jueves, 26 de mayo de 2011

الجـامع المفيـد لدروس تعلم التوحيـد



الجـامع المفيـد لدروس تعلم التوحيـد

مدخل بسيط لتعلم دين الإسلام




























مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
يقول الحق تبارك وتعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ) (آل عمران:18: 19)
وقال تعالى: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) (الزمر:12 - 15)  
هذه مجموعة من الدروس تشرح وتبين – بعون الله وتوفيقه – التوحيد الذي هو حقيقة دين الإسلام وأصله الذي يميِّزه عن سائر الأديان الأخرى، وسوف نتحرى ما استطعنا أن يكون الأسلوب سهلا ميسراً في متناول الجميع.
و نذكِّر القارئ الكريم بهذا الدعاء: (( اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)).
فإن الله عز وجل قال في الحديث القدسي: ( ... يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ....).
فليكن مراد كل واحد منَّا اتباع الحق بدليله، ولْنتجرد عن الهوى والتعصب والتقليد وحمية الجاهلية، ولْنبرهن على ما نعتقده وندين به، فمن وافق دينه أحسن الأديان عند الله فلْيَعَضَّ عليه بالنواجذ، ومن خالف دينه ما دان به الموحدون من عهد آدم إلى هذا الزمان، فلْيعلم أن المعبود واحد، وأن دينه واحد، وأن أصل هذا الدين الذي اتفقت عليه جميع الرسالات لا يكون الحق فيه إلا واحدا، قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)(النحل: من الآية36)، وقال جل وعلا: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة:136 :137)
فليتدارك العبد ما فاته ولْيندم على ما فرَّط من عمره، ولْيعلم أنه على شفا حفرة من النار، وإن مات وهو معرض عن تعلُّم التوحيد وما يلزمه فالنار مثوى الكافرين، قال تعالى: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (الحجر2 :3) .
ومن كان من أهل التقليد ولا يدري ما أصل دينه، فلْيسأل نفسه: وما يدريني أني على حق؟ وأن مخالفي على الباطل؟ وماذا لو مت على هذه الحالة وأنا لست على بيِّنة من أمري؟ ماذا سأجيب رسل ربي عندما يسألاني عن ربي وديني ونبي؟ ولماذا أُنكر ما جاء به مخالفي ولا أدري لعله الحق؟.
وها نحن بعون الله وتوفيقه نبين للناس ما ندين به، وما نعتقد أنه الحق، وندعو الناس كلهم إليه، لا ندعوهم إلى اتباعنا، ولكن ندعوهم إلى الإسلام الذي يريده الله عز وجل وبيَّنه لنا في كتابه، قال تعالى: (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) (هود:1 :2)، وقال تعالى: (هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (إبراهيم:52). وأرسل به رسله، قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى:13).
ونسأله سبحانه أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وألا يجعله ملتبسا علينا فنضِل.
ونحمد الله أن جعلنا مسلمين حنفاء لله غير مشركين به، على ملة إبراهيم عليه السلام نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، لا نرضى بغير الله رباً و لا حكما ولا ولياً، ولا نبغي غير الإسلام دينا.
ندين لله بالتوحيد، وترك الشرك، والبراءة من المشركين، ونوالي على الإسلام ونعادي عليه، ونكْفر بكل ما يعبد من دون الله.
وستعرف أيها القارئ كلما قرأتَ درسا من هذه الدروس ما خالفنا فيه الناس، وما فرَّق بيننا وبينهم. فانظر هل الحق معنا أم مع غيرنا. سنترك لك الإجابة!.
فنقول سائلين الله العون والهدى والسداد والتوفيق:
الدرس الأول
التوحيد أصل دين الإسلام

اعلم – أرشدك الله – أن الإسلام هو دين الله الذي شرعه لعباده ليكون منهجا لهم في هذه الحياة وطريقا مستقيما يسيرون عليه؛ لتحقيق ما خُلقوا من أجله، ولأداء حق الله عليهم، وليفوزوا بسعادة الدارين.
والله عز وجل هو الذي يحدد مفهوم هذا الدين وحقيقته ومدخله وأصله وحدوده ولا يمكن لأحد من العباد أن يحدد ما يحبه الله ويرضاه وما يغضبه ويسخطه من غير أن يستند على وحي من الله ؛ ولهذا كان الأصل في العبادات التوقف فلا نتعبد لله إلا بما شرع، فكل ما سوى الله مخلوق ليس له من الأمر شيء ولا عِلْم له إلا ما علمه الله. قال الله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة : 116]
وقال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس : 15]
وليس فهم الإسلام بعسير على من تجرد لقبول الحق واتباعه مع من كان، فقد فطر الله عز وجل عباده على هذا الدين، ولكن الشياطين اجتالتهم وأبعدتهم عنه، فمِن السهل أن يرجعوا إليه إن صمَّموا وعزموا على ذلك واستعانوا بربهم، فما هي إلا غشاوة لو انزاحت لرأوا الإسلام واضحا وضوح الشمس.
والله عز وجل لم يترك خلقه سدى ولا هملاً وإنما بعث لهم رسله ليعلِّموهم ويرشدوهم ويردوهم لدين الله كلما ابتعدوا عنه، ففي كل أمة بعث الله رسولا منهم بلسان قومه يدعوهم لعبادة الله وحده وترك ما اتخذوه من معبودات من دونه.
الأنبياء كلهم على دين واحد هو الإسلام وهم متفقون في أصل هذا الدين وهو التوحيد
الإسلام هو دين الله الذي بعث به رسله جميعا من عهد نوح إلى خاتمهم نبينا محمد عليهم جميعا صلاة الله وسلامه، فكلهم على دين واحد، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون50 :51)، فمعنى أمتكم أمة واحدة أي دينكم يا معشر الأنبياء دين واحد وملة واحدة وهو الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له . قاله ابن كثير
وفي الحديث الصحيح الذي يرويه مسلم وغيره " الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ من عَلَّاتٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ .."
قال البغوي في شرح السنة : يريد : أن أصل دين الأنبياء واحد، وإن كانت شرائعهم مختلفة، كما أن أولاد العَلات أبوهم واحد، وإن كانت أمهاتهم شتى. انتهى
ويقول ابن حجر في فتح الباري : ومعنى الحديث أن أصل دينهم واحد وهو التوحيد وإن اختلفت فروع الشرائع . انتهى
والأدلة على أن أصل دين الأنبياء واحد كثيرة والغرض هنا الاختصار.
ولم يتفق الأنبياء في كل شرائع الدين وإنما اتفقوا في أصل الدين الذي يُبنى عليه كل ما سواه، بمعنى أنهم اتفقوا على أن يعبدوا إلها واحدا لا يشركون به شيئا واختلفوا في الشرائع والعبادات التي يتقربون بها إلى ربهم وإلههم الله الواحد الأحد. كما قال تعالى: ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً )(المائدة: من الآية48)
وأصل الدين الذي اتفقوا عليه هو التوحيد توحيد الله عز وجل في ربوبيته وألوهيته، وهو معنى ومدلول كلمة الإخلاص ( لا إله إلا الله ) قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الانبياء:25) ومعنى هذا أنه بداية من نوح عليه السلام إلى سيدنا محمد كلهم بُعثوا بـ لا إله إلا الله، فكان أول ما يبدأ به الرسول دعوته : (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) (الأعراف:59)
فالأنبياء كلهم على ملة الإسلام مسلمون مؤمنون يدينون لله بالتوحيد والبراءة من الشرك وأهله، ويدعون إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه، وتصديق بعضهم مستلزم تصديق سائرهم، وطاعة بعضهم تستلزم طاعة سائرهم، وكذلك التكذيب والمعصية، وقد جعل الله عز وجل الإيمان بهم متلازما، وكفَّر من قال أنه آمن ببعض وكفر ببعض، قال تعال: (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (آل عمران:84)
وقال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً ..) (النساء:150: 151)
ولم يقبل الله من أحد عملا خالف دين الإسلام، قال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85)
وقال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153)



معنى أن التوحيد هو أصل الدين:

1- أن التوحيد هو أول شيء يفعله المشرك ليدخل في الإسلام فهو الباب الوحيد الذي يدخل منه الناس في دين الله. فأي إنسان مهما كانت ملته ودينه لكي يصير مسلما لا بد أن يأتي بالتوحيد أول شيء. والدليل على ذلك أن الرسل كلهم أول ما بدأوا به هو التوحيد.
2- والتوحيد هو الأساس الذي يُبنى عليه الدين، وكل شرائع الدين تأتي بعد التوحيد، فبدون توحيد لا يصح شيء من الدين لا الصلاة ولا الزكاة ولا الصوم ولا الحج ولا الجهاد ولا غيرها، والدليل قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (النساء:124)
2-وقوله (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (الاسراء:19)
2-وقوله: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ) (الانبياء:94)      فَشَرَطَ الإيمان لقبول الأعمال الصالحة والتوحيد هو أصل الإيمان.                                       وقال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الزمر:65) ، فالشرك يناقض التوحيد ويهدمه ومن فقد التوحيد لم يُقبل له عمل. وقال تعالى: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ) (التوبة:17).
2-والأدلة على ذلك كثيرة.
3- وأيضاً، معنى أن التوحيد أصل الدين أن كل دين لم يُبْنَ على التوحيد فهو باطل وليس هو بالإسلام الذي يريده الله عز وجل وإن ادَّعى صاحبه أنه على الإسلام، فالمسلم من وحَّد الله وعبده وحده ولم يشرك به شيئا. وليس الإسلام مجرد ادعاء وانتساب إلى نِحلة معينة، وأيضا ليس الإسلام مجرد قول لا إله إلا الله، بل الإسلام استسلام وخضوع لله وحده بعبادته وحده والكفر بما يعبد من دونه بالقول والعمل، قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح.
4- وأيضاً، معنى أن التوحيد هو أصل الدين أنه هو الحد الفاصل بين الكفر والإسلام، وهو العَلَمُ المميز بين المسلمين وغيرهم، فلا تجد مسلما ليس عنده توحيد هذا يستحيل. وقد تجد من يزعم أنه مسلم وليس عنده توحيد ولكن هذا مجرد زعم وأُمنية يتمناها ولكن الحقيقة أنه ليس بمسلم. قال تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً *وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا ) (النساء:123: 124: 125)
4- قال ابن كثير رحمه الله: والمعنى في هذه الآية أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، وليس كل من ادَّعى شيئا حصل له بمجرد دعواه، ولا كل من قال إنه هو على الحق سُمِع قوله بمجرد ذلك، حتى يكون له من الله برهان، ولهذا قال تعالى (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به) أي ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني، بل العبرة بطاعة الله سبحانه وإتباع ما شرعه على ألسنة الرسل الكرام. انتهى
5- وأيضا، معنى أن التوحيد هو أصل الدين أنه أول ما يجب أن ندعو الناس إليه فإن حققوه دعوناهم لما بعده من الصلاة وغيرها، وإن لم يحققوه قولا وعملا فلا داعي للحديث معهم عن الصلاة وغيرها فبدون توحيد سواء أدّوا الصلاة أو تركوها فهم كفار لا يقبل الله منهم عملا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن:
عن بن عباس رضي الله عنهما أن النبي  صلى الله عليه وسلم  بعث معاذا رضي الله عنه إلى اليمن فقال: ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم .
وفي رواية أخرى:  ((فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات)) وهاتان الرويتان في البخاري وغيره
وفي رواية لمسلم: ((فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات.....)) .
قال ابن حجر في فتح الباري: ويجمع بينها بأن المراد بعبادة الله توحيده، وبتوحيده الشهادة له بذلك ولنبيه بالرسالة، ووقعت البداءة بهما لأنهما أصل الدين الذي لا يصح شيء غيرهما إلا بهما، فمن كان منهم غير موحد فالمطالبة متوجهة إليه بكل واحدة من الشهادتين على التعيين، ومن كان موحدا فالمطالبة له بالجمع بين الإقرار بالوحدانية والإقرار بالرسالة، وإن كانوا يعتقدون ما يقتضي الإشراك أو يستلزمه كمن يقول ببنوة عزير أو يعتقد التشبيه فتكون مطالبتهم بالتوحيد لنفي ما يلزم من عقائدهم.انتهى
ولا يتم لهم الدخول في هذا الدين  ولا يصح منهم إلا باعتقاد بطلان ما هم عليه من الشرك والضلال، وتركه، والبراءة منه.
وأخبره عليه السلام أن من أجابه إلى ذلك فلْيُعلمه شعائر الإسلام وما ينبغي عليه، ويبدأ بالأهم فالأهم، ولا يتعدى إلى الثاني حتى يلتزموا الأول، ولا ينتقل إلى الثالث حتى يلتزموا الثاني؛ أما من خالف في الأول ( الشهادتين) فلا يكون من المسلمين فلا فائدة من أمره بشرائع الإسلام وتعليمه إياها.
هذا هو معنى أن التوحيد هو أصل دين الإسلام . فلا بد من تعلمه ومعرفته والاستيقان به، وبعد العلم به يأتي الاعتقاد بصحته والإقرار به والعمل والالتزام به، وأما من يجهل التوحيد ولا يميز بينه وبين الشرك فلا يمكن أن يحقق الاعتقاد والإقرار والعمل، ولا يمكن أن يكون في دين الله الحق بل تجده يخلط بين عبادة الله وعبادة غيره ولا يوحد الله، والله عز وجل يقول: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:82) والظلم هنا هو الشرك فمن آمن بالله ورسوله ولم يخلط إيمانه بالشرك فهو المهتدي الآمن من عذاب الله، ومن خلط إيمانه بالشرك فهو الضال المستحق لعذاب الله.
هذا أول ما يجب أن نعرفه لنعرف دين الإسلام، فمن عرف ما قلناه وأيقن به فالحمد لله، والموفق هو الله.
الدرس الثاني
معنى كلمة ( الإسلام)
عرفنا في درسنا السابق أن الإسلام هو دين الله الذي لا يقبل سواه، وأن أصله وأساسه هو توحيد الله.
وفي هذا الدرس نسلط الضوء على معنى كلمة ( الإسلام ) ما المقصود بهذه الكلمة؟
فنقول وبالله التوفيق:
أصل كلمة الإسلام: أسلم
قال تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (آل عمران:83) وقال تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:112) . وقال عز وجل: (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً)(الجـن: من الآية14) وقال تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (البقرة:131) وقال سبحانه: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ )(آل عمران: من الآية20) . وقال عن ملكة سبأ: (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(النمل: من الآية44) .
وقال زيد بن عمرو بن نفيل:
أسلمتُ وجهي لمن أسلمت *** له الأرض تحمل صخراً ثِقالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت *** له المُزْنُ تحمل عذبا زُلالا
ومعنى أسلم: استسلم وانقاد وأخلص
قال ابن جرير الطبري: وأما قوله (من أسلم وجهه لله) فإنه يعني بإسلام الوجه التذلل لطاعته والإذعان لأمره . وأصل الإسلام الاستسلام لأنه مِن (استسلمتُ لأمره) وهو الخضوع لأمره.
وإنما سمي المسلم مسلما بخضوع جوارحه لطاعة ربه.
وكما قال زيد بن عمرو بن نفيل: وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا. يعني بذلك استسلمت لطاعة من استسلم لطاعته المزن وانقادت له.انتهى
الإسلام هو : الاستسلام الخالص لله عز وجل من غير إشراك ولا استكبار
يقول ابن تيمية : والإسلام أن يستسلم العبد لله لا لغيره، فمن استسلم له ولغيره فهو مشرك، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر، وكلاهما ضد الإسلام . انتهى
وقال البغوي رحمه الله: والإسلام هو الدخول في السِّلم، وهو الانقياد والطاعة، يقال: أسلم أي دخل في السلم واستسلم، قال قتادة في قوله تعالى ( إن الدين عند الله الإسلام ) قال: شهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما جاء من عند الله تعالى، وهو دين الله الذي شرع لنفسه وبعث به رسله، ودلَّ عليه أولياءه، فلا يقبل غيره ولا يجزي إلا به. انتهى
فدين الإسلام يتضمن معنيين لايقوم إلا بهما:
1.  الاستسلام والانقياد والطاعة والاتباع، وضدها الاستكبار
2.  الإخلاص، وضده الشرك
فالإسلام هو الاستسلام لله وحده من غير إشراك به أو استكبار عن الانقياد له.
فالاستكبار أخرج إبليس -عليه لعنة الله- من الإسلام وصار من الكافرين، قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (البقرة:34)
والإشراك أخرج خلقا كثيرا كانوا على الإسلام فصاروا مشركين بالله، وذلك باستسلامهم وانقيادهم لغير الله، كما حدث مع قوم نوح لما عبدوا مع الله ما زيَّنته لهم الشياطين، وما حدث مع العرب لمّا خرجوا عن ملة إبراهيم بطاعة من جعلوهم شركاء مع الله يقبلون ما شرعوا لهم من الدين الذي لم يأذن به الله، قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)(الشورى: من الآية21)
وكما حدث مع أهل الكتاب لما خرجوا عن دين موسى وعيسى بطاعة أحبارهم ورهبانهم فيما شرعوه لهم مخالفاً لشرع الله، قال عز وجل: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (التوبة:31)
فهذا الاتباع والانقياد لتشريع غير الله عز وجل هو استسلام لغير الله يناقض الإسلام لله رب العالمين دين إبراهيم الحنيفية السمحة، وهذا ما لا يعرفه أكثر الناس اليوم الذين يزعمون أنهم مسلمون، فهم يعتبرون أنفسهم مسلمين مع اتباعهم لحكامهم وعلمائهم المشرعين لهم من دون الله، فيتبعون الله ويتبعون غير الله ويقولون نحن مسلمون لله!!. وهو عين ما حدث في أهل الكتاب حيث اتبعوا أحبارهم ورهبانهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحله وتبديل شرعه، ولم يعتبروا فعلهم هذا خروجا عن دين المرسلين، بل زعموا أنهم أولياء الله وأحباؤه.
والمعنى الصحيح للإسلام كما يقرره الله تعالى هو الاستسلام لله وحده بعبادته وحده وطاعة رسوله، والدليل قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر:29)
هذا المثل ضربه الله عز وجل يبين به الفرق بين المسلم الموحد الذي يعبد إلها واحدا، وبين المشرك الذي يعبد آلهة غير الله؛ فالعبد الذي يطيع سيداً واحداً هو مثل المسلم الذي لا يعبد إلا الله، ففيه دليل على أن الإسلام هو الاستسلام لله وحده.
ومن المعلوم أن العلاقة بين العبد وسيده تقوم على الطاعة والامتثال من العبد والأمر والنهي والتوجيه من السيد.
فالعبد الذي له سيد واحد كالمسلم له رب واحد ومعبود واحد لا يعبد غيره.
والعبد الذي له أكثر من سيد كالمشرك له أكثر من إله يعبده مع الله.
والإسلام هو ملة إبراهيم عليه السلام، (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (البقرة:131)
، أي أسلمت لله وحده. وكذلك أمر الله عز وجل نبينا أن يقول: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا )(آل عمران: من الآية20)
فالذي يدين بالإسلام يستسلم وينقاد ويتبع ويحكِّم شرع الله، ولا يستكبر عن عبادة الله، ولا يستسلم وينقاد ويتبع ويحكِّم غير شرع الله.
فالمسلم من استسلم لله وحده، وأخلص عبوديته له بقبول شرعه والانقياد له ورفض ما سواه والكفر به.
أما من استسلم لله واستسلم لغيره فقد جعل العبودية لله ولغيره، ولا يمكن أن يكون هذا مسلما لله حتى يفرد الله بالاستسلام والعبودية ويكفر بعبودية غيره.
فقبول التشريع من غير الله هو عبودية ودينونة لغير الله، والله عز وجل يقول: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(يوسف: من الآية40)
وقال تعالى:(اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) (لأعراف:3)
 وقال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153)
يقول الإمام الطبري: يقول تعالى ذكره وهذا الذي وصاكم به ربكم أيها الناس في هاتين الآيتين من قوله (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) وأمركم بالوفاء به هو صراطه: يعني طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده.
 (مستقيما) يعني قويما لا اعوجاج به عن الحق
(فاتبعوه) يقول فاعملوا به واجعلوه لأنفسكم منهاجا تسلكونه.
(فاتبعوه ولا تتبعوا السبل) يقول: ولا تسلكوا طريقا سواه ولا تركبوا منهاجا غيره ولا تبغوا دينا خلافه، من اليهودية والنصرانية والمجوسية، وعبادة الأوثان، وغير ذلك من الملل فإنها بدع وضلالات.
(فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) يقول: فيشتت بكم - إن اتبعتم السبل المحدثة التي ليست لله بسبل ولا أديان- إتباعكم عن سبيله،  يعني: عن طريقه ودينه الذي شرعه لكم وارتضاه وهو الإسلام الذي وصى به الأنبياء والأمم قبلكم . انتهى
وقال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85)
قال أبو الليث السمرقندي في تفسيره: قال الضحاك: يعني لا يقبل الله من جميع الخلق من أهل الأديان دينا غير الإسلام، ومن تدين بدين غير دين الإسلام (فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) أي من المغبونين؛ لأنه ترك منزله في الجنة واختار منزله في النار. انتهى
قال ابن القيم: "والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل ...... بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر ....." انتهى
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله. انتهى
هذا هو مفهوم الإسلام بشكل عام، وقد سبق أن قلنا أن أصل الإسلام هو التوحيد وهو معنى كلمة الإخلاص لا إله إلا الله إحدى الشهادتين وتليها شهادة أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهاتان الشهادتان هما أصل الدين الذي جاء به خاتم المرسلين ولا يتحقق إلا بهما.
يقول ابن تيمية رحمه الله : فعلى العبد أن يعبد الله مخلصا له الدين، ويدعوه مخلصا له، لا يسقط هذا عنه بحال، ولا يدخل الجنة إلا أهل التوحيد، وهم أهل لا إله إلا الله.
فهذا حق الله على كل عبد من عباده، كما في الصحيحين من حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ( يا معاذ أتدري ما حق الله على عباده) قلت: الله ورسوله أعلم، قال ( حقه عليهم أن يعبدوه لايشركوا به شيئا)، الحديث
فلا ينجونَّ من عذاب الله إلا من أخلص لله دينه وعبادته ودعاه مخلصا له الدين، ومن لم يشرك به ولم يعبده، فهو معطل عن عبادته وعبادة غيره كفرعون وأمثاله، فهو أسوأ حالا من المشرك، فلابد من عبادة الله وحده، وهذا واجب على كل أحد فلا يسقط عن أحد البتة، وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله دينا غيره.انتهى
وقال رحمه الله في التحفة العراقية :
وأما الإخلاص فهو حقيقة الإسلام، إذ الإسلام هو الاستسلام لله لا لغيره، كما قال تعالى (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا) الآية فمن لم يستسلم له فقد استكبر، ومن استسلم لله ولغيره فقد أشرك، وكل من الكبر والشرك ضد الإسلام، والإسلام ضد الشرك والكبر، وذلك في القرآن كثير، ولهذا كان الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، وهي متضمنة عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه، وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله من أحد من الأولين والآخرين دينا سواه. انتهى
ويقول رحمه الله في موضع آخر:
فمن بلغته رسالة محمد فلم يقر بما جاء به لم يكن مسلما،  ولا مؤمنا بل يكون كافرا، وإن زعم أنه مسلم أو مؤمن.
..... إلى أن قال:
فهذا أصل عظيم، على المسلم أن يعرفه،  فإنه أصل الإسلام الذي يتميز به أهل الإيمان من أهل الكفر،  وهو الإيمان بالوحدانية والرسالة: شهادة أن لا اله إلا الله،  وأن محمدا رسول الله.  وقد وقع كثير من الناس في الإخلال بحقيقة هذين الأصلين أو أحدهما مع ظنه أنه في غاية التحقيق والتوحيد،  والعلم والمعرفة .
فإقرار المشرك بأن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه لا ينجيه من عذاب الله إن لم يقترن به إقراره بأنه لا اله إلا الله، فلا يستحق العبادة أحد إلا هو، وأن محمدا رسول الله فيجب تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر. انتهى
فالمسلمون من أول الخليقة إلى قيام الساعة دينهم واحد، وهو الإسلام العام الذي أصله وأساسه شهادة أن لا اله إلا الله عقيدة وقولا وعملا. والذي جمعهم في قافلة واحدة ليس هو مجرد الاسم فقط، ولكنه الدين الواحد لرب واحد، أي الاستسلام الخالص لمعبود واحد.
وليس هو الانتساب للمسلمين، والتسمي باسمهم، ونطق اللسان بشهادتهم، دون الإيمان بما آمنوا به والاستسلام الخالص لمن أسلموا له.
ولهذا كان حريّاً بمن أراد أن يكون من المسلمين حقاً أن يعرف دينهم الذي اجتمعوا عليه،  فإن الرجل لا يكون مسلما إلا بالاتباع، وليس بمجرد الاسم والانتساب، قال تعالى حكاية عن إبراهيم: (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (ابراهيم: من الآية36) . وقد كان نزول هذه الآية رداً لمن ادَّعوا أنهم على ملة إبراهيم وليسوا هم في الحقيقة متبعين لملته عليه السلام.
قال ابن جرير الطبري: وقوله (فمن تبعني فإنه مني)، يقول فمن تبعني على ما أنا عليه من الإيمان بك، وإخلاص العبادة لك، وفراق عبادة الأوثان، (فإنه مني) يقول: فإنه مُسْتَنٌ بسنتي، وعامل بمثل عملي. انتهى
وقال أبو الليث السمرقندي: (فمن تبعني فإنه مني)، يعني: من آمن بي فهو معي على ديني ويقال فهو من أمتي، (ومن عصاني)، يعني لم يطعني ولم يوحدك (فإنك غفور رحيم) إن تاب وأن توفقه حتى يسلم. انتهى
وقال الرازي في التفسير الكبير: (فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنّى) وذلك يفيد أن من لم يتبعه على دينه فإنه ليس منه. انتهى
المفهوم العلماني الخاطئ للإسلام
نحذر هنا في هذا المقام من خطر عظيم كان سببا في الفهم السيئ لحقيقة الدين عند كثير من الناس الذين ينتسبون للإسلام وغيرهم هذا الخطر هو: المفهوم العلماني للدين، فالعلمانيون يحصرون الدين في العلاقة بين العبد و ربه ويختزلونه في آداء الشعائر التعبدية من صلاة وصوم وزكاة وحج ونحوها، ويفصلون الدين عن نظام الدولة وواقع الحياة، ويحاولون كل جهدهم أن يُفهموا الناس أن الإسلام مجرد طقوس تعبدية وأخلاق جميلة وأنه لا علاقة له بتنظيم واقع الناس وتسيير حياتهم وتحديد المنهج والنظام الذي يسيرون عليه، يريدون بذلك تخدير من ينتسبون للإسلام كي لا يفيقوا بما يبدِّله الطواغيت من شريعة الرحمن وما يشرعونه من أحكام لا تمت للإسلام بصلة، وقد استطاعوا بهذا التخدير والتمويه أن يتحكموا في دنيا الناس بما شاءوا ويسوقونهم حيث أرادوا ويجعلونهم عبيدا لهم مع الله عز وجل.
تجد في البنود الرسمية من الدستور أن الإسلام هو الدين الرسمي للبلاد وأن القرآن هو شريعة المجتمع وتجد في واقع الحياة أن السيادة والحكم للقانون الوضعي البشري الخسيس.
إسلام ولكن لمن؟!! لله أم للقانون؟!! أم جزء لله وجزء للقانون؟!!
تعالى الله عما يشركون
( يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (النساء: من الآية60)
الإسلام هو الدين الرسمي للبلاد والقرآن هو شريعة المجتمع وللحاكم أن يشرع ما شاء ويضع القانون الذي يريد وسوف يتلقى الشعب هذا القانون بكل صدر رحب ويضعونه على رؤسهم !!!!!!!!!
سبحان الله وتعالى عما يشركون
قال تعالى: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)(الأنعام: من الآية121)
إن قَبِلَ الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه أولئك الأخيار الأطهار تشريعا واحدا من غير الله كانوا بذلك كفار مشركين كأبي جهل وأتباعه.
وقبول الناس اليوم لمئات التشريعات من غير الله لا يجعلهم كفارا لأنهم يقولون لا إله إلا الله ويقولون أن الديانة الرسمية للبلاد هو الإسلام !!!!!!!!!!
هكذا يريد البازيون والعثيمينيون والألبانيون والمدخليون وأتباعهم
سبحان الله وتعالى عما يشركون
هل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه لم يكونوا يقولون لا إله إلا الله عندما قال لهم الله عز وجل : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) ؟!!!!
أي حين عدلتم عن حكم الله إلى حكم غيره فذلك هو الشرك، كما فسر الآية أئمتنا من السلف الصالح الذين لم يدخلوا في دين العلمانية
صبر جميل أيها العلمانيون موعدنا يوم العرض يوم يقول أتباع المشرعين : (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء:97: 98)
أي نجعل أمركم مطاعا كما يطاع رب العالمين
كانوا في الدنيا يجعلون أوامر سادتهم ورؤسائهم كأوامر الله يطيعونهم كما يطاع الله
أسأل الله أن يسهل عليك فهم ما سطَّرته لك أيها القارئ الكريم
-
ولن نفهم الإسلام إلا إذا تحررنا من هذا المفهوم العلماني الخبيث وعُدْنا إلى المفهوم الصحيح الذي يحدده ربنا الذي شرع لنا هذا الدين، فالإسلام عند الله هو الاستسلام الكامل لله عز وجل والاتِّباع لشريعته وحده في جميع مجالات الحياة والاحتكام له وحده في تنظيم الحياة كلها.
فالإسلام إيمان بالله وحده وكفر بالأرباب والآلهة والأنداد المعبودة من دونه.
وليس الإسلام مجرد عقائد غيبية وعبادات روحية وأخلاق زكية بل هو منهج ونظام كامل متكامل ينظم حياة المسلمين كلها، فالذي شرع لنا الصلاة والزكاة والصوم والحج هو الذي شرع لنا أحكام الزواج والطلاق وما يتعلق بها، وهو الذي شرع لنا أحكام المعاملات مع بعضنا ومع غيرنا في السلم والحرب، وهو الذي شرع لنا أحكام الحدود والعقوبات، فصلاتنا لله عبادة ومعاملاتنا في البيع والشراء وفق شرع الله عبادة، وقطعنا يد السارق وجلدنا لشارب الخمر ورجمنا للزاني عبادة، ولن نكون مسلمين لو اتبعنا شريعة الله في الصلاة والزكاة والصوم والحج واتبعنا شريعة غيره في الحدود والعقوبات والمعاملات.
فالدين لن يكون ديناً يرضاه الله إلا إذا كان خالصا لله وحده، ولن يكون خالصا لله حتى تكون العبادة خالصة لله والحكم والتحاكم والطاعة والاتباع خالصا لله وحده، فلا نعبد غيره ولا نحتكم لسواه ولا نقبل تشريعا من غيره.
فإذا فهمنا الإسلام بهذه الصورة وطَبَّقناها في واقع حياتنا ورفضنا أي مفهوم وصورة أخرى للإسلام ففي هذه الحالة فقط نكون قد أسلمنا لله كما يريد ربنا وخالقنا، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) (النساء:125)
وقال عز وجل: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:162: 163)
الصلاة والنسك والحياة كلها والممات أيضا لله وحده دون شريك . هذا هو دين الإسلام ملة إبراهيم دين النبي محمد عليهما الصلاة والسلام.
هذا هو الإسلام لا كما يريده العلمانيون ويمهد له البازيون والعثيمينيون والألبانيون الذين وقعوا في شراك العلمانية النتنة.
والذي نفسي يبده لقد فهم زيد بن عمرو بن نفيل معنى أن يكون مسلما لله لما قال:
أسلمتُ وجهي لمن أسلمت *** له الأرض تحمل صخراً ثِقالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت *** له المُزْنُ تحمل عذبا زُلالا
إذا هي سيقت إلى بلدة *** أطاعت فصبت عليها سِجالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت *** له الريح تصرف حالا فحالا
فهل أسلمت الأرض والمزن والريح لأحد غير الله، فكيف يستسلم من يزعم الإسلام لغير الله خالقه ورازقه ومدبر أمره.
فتفكر ياعبد الله في نفسك هل شارك اللهَ أحدٌ في خلقك؟
فإن لم يكن أحد شاركه فهل أعانه أحد على خلقك؟
فإن لم يشاركه ولا أعانه أحد في خلقك. فهل وكَّل الله أمر تدبيرك وتصريف حياتك ورزقك وموتك وبعثك وحسابك أحداً من الخلق؟
فإن كنت تقر بأن الله وحده خالقك ومالكك ورازقك ومدبر أمرك ومصرف حياتك ومميتك وباعثك ومحاسبك ومجازيك فكيف تعطي لمخلوق ضعيف مثلك نصيباً من حياتك يتصرف بها كيف يشاء بما يغضب ربك وخالقك؟ أين ذهب عقلك؟
قال الله تعالى: (أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف39 :40)
وقال تعالى: (وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) (يّـس22: 23: 24 :25)
قال زيد بن عمرو بن نفيل:
أرباً واحدا أم ألف ربٍّ **** أدين إذا تقسَّمتِ الأمور
عزلتُ اللات والعزى جميعا *** كذلك يفعل الجَلَدُ الصبور
فلا عزى أَدِينُ ولا أبْنَتَيْها **** ولا صَنَمَي بني عمرو أزور
ولا هبلا أدين وكان ربا **** لنا في الدهر إذ حلمي يسير
عجبتُ وفي الليالي معجبات *** وفي الأيام يعرفها البصير
بأن الله قد أفنى رجالا **** كثيرا كان شأنهم الفجور
وأبقى آخرين بِبِرِ قوم **** فيربل منهم الطفل الصغير
وبينا المرء يعثر ثاب يوما **** كما يتروَّح الغصنُ النضير
ولكن أعبد الرحمن ربي *** ليغفر ذنبيَ الربُّ الغفور
فتقوى اللهِ ربِّكمُ احفظوها *** متى ما تحفظوها لا تبوروا
ترى الأبرار دراهم جنان *** وللكفار حاميةٌ سعير
وخزيٌ في الحياة وإن يموتوا*** يلاقوا ما تضيق به الصدور

الحمد لله الحمد لله الحمد لله الذي أخرجنا من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن ظلمات الكفر إلى نور الإيمان وأنقذنا بفضله ومنِّه وكرمه بعد أن كدنا نكون من جُثِيِّ جهنم وحطبها، وجعلنا مسلمين له حنفاء غير مشركين به شيئا.
الدرس الثالث
المعنى الصحيح لـ (لا إله إلا الله)
عرفنا فيما سبق أن للإسلام أصلاً لا يقوم ولا يتحقق إلا به ألا وهو توحيد الله عز وجل وإفراده بالعبادة والكفر بالألهة والأرباب المعبودة من دونه ؛ ولأن هذا الأصل هو المدخل لهذا الدين وأول ما يستسلم به العبد لربه فلابد إذاً من معرفته وتعلمه بأدلته وبراهينه من غير تقليد بلا حجة ولا برهان؛ وذلك ليتمكن العبد من الإتيان به اعتقادا وقولا وعملا؛ فيكون مسلما كما يريده الله لا كما يدعي العلمانيون وأتباعهم الجهلة ممن يجادلون عن جاهل التوحيد ويحكمون له بالإسلام ظلما وزورا وبهتاناً، وهو لا يعرف الإسلام ولا يعتقده ولا يقر به ولا يعمل به.
وقد جعل الله عز وجل كلمة التوحيد لا إله إلا الله دالةً عن هذا الأصل العظيم، وبعث بها جميع رسله وأنبيائه، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:25)  فمدلول هذه الكلمة هو التوحيد الذي أقيم عليه دين الإسلام، وليس المراد مجرد قولها باللسان بل لا بد من الاعتقاد والقول والعمل، ولا يتم ذلك إلا بعد معرفة معناها الذي يريده الله عز وجل، وقد جاء ذلك واضحا في قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)(النحل: من الآية36)
فهذه الكلمة العظيمة تتكون من ركنين:
الركن الأول: النفي (لا إله)، والذي يطابق في الآية السابقة قوله تعالى (وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)
الركن الثاني: الإثبات (إلا الله)، والذي يطابق في الآية السابقة قوله تعالى (اعْبُدُوا اللَّهَ)
فقل لي بالله عليك أيها القارئ هل يستطيع أحد أن ينفي ويثبت ما تعنيه هذه الكلمة وهو يجهل معناها؟!!
ومعنى الإله هو المعبود. فكل معبود سوى الله باطل، وكل عبادة صرفت لغير الله ضلال وشرك بالله الواحد الأحد. فلا يستحق العبادة إلا الله الواحد القهار، الذي له الخلق والملك والأمر. فمن عبد الله وحده فقد وحّده في ألوهيته، وأدَّى حقه عليه، ومن عبد غير الله فقد اتخذه إلهاً مع الله وجعل لله شريكاً، وكل من عبد شيئاً فهو إلهه.
و (الألوهية) هي العبادة، وهي حق الله الخالص على عباده أجمعين، ودينه الذي ارتضاه للناس كافة، ولا تصح العبادة إلا بالتوحيد، فمن جعل العبادة شركة بين الله وخلقه فما عبد الله ولا آمن بألوهيته.
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:  فإذا عرفت أن الله خلقك لعبادته ؛ فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد ؛ كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة؛ فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت، كالحدث إذا دخل في الطهارة، كما قال تعالى: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ) (التوبة:17).انتهى
فعمارة المسجد الحرام عبادة، ولكن لما دخل عليها الشرك حبطت وفسدت وأصبحت لا قيمة لها .
فمثلاً: الصلاة عبادة، فمن كان موحدا لله عز وجل لا يشرك به شيئا قُبِلَتْ صلاته، وتكون صلاته عبادة وقربة لله، ومن أشرك بالله لم تقبل صلاته، ولا تسمى هذه الصلاة عبادة لله، لأن شِرْكَه بالله أفسد عليه عباداته كلها، فصلاته باطلة مثل صلاة من صلى بغير وضوء، ولا يكون بهذه الصلاة عابداً لله .
قال تعال: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الزمر:65)
و (توحيد الألوهية) هو توحيد العبادة، أي إخلاص العبادة لله وحده لاشريك له، والبراءة من كل معبود غير الله.
-
فلا إله إلا الله تثبت الألوهية لله وحده وتنفيها عن كل ما سواه كائنا من كان نبيا أو مَلَكاً أو شيخاً عالما أو ولياً صالحاً أو جِنّاً أو شيطانا أو شجرا أو حجرا أو قبراً أو صنما أو غير ذلك.
فأهل لا إله إلا الله يؤمنون إيمانا صادقا قولا وعملا بأنه ليس في الكون كله من يستحق أن يصرف له شيء من العبادة والخضوع والاستسلام، وأن ذلك كله لله وحده المتفرد بالخلق والملك والأمر، ويعرفون جيدا أن ذلك لا يتحقق بالقول فقط، ولا بالقول والاعتقاد دون العمل، بل بالاعتقاد الجازم والقول الصادق والعمل الخالص.
ولا يتحقق توحيد الله إلا بنفي ما نفته كلمة التوحيد واثبات ما أثبتته، فالنفي وحده ليس توحيداً، وكذلك الإثبات وحده لايكون توحيداً، والتوحيد هو النفي والإثبات جميعاً.
وأيضا لا يتحقق توحيد الله بمجرد الإيمان بأنه لا خالق ولا رازق ولا مالك ولا مدبر ولا محيي ولا مميت ولا نافع ولا ضار إلا الله، فإن هذا وحده لا يكفي في الدخول للإسلام، فمن الكفار من يقر بهذا ولا يكون به مسلما بل كافر حلال الدم والمال، بل لابد أن يضيف إليه الإيمانَ بأنه لا معبود إلا الله وأن كل معبود غيره باطل، وأن يكون ذلك بقلبه ولسانه وجوارحه صدق وإخلاصا ومحبة وانقيادا.
وتأمل في الرد الذي رده كفار قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم  لما قال لهم: (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)، فأجابوا بقولهم: (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)، وقد كانوا يعبدون الله ويعبدون معه آلهة أخرى، فعرفوا أن هذه الكلمة التي دعاهم إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم تعني أن الآلهة التي يعبدونها مع الله كلها باطلة لا تستحق أن تعبد، وأنهم كانوا على ضلال في عبادتهم إياها مع الله، وأن الذي يستحق العبادة هو الله وحده، فإذا قالوا لا إله إلا الله فإنهم سيتركون كل الآلهة التي يعبدونها ويكفرون بها إلا إلهٌ واحدٌ هو الله عز وجل، فامتنع أكثرهم من قول هذه الكلمة واستكبروا عن توحيد الله، قال تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) (الصافات35 :36)
مع أنهم كانوا:
- لا يشكُّون أن الله وحده هو الذي يخلق ويرزق ويحي ويميت وهو الذي يملكهم ويملك آلهتهم
- وما كانوا يعبدون هذه الآلهة إلا لظنهم أنها تقربهم وتشفع لهم عند الله .
- وكانوا أيضا يظنون أن عبادة هذه الآلهة حق، وأنها من الدين الذي يرضاه الله.
- وأنهم لازالوا على دين إبراهيم لم يغيروا .
- وأن محمدا صلى الله عليه وسلم  هو الذي جاء بدين جديد، كما حكى الله عنهم: (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ، مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ) .
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: فلو تكلموا بها لَلَزِمهم أن يتركوا عبادة ما كانوا يعبدونه من الأصنام والأوثان، فتركوا التلفظ بما يلزمهم به من ترك دينهم، فلم ينفوا الإلهية عما كانوا يعبدونه من دون الله، فلذلك تركوا التلفظ بها.
وأما مشركو آخر هذه الأمة، فجهلوا معناها فتلفظوا بها، مع عدم نفيهم لما نفته من الشرك بعبادة الأوثان والأصنام، الذي عمت به البلوى في هذه الأعصار والأمصار؛ ولا ينكر وقوعه إلا من أعمى الله قلبه، وأطفى نور بصيرته بالكلية.انتهى
فإذا عرفت أن كفار قريش عرفوا معنى كلمة التوحيد معرفةً جيدة، فاحذر أن تكون أجهل من كفار قريش، واحرص على تعلم هذه الكلمة الفارقة بين المسلمين والمشركين .
واعلم أن معنى لا إلـه إلا اللـه هو: نفي الإلهية عن كل شيء إلا الله تبارك وتعالى، وإثباتها كلها لله وحده، لا شريك له، و الإلهية هي العبادة، فهي خالصة لله وحده، وعبادة غير الله كلها باطلة .
فكما أن قولك: لا خالق إلا الله، معناه لا يخلق الخلق إلا الله، لا يشاركه في ذلك أحد، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا غيره. وقولك: لا رازق إلا الله، يعني أن الرزق كله من عند الله وحده .
فإن قولك: لا إله إلا الله، يعني لا أحد يستحق العبادة إلا الله، فهي توحيد لله وإخلاص الإلهية له وحده، أي العبادة لله وحده، لا يشاركه فيها أحد من خلقه.
التوحيد ليس مجرد كلمة تقال باللسان
واعلم أن لا إله إلا الله ليست مجرد كلمة تقولها بلسانك وإنما هي شهادة وإقرار منك بألا تعبد إلا الله وأن تكفر بكل معبود سواه، وهي عهد وثيق مع الله بأن تكون مسلما له وحده بقلبك ولسانك وجوارحك، وهي دين تدين به لله عز وجل توالي وتعادي عليه، توالي من معك على هذا الدين وتحكم له بالإسلام وتتبرأ ممن دان بغيره وتكفِّره وتبغضه، وهي منهج تسير عليه في حياتك كلها، وعَلَمٌ يمميزك عن الكفار والمشركين وحد فاصل بينك وبينهم.
وكثير من الناس يعلم أن معنى لا إله إلا الله أنه لا معبود بحق إلا الله، ولكنه لا يلتزم بذلك في حياته فلا يكفر بكل المعبودات المؤلهة مع الله لظنه أنها تعني نفي عبادة الأصنام فقط كالتي كانت تعبدها قريش في الجاهلية، أما عبادة القبور فلا يراها مضادة لتوحيد الله لأنه يظن أنها قربة لله لما يعتقد لأصحابها من المكانة عند الله، فيعتقد أنه يتقرب إلى الله بمحبتهم ودعائهم والذبح لهم والتبرك بهم، ويعتقد أنهم واسطة بين الله وخلقه، ونسي هذا الجاهل أن فعله واعتقاده هذا هو نفس فعل قوم نوح وكفار قريش بأصنامهم التي منها ما هو على أسماء الصالحين كَوَدَّ وسواع ويغوث ويعوق ونسرا واللات، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)(الزمر: من الآية3)
وقال عز وجل: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (يونس:18)
فلم يعرف هذا الجاهل معنى لا إله إلا الله وإن قال أن معناها لا معبود بحق إلا الله، فلِجَهْلِه أشرك بالله واتخذ من دونه آلهة، فكل معبود هو إله لعابده، وجَهْلُ هذا وأمثاله بمعنى لا إله إلا الله لا يعفيه من الحكم عليه بالشرك في هذه الدنيا، ولا يكون مسلما بمجرد قولها وهو يفعل الشرك ويعتقده ويدين بما يدين به المشركون، فالإسلام ليس معناه أن تقول لا إله إلا الله دون أن تعرف معناها وتعتقده وتعمل به، ليس هذا هو الإسلام الذي يريده الله.
ويزعم كثير من الناس اليوم أن أمثال هذا الجاهل مسلم ولا يجوز تكفيره.
فمن قال لهم ياترى أن الله يرضى من العباد مجرد التلفظ بحروف لا إله إلا الله من غير معرفة معناها ولا اعتقاد ولا إقرار ولا عمل؟!!
أما القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم فلا يعتبر بإيمان أحد حتى يكفر بالطاغوت ويعبد الله وحده، قال الله جل وعلا: )َفمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)(البقرة: من الآية256). وقال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (النساء:60)
وأما السنة فكذلك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  (( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله)) رواه مسلم.
فمن قال لا إله إلا الله ولم يكفر بالطاغوت وما يعبد من دون الله لا يكون من المسلمين، هكذا يقول الله ورسوله.
وأما العلماء المتبعين للكتاب والسنة فيقولون: وأجمع العلماء سلفا وخلفا، من الصحابة والتابعين، والأئمة، وجميع أهل السنة أن المرء لا يكون مسلما إلا بالتجرد من الشرك الأكبر، والبراءة منه وممن فعله، وبغضهم ومعاداتهم بحسب الطاقة، والقدرة، وإخلاص الأعمال كلها لله. قال هذا الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ وتجده في الدرر السنية.
ويقول في كتابه فتح المجيد: قوله: " من شهد أن لا إله إلا الله " أي من تكلم بها عارفا لمعناها، عاملا بمقتضاها، باطنا وظاهرا، فلا بد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولها; كما قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ}، وقوله: {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه: من البراءة من الشرك، وإخلاص القول والعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح فغير نافع بالإجماع. انتهى
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب تعليقا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله))، قال:
وهذا من أعظم ما يبين معنى: لا إله إلا الله، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للمال والدم، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده، حتى يضيف إلى ذلك: الكفر بما يعبد من دون الله؛ فإن شك أو تردد، لم يحرم ماله ودمه، فيالها من مسألة ما أجلها! وياله من بيان ما أوضحه! وحجة ما أقطعها للمنازع!. انتهى
قال حفيده الشيخ سليمان بن عبد الله: وقد أجمع العلماء على معنى ذلك فلا بدّ في العصمة من الإتيان بالتوحيد، والتزام أحكامه، وترك الشرك. انتهى
وقال حفيده الشيخ عبد الرحمن بعد أن ذكر هذا الكلام: وهذا الذي ذكره شيخنا هو معنى لا إله إلا الله مطابقة، وهو معنى قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}، وهذا لا يشك فيه مسلم - بحمد الله -، ومن شك فيه فلم يكفر بالطاغوت؛ وكفى بهذا حجة على المعترض، وبيانا لجهله بالتوحيد، الذي هو أصل دين الإسلام وأساسه.انتهى
ويقول ابن تيمية رحمه الله: فمن جعل الملائكة أو الأنبياء وسائط، يدعوهم ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنوب، وهداية القلوب، وتفريج الكربات، وسد الفاقات، فهو كافر بإجماع المسلمين.انتهى . وقال أبو بطين: وهذا الذي ذكر الشيخ أن من فعله كافر بإجماع المسلمين، هو الذي يفعل اليوم عند هذه المشاهد المشهورة في أكثر بلاد الإسلام، بل زادوا على ذلك أضعافه، وضموا إلى ذلك الذبح والنذر لهم، وبعضهم زاد السجود لهم في الأرض.
فنقول: كل من فعل اليوم ذلك عند هذه المشاهد، فهو مشرك كافر بلا شك، بدلالة الكتاب والسنة والإجماع؛ ونحن نعلم أن من فعل ذلك ممن ينتسب إلى الإسلام، أنه لم يوقعهم في ذلك إلا الجهل، فلو علموا أن ذلك يبعد عن الله غاية الإبعاد، وأنه من الشرك الذي حرمه الله، لم يقدموا عليه، فكفرهم جميع العلماء، ولم يعذروهم بالجهل، كما يقول بعض الضالين: إن هؤلاء معذورون لأنهم جهال.
وهذا قول على الله بغير علم، معارض بمثل قوله تعالى: {فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}  الآية، {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً}  الآيتين. انتهى
وقال أيضا الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين: ظاهر الآيات، والأحاديث، وكلام جمهور العلماء تدل على كفر من أشرك بالله فعبد معه غيره، ولم تفرق الأدلة بين المعين وغيره، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}، وقال تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}، وهذا عام في كل واحد من المشركين.
وجميع العلماء في كتب الفقه، يذكرون حكم المرتد، وأول ما يذكرون من أنواع الكفر والردة: الشرك، فقالوا: إن من أشرك بالله كفر، ولم يستثنوا الجاهل، ومن زعم لله صاحبة أو ولدا كفر، ولم يستثنوا الجاهل، ومن قذف عائشة كفر، ومن استهزأ بالله أو رسله أو كتبه، كفر إجماعا، لقوله تعالى: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ؛ ويذكرون أنواعا كثيرة مجمعا على كفر صاحبها، ولم يفرقوا بين المعين وغيره..........
وأعظم أنواع الكفر: الشرك بعبادة غير الله، وهو كفر بإجماع المسلمين، ولا مانع من تكفير من اتصف بذلك، كما أن من زنى قيل: فلان زان، ومن رابى: قيل: فلان مراب.انتهى
فأي دين يدين به هؤلاء الألبانيون والعثيمينيون والمدخليون ومن على شاكلتهم إذا كان الكتاب والسنة والمسلمون قاطبة لا يقولون بقولهم.
( قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(يونس: من الآية18)
(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه)(الشورى: من الآية21)
( قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ)(الأنعام: من الآية148)
(أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(يونس: من الآية35)
فاحرص أيها القارئ على تعلم الإسلام وأخْذِه من النبع الصافي كتاب الله وسنة رسوله، ولا تقل كما قالت اليهود والنصارى: قالوا لا نسبق علماءنا بشيء ما أمرونا به ائتمرنا وما نهونا عنه انتهينا. ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم. وقد قال الله واصفاً حالهم هذه: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً )(التوبة: من الآية31)
قال الشوكاني في فتح القدير: وفى هذه الآية ما يزجر من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد عن التقليد في دين الله وتأثير ما يقوله الأسلاف على ما في الكتاب العزيز والسنة المطهرة فإن طاعة المتمذهب لمن يُقتدى بقوله ويستن بسنته من علماء هذه الأمة مع مخالفته لما جاءت به النصوص وقامت به حجج الله وبراهينه ونطقت به كتبه وأنبياؤه هو كاتخاذ اليهود والنصارى للأحبار والرهبان أربابا من دون الله؛ للقطع بأنهم لم يعبدوهم بل أطاعوهم وحرموا ما حرموا وحللوا ما حللوا وهذا هو صنيع المقلدين من هذه الأمة وهو أشبه به من شِبْهِ البيضة بالبيضة والتمرة بالتمرة والماء بالماء.
فيا عباد الله ويا أتباع محمد بن عبد الله ما بالكم تركتم الكتاب والسنة جانبا وعمدتم إلى رجال هم مثلكم في تَعَبُّدِ الله لهم بهما، وطلبه منهم للعمل بما دلَّا عليه وأفاداه، فعملتم بما جاءوا به من الآراء التي لم تعمد بعماد الحق ولم تعضد بعضد الدين، ونصوص الكتاب والسنة تنادي بأبلغ نداء وتصوِّت بأعلى صوت بما يخالف ذلك ويباينه، فأعرتموهما آذانا صما وقلوبا غلفا وأفهاما مريضة وعقولا مهيضة وأذهانا كليلة وخواطر عليلة، وأنشدتم بلسان الحال:
وَهَل أَنا إلاَّ مِنْ غَزِيَّةَ إنْ غًَوَتْ *** غَويْتُ وَإنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أرْشُدِ
فدعوا - أرشدكم الله وإياي - كُتباً كتبها لكم الأموات من أسلافكم، واستبدِلوا بها كتاب الله خالقهم وخالقكم ومتعبدهم ومتعبدكم ومعبودهم ومعبودكم، واستبدِلوا بأقوال من تدعونهم بأئمتكم وما جاءوكم به من الرأي بأقوال إمامكم وإمامهم وقدوتكم وقدوتهم وهو الإمام الأول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
دَعُوا كل قول عند قول محمد *** فما آمن في دينه كمخاطر 
اللهم هادي الضال مرشد التائه موضح السبيل اهدنا إلى الحق وأرشدنا إلى الصواب وأوضح لنا منهج الهداية. انتهى كلام الشوكاني
فالتوحيد الذي يصيِّر الكافر باعتقاده والإقرار والعمل به مسلما هو إخلاص العبادة لله ونفيها عما سواه، وليس مجرد التلفظ بحروف لا إله إلا الله من غير معرفة ولا اعتقاد ولا عمل.
التوحيد يتحقق بثلاثة أمور
من أراد أن يسلم لله ويؤمن بلا إله إلا الله كما يريده الله عز وجل فيجب عليه:
ألا يعبد إلا الله
ولا يشرك به شيئا
ويكفر بالأرباب والآلهة والأنداد وسائر المعبودات من دون الله
والأدلة على هذا كثيرة من كتاب الله عز وجل ومن سنة نبيه وهو محل اتفاق بين المسلمين جميعا
الأدلة من كتاب الله
قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)(النحل: من الآية36) فالله عز وجل ما بعث رسولا إلا وكانت بداية دعوته الأمر بعبادة الله وحده والكفر والاجتناب لما يعبد من دونه، ولا يتم الانتقال من الكفر إلى الإسلام إلا بتحقيق هذا الأصل، ومعلوم أن عبادة الله وحده والكفر والاجتناب لما يعبد من دونه لا يتحقق بالقول فقط بل لابد من القول والعمل.
واعلم أن كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت ولا تنفع عبادة الله إلا بشرط اجتناب عبادة ما سواه.
 وقال تعالى: (إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ)(فصلت: من الآية14)
وأما قول الله تعالى: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)(الأعراف: من الآية59) فهو أول ما يقرع به الرسول أسماع قومه المشركين، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، وهو يتضمن الإثبات: (اعْبُدُوا اللَّهَ)، والنفي: (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) أي مالكم من معبود يستحق العبادة سواه.
وقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لقومه (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) هو مثل قول نوح وهود وصالح وغيرهم (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ).
وقد كان المشركون يعرفون جيدا ما يدعوهم إليه رسل الله، تعرف هذا من خلال ردودهم التي حكاها الله عنهم.
فأما قوم نوح فقالوا: (وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) (نوح:23)  وأما قوم هود فقالوا: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا )(لأعراف: من الآية70)
وأما قوم صالح فقالوا: (قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا)(هود: من الآية62)
وأما قوم شعيب فقالوا: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا)(هود: من الآية87)
وأما قوما نبينا عليه السلام فقالوا: (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) (صّ:5)
-  وفي دعوة يوسف عليه السلام لصاحبيه في السجن بيان لحقيقة الإسلام، قال لهما: (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف الآية من 37 - 40)
فدعاهم إلى: أن يعبدوا الله
ولا يشركوا به شيئا
وأن يتبرؤوا من الأرباب المعبودة من دونه.
هذا هو الإسلام الدين القيم، ولكن أكثر الناس قديما وحديثا لا يعرفونه.
- وقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ )(الاسراء: من الآية23) وقال: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً )(النساء: من الآية36) بيان معنى لا إله إلا الله بأن لا يعبد إلا الله ولا يشرك به شيئا.
- ولما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو أهل الكتاب للإسلام بعث لهم رسالة فيها قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران:64). فهذه الآية تبين المعنى الصحيح لكلمة التوحيد.
والكلمة السواء هي لا إله إلا الله، ولا يؤمن بها إلا من حقق هذه الثلاث:
أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ
وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً
وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ، فلا نتخذ أربابا من دون الله بل لابد أن نكْفر بالأرباب المعبودة من دونه.
-
ففي هذه الآيات السابقة دليل كافٍ وحجة ساطعة وبرهان قاطع على صحة ما قلناه (فمن أراد أن يسلم لله ويؤمن بلا إله إلا الله كما يريده الله عز وجل فيجب عليه:
ألا يعبد إلا الله
ولا يشرك به شيئا
ويكفر بالأرباب والآلهة والأنداد وسائر المعبودات من دون الله).
الأدلة من السنة والسيرة الصحيحة الثابتة
كانت دعوته صلى الله عليه وسلم رسالة عامة للعالمين ولم تكن مخالفة لدعوة الرسل من قبله بل كان على نهج من قبله من الأنبياء متبعاً ملة إبراهيم عليه السلام،  فكان يدعو قومه ليوحدوا الله ولا يشركوا به شيئا ويتركوا ما يعبد آباؤهم من دون الله . ويعبر عن هذا كله قول: "لا إله إلا الله". وقد عرفوا أنهم مطالبون بهذا الترك، قال الله عنهم: (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) (الصافات:36)
وإليك الدليل على ما قلنا:
1- ما جاء في الصحيح من حديث سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: (( لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ أَيْ عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ....)) .الحديث
يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله،  فيه معرفتهما لمعنى " لا إله إلا الله" لأنهما عَرَفَا أن أبا طالب لو قالها لبَرِئ من ملة عبد المطلب، فإن ملة عبد المطلب هي الشرك بالله في الإلهية، وأما الربوبية فقد أقروا بها.انتهى
ففي هذا الحديث المجمع على صحته، دلالة واضحة أنه لا يقول لا إله إلا الله إلا من برئ من كل دين أساسه الشرك بالله، وقد علم كفار قريش أن الذي أراده رسول الله منهم بقول " لا إله إلا الله" ليس مجرد اللفظ بل هو القول والاعتقاد والعمل، وأنها البراءة التامة مما كانوا عليه من دين الآباء والأجداد، والذي هو عبادة الأصنام من دون الله.
2- وفي سؤال هرقل لأبى سفيان عما يدعو إليه هذا النبي أجاب أبو سفيان بما فهمه من  دعوته والحديث ثابت في الصحيح: قال هرقل: (( .... قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ)). يقول ابن حجر رحمه الله: قوله: (( وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ)). هِيَ كَلِمَة جَامِعَة لِتَرْكِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة .
فتأملوا في هذا الأثر الصحيح الواضح وضوح الشمس:
اعبدوا الله وحده
ولا تشركوا به شيئا
واتركوا ما يقول آباؤكم، (وهو الكفر بما كان يدين به المشركون)
هذا هو الإسلام الذي كان يدعوهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- حديث عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ في صحيح مسلم: وفيه: (( .... فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ قَالَ: أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ قُلْتُ: لَهُ فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا قَالَ: حُرٌّ وَعَبْدٌ)) .
فتأملو في هذا الحديث أيضا:
أن يوحد الله
لا يشرك به شيئا
وكسر الأوثان
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: فليتأمل المؤمن الناصح لنفسه ما في هذا الحديث من العبر ....
إلى أن قال: وفيه من العبر أيضا أنه لما قال: " أرسلني الله". قال: بأي شيء أرسلك؟ قال بكذا وكذا. فتبين أن زبده الرسالة الإلهية، والدعوة النبوية، هو توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له وكسر الأوثان، ومعلوم أن كسرها لا يستقيم إلا بشدة العداوة، وتجريد السيف، فتأمل زبده الرسالة.
وفيه أيضا أنه فهم المراد من التوحيد، وفهم أنه أمر كبير غريب، ولأجل هذا قال: (( ....فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا قَالَ: حُرٌّ وَعَبْدٌ)). فأجابه أن جميع العلماء والعباد والملوك والعامة مخالفون له ولم يتبعه على ذلك إلا من ذكر، فهذا أوضح دليل على أن الحق قد يكون مع أقل القليل وأن الباطل قد يملأ الأرض. انتهى .
4- حديث ضمام بن ثعلبة وفيه: (...قال أنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله بعثك إلينا رسولا؟ قال اللهم نعم. قال أنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن نعبده ولا نشرك به شيئا وأن نخلع هذه الأوثان والأنداد التي كان آباؤنا يعبدون؟ فقال صلى الله عليه وسلم اللهم نعم ....) وأصل الحديث مروي في الصحيحين وغيرهما، إلا أن هذه الزيادة عند الحاكم وأحمد والدارمي وأبي داود وغيرهم.
فتأملوا ما في الحديث:
آلله أمرك أن نعبده
ولا نشرك به شيئا
وأن نخلع هذه الأوثان والأنداد التي كان آباؤنا يعبدون
ولعل اللبيب العاقل المتجرد يكفيه ما ذ كرنا له من الأدلة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن دعوته إلى مجرد التلفظ بكلمة التوحيد دون معرفة معناها والعمل بمقتضاها،  ولكنها كانت دعوة إلى :
أن يعبد الله وحده
ولا يُشرك به شيئا
وأن يُكفر بالآلهة والأرباب والطواغيت المعبودة من دونه
وهذا الأمر قد عَلِمه المشركون قديما وعَلِمه اليهود والنصارى والفرس والروم وهو معلوم بالضرورة من دين الإسلام.
وقد ذكرنا الأدلة الكافية على أن هذه الدعوة هي دعوة جميع المرسلين، وأنهم على هذا اجتمعوا، وعلى هذا خالفوا أقوامهم المشركين، وعلى هذا كانت العداوة بين الرسل وأتباعهم وهم فريق الموحدين، وبين الملأ من الذين كفروا وأتباعهم وهم فريق المشركين.
فمن أراد أن يكون من المسلمين فليدخل في دينهم من الباب الذي دخلوا منه، وليشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
ولا بد أن تكون شهادته شهادة صادقة، ولن تكون كذلك إلا بمعرفة معناها والعمل بها قولا وعملا،
فلا يعبد إلا الله ولا يعبده إلا بما شرع
ولا يشرك به شيئا
ويكفر ويجتنب بكل ما يعبد من دونه.
كما قال صلى الله عليه وسلم: ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله) رواه مسلم.
وفي صحيح مسلم عَنْ عُثْمَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ».
قال ابن تيمية – رحمه الله – في مجموع القتاوى: وَإِنَّمَا يَصِيرُ الرَّجُلُ مُسْلِمًا حَنِيفًا مُوَحِّدًا إذَا شَهِدَ : أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ . فَعَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ بِحَيْثُ لَا يُشْرِكُ مَعَهُ أَحَدًا فِي تَأَلُّهِهِ وَمَحَبَّتِهِ لَهُ وَعُبُودِيَّتِهِ وَإِنَابَتِهِ إلَيْهِ وَإِسْلَامِهِ لَهُ وَدُعَائِهِ لَهُ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَمُوَالَاتِهِ فِيهِ ؛ وَمُعَادَاتِهِ فِيهِ ؛ وَمَحَبَّتِهِ مَا يُحِبُّ ؛ وَبُغْضِهِ مَا يُبْغِضُ، وَيَفْنَى بِحَقِّ التَّوْحِيدِ عَنْ بَاطِلِ الشِّرْكِ ؛ وَهَذَا فَنَاءٌ يُقَارِنُهُ الْبَقَاءُ فَيَفْنَى عَنْ تَأَلُّهِ مَا سِوَى اللَّهِ بِتَأَلُّهِ اللَّهِ تَحْقِيقًا لِقَوْلِهِ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَيَنْفِي وَيَفْنَى مِنْ قَلْبِهِ تَأَلُّهَ مَا سِوَاهُ ؛ وَيُثْبِتُ وَيُبْقِي فِي قَلْبِهِ تَأَلُّهَ اللَّهِ وَحْدَهُ ؛ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ - : { مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ }.انتهى
نسأل الله أن يجعلنا من أهل لا إله إلا الله في الدنيا والآخرة. اللهم آمين
 

1 comentario: