jueves, 26 de mayo de 2011

تابع الجزء الثاني من هذه الرسالة : العلم والجهل بلا إله إلا الله (الجزء الأول

 تابع الجزء الثاني من هذه الرسالة :                                               العلم والجهل بلا إله إلا الله      (الجزء الأول)


الباب الثاني
الفصل الأول المشركون يعبدون غير الله عن جهل منهم ولا حجة ولا عذر لهم
وإليك عدد من الايات التي توضح ذلك مع تفسيرها
أولا- تفسير قوله تعالي( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71 [الحج/-71]
وجاء في تفسير السعدي - (ج 1 / ص 545)
(يذكر تعالى حالة المشركين به، العادلين به غيره، وأن حالهم أقبح الحالات، وأنه لا مستند لهم على ما فعلوه، فليس لهم به علم، وإنما هو تقليد تلقوه عن آبائهم الضالين، وقد يكون الإنسان لا علم عنده بما فعله، وهو -في نفس الأمر- له حجة ما علمها، فأخبر هنا، أن الله لم ينزل في ذلك سلطانا، أي: حجة تدل علي وتجوزه، بل قد أنزل البراهين القاطعة على فساده وبطلانه، ثم توعد الظالمين منهم المعاندين للحق فقال: { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ } ينصرهم من عذاب الله إذا نزل بهم وحل. وهل لهؤلاء الذين لا علم لهم بما هم عليه قصد في اتباع الآيات والهدى إذا جاءهم؟ أم هم راضون بما هم عليه من الباطل؟
وجاء في تنوير المقباس لبن عباس - (ج 1 / ص 354)
({ وَيَعْبُدُونَ } يعني كفار مكة { مِن دُونِ الله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } كتاباً ولا عذراً { وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } حجة ولا بيان { وَمَا لِلظَّالِمِينَ } المشركين { مِن نَّصِيرٍ } من مانع من عذاب الله )ا هـ.
وجاء في تفسير البغوي - (ج 5 / ص 399)
{ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا } حجة، { وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } يعني أنهم فعلوا ما فعلوا عن جهل لا عن علم، { وَمَا لِلظَّالِمِينَ } للمشركين، { مِنْ نَصِيرٍ } مانع يمنعهم من عذاب الله.)ا هـ
وجاء في تفسير ابن كثير - (ج 5 / ص 453)
(يقول تعالى مخبرا عن المشركين فيما جهلوا وكفروا، وعبدوا من دون الله ما لم ينزل به سلطانا، يعني: حجة وبرهانا، كقوله: { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } [ المؤمنون: 117 ]. ولهذا قال هاهنا: { مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } أي: ولا علم لهم فيما اختلقوه وائتفكوه، وإنما هو أمر تلقوه عن آبائهم وأسلافهم، بلا دليل ولا حجة، وأصله مما سول لهم الشيطان وزينه لهم؛ ولهذا توعدهم تعالى بقوله: { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ } أي: من ناصر ينصرهم من الله، فيما يحل بهم من العذاب والنكال)ا هـ.
وجاء في تفسير الرازي - (ج 11 / ص 151)
( فبين أن عبادتهم لغير الله تعالى ليست مأخوذة عن دليل سمعي وهو المراد من قوله : { مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا } ولا عن دليل عقلي وهو المراد من قوله : { وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } وإذا لم يكن كذلك فهو عن تقليد أو جهل أو شبهة ، فوجب في كل قول هذا شأنه أن يكون باطلاً ، فمن هذا الوجه يدل على أن الكافر قد يكون كافراً ، وإن لم يعلم كونه كافراً ، ويدل أيضاً على فساد التقليد ).ا هـ
ثانيا تفسير قوله تعالي((وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108[الأنعام/108، 109]
تفسير الطبري - (ج 12 / ص 33)
(قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به: ولا تسبُّوا الذين يدعو المشركون من دون الله من الآلهة والأنداد، فيسبَّ المشركون اللهَ جهلا منهم بربهم، واعتداءً بغير علم) ا هـ
ثالثا- قال تعالي(وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ)[الأنعام/119]
وجاء في تفسير النسفي - (ج 1 / ص 346)
({ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ } { ليضلون } كوفي { بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي يضلون فيحرمون ويحللون بأهوائهم وشهواتهم من غير تعلق بشريعة { إِنَّ رَّبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بالمعتدين } بالمتجاوزين من الحق إلى الباطل )ا هـ
وجاء في تفسير الطبري - (ج 12 / ص 71)
(قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن كثيرًا من الناس [الذين] يجادلونكم في أكل ما حرم الله عليكم، أيها المؤمنون بالله، من الميتة، ليُضلون أتباعهم بأهوائهم من غير علم منهم بصحة ما يقولون، ولا برهان عندهم بما فيه يجادلون، إلا ركوبًا منهم لأهوائهم، واتباعًا منهم لدواعي نفوسهم، اعتداءً وخلافًا لأمر الله ونهيه، وطاعة للشياطين (إن ربك هو أعلم بالمعتدين)، يقول: إن ربك، يا محمد، الذي أحلَّ لك ما أحلَّ وحرَّم عليك ما حرم، هو أعلم بمن اعتدى حدوده فتجاوزها إلى خلافها، وهو لهم بالمرصاد .
واختلفت القرأة في قراءة قوله:(ليضلون).
فقرأته عامة أهل الكوفة:(لَيُضِلُّونَ)، بمعنى: أنهم يضلون غيرهم .
وقرأ ذلك بعض البصريين والحجازيين:"لَيَضِلُّونَ"، بمعنى: أنهم هم الذين يضلون عن الحق فيجورون عنه ).ا هـ
رابعا قال تعالي(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140) [الأنعام/140]
وجاء في تفسير الطبري - (ج 12 / ص 153)
(قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قد هلك هؤلاء المفترون على ربهم الكذبَ، العادلون به الأوثانَ والأصنام، الذين زين لهم شركاؤهم قتل أولادهم، وتحريم [ما أنعمت به] عليهم من أموالهم، فقتلوا طاعة لها أولادهم، وحرّموا ما أحل الله لهم وجعله لهم رزقًا من أنعامهم ="سفها"، منهم. يقول: فعلوا ما فعلوا من ذلكَ جهالة منهم بما لهم وعليهم، ونقصَ عقول، وضعفَ أحلام منهم، وقلة فهم بعاجل ضرّه وآجل مكروهه، من عظيم عقاب الله عليه لهم =(افتراء على الله)، يقول: تكذّبًا على الله وتخرصًا عليه الباطل =(قد ضلوا)، يقول: قد تركوا محجة الحق في فعلهم ذلك، وزالوا عن سواء السبيل =(وما كانوا مهتدين)،يقول: ولم يكن فاعلو ذلك على هدًى واستقامة في أفعالهم التي كانوا يفعلون قبل ذلك، ولا كانوا مهتدين للصواب فيها، ولا موفقين له .
ونزلت هذه الآية في الذين ذكر الله خبرهم في هذه الآيات من قوله:(وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا) الذين كانوا يبحرون البحائر، ويسيِّبون السوائب، ويئدون البنات) ا هـ
وجاء في تفسير ابن كثير - (ج 3 / ص 347)
(يقول تعالى: قد خسر الذين فعلوا هذه الأفعال في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فخسروا أولادهم بقتلهم، وضيقوا عليهم في أموالهم، فحرموا أشياء ابتدعوها من تلقاء أنفسهم، وأما في الآخرة فيصيرون إلى شر المنازل بكذبهم على الله وافترائهم، كما قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ . مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ } [يونس : 69 ، 70] .
وقال الحافظ أبو بكر بن مَرْدُوَيه في تفسير هذه الآية: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن أيوب، حدثنا عبد الرحمن بن المبارك، حدثنا أبو عَوَانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: إذا سَرَّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام، { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ }
وهكذا رواه البخاري منفردًا في كتاب "مناقب قريش" من صحيحه، عن أبي النعمان محمد بن الفضل عارم، عن أبي عوَانة -واسمه الوَضَّاح بن عبد الله اليَشْكُرِي -عن أبي بشر -واسمه جعفر بن أبي وَحْشِيَّة بن إياس، به) ا هـ .
وجاء في تفسير البغوي - (ج 3 / ص 194)
({ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ } قرأ ابن عامر وابن كثير " قتلوا " بتشديد التاء على التكثير، وقرأ الآخرون بالتخفيف. { سَفَهًا } جهلا. { بِغَيْرِ عِلْمٍ } نزلت في ربيعة ومضر وبعض العرب من غيرهم، كانوا يدفنون البنات أحياء مخافة السبي والفقر، وكان بنو كنانة لا يفعلون ذلك.
{ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ } يعني: البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، { افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ } حيث قالوا: إن الله أمرهم بها، { قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ })ا هـ
وجاء في تفسير الرازي - (ج 6 / ص 497)
في الآية مسائل :
(المسألة الأولى : أنه تعالى ذكر فيما تقدم قتلهم أولادهم وتحريمهم ما رزقهم الله . ثم إنه تعالى جمع هذين الأمرين في هذه الآية وبين ما لزمهم على هذا الحكم ، وهو الخسران والسفاهة ، وعدم العلم ، وتحريم ما رزقهم الله ، والافتراء على الله ، والضلال وعدم الاهتداء ، فهذه أمور سبعة وكل واحد منها سبب تام في حصول الذم .
أما الأول : وهو الخسران ، وذلك لأن الولد نعمة عظيمة من الله على العبد ، فإذا سعى في إبطاله ، فقد خسر خسراناً عظيماً لا سيما ويستحق على ذلك الإبطال الذم العظيم في الدنيا ، والعقاب العظيم في الآخرة . أما الذم في الدنيا فلأن الناس يقولون قتل ولده خوفاً من أن يأكل طعامه وليس في الدنيا ذم أشد منه . وأما العقاب في الآخرة ، فلأن قرابة الولادة أعظم موجبات المحبة فمع حصولها إذا أقدم على إلحاق أعظم المضار به كان ذلك أعظم أنواع الذنوب ، فكان موجباً لأعظم أنواع العقاب .
والنوع الثاني : السفاهة وهي عبارة عن الخفة المذمومة ، وذلك لأن قتل الولد إنما يكون للخوف من الفقر ، والفقر وإن كان ضرراً إلا أن القتل أعظم منه ضرراً ، وأيضاً فهذا القتل ناجز وذلك الفقر موهوم فالتزام أعظم المضار على سبيل القطع حذراً من ضرر قليل موهوم ، لا شك أنه سفاهة .
والنوع الثالث : قوله : { بِغَيْرِ عِلْمٍ } فالمقصود أن هذه السفاهة إنما تولدت من عدم العلم ولا شك أن الجهل أعظم المنكرات والقبائح .
والنوع الرابع : تحريم ما أحل الله لهم ، وهو أيضاً من أعظم أنواع الحماقة ، لأنه يمنع نفسه تلك المنافع والطيبات ، ويستوجب بسبب ذلك المنع أعظم أنواع العذاب والعقاب .
والنوع الخامس : الافتراء على الله ، ومعلوم أن الجراءة على الله ، والافتراء عليه أعظم الذنوب وأكبر الكبائر .
والنوع السادس : الضلال عن الرشد في مصالح الدين ومنافع الدنيا .
والنوع السابع : أنهم ما كانوا مهتدين ، والفائدة فيه أنه قد يضل الإنسان عن الحق إلا أن يعود إلى الاهتداء ، فبين تعالى أنهم قد ضلوا ولم يحصل لهم الاهتداء قط فثبت أنه تعالى ذم الموصوفين بقتل الأولاد وتحريم ما أحله الله تعالى لهم بهذه الصفات السبعة الموجبة لأعظم أنواع الذم ، وذلك نهاية المبالغة ).ا هـ
خامسا تفسير قوله تعالي(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) الانعام 100
وجاء في تفسير ابن كثير - (ج 3 / ص 307)
(هذا رد على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره، وأشركوا في عبادة الله أن عبدوا الجن، فجعلوهم شركاء الله في العبادة، تعالى الله عن شركهم وكفرهم.
فإن قيل: فكيف عُبدت الجن وإنما كانوا يعبدون الأصنام؟ فالجواب: أنهم إنما عبدوا الأصنام عن طاعة الجن وأمرهم إياهم بذلك، كما قال تعالى: { إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا } [النساء: 117 -120]، وقال تعالى: { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي [وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا] (2) } [الكهف: 50]، وقال إبراهيم لأبيه: { يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا } [مريم: 44]، وقال تعالى: { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } [يس: 60، 61]، وتقول (3) الملائكة يوم القيامة: { سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ } [سبأ: 41]، ولهذا قال تعالى: { وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ } أي: وقد خلقهم، فهو الخالق وحده لا شريك له، فكيف يعبد معه غيره، كما قال إبراهيم [عليه السلام] { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } [الصافات: 95، 96].
ومعنى الآية: أنه سبحانه وتعالى هو المستقل بالخلق وحده؛ فلهذا يجب أن يُفْرَد بالعبادة وحده لا شريك له.
وقوله تعالى: { وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } ينبه به تعالى على ضلال من ضل في وصفه تعالى بأن له ولدا، كما يزعم من قاله من اليهود في العزير، ومن قال من النصارى في المسيح وكما قال المشركون من العرب في الملائكة: إنها بنات الله، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
ومعنى قوله [تعالى] { وَخَرَقُوا } أي: واختلقوا وائتفكوا، وتخرّصوا وكذبوا، كما قاله علماء السلف. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: { وَخَرَقُوا } يعني: أنهم تخرصوا. وقال العوفي عنه: { وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } قال: جعلوا له بنين وبنات. وقال مجاهد: { وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ } قال: كذبوا. وكذا قال الحسن. وقال الضحاك: وضعوا، وقال السُّدِّي: قطعوا.
قال ابن جرير: فتأويل الكلام إذًا: وجعلوا لله الجن شركاء في عبادتهم إياه، وهو المنفرد بخلقهم بغير شريك ولا ظهير { وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ } يقول: وتخرصوا لله كذبا، فافتعلوا له بنين وبنات بغير علم بحقيقة ما يقولون، ولكن جهلا بالله وبعظمته، وأنه لا ينبغي إن كان إلها أن يكون له بنون وبنات ولا صاحبة، ولا أن يشركه في خلقه شريك.
ولهذا قال تعالى: { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ } أي: تقدس وتنزه وتعاظم عما يصفه هؤلاء الجهلة الضالون من الأولاد والأنداد، والنظراء والشركاء.)ا هـ
سادسا- تفسير قوله تعالي(بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) يونس39
وجاء في تفسير ابن كثير - (ج 4 / ص 270)
(وقوله: { بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ } يقول: بل كذب هؤلاء بالقرآن، ولم يفهموه ولا عرفوه، { وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ } أي: ولم يُحصّلوا ما فيه من الهدى ودين الحق إلى حين تكذيبهم به جهلا وسفهًا { كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } أي: من الأمم السالفة { فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ } أي: فانظر كيف أهلكناهم بتكذيبهم رسلنا ظلمًا وعلوا، وكفرا وعنادًا وجهلا فاحذروا أيها المكذبون أن يصيبكم ما أصابهم.)ا هـ
وجاء في زاد المسير - (ج 3 / ص 277)
(قوله تعالى : { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه } فيه قولان :
أحدهما : أن المعنى : بما لم يحيطوا بعلم ما فيه ذِكْر الجنة والنار والبعث والجزاء
والثاني : بما لم يحيطوا بعلم التكذيب به ، لأنهم شاكّون فيه .
وفي قوله : { ولمَّا يأتهم تأويله } قولان :
أحدهما : تصديق ما وُعدوا به من الوعيد . والتأويل : ما يؤول إِليه الأمر .
والثاني : ولم يكن معهم عِلم تأويله ، قاله الزجاج .
قيل لسفيان بن عيينة : يقول الناس : كل إِنسان عدوُّ ما جهل ، فقال : هذا في كتاب الله . قيل : أين؟ فقال : { بل كذَّبوا بما لم يحيطوا بعلمه } .
وقيل للحسين بن الفضل : هل تجد في القرآن : من جهل شيئاً عاداه؟ فقال : نعم ، في موضعين . قوله : { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه } وقوله : { إِذْ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إِفك قديم
} [ الأحقاف : 11 ] .) ا هـ
سابعا- تفسير قوله تعالي (حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84)-النمل84
وجاء في تفسير البغوي - (ج 6 / ص 180)
(ولم تعرفوها حق معرفتها، { أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } حين لم تفكروا فيها. ومعنى الآية: أكذبتم بآياتي غير عالمين بها، ولم تفكروا في صحتها بل كذبتم بها جاهلين؟) ا هـ
وجاء في فتح القدير - (ج 5 / ص 380)
({ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي } التي أنزلتها على رسلي ، وأمرتهم بإبلاغها إليكم والحال أنكم { لَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً } بل كذبتم بها بادىء بدء جاهلين لها غير ناظرين فيها ، ولا مستدلين على صحتها ، أو بطلانها تمرّداً ، وعناداً ، وجرأة على الله وعلى رسله ، وفي هذا مزيد تقريع وتوبيخ؛ لأن من كذب بشيء ، ولم يحط به علماً فقد كذب في تكذيبه ، ونادى على نفسه بالجهل وعدم الإنصاف ، وسوء الفهم ، وقصور الإدراك ، ومن هذا القبيل من تصدّى لذمّ علم من العلوم الشرعية ، أو لذمّ علم هو مقدّمة من مقدّماتها ، ووسيلة يتوسل بها إليها ، ويفيد زيادة بصيرة في معرفتها ، وتعقل معانيها كعلوم اللغة العربية بأسرها ، وهي اثنا عشر علماً ، وعلم أصول الفقه فإنه يتوصل به إلى استنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية مع اشتماله على بيان قواعد اللغة الكلية ، وهكذا كل علم من العلوم التي لها مزيد نفع في فهم كتاب الله ، وسنة رسوله ، فإنه قد نادى على نفسه بأرفع صوت بأنه جاهل مجادل بالباطل طاعن على العلوم الشرعية ، مستحق لأن تنزل به قارعة من قوارع العقوبة التي تزجره عن جهله وضلاله وطعنه على ما لا يعرفه ، ولا يعلم به ، ولا يحيط بكنهه حتى يصير عبرة لغيره ، وموعظة يتعظ بها أمثاله من ضعاف العقول ، وركاك الأديان ، ورعاع المتلبسين بالعلم زوراً وكذباً ).ا هـ
ثامنا- تفسير قوله تعالي(فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) [القصص/50]
وجاء في فتح القدير - (ج 5 / ص 411)
({ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ } أي لم يفعلوا ما كلفتهم به من الإتيان بكتاب هو أهدى من الكتابين ، وجواب الشرط : { فاعلم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ } أي آراءهم الزائغة واستحساناتهم الزائفة بلا حجة ، ولا برهان ، وقيل : المعنى : فإن لم يستجيبوا لك بالإيمان بما جئت به ، وتعدية { يستجيبوا } باللام هو أحد الجائزين { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتبع هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ الله } أي لا أحد أضلّ منه ، بل هو الفرد الكامل في الضلال { إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين } لأنفسهم بالكفر وتكذيب الأنبياء والإعراض عن آيات الله .)ا هـ
وجاء في تفسير الرازي - (ج 12 / ص 93)
({ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ } قال ابن عباس يريد فإن لم يؤمنوا بما جئت به من الحجج ، وقال مقاتل فإن لم يمكنهم أن يأتوا بكتاب أفضل منهما وهذا أشبه بالآية فإن قيل الاستجابة تقتضي دعاء فأين الدعاء ههنا؟ قلنا قوله : { فَأْتُواْ بكتاب } أمر والأمر دعاء إلى الفعل ثم قال : { فاعلم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ } يعني قد صاروا ملزمين ولم يبق لهم شيء إلا اتباع الهوى ثم زيف طريقتهم بقوله : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتبع هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ الله } وهذا من أعظم الدلائل على فساد التقليد وأنه لا بد من الحجة والاستدلال { إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين } وهو عام يتناول الكافر لقوله :{ إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } ا هـ
تاسعا- تفسير قوله تعالي { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ (43) }العنكبوت41-43
وجاء في تفسير ابن كثير - (ج 6 / ص 279)
(هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله، يرجون نصرهم ورزقهم، ويتمسكون بهم في الشدائد، فهم في ذلك كبيت العنكبوت في ضعفه ووهنه فليس في أيدي هؤلاء من آلهتهم إلا كمَنْ يتمسك ببيت العنكبوت، فإنه لا يجدي عنه شيئا، فلو عَلموا هذا الحال لما اتخذوا من دون الله أولياء، وهذا بخلاف المسلم المؤمن قلبه لله، وهو مع ذلك يحسن العمل في اتباع الشرع فإنه مستمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، لقوتها وثباتها.
ثم قال تعالى متوعدا لِمَنْ عبد غيره وأشرك به: إنه تعالى يعلم ما هم عليه من الأعمال، ويعلم ما يشركون به من الأنداد، وسيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم.
ثم قال تعالى: { وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ } أي: وما يفهمها ويتدبرها إلا الراسخون في العلم المتضلعون منه. )ا هـ
عشرا- تفسير قوله تعالي (فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109) هود109
جاء في تفسير الطبري - (ج 15 / ص 491)
(قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فلا تَك في شك ، يا محمد ، مما يعبد هؤلاء المشركون من قومك من الآلهة والأصنام، أنه ضلالٌ وباطلٌ ، وأنه بالله شركٌ =(ما يعبد هؤلاء إلا كما يعبد آباؤهم من قبل)، يقول: إلا كعبادة آبائهم ، من قبل عبادتهم لها. يُخبر تعالى ذكره أنهم لم يعبدُوا ما عبدوا من الأوثان إلا اتباعًا منهم منهاج آبائهم، واقتفاءً منهم آثارهم في عبادتهموها، لا عن أمر الله إياهم بذلك، ولا بحجة تبيَّنوها توجب عليهم عبادتها.)ا هـ
الحادي عشر- تفسير قوله تعالي (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) البقرة 198
جاء في فتح القدير - (ج 1 / ص 271)
({ وَإِن كُنتُمْ مّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضالين } قال لمن الجاهلين ).ا هـ
الثاني عشر
- وكما قال الله تعالي (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)
الثالث عشر
- وقال تعالي (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)البقرة 151
جاء في تفسير السعدي - (ج 1 / ص 74)
{ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } لأنهم كانوا قبل بعثته، في ضلال مبين، لا علم ولا عمل، فكل علم أو عمل، نالته هذه الأمة فعلى يده صلى الله عليه وسلم، وبسببه كان، فهذه النعم هي أصول النعم على الإطلاق، ولهي أكبر نعم ينعم بها على عباده، فوظيفتهم شكر الله عليها والقيام بها)ا هـ
الرابع عشر- قال تعالي (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة
وجاء في تفسير الطبري - (ج 2 / ص 517)
(قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تبارك وتعالى أخبر عن قوم وصفهم بالجهل ، ونفى عنهم العلم بما كانت اليهود والنصارى به عالمين - أنهم قالوا بجهلهم نظير ما قال اليهود والنصارى بعضها لبعض مما أخبر الله عنهم أنهم قالوه في قوله:(وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء). وجائز أن يكونوا هم المشركين من العرب ، وجائز أن يكونوا أمة كانت قبل اليهود والنصارى. ولا أمة أولى أن يقال هي التي عنيت بذلك من أخرى ، إذْ لم يكن في الآية دلالة على أي من أي ، ولا خبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتت حجته من جهة نقل الواحد العدل ، ولا من جهة النقل المستفيض.
وإنما قصد الله جل ثناؤه بقوله:(كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم) ، إعلام المؤمنين أن اليهود والنصارى قد أتوا من قيل الباطل ، وافتراء الكذب على الله ، وجحود نبوة الأنبياء والرسل ، وهم أهل كتاب يعلمون أنهم فيما يقولون مبطلون ، وبجحودهم ما يجحدون من ملتهم خارجون ، وعلى الله مفترون ، مثل الذي قاله أهل الجهل بالله وكتبه ورسله ، الذين لم يبعث الله لهم رسولا ولا أوحى إليهم كتابا).ا هـ
الخامس عشر تفسير قوله تعالي(وَقَالَ الَّذِينَ
لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) [البقرة/118]
جاء في تفسير الطبري - (ج 2 / ص 552)
(وأولى هذه الأقوال بالصحة والصواب قول القائل: إن الله تعالى عنى بقوله:(وقال الذين لا يعلمون)، النصارى دون غيرهم. لأن ذلك في سياق خبر الله عنهم ، وعن افترائهم عليه وادعائهم له ولدا. فقال جل ثناؤه ، مخبرا عنهم فيما أخبر عنهم من ضلالتهم أنهم مع افترائهم على الله الكذب بقوله:(اتخذ الله ولدا) ، تمنوا على الله الأباطيل ، فقالوا جهلا منهم بالله وبمنزلتهم عنده وهم بالله مشركون:(لولا يكلمنا الله ) ، كما يكلم رسوله وأنبياءه ، أو تأتينا آية كما أتتهم؟ ولا ينبغي لله أن يكلم إلا أولياءه ، ولا يؤتي آية معجزة على دعوى مدع إلا لمن كان محقا في دعواه وداعيا إلى الله وتوحيده، فأما من كان كاذبا في دعواه وداعيا إلى الفرية عليه وادعاء البنين والبنات له ، فغير جائز أن يكلمه الله جل ثناؤه ، أو يؤتيه آية معجزة تكون مؤيدة كذبه وفريته عليه.
وأمّا الزاعم: أن الله عنى بقوله (وقال الذين لا يعلمون) العرب ، فإنه قائل قولا لا خبر بصحته ، ولا برهان على حقيقته في ظاهر الكتاب. والقول إذا صار إلى ذلك كان واضحا خطؤه ، لأنه ادعى ما لا برهان على صحته ، وادعاء مثل ذلك لن يتعذر على أحد.)ا هـ
السادس عشر- قال تعالي(وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37) الأنعام 37
وجاء في تفسير الألوسي - (ج 5 / ص 306)
{ وَقَالُواْ } أي رؤساء قريش الذين بلغ بهم الجهل والضلال إلى حيث لم يقنعوا بما شاهدوه من الآيات التي تخر لها صم الجبال ولم يعتدوا به { لَوْلاَ } أي هلا { نَزَّلَ } أي أنزل { عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ } ملجئة للإيمان { قُلْ } يا محمد { إِنَّ الله قَادِرٌ على أَن يُنَزّلٍ ءايَةً } من الآيات الملجئة { ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } فلا يدرون أن عدم تنزيلها مع ظهور قدرته سبحانه وتعالى عليه لما أن في تنزيلها قلعاً لأساس التكليف المبني على قاعدة الاختيار أو استئصالاً لهم بالكلية إذ ذلك من لوازم جحد الآية الملجئة وجوز أن لا يكونوا قد طلبوا الملجيء ولا يلزم من عدم الاعتداد بالمشاهد طلبه بل يجوز أن يكونوا قد طلبوا غير الحاصل مما لا يلجىء لجاجاً وعناداً ، ويكون الجواب بالملجىء حينئذ من أسلوب الحكيم أو يكون جواباً بما يستلزم مطلوبهم بطريق أقوى وهو أبلغ) ا هـ
السابع عشر-تفسير قوله تعالي ((بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) [الروم/29، 30]
وجاء في تفسير البغوي - (ج 6 / ص 269)
( { بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا } أشركوا بالله، { أهواءهم } في الشرك، { بِغَيْرِ عِلْمٍ } جهلا بما يجب عليهم، { فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ } [أي: أضله الله] { وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } مانعين يمنعونهم من عذاب الله عز وجل. قوله تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ } أي: أخلص دينك لله)ا هـ
وجاء في تفسير الألوسي - (ج 15 / ص 360)
({ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي جاهلين يبطلان ما أتوا منكبين عليه لا يصرفهم عنه صارف حسبما يصرف العالم إذا اتبع الباطل علمه ببطلانه)ا هـ
وجاء في تفسير النسفي - (ج 3 / ص 93)
({ بَلِ اتبع الذين ظَلَمُواْ } أنفسهم بما أشركوا كما قال الله تعالى : { إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] { أَهْوَاءهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي اتبعوا أهواءهم جاهلين { فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ الله } أي أضله الله تعالى { وَمَا لَهُم مّن ناصرين } من العذاب .).ا هـ
وجاء في تفسير اللباب لابن عادل - (ج 12 / ص 490)
({ بَلِ اتبع الذين ظلموا أَهْوَآءَهُمْ } أي لا يجوز أن يشرك مالك ممولكه ولكن الذين ظلموا أي أشركوا اتبعوا أهواءهم في الشرك { مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ } أي من غير دليل جهلاً بما يجب عليهم ، ثم بين أن ذلك بإرادة الله بقوله : { فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ الله } أي هَؤلاء أَضَلَّهم الله فلا هاديَ لهم فلا يحزنْك قَوْلُهُمْ ثم قال : { وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } مانعيهم يمنعونهم من عذاب الله - عز وجل
قوله تعالى : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً } أي أخلص دينك لله) ا هـ
وجاء في فتح القدير - (ج 5 / ص 469)
({ بَلِ اتبع الذين ظَلَمُواْ أَهْوَاءهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي لم يعقلوا الآيات ، بل اتبعوا أهواءهم الزائغة ، وآراءهم الفاسدة الزائفة ، ومحل { بغير علم } النصب على الحال ، أي جاهلين بأنهم على ضلالة { فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ الله } أي لا أحد يقدر على هدايته؛ لأن الرشاد والهداية بتقدير الله وإرادته { وَمَا لَهُم مّن ناصرين } أي ما لهؤلاء الذين أضلهم الله من ناصرين ينصرونهم ، ويحولون بينهم وبين عذاب الله سبحانه ).ا هـ
الثامن عشر- فال تعالي((وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) [الأنعام/108، 109]
وجاء في تفسير الطبري - (ج 12 / ص 33)
(قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به: ولا تسبُّوا الذين يدعو المشركون من دون الله من الآلهة والأنداد، فيسبَّ المشركون اللهَ جهلا منهم بربهم، واعتداءً بغير علم )ا هـ
التاسع عشر قال تعالي(وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) [الأنعام/144، 145]
وجاء في تفسير الرازي - (ج 7 / ص 3)
(أحدهما : أن يقال : إن هذا الكلام ما ورد على سبيل الاستدلال على بطلان قولهم ، بل هو استفهام على سبيل الإنكار يعني أنكم لا تقرون بنبوة نبي ، ولا تعرفون شريعة شارع ، فكيف تحكمون بأن هذا يحل وأن ذلك يحرم؟ وثانيهما : أن حكمهم بالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام مخصوص بالإبل ، فالله تعالى بين أن النعم عبارة عن هذه الأنواع الأربعة ، فلما لم تحكموا بهذه الأحكام في الأقسام الثلاثة ، وهي : الضأن والمعز والبقر ، فكيف خصصتم الإبل بهذا الحكم على التعيين؟ فهذا ما عندي في هذه الآية والله أعلم بمراده .
ثم قال تعالى : { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وصاكم الله بهذا } والمراد هل شاهدتم الله حرم هذا إن كنتم لا تؤمنون برسول؟ وحاصل الكلام من هذه الآية : أنكم لا تعترفون بنبوة أحد من الأنبياء ، فكيف تثبتون هذه الأحكام المختلفة؟ ولما بين ذلك قال : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا لِيُضِلَّ الناس بِغَيْرِ عِلْمٍ } قال ابن عباس : يريد عمرو بن لحي ، لأنه هو الذي غير شريعة إسمعيل ، والأقرب أن يكون هذا محمولاً على كل من فعل ذلك ، لأن اللفظ عام والعلة الموجبة لهذا الحكم عامة ، فالتخصيص تحكم محض . قال المحققون : إذا ثبت أن من افترى على الله الكذب في تحريم مباح استحق هذا الوعيد الشديد ، فمن افترى على الله الكذب في مسائل التوحيد ومعرفة الذات والصفات والنبوات والملائكة ومباحث المعاد كان وعيده أشد وأشق . قال القاضي : ودل ذلك على أن الإضلال عن الدين مذموم ، لا يليق بالله ، لأنه تعالى إذا ذم الإضلال الذي ليس فيه إلا تحريم المباح ، فالذي هو أعظم منه أولى بالذم ) ا هـ
وجاء في تفسير السعدي - (ج 1 / ص 277)
(وهذه الأنعام التي امتن الله بها على عباده، وجعلها كلها حلالا طيبا، فصلها بأنها: { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ } ذكر وأنثى { وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ } كذلك،فهذه أربعة، كلها داخلة فيما أحل الله، لا فرق بين شيء منها، فقل لهؤلاء المتكلفين، الذين يحرمون منها شيئا دون شيء، أو يحرمون بعضها على الإناث دون الذكور، ملزما لهم بعدم وجود الفرق بين ما أباحوا منها وحرموا: { آلذَّكَرَيْنِ } من الضأن والمعز { حَرَّمَ } الله، فلستم تقولون بذلك وتطردونه، { أَمِ الأنْثَيَيْنِ } حرم الله من الضأن والمعز، فليس هذا قولكم، لا تحريم الذكور الخلص، ولا الإناث الخلص من الصنفين.
بقي إذا كان الرحم مشتملا على ذكر وأنثى، أو على مجهول فقال: { أَمْ } تحرمون { ما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنْثَيَيْنِ } أي: أنثى الضأن وأنثى المعز، من غير فرق بين ذكر وأنثى، فلستم تقولون أيضا بهذا القول.
فإذا كنتم لا تقولون بأحد هذه الأقوال الثلاثة، التي حصرت الأقسام الممكنة في ذلك، فإلى أي شيء تذهبون؟.
{ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } في قولكم ودعواكم، ومن المعلوم أنهم لا يمكنهم أن يقولوا قولا سائغا في العقل، إلا واحدا من هذه الأمور الثلاثة. وهم لا يقولون بشيء منها. إنما يقولون: إن بعض الأنعام التي يصطلحون عليها اصطلاحات من عند أنفسهم، حرام على الإناث دون الذكور، أو محرمة في وقت من الأوقات، أو نحو ذلك من الأقوال، التي يعلم علما لا شك فيه أن مصدرها من الجهل المركب، والعقول المختلة المنحرفة، والآراء الفاسدة، وأن الله، ما أنزل -بما قالوه- من سلطان، ولا لهم عليه حجة ولا برهان.
ثم ذكر في الإبل والبقر مثل ذلك. فلما بين بطلان قولهم وفساده، قال لهم قولا لا حيلة لهم في الخروج من تبعته، إلا في اتباع شرع الله. { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ } أي: لم يبق عليكم إلا دعوى، لا سبيل لكم إلى صدقها وصحتها. وهي أن تقولوا: إن الله وصَّانا بذلك، وأوحى إلينا كما أوحى إلى رسله، بل أوحى إلينا وحيا مخالفا لما دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب، وهذا افتراء لا يجهله أحد، ولهذا قال: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي: مع كذبه وافترائه على الله، قصده بذلك إضلال عباد الله عن سبيل الله، بغير بينة منه ولا برهان، ولا عقل ولا نقل. { إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } الذين لا إرادة لهم في غير الظلم والجور، والافتراء على الله.) ا هـ
وجاء في تفسير الطبري - (ج 12 / ص 188)
(وأما قوله:(أم كنتم شهداء إذ وصّاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا ليضل الناس بغير علم)، فإنه أمرٌ من الله جل ثناؤه نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء الجهلة من المشركين الذين قص قصصهم في هذه الآيات التي مضَت. يقول له عز ذكره: قل لهم، يا محمد، أيَّ هذه سألتكم عن تحريمه حرم ربكم عليكم من هذه الأزواج الثمانية؟ فإن أجابوك عن شيء مما سألتهم عنه من ذلك، فقل لهم: أخبرًا قلتم:"إن الله حرم هذا عليكم"، أخبركم به رسول عن ربكم، أم شهدتم ربكم فرأيتموه فوصَّاكم بهذا الذي تقولون وتزوّرون على الله؟ فإن هذا الذي تقولون من إخباركم عن الله أنه حرام بما تزعمون على ما تزعمون، لا يعلم إلا بوحي من عنده مع رسول يرسله إلى خلقه، أو بسماع منه، فبأي هذين الوجهين علمتم أنّ الله حرم ذلك كذلك، برسول أرسله إليكم، فأنبئوني بعلم إن كنتم صادقين ؟ أم شهدتم ربكم فأوصَاكم بذلك، وقال لكم:"حرمت ذلك عليكم"، فسمعتم تحريمه منه، وعهدَه إليكم بذلك؟ فإنه لم يكن واحدٌ من هذين الأمرين . يقول جل ثناؤه:(فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا)، يقول: فمن أشد ظلمًا لنفسه، وأبعد عن الحق ممن تخرَّص على الله قيلَ الكذب، وأضاف إليه تحريم ما لم يحرّم، وتحليل ما لم يحلل =(ليضل الناس بغير علم)، يقول: ليصدّهم عن سبيله =(إن الله لا يهدي القوم الظالمين)، يقول: لا يوفّق الله للرشد من افترى على الله وقال عليه الزُّور والكذب، وأضاف إليه تحريم ما لم يحرّم، كفرًا بالله، وجحودًا لنبوة نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم، )ا هـ
العشرون قوله تعالي (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) [الزخرف/19، 20]
وجاء في تفسير الطبري - (ج 21 / ص 583)
( مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ ) يقول: ما لهم بحقيقة ما يقولون من ذلك من علم، وإنما يقولونه تخرّصا وتكذّبا، لأنهم لا خبر عندهم مني بذلك ولا بُرْهان. وإنما يقولونه ظنا وحسبانا.( إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ ) يقول: ما هم إلا متخرّصون هذا القول الذي قالوه،) ا هـ
وجاء في تفسير ابن كثير - (ج 7 / ص 223)
({ وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } أي: لو أراد الله لحال بيننا وبين عبادة هذه الأصنام، التي هي على صور الملائكة التي هي بنات الله، فإنه عالم بذلك وهو يقررنا عليه، فجمعوا بين أنواع كثيرة من الخطأ:
أحدها: جَعْلُهم لله ولدا، تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علوا كبيرا.
الثاني: دعواهم أنه اصطفى البنات على البنين، فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا.
الثالث: عبادتهم لهم مع ذلك كله، بلا دليل ولا برهان، ولا إذن من الله عز وجل، بل بمجرد الآراء والأهواء، والتقليد للأسلاف والكبراء والآباء، والخبط في الجاهلية الجهلاء.
الرابع: احتجاجهم بتقديرهم على ذلك قَدَرا [والحجة إنما تكون بالشرع] ، وقد جهلوا في هذا الاحتجاج جهلا كبيرًا، فإنه تعالى قد أنكر ذلك عليهم أشد الإنكار، فإنه منذ بعث الرسل وأنزل الكتب يأمر بعبادته وحده لا شريك له، وينهى عن عبادة ما سواه، قال [تعالى] ، { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } [النحل: 36]، وقال تعالى: { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [الزخرف: 45].) ا هـ
الحادي والعشرون (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) [الأحقاف/4]
وجاء في تفسير السعدي - (ج 1 / ص 779)
({ قُلْ } لهؤلاء الذين أشركوا بالله أوثانا وأندادا لا تملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، قل لهم -مبينا عجز أوثانهم وأنها لا تستحق شيئا من العبادة-: { أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ } هل خلقوا من أجرام السماوات والأرض شيئا؟ هل خلقوا جبالا؟ هل أجروا أنهارا؟ هل نشروا حيوانا؟ هل أنبتوا أشجارا؟ هل كان منهم معاونة على خلق شيء من ذلك؟
لا شيء من ذلك بإقرارهم على أنفسهم فضلا عن غيرهم، فهذا دليل عقلي قاطع على أن كل من سوى الله فعبادته باطلة.
ثم ذكر انتفاء الدليل النقلي فقال: { ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا } الكتاب يدعو إلى الشرك { أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ } موروث عن الرسل يأمر بذلك. من المعلوم أنهم عاجزون أن يأتوا عن أحد من الرسل بدليل يدل على ذلك، بل نجزم ونتيقن أن جميع الرسل دعوا إلى توحيد ربهم ونهوا عن الشرك به، وهي أعظم ما يؤثر عنهم من العلم قال تعالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } وكل رسول قال لقومه: { اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } فعلم أن جدال المشركين في شركهم غير مستندين فيه على برهان ولا دليل وإنما اعتمدوا على ظنون كاذبة وآراء كاسدة وعقول فاسدة. يدلك على فسادها استقراء أحوالهم وتتبع علومهم وأعمالهم والنظر في حال من أفنوا أعمارهم بعبادته هل أفادهم شيئا في الدنيا أو في الآخرة؟)ا هـ















الفصل الثاني ومن صفات المشركين الغفلة ولكن منها غفلة شركية وغفلة غير شركيةأولا الغفلة غير الشركية والتي يكون صاحبها معذور لا إثم عليه
1=كما في تفسير قوله تعالي (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ
)(3) يوسف
وجاء في تفسير الرازي - (ج 8 / ص 493)
(ثم قال : { وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ } يريد من قبل أن نوحي إليك { لَمِنَ الغافلين } عن قصة يوسف وإخوته ، لأنه عليه السلام إنما علم ذلك بالوحي ، ومنهم من قال : المراد أنه كان من الغافلين عن الدين والشريعة قبل ذلك كما قال تعالى : { مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الكتاب وَلاَ الإيمان } [ الشورى : 52 ]) .ا هـ
وهذه الغفلة عن أمور الشريعة ليس عيبا ولا جريمة قبل بلوغ الخبر وهي تختلف عن الغفلة الشركية التي يقع صاحبها في الشرك والتي لا عذر فيها كما سنري إن شاء الله
2=تفسير قوله تعالي (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) الشوري52
وجاء في النكت والعيون - (ج 4 / ص 78)
(قوله عز وجل : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : رحمة من عندنا ، قاله قتادة .
الثاني : وحياً من أمرنا ، قاله السدي .
الثالث : قرآناً من أمرنا ، قاله الضحاك .
{ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ } فيه وجهان :
أحدهما : ما كنت تدري ما الكتاب لولا الرسالة ، ولا الإيمان لولا البلوغ ، قاله ابن عيسى .
الثاني : ما كنت تدري ما الكتاب لولا إنعامنا عليك ، ولا الإيمان لولا هدايتنا لك وهو محتمل .
وفي هذا الإيمان وجهان :
أحدهما : أنه الإيمان بالله ، وهذا يعرفه بعد بلوغه وقبل نبوته .
الثاني : أنه دين الإٍسلام ، وهذا لا يعرفه إلا بعد النبوة .
{ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً . . . } فيه قولان :
أحدهما : جعلنا القرآن نوراً ، قاله السدي .
الثاني : جعلنا الإيمان نوراً . حكاه النقاش وقاله الضحاك .
{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } فيه قولان :
أحدهما : معناه : وإنك لتدعو إلى دين مستقيم ، قاله قتادة .
الثاني : إلى كتاب مستقيم ، قاله علي رضي الله عنه .
وقرأ عاصم الجحدري : وإنك لتُهدى ، بضم التاء أي لتُدْعَى .
قوله عز وجل : { صِرَاطِ اللَّهِ } فيه وجهان :
أحدهما : أن صراط الله هو القرآن ، قاله علي كرم الله وجهه .
الثاني : الإٍسلام ، رواه النواس بن سمعان الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم .)ا هـ
وجاء في تفسير البغوي - (ج 7 / ص 201)
({ وَكَذَلِكَ } أي: كما أوحينا إلى سائر رسلنا، { أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا } قال ابن عباس: نبوة. وقال الحسن: رحمة. وقال السدي ومقاتل: وحيًا. وقال الكلبي: كتابًا. وقال الربيع: جبريل. وقال مالك بن دينار: يعني القرآن. { مَا كُنْتَ تَدْرِي } قبل الوحي، { مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ } يعني شرائع الإيمان ومعالمه، قال محمد بن إسحاق بن خزيمة: "الإيمان" في هذا الموضع: الصلاة، ودليله: قوله عز وجل: "وما كان الله ليضيع إيمانكم"( البقرة 143 )
وأهل الأصول على أن الأنبياء عليهم السلام كانوا مؤمنين قبل الوحي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعبد الله قبل الوحي على دين إبراهيم، ولم يتبين له شرائع دينه.
{ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا } قال ابن عباس: يعني الإيمان. وقال السدي: يعني القرآن. { نَهْدِي بِهِ } نرشد به، { مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي } أي لتدعو، { إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } يعني الإسلام.)ا هـ
وجاء في فتح القدير - (ج 6 / ص 392)
({ مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الكتاب } أي : أيّ شيء هو ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يقرأ ، ولا يكتب ، وذلك أدخل في الإعجاز ، وأدلّ على صحة نبوّته ، ومعنى : { وَلاَ الإيمان } : أنه كان لا يعرف تفاصيل الشرائع ، ولا يهتدي إلى معالمها ، وخص الإيمان؛ لأنه رأسها ، وأساسها .وقيل : أراد بالإيمان هنا : الصلاة . قال بهذا : جماعة من أهل العلم منهم : إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة ، واحتجّ بقوله تعالى : { وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إيمانكم } [ البقرة : 143 ] يعني : الصلاة ، فسماها إيماناً . وذهب جماعة إلى أن الله سبحانه لم يبعث نبياً إلاّ وقد كان مؤمناً به ، وقالوا : معنى الآية : ما كنت تدري قبل الوحي كيف تقرأ القرآن ، ولا كيف تدعو الخلق إلى الإيمان . وقيل : كان هذا قبل البلوغ حين كان طفلاً ، وفي المهد . وقال الحسين بن الفضل : إنه على حذف مضاف ، أي : ولا أهل الإيمان . وقيل : المراد بالإيمان دين الإسلام . وقيل : الإيمان هنا عبارة عن الإقرار بكل ما كلف الله به العباد) ا هـ
ثانيا الغفلة الموجبة للشرك فمنها
1- تفسير قوله تعالي(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) الانبياء(1)
جاء في تفسير الألوسي - (ج 12 / ص 316)
({ اقترب لِلنَّاسِ حسابهم } روي عن ابن عباس كما قال الإمام . والقرطبي . والزمخشري أن المراد بالناس المشركون ويدل عليه ما ستسمعه بعد إن شاء الله تعالى من الآيات فإنها ظاهرة في وصف المشركين )ا هـ
وجاء في النكت والعيون - (ج 3 / ص 69)
{ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } يحتمل وجهين :
أحدهما : في غفلة بالدنيا معرضون عن الآخرة .
الثاني : في غفلة بالضلال ، معرضون عن الهدى )ا هـ.
2– قال تعالي(فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) [الأعراف/136]
وجاء في تفسير الألوسي - (ج 6 / ص 326)
({ وَكَانُوا عَنْهَا غَافلينَ } الضمير المجرور للآيات ، والغفلة مجاز عن عدم الذكر والمبالاة أي بسبب تكذيبهم بالآيات وعدم مبالاتهم بها وتفكرهم فيها بحيث صاروا كالغافلين عنها بالكلية وإلا فالمكذب بأمر لا يكون غافلاً عنه للتنافي بين الأمرين ، وفي ذلك إشارة إلى أن من شاهد مثلها لا ينبغي له أن يكذب بها مع علمه بها ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الضمير للنقمة وأريد بها الغرق كما يدل عليه ما قبله ، وعليه فيجوز أن تكون الجملة حالية بتقدير قد ، ولا مجاز في الغفلة حينئذٍ والأول أولى كما لا يخفى ).ا هـ
وجاء في تفسير الرازي - (ج 7 / ص 228)
(فإن قيل : الغفلة ليست من فعل الإنسان ولا تحصل باختياره فكيف جاء الوعيد على الغفلة .
قلنا : المراد بالغفلة هنا الإعراض عن الآيات وعدم الالتفات إليها ، فهم أعرضوا عنها حتى صاروا كالغافلين عنها .فإن قيل : أليس قد ضموا إلى التكذيب والغفلة معاصي كثيرة؟ فكيف يكون الانتقام لهذين دون غيرهما .
قلنا : ليس في الآية بيان أنه تعالى انتقم منهم لهذين معاً دلالة على نفي ما عداه ، والآية تدل على أن الواجب في الآيات النظر فيها ، ولذلك ذمهم بأن غفلوا عنها ، وذلك يدل على أن التقليد طريق مذموم ).ا هـ
فمن الملاحظ أن الغفلة عن الدين ليس عذر بل هي شر جعلت المشركون معرضين عن الدين والهدي
3- قال تعالي(سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) [الأعراف/146]
وجاء في تفسير الطبري - (ج 13 / ص 113)
(قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه سيصرف عن آياته، وهي أدلته وأعلامه على حقيقة ما أمر به عباده وفرض عليهم من طاعته في توحيده وعدله، وغير ذلك من فرائضه. والسموات والأرض، وكل موجود من خلقه، فمن آياته، والقرآن أيضًا من آياته، وقد عم بالخبر أنه يصرف عن آياته المتكبرين في الأرض بغير الحق، وهم الذين حقَّت عليهم كلمة الله أنهم لا يؤمنون، فهم عن فهم جميع آياته والاعتبار والادّكار بها مصروفون، لأنهم لو وفِّقوا لفهم بعض ذلك فهُدوا للاعتبار به، اتعظوا وأنابوا إلى الحق، وذلك غير كائن منهم، لأنه جلّ ثناؤه قال:( وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا )، فلا تبديل لكلمات الله.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن ير هؤلاء الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق و= "وتكبرهم فيها بغير الحق"، تجبرهم فيها، واستكبارهم عن الإيمان بالله ورسوله، والإذعان لأمره ونهيه، وهم لله عبيدٌ يغذوهم بنعمته، ويريح عليهم رزقه بكرة وعشيًّا، = "كل آية"، يقول: كل حجة لله على وحدانيته وربوبيته، وكل دلالة على أنه لا تنبغي العبادة إلا له خالصة دون غيره. = "لا يؤمنوا بها"، يقول: لا يصدقوا بتلك الآية أنها دالة على ما هي فيه حجة، ولكنهم يقولون: "هي سحر وكذب" = "وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا"، يقول: وإن ير هؤلاء الذين وصف صفتهم طريق الهدى والسداد الذي إن سلكوه نجوا من الهلكة والعطب، وصاروا إلى نعيم الأبد، لا يسلكوه ولا يتخذوه لأنفسهم طريقًا، جهلا منهم وحيرة = "وإن يروا سبيل الغي"، يقول: وإن يروا طريق الهلاك الذي إن سلكوه ضلّوا وهلكوا.)ا هـ 
وجاء في تفسير ابن كثير - (ج 3 / ص 475)
(والأدلة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي، ويتكبرون على الناس بغير حق، أي: كما استكبروا بغير حق أذلهم الله بالجهل، كما قال تعالى: { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الأنعام:110] وقال تعالى: { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [الصف:5]
وقال بعض السلف: لا ينال العلم حيي ولا مستكبر.
وقال آخر: من لم يصبر على ذل التعلم ساعة، بقي في ذل الجهل أبدا.
وقال سفيان بن عُيَينة في قوله: { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } قال: أنزع عنهم فهم القرآن، وأصرفهم عن آياتي.
قال ابن جرير: وهذا يدل على أن هذا خطاب لهذه الأمة
قلت: ليس هذا بلازم؛ لأن ابن عيينة إنما أراد أن هذا مطرد في حق كل أمة، ولا فرق بين أحد وأحد في هذا، والله أعلم.
وقوله: { وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا } كما قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ } [يونس:96 ، 97] .
وقوله: { وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا } أي: وإن ظهر لهم سبيل الرشد، أي: طريق النجاة لا يسلكوها، وإن ظهر لهم طريق الهلاك والضلال يتخذوه سبيلا.
ثم علل مصيرهم إلى هذه الحال بقوله: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } أي: كذبت بها قلوبهم، { وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ } أي: لا يعلمون شيئًا مما فيها.)ا هـ
وجاء في زاد المسير - (ج 3 / ص 35)
(قوله تعالى : { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق } في هذه الآية قولان .
أحدهما : أنها خاصة لأهل مصر فيما رأوا من الآيات . والثاني : أنها عامة ، وهو أصح . وفي الآيات قولان .
أحدهما : أنها آيات الكتب المتلوَّة . ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال . أحدها : أمنعُهم فهمها . والثاني : أمنعهم من الإيمان بها . والثالث : أصرفهم عن الاعتراض عليها بالإبطال .
والثاني : أنها آيات المخلوقات كالسماء والأرض والشمس والقمر وغيرها ، فيكون المعنى : أصرفهم عن التفكر والاعتبار بما خلقتُ . وفي معنى يتكبَّرون قولان .
أحدهما : يتكبَّرون عن الإيمان واتباع الرسول .
والثاني : يحقِّرون الناس ويرون لهم الفضل عليهم .
قوله تعالى : { وإن يروا سبيل الرُّشْدِ } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم : «سبيل الرشد» بضم الراء خفيفة . وقرأ حمزة ، والكسائي : «سبيل الرَّشد» بفتح الراء والشين مثقلة .
قوله تعالى : { ذلك بأنَّهم } قال الزجاج : فعل الله بهم ذلك بأنهم { كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين } أي : كانوا في تركهم الإيمان بها والتدبر لها بمنزلة الغافلين . ويجوز أن يكون المعنى : وكانوا عن جزائها غافلين ).ا هـ
وجاء في النكت والعيون للماوردي- (ج 2 / ص 18)
(قوله عز وجل : { سَأَصْرِفُ عَنْ ءَاياتي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } فيه ثلاثة أوجه
أحدها : سأمنعهم من فهم القرآن ، قاله سفيان بن عيينة
والثاني : سأجعل جزاءهم على كفرهم ضلالهم عن الاهتداء بما جاء به من الحق .
والثالث : سأصرفهم عن دفع الانتقام عنهم .
وفي { يَتَكَبَّرُونَ } وجهان :
أحدهما : يحقرون الناس ويرون أن لهم عليهم فضلاً .
والثاني : يتكبرون عن الإيمان واتباع الرسول .
{ وَإن يَرَوْاْ كُلَّ ءَآيَةٍ لاَ يُؤْمِنُوا بها وإن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشُدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } فيه وجهان :
أحدهما : أن الرشد الإيمان ، والغي : الكفر .
والثاني : أن الرشد الهداية . والغي : الضلال .
{ ذَلَكَ بِأَنَّهُمْ كذَّبُواْ بِآَيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنَها غَافِلِينَ } فيه وجهان
أحدهما : غافلين عن الإيمان .
والثاني : غافلين عن الجزاء .)ا هـ
4- قال تعالي(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) [الأعراف/172، 173]

وجاء في تفسير ابن كثير - (ج 3 / ص 506)
(ولهذا قال: { أَنْ يَقُولُوا } أي: لئلا يقولوا يوم القيامة: { إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا } أي: [عن] التوحيد { غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا }) ا هـ
وجاء في قال البيضاوي
(" أو تقولوا " عطف على " أن تقولوا " وقرأ أبو عمرو كليهما بالياء لأن أول الكلام على الغيبة . " إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذريةً من بعدهم " فاقتدينا بهم لأن التقليد عند قيام الدليل والتمكن من العلم به لا يصلح عذرا . " أفتهلكنا بما فعل المبطلون " يعني آباءهم المبطلين بتأسيس الشرك)ا0هـ
وجاء في تفسير الطبري - (ج 13 / ص 243)
(أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم". فلذلك ليس في الأرض أحد من ولد آدم إلا وهو يعرف أن ربه الله، ولا مشرك إلا وهو يقول لابنه:( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ )، والأمة: الدين( وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ )، [الزخرف: 23] وذلك حين يقول الله:(وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى)ا هـ
(ثم يقول ص 251)
(قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: شهدنا عليكم أيها المقرُّون بأن الله ربكم، كيلا تقولوا يوم القيامة: "إنا كنا عن هذا غافلين" ، إنا كنا لا نعلم ذلك، وكنا في غفلة منه = أو تقولوا:(إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم)، اتبعنا منهاجهم =(أفتهلكنا)، بإشراك من أشرك من أبائنا، واتباعنا منهاجَهم على جهل منا بالحق؟ ويعني بقوله:(بما فعل المبطلون)، بما فعل الذين أبطلوا في دَعواهم إلهًا غير الله.)ا هـ
وجاء في تفسير فتح القدير للشوكاني (3 / 116) :
 (قوله: - "أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل" معطوف على "تقولوا" الأول أي فعلنا ذلك كراهة أن تعتذروا بالغفلة أو تنسبوا الشرك إلى آبائكم دونكم، و "أو" لمنع الخلو دون الجمع، فقد يعتذرون بمجموع الأمرين "من قبل" أي من قبل زماننا "وكنا ذرية من بعدهم" لا نهتدي إلى الحق ولا نعرف الصواب "أفتهلكنا بما فعل المبطلون" من آبائنا ولا ذنب لنا لجهلنا وعجزنا عن النظر واقتفائنا آثار سلفنا بين الله سبحانه في هذه الحكمة التي لأجلها أخرجهم من ظهر آدم وأشهدهم على أنفسهم، وأنه فعل ذلك بهم لئلا يقولوا هذه المقالة يوم القيامة، ويعتلوا بهذه العلة الباطلة ويعتذروا بهذه المعذرة الساقطة).ا0هـ
وجاء في تفسير القرطبي (7 / 319) :
("وكنا ذرية من بعدهم" أي اقتدنا بهم. "أفتهلكنا بما فعل المبطلون" بمعنى: لست تفعل هذا. ولا عذر للمقلد في التوحيد).ا0هـ
 قال بن تيمية رحمه الله في " الدرء " (8/487):
" وذلك يقتضي أن الاشهاد من لوازم الإنسان فكل إنسان قد جعله الله مقرا بربوبيته شاهدا على نفسه بأنه مخلوق والله خالقه … وهذا أمر ضروري لهم ، لاينفك عنه مخلوق وهو مما خلقوا عليه وجبلوا عليه ، وجعل علما ضروريا لهم "
وقال بعده :" … وهذا يقتضي أن نفس العقل الذي به يعرفون التوحيد حجة في بطلان الشرك ، ولايحتاج إلى رسول فإنه جعل ماتقدم حجة عليهم دون هذا … وهذا لايناقض قوله تعالى } وماكنا معذبين حتى نبعث رسولا { فإن الرسول يدعو إلى التوحيد لكن إن لم يكن في الفطرة دليل عقلي يعلم به إثبات الصانع لم يكن في مجرد الرسالة حجة عليهم … ثم إن الله بكمال رحمته وإحسانه لايعذب أحدا الا بعد إرسال رسول إليهم وإن كانوا فاعلين لمايستحق به الذم والعقاب ".)ا هـ
وقال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله كما في رسالته " التبصير في معالم الدين " (ص: 113) :
ثم لن يعدو جميع أمور الدين -الذي امتحن الله به عباده- معنيين:
 أحدهما: توحيد الله وعدله.
والآخر: شرائعه التي شرعها لخلقه من حلالٍ وحرامٍ وأقضيةٍ وأحكام.
(أ) فأما توحيده وعدله: فمدركةٌ حقيقة علمه استدلالاً بما أدركته الحواس.
(ب) وأما شرائعه فمدركةٌ حقيقة علم بعضها حساً بالسمع، وعلم بعضها استدلالاً بما أدركته حاسة السمع.
ثم القول فيما أدركت حقيقة علمه منه استدلالاً على وجهين:
أحدهما: معذورٌ فيه بالخطأ والمخطئ، ومأجورٌ فيه على الاجتهاد والفحص والطلب؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجرٌ)).
وذلك الخطأ فيما كانت الأدلة على الصحيح من القول فيه مختلفةً غير مؤتلفةٍ، والأصول في الدلالة عليه مفترقةً غير متفقةٍ،
وإن كان لا يخلو من دليل على الصحيح من القول فيه، فميز بينه وبين السقيم منه، غير أنه يغمض بعضه غموضاً يخفى على كثير من طلابه، ويلتبس على كثيرٍ من بغاته.
والآخر منهما غير معذورٍ بالخطأ فيه مكلفٌ قد بلغ حد الأمر والنهي، ومكفرٌ بالجهل به الجاهل، وذلك ما كانت الأدلة الدالة على صحته متفقةً غير مفترقة، ومؤتلفةً غير مختلفةٍ، وهي مع ذلك ظاهرةٌ للحواس.
7- وأما ما أدركت حقيقة علمه منه حساً، فغير لازمٍ فرضه أحداً إلا بعد وقوعه تحت حسه، فأما وهو واقعٌ تحت حسه فلا سبيل له إلى العلم به، وإذا لم تكن له إلى العلم به سبيلٌ، لم يجز تكلفيه فرض العمل به، مع ارتفاع العلم به؛ وذلك أنه من لم ينته إليه الخبر بأن الله تعالى ذكره بعث رسولاً يأمر الناس بإقامة خمس صلواتٍ كل يومٍ وليلةٍ، لم يجز أن يكون معذباً على تركه إقامة الصلوات الخمس. لأن ذلك من الأمر الذي لا يدرك إلا بالسماع، ومن لم يسمع ذلك ولم يبلغه؛ فلم تلزمه الحجة به، وإنما يلزم فرضه من ثبتت عليه به الحجة.
8- فأما الذي لا يجوز الجهل به من دين الله لمن كان في قلبه من أهل التكليف لوجود الأدلة متفقةً في الدلالة عليه غير مختلفةٍ، ظاهرةً للحس غير خفية، فتوحيد الله تعالى ذكره، والعلم بأسمائه وصفاته وعدله، وذلك أن كل من بلغ حد التكليف من أهل الصحة والسلامة، فلن يعدم دليلاً دالاً وبرهاناً واضحاً يدله على وحدانية ربه جل ثناؤه، ويوضح له حقيقة صحة ذلك؛ ولذلك لم يعذر الله جل ذكره أحداً كان بالصفة التي وصفت بالجهل وبأسمائه، وألحقه إن مات على الجهل به بمنازل أهل العناد فيه تعالى ذكره، والخلاف عليه بعد العلم به، وبربوبيته في أحكام الدنيا، وعذاب الآخرة فقال -جل ثناؤه-: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً}.
فسوى -جل ثناؤه- بين هذا العامل في غير ما يرضيه على حسبانه أنه في عمله عاملٌ بما يرضيه في تسميته في الدنيا بأسماء أعدائه المعاندين له، الجاحدين ربوبيته مع علمهم بأنه ربهم، وألحقه بهم في الآخرة في العقاب والعذاب. وذلك لما وصفنا من استواء حال المجتهد المخطئ في وحدانيته وأسمائه وصفاته وعدله، وحال المعاند في ذلك في ظهور الأدلة الدالة المتفقة غير المفترقة لحواسهما، فلما استويا في قطع الله -جل وعز- عذرهما بما أظهر لحواسهما من الأدلة والحجج، وجبت التسوية بينهما في العذاب والعقاب
وخالف حكم ذلك حكم الجهل بالشرائع، لما وصفت من أن من لم يقطع الله عذره بحجة أقامها عليه بفريضة ألزمه إياها من شرائع الدين، فلا سبيل له إلى العلم بوجوب فرضها؛ إذ لا دلالة على وجوب فرضها، وإذا كان ذلك كذلك لم يكن مأموراً، وإذا لم يكن مأموراً لم يكن بترك العمل لله -عز ذكره- عاصياً، ولا لأمر ربه مخالفاً؛ فيستحق عقابه؛ لأن الطاعة والمعصية إنما تكون باتباع الأمر ومخالفته.)ا هـ
5– قال تعالي( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) [الأعراف/179، 180]
وجاء في تفسير الطبري - (ج 13 / ص 281)
(وقوله:(أولئك هم الغافلون)، يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفتُ صفتهم، القومُ الذين غفلوا =يعني: سهوًا عن آياتي وحُججي، وتركوا تدبُّرها والاعتبارَ بها والاستدلالَ على ما دلّت عليه من توحيد ربّها، لا البهائم التي قد عرّفها ربُّها ما سخَّرها له)ا هـ.
وجاء في تفسير ابن كثير - (ج 3 / ص 514)
({ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } أي: من الدواب؛ لأن الدواب قد تستجيب مع ذلك لراعيها إذا أبس بها، وإن لم تفقه كلامه، بخلاف هؤلاء؛ ولأن الدواب تفقه ما خلقت له إما بطبعها وإما بتسخيرها، بخلاف الكافر فإنه إنما خلق ليعبد الله ويوحده، فكفر بالله وأشرك به؛ ولهذا من أطاع الله من البشر كان أشرف من مثله من الملائكة في معاده، ومن كفر به من البشر، كانت الدواب أتم منه؛ ولهذا قال تعالى: { أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } )ا هـ
جاء في تفسير السعدي - (ج 1 / ص 309)
(يقول تعالى مبينا كثرة الغاوين الضالين، المتبعين إبليس اللعين: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا } أي: أنشأنا وبثثنا { لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ } صارت البهائم أحسن حالة منهم.
{ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا } أي: لا يصل إليها فقه ولا علم، إلا مجرد قيام الحجة.
{ وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا } ما ينفعهم، بل فقدوا منفعتها وفائدتها.
{ وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا } سماعا يصل معناه إلى قلوبهم.
{ أُولَئِكَ } الذين بهذه الأوصاف القبيحة { كَالأنْعَامِ } أي: البهائم، التي فقدت العقول، وهؤلاء آثروا ما يفنى على ما يبقى، فسلبوا خاصية العقل.
{ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } من البهائم، فإن الأنعام مستعملة فيما خلقت له، ولها أذهان، تدرك بها، مضرتها من منفعتها، فلذلك كانت أحسن حالا منهم.
{ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } الذين غفلوا عن أنفع الأشياء، غفلوا عن الإيمان باللّه وطاعته وذكره.
خلقت لهم الأفئدة والأسماع والأبصار، لتكون عونا لهم على القيام بأوامر اللّه وحقوقه، فاستعانوا بها على ضد هذا المقصود.
فهؤلاء حقيقون بأن يكونوا ممن ذرأ اللّه لجهنم وخلقهم لها، فخلقهم للنار، وبأعمال أهلها يعملون.
وأما من استعمل هذه الجوارح في عبادة اللّه، وانصبغ قلبه بالإيمان باللّه ومحبته، ولم يغفل عن اللّه، فهؤلاء، أهل الجنة، وبأعمال أهل الجنة يعملون).ا هـ
6- قال تعالي(إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8) [يونس/7، 8]
جاء في تفسير ابن كثير - (ج 4 / ص 249)
(قال الحسن: والله ما زينوها ولا رفعوها، حتى رضوا بها وهم غافلون عن آيات الله الكونية فلا يتفكرون فيها، والشرعية فلا يأتمرون بها، بأن مأواهم يوم معادهم النار، جزاء على ما كانوا يكسبون في دنياهم من الآثام والخطايا والإجرام، مع ما هم فيه من الكفر بالله ورسوله واليوم الآخر.) ا هـ
و جاء في تفسير البغوي - (ج 4 / ص 122)
(أي: عن أدلتنا غافلون لا يعتبرون. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: عن آياتنا عن محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن غافلون معرضون.
{ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } من الكفر والتكذيب) ا هـ
7- قال تعالي(يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) [الروم/7]
جاء في تفسير البغوي - (ج 6 / ص 262)
(يعني: أمر معاشهم، كيف يكتسبون ويتجرون، ومتى يغرسون ويزرعون ويحصدون، وكيف يبنون ويعيشون، قال الحسن: إن أحدهم لينقر الدرهم بطرف ظفره فيذكر وزنه ولا يخطئ وهو لا يحسن يصلي { وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } ساهون عنها جاهلون بها، لا يتفكرون فيها ولا يعملون لها.)ا هـ
جاء في تفسير الرازي - (ج 12 / ص 206)
({ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ الحياة الدنيا } يعني علمهم منحصر في الدنيا وأيضاً لا يعلمون الدنيا كما هي وإنما يعلمون ظاهرها وهي ملاذها وملاعبها ، ولا يعلمون باطنها وهي مضارها ومتاعبها ويعلمون وجودها الظاهر ، ولا يعلمون فناءها { وَهُمْ عَنِ الأخرة هُمْ غافلون } والمعنى هم عن الآخرة غافلون ، وذكرت هم الثانية لتفيد أن الغفلة منهم وإلا فأسباب التذكر حاصلة وهذا كما يقول القائل لغيره غفلت عن أمري ، فإذا قال هو شغلني فلان فيقول ما شغلك ولكن أنت اشتغلت )ا هـ.).ا هـ
8- قال تعالي (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) [يس/6]وجاء في جاء في تفسير البغوي - (ج 7 / ص 8)
({ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ } ، قيل: "ما" للنفي أي: لم ينذر آباؤهم، لأن قريشا لم يأتهم نبي قبل محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: "ما" بمعنى الذي، أي: لتنذر قومًا بالذي أنذر آباؤهم، { فَهُمْ غَافِلُونَ } عن الإيمان والرشد. { لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ } ، وجب العذاب { عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } ، هذا كقوله: "ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين" (الزمر-71) ).ا هـ
وجاء في تفسير الألوسي - (ج 16 / ص 427)
(والمراد بآبائهم آباؤهم الأدنون وإلا فالأبعدون قد أنذرهم إسماعيل عليه السلام وبلغهم شريعة إبراهيم عليه السلام
وقد كان منهم من تمسك بشرعه على أتم وجه ثم تراخى الأمر وتطاول المدد فلم يبق من شريعته عليه السلام إلا الاسم . وفي «البحر» الدعاء إلى الله تعالى لم ينقطع عن كل أمة أما بمباشرة من أنبيائهم وأما بنقل إلى وقت بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم والآيات التي تدل على أن قريشاً ما جاءهم نذير معناها لم يباشرهم ولا آباءهم القريبين . وأما أن النذارة انقطعت فلا ، ولما شرعت آثارها تندرس بعث النبي صلى الله عليه وسلم وما ذكره المتكلمون من حال أهل الفترات فهو على حسب الفرض )اهـ .
وعليه فالمعنى ما أنذر آباءهم رسول أي لم يباشرهم بالإنذار لا أنه لم ينذرهم منذر أصلاً فيجوز أن يكون قد أنذرهم من ليس بنبي كزيد بن عمرو بن نفيل . وقس بن ساعدة فلا منافاة بين ما هنا وقوله تعالى : { وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [ فاطر : 4 2 ] وليس في ذلك إنكار الفترة المذكورة في قوله تعالى : { على فَتْرَةٍ مَّنَ الرسل } [ المائدة : 19 ] لأنها فترة إرسال وانقطاعها زماناً لا فترة إنذار مطلقاً ).ا هـ
جاء في فتح القدير - (ج 6 / ص 151)
({ لَقَدْ حَقَّ القول على أَكْثَرِهِمْ } هي : الموطئة للقسم ، أي : والله لقد حقّ القول على أكثرهم ، ومعنى { حقّ } : ثبت ، ووجب القول : أي : العذاب على أكثرهم : أي : أكثر أهل مكة ، أو أكثر الكفار على الإطلاق ، أو أكثر كفار العرب ، وهم من مات على الكفر ، وأصرّ عليه طول حياته ، فيتفرّع قوله : { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } على ما قبله بهذا الاعتبار ، أي : لأن الله سبحانه قد علم منهم الإصرار على ما هم فيه من الكفر ، والموت عليه) ا هـ

9- قال تعالي({وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)} [فاطر: 24]
جاء في تفسير الطبري - (ج 20 / ص 460)
( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ) يقول: وما من أمة من الأمم الدائنة بملة إلا خلا فيها من قبلك نذير ينذرهم بأسنا على كفرهم بالله.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ) كل أمة كان لها رسول).ا هـ
جاء في تفسير ابن كثير - (ج 6 / ص 543)
(أي: وما من أمة خلت من بني آدم إلا وقد بعث الله إليهم النُّذر، وأزاح عنهم العلل، كما قال تعالى: { إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } [الرعد: 7] ، وكما قال تعالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ } الآية [النحل:136] ، والآيات في هذا كثيرة.) ا هـ
جاء في تفسير الألوسي - (ج 16 / ص 388)
({ وَإِن مّنْ أُمَّةٍ } أي ما من جماعة كثيرة أهل عصر وأمة من الأمم الدارجة في الأزمنة الماضية { إِلاَّ خَلاَ } مضى { فِيهَا نَذِيرٌ } من نبي أو عالم ينذرها ، والاكتفاء بذكره للعلم بأن النذارة قريبة البشارة لا سيما وقد اقترنا آنفاً مع أن الإنذار أنسب بالمقام ، وقيل خص النذير بالذكر لأن البشارة لا تكون إلا بالسمع فهو من خصائص الأنبياء عليهم السلام فالبشير نبي أو ناقل عنه بخلاف النذارة فإنها تكون سمعاً وعقلاً فلذا وجه النذير في كل أمة) ا هـ
جاء في تفسير البحر المحيط - (ج 9 / ص 243) أبو حيّان الأندلسي (654 - 745هـ، 1256 - 1344م).محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان، الإمام أثير الدين الأندلسي الغرناطي، النّفزي، نسبة إلى نَفْزة قبيلة من البربر، نحويّ عصره ولغويّه ومفسّره ومحدّثه ومقرئه ومؤرخه وأديبه.
({ وإن من أمّة إلا خلا فيها نذير } ، الأمة : الجماعة الكثيرة ، والمعنى : أن الدعاء إلى الله لم ينقطع عن كل أمة . أما بمباشرة من أنبيائهم وما ينقل إلى وقت بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، والآيات التي تدل على أن قريشاً ما جاءهم نذير معناه لم يباشرهم ولا آباؤهم القريبين ، وأما أن النذارة انقطعت فلا . ولما شرعت آثار النذراة تندرس ، بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم . وما ذكره أهل علم الكلام من حال أهل الفترات ، فإن ذلك على حسب العرض لأنه واقع ، ولا توجد أمة على وجه الأرض إلا وقد علمت الدعوة إلى الله وعبارته ) .ا هـ
جاء في تفسير البيضاوي - (ج 5 / ص 42)
({ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ } أهل عصر . { إِلاَّ خَلاَ } مضى . { فِيهَا نَذِيرٌ } من نبي أو عالم ينذر عنه)ا هـ
جاء في المحرر الوجيز - (ج 5 / ص 370) ابن عطية، أبو محمد (481-541هـ، 1088 - 1146م). أبو محمد عبدالحق بن غالب بن عبدالرحمن ابن تمام بن عطية المحاربي، عالم مجاهد وفقيه جليل، عارف بالحديث والتفسير والأحكام. لغوي وأديب.
(وقوله تعالى : { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } معناه ان دعوة الله تعالى قد عمت جميع الخلق ، وإن كان فيهم من لم تباشره النذارة فهو ممن بلغته لأن آدم بعث إلى بنيه ثم لم تنقطع النذارة إلى وقت محمد صلى الله عليه وسلم ، والآيات التي تتضمن أن قريشاً لم يأتهم نذير ، معناه نذير مباشر ، وما ذكره المتكلمون من فرض أصحاب الفترات ونحوهم فإنما ذلك بالفرض لا أنه توجد أمة لم تعلم أن في الأرض دعوة إلى عبادة الله) ا هـ
قال تعالي(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) [المائدة/19، 20]
جاء في تفسير الطبري - (ج 10 / ص 156)
("على فترة من الرسل"، يقول: على انقطاع من الرسل= و"الفترة" في هذا الموضع الانقطاع= يقول: قد جاءكم رسولنا يبين لكم الحق والهدى، على انقطاع من الرسل)ا هـ
وفي تفسير الألوسي - (ج 4 / ص 438)(وهي عند جميع المفسرين انقطاع ما بين الرسولين ).ا هـ


No hay comentarios:

Publicar un comentario