأحباؤه، فلم أعد لكم نار جهنم على كفركم وكذبكم وافتراءكم وقوله " بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمّنْ خَلَقَ" أي: لكم أسوة أمثالكم من بني آدم أ.هـ.
وقال في موضع آخر عن مثل هذا التمني بغير عمل صادق حقيقي صالح بعيداً عن الشرك: [النساء:123].
{لّيْسَ بِأَمَانِيّكُمْ وَلآ أَمَانِيّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوَءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً}
قال ابن كثير رحمه الله في هذه الآية المباركة:
والمعني في هذه الآية أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، وليس كل من ادَّعى شيئاً حصل له بمجرد دعواه، ولا كل من قال إنه هو على الحق سُمع قوله بمجرد ذلك حتى يكون له من الله برهان، ولهذا قال تعالى " لّيْسَ بِأَمَانِيّكُمْ وَلآ أَمَانِيّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوَءًا يُجْزَ بِهِ" أي ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني، بل العبرة بطاعة الله سبحانه واتباع ما شرعه على ألسنة رسله الكرام، ولهذا قال بعده " مَن يَعْمَلْ سُوَءًا يُجْزَ بِهِ" كقوله: " فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ شَرّاً يَرَهُ" أ.هـ.
وهكذا جاءت الشريعة الغراء لا تحابي أحداً ولا تجامل أحداً إلا من أتى الله بقلبٍ سليمٍ.
وقد قطعت هذه الشريعة الغراء بأن حكم الشيء حكم نظير ومثيله، خاصة في مثل الأمور المتعلقة بأصل الدين العظيم ووحدانية رب العالمين التي أرسل به جميع الرسل تدعو إليه، وأنزلت به جميع الكتب تنص عليه، ولذا فقد ورد هذا المعنى صريحاً واضحاً عندما خاطب الله تعالى أولئك الذين اتخذوا العجل بما يستحقوه من الغضب والسخط والذِّلة، فقال عقب ذلك: "وكذلك نجزي المفترين" وذلك في قوله تعالى من سورة الأعراف: [الأعراف:152].
{إِنّ الّذِينَ اتّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مّن رّبّهِمْ وَذِلّةٌ فِي الْحَياةِ الدّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}
قال ابن كثير رحمه الله: "وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ" نائلة لكل افترى بدعة، فإن ذل البدعة ومخالفة الرشاد متصلة من قبله على كتفه. وهكذا روي أيوب السختياني عن أبي قلابة الجرمي أنه قرأ هذه الآية فقال: هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة) أ.هـ.








الفصل السابع الحديث اليهود والنصارى وان كفرهم سببه الجهل ومع ذلك ليس لهم عذر
1- قال تعالي(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) [النساء/157، 158]
جاء في تفسير البيضاوي - (ج 2 / ص 29)
({ وَإِنَّ الذين اختلفوا فِيهِ } في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام ، فإنه لما وقعت تلك الواقعة اختلف الناس فقال بعض اليهود : إنه كان كاذباً فقتلناه حقاً ، وتردد آخرون فقال بعضهم : إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا ، وقال بعضهم : الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا ، وقال من سمع منه أن الله سبحانه وتعالى يرفعني إلى السماء : أنه رفع إلى السماء . وقال قوم : صلب الناسوت وصعد اللاهوت . { لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ } لفي تردد ، والشك كما يطلق على ما لا يترجح أحد طرفيه يطلق على مطلق التردد ، وعلى ما يقابل العلم ولذلك أكده بقوله : { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتباع الظن } استثناء منقطع أي لكنهم يتبعون الظن ، ويجوز أن يفسر الشك بالجهل والعلم بالاعتقاد الذي تسكن إليه النفس جزماً كان أو غيره فيتصل الاستثناء . { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } قتلاً يقيناً كما زعموه بقولهم { إِنَّا قَتَلْنَا المسيح })ا هـ
2- قال تعالي(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) [البقرة/78]
جاء في تفسير الطبري - (ج 2 / ص 257)
(قال أبو جعفر: يعني بـ "الأميين" ، الذين لا يكتبون ولا يقرءون.)ا هـ
ويقول ص 259)
(القول في تأويل قوله تعالى : { لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ }
قال أبو جعفر: يعني بقوله:(لا يعلمون الكتاب)، لا يعلمون ما في الكتاب الذي أنزله الله، ولا يدرون ما أودعه الله من حدوده وأحكامه وفرائضه، كهيئة البهائم،)ا هـ
ثم يقول ص 266)
(فمعنى الآية: ومنهم من لا يكتب ولا يخط ولا يعلم كتاب الله ولا يدري ما فيه، إلا تخرصا وتقولا على الله الباطل، ظنا منه أنه محق في تخرصه وتقوله الباطل.
وإنما وصفهم الله تعالى ذكره بأنهم في تخرصهم على ظن أنهم محقون وهم مبطلون، لأنهم كانوا قد سمعوا من رؤسائهم وأحبارهم أمورا حسبوها من كتاب الله، ولم تكن من كتاب الله، فوصفهم جل ثناؤه بأنهم يتركون التصديق بالذي يوقنون به أنه من عند الله مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ويتبعون ما هم فيه شاكون، وفي حقيقته مرتابون، مما أخبرهم به كبراؤهم ورؤساؤهم وأحبارهم عنادا منهم لله ولرسوله، ومخالفة منهم لأمر الله، واغترارا منهم بإمهال الله إياهم.) ا هـ
وقد وصف الله العرب والنصاري واليهود بعدم العلم والجهل ولم يكن ذلك عذر لهم
3= فقال تعالي (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا [الكهف4/5]
جاء في تفسير البغوي - (ج 5 / ص 144)
({ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا } . { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ } أي: قالوه عن جهل لا عن علم) ا هـجاء في فتح القدير - (ج 4 / ص 368)
({ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ } أي : بالولد ، أو اتخاذ الله إياه ، و « من » مزيدة لتأكيد النفي ، والجملة في محل نصب على الحال أو هي مستأنفة ، والمعنى : ما لهم بذلك علم أصلاً { وَلاَ لآبَائِهِمْ } علم ، بل كانوا في زعمهم هذا على ضلالة ، وقلدهم أبناؤهم فضلوا جميعاً { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } انتصاب { كلمة } على التمييز ، وقرىء بالرفع على الفاعلية . قال الفراء : كبرت تلك الكلمة كلمة . وقال الزجاج : كبرت مقالتهم كلمة ، والمراد بهذه الكلمة هي : قولهم اتخذ الله ولداً )ا هـ
تفسير الرازي - (ج 10 / ص 156)
المسألة الثانية : الذين أثبتوا الولد لله تعالى ثلاث طوائف . أحدها : كفار العرب الذين قالوا : الملائكة بنات الله . وثانيها : النصارى حيث قالوا : المسيح ابن الله . وثالثها : اليهود الذين قالوا : عزيز ابن الله ، والكلام في أن إثبات الولد لله كفر عظيم ويلزم منه محالات عظيمة قد ذكرناه في سورة الأنعام في تفسير قوله تعالى : { وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ الأنعام : 100 ] وتمامه مذكور في سورة مريم ، ثم إنه تعالى أنكر على القائلين بإثبات الولد لله تعالى من وجهين . الأول : قوله : { مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبائهم } فإن قيل اتخاذ الله ولداً محال في نفسه فكيف قيل { ما لهم به من علم } ؟ قلنا : انتفاء العلم بالشيء قد يكون للجهل بالطريق الموصل إليه ، وقد يكون لأنه في نفسه محال لا يمكن تعلق العلم به . ونظيره قوله : { وَمَن يَدْعُ مَعَ الله إِلَهَا ءاخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } [ المؤمنون : 117 ] )ا هـ
4= وقال تعالي(وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) [الزخرف/19، 20]
جاء في تفسير ابن كثير - (ج 7 / ص 223)
(وقوله: { وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا } أي: اعتقدوا فيهم ذلك، فأنكر عليهم تعالى قولهم ذلك، فقال: { أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ } أي: شاهدوه وقد خلقهم الله إناثا، { سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ } أي: بذلك، { ويسألون } عن ذلك يوم القيامة. وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد.
{ وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } أي: لو أراد الله لحال بيننا وبين عبادة هذه الأصنام، التي هي على صور الملائكة التي هي بنات الله، فإنه عالم بذلك وهو يقررنا عليه، فجمعوا بين أنواع كثيرة من الخطأ:
أحدها: جَعْلُهم لله ولدا، تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علوا كبيرا.
الثاني: دعواهم أنه اصطفى البنات على البنين، فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا.
الثالث: عبادتهم لهم مع ذلك كله، بلا دليل ولا برهان، ولا إذن من الله عز وجل، بل بمجرد الآراء والأهواء، والتقليد للأسلاف والكبراء والآباء، والخبط في الجاهلية الجهلاء.
الرابع: احتجاجهم بتقديرهم على ذلك قَدَرا [والحجة إنما تكون بالشرع] ، وقد جهلوا في هذا الاحتجاج جهلا كبيرًا، فإنه تعالى قد أنكر ذلك عليهم أشد الإنكار، فإنه منذ بعث الرسل وأنزل الكتب يأمر بعبادته وحده لا شريك له، وينهى عن عبادة ما سواه، قال [تعالى] (4) ، { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } [النحل: 36]، وقال تعالى: { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [الزخرف: 45]).ا هـ
انتهي الكتاب
قال ابن القيم رحمه الله :
(لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليها واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ عرض لهم من ذلك فساد في فطرتهم وظلمة في قلوبهم وكدر في إفهامهم ومحق في عقولهم وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم حتى ربى فيها الصغير وهرم عليها الكبير فلم يروها منكراً) نقلاً عن الكواشف الجلية في معاني الواسطية . (سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين )
عناصر الكتاب
الباب الأول العلم الواجب علي كل مكلف
أولا تفسير قوله تعالي(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19) [محمد/19]                صـ 2
ثانيا تفسير قوله تعالي(وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) [الزخرف/86،]                                  صـ3
ثالثا تفسير قوله تعالي(هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52) [إبراهيم/52]                                     صـ4
رابعا تفسير قوله تعالي(فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) [هود/14،]                        صـ7
خامسا أقوال أهل العلم في باب العلم بلا إله إلا الله                        صـ10
سادسا شروط لا الله إلا الله:                                                  صـ16
سابعا ملخص تفسير الآيات السابقة وأقوال العلماء                      ص22
الباب الثاني
الفصل الأول المشركون يعبدون غير الله عن جهل منهم ولا حجة ولا عذر لهم                               ص37
الفصل الثاني ومن صفات المشركين الغفلة ولكن عندما يوصف بها المسلم لا تكون شركيه لعدم وقوعه في الشرك الأكبر
أولا الغفلة غير الشركية والتي يكون صاحبها معذور لا إثم عليه     صـ55
ثانيا الغفلة الموجبة للشرك فمنها                                           ص55
الفصل الثالث- ذكر الظن و الشك ومرادفاته في أكثر من موضع في القرآن ومع ذلك أهله مشركون                                                       صـ 76
الفصل الرابع ما هناك قوم مشركون إلا ووصفوا بالجهل               صـ78
الفصل الخامس صفة الكفر والشرك هي اسم لكل من يقع في الشرك الأكبر حتى قبل الرسالة والبيان                                                     صـ89
الفصل السادس الذين يكفرون بالله من الذين يدعون الإسلام من المنافقين وغيرهم ما يكفرون إلا لجهلهم ولا عذر لهم في ذلك                   صـ100
فصل لماذا لم يكفر المنافقون في أحكام الدنيا                            ص109
الفصل السابع بعد الحديث عن المسلمين الذين يقعون في الكفر بعدم علم نتحدث عن الأمم السابقة من اليهود والنصارى وان كفرهم بسب الجهل وليس لهم عذر                                                                      صـ118






No hay comentarios:

Publicar un comentario