السلسلة الا ولى: تابعونا
كتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاب الطاغــــــــــــــــــــــــــــــوت
الحمد لله الذي بعث محمدا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله, وكفى بالله شهيدا, أحمده سبحانه حمد عبد معترف بما له جل وعلا من الآلاء والنعم…، وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا.
أما بعد:
فأسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم جميعا ممن أصلح قوله وعمله, وجعل حياته زيادة في كل خير ونعوذ به جل وعلا من الخذلان، كما نسأله أن يُلزمنا كلمة التقوى وطريقة السلف الصالح التي هي أولى.
قال ابن القيم رحمه الله: أن كل واحد منا مأمور بأن يصدق الرسول (صلي الله عليه وسلم) فيما أخبر به، ويطيعه فيما أمر، وذلك لا يكون إلا بعد معرفة أمره وخبره، ولم يوجب الله سبحانه من ذلك على الأمة إلا ما فيه حفظ دينها ودنياها وصلاحها في معاشها ومعادها. وبإهمال ذلك تضيع مصالحها وتفسد أمورها. فما خراب العالم إلا بالجهل، ولا عمارته إلا بالعلم. وإذا ظهر العلم في بلد أو محلة، قل الشر في أهلها. وإذا خفي العلم هناك، ظهر الشر والفساد، ومن لم يعرف هذا فهو ممن لم يجعل الله له نوراً.
قال الإمام أحمد: لولا العلم كان الناس كالبهائم. وقال: الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب، لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرتين أو ثلاثاً، والعلم يحتاج إليه كل وقت أ.هـ ([1])
وبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــعد
من التوحيد الغائب عن المسلمين هو عدم معرفتهم ما هو الطاغوت وكيفية الكفر به وهذا ما نراه إن شاء الله في صفحات هذا الكتاب
الفصل الأول معني الطاغوت
أولا- المعني اللغوي
جاء في تفسير الطبري صفحة 903
(طغى طغوت وطغيت ( انظر : اللسان ( طغا ) وعمدة الحفاظ : طغا ) طغوانا وطغيانا وأطغاه كذا : حمله على الطغيان وذلك تجاوز الحد في العصيان . قال تعالى : { اذهب إلى فرعون إنه طغى } [ النازعات / 17 ] { إن الإنسان ليطغى } [ العلق / 6 ] وقال : { قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى } [ طه / 45 ] { ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي } [ طه / 81 ] وقال تعالى : { فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا } [ الكهف / 80 ] { في طغيانهم يعمهون } [ البقرة / 15 ] { إلا طغيانا كبيرا } [ الإسراء / 60 ] { وإن للطاغين لشر مآب } [ ص / 55 ] { قال قرينه ربنا ما أطغيته } [ ق / 27 ] والطغوى الاسم منه . قال تعالى : { كذبت ثمود بطغواها } [ الشمس / 11 ] تنبيها أنهم لم يصدقوا إذا خوفوا بعقوبة طغيانهم . وقوله : { هم أظلم وأطغى } [ النجم / 52 ] تنبيها أن الطغيان لا يخلص الإنسان فقد كان قوم نوح أطغى منهم فأهلكوا . وقوله : { إنا لما طغى الماء } [ الحاقة / 11 ] فاستعير الطغيان فيه لتجاوز الماء الحد وقوله : { فأهلكوا بالطاغية } [ الحاقة / 5 ] فإشارة إلى الطوفان المعبر عنه بقوله : { إنا لما طغى الماء } [ الحاقة / 11 ]
- ثانبا- المعني الشرعي والطاغوت عبارة عن كل معتد وكل معبود من دون الله ويستعمل في الواحد والجمع . قال تعالى : { فمن يكفر بالطاغوت } [ البقرة / 256 ] { والذين اجتنبوا الطاغوت } [ الزمر / 17 ] { أولياؤهم الطاغوت } [ البقرة / 257 ] { يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت } [ النساء / 60 ] فعبارة عن كل معتد ولما تقدم سمي الساحر والكاهن والمارد من الجن والصارف عن طريق الخير طاغوتا ووزنه فيما قيل : فعلوت نحو : جبروت وملكوت وقيل : أصله : طغووت ولكن قلب لام الفعل نحو صاعقة وصاقعة ثم قلب الواو ألفا لتحركه وانفتاح ما قبله) ا هـ
- وقال في تفسير قوله : { فمن يكفر بالطاغوت }
- قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى الطاغوت
- فقال بعضهم : هو الشيطان
- ذكر من قال ذلك :
- حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا سفيان عن أبي إسحق عن حسان بن فائد العبسي قال قال عمر بن الخطاب : الطاغوت الشيطان
- حدثني محمد بن المثنى قال حدثني اين أبي عدي عن شعبة عن أبي إسحق عن حسان بن فائد عن عمر مثله
- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا هشيم قال أخبرنا عبد الملك عمن حدثه عن مجاهد قال : الطاغوت الشيطان
- حدثني يعقوب قال حدثنا هشيم قال أخبرنا زكريا عن الشعبي قال : الطاغوت الشيطان
- حدثني المثنى قال حدثنا إسحق قال حدثنا أبو زهير عن جويبر عن الضحاك في قوله : { فمن يكفر بالطاغوت } قال : الشيطان
- حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة : الطاغوت الشيطان
- حدثني موسى قال حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط عن السدي قوله : { فمن يكفر بالطاغوت } بالشيطان
- وقال آخرون : الطاغوت هو الساحر
- ذكر من قال ذلك :
- حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الأعلى قال حدثنا داود عن أبي العالية أنه قال : الطاغوت الساحر
- وقد خولف عبد الأعلى في هذه الرواية وأنا ذاكر الخلاف بعد
- حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا حماد بن مسعدة قال حدثنا عوف عن محمد قال : الطاغوت الساحر
- وقال آخرون : بل الطاغوت هو الكاهن
- ذكر من قال ذلك :
- حدثنا ابن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال : الطاغوت الكاهن
- حدثنا ابن المثنى قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا داود عن رفيع قال : الطاغوت الكاهن
- حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج : { فمن يكفر بالطاغوت } قال : كهان تنزل عليها شياطين يلقون على ألسنتهم وقلوبهم أخبرني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أنه سمعه يقول : - وسئل عن الطواغيت التي كانوا يتحاكمون إليها فقال - : كان في جهينة واحد وفي أسلم واحد في كل حي واحد وهي كهان ينزل عليها الشيطان
- قال أبو جعفر : والصواب من القول عندي في الطاغوت أنه كل ذي طغيان على الله فعبد من دونه إما بقهر منه لمن عبده وإما بطاعة ممن عبده له إنسانا كان ذلك المعبود أو شيطانا أو وثنا أو صنما أو كائنا ما كان من شيء
- وأرى أن أصل الطاغوت الطغووت من قول القائل : طغا فلان يطغو إذا عدا قدره فتجاوز حده كالجبروت من التجبر والخلبوت من الخلب ونحو ذلك من الأسماء التي تأتي على تقدير فعلوت بزيادة الواو والتاء ثم نقلت لامه - أعني لام الطغووت - فجعلت له عينا وحولت عينه فجعلت مكان لامه كما قيل : جذب وجبذ وجاذب وجابذ وصاعقة وصاقعة وما أشبه ذلك من الأسماء التي على هذا المثال
- فتأويل الكلام إذا : فمن يجحد ربوبية كل معبود من دون الله فيكفر به { ويؤمن بالله } يقول : ويصدق بالله أنه إلهه وربه ومعبوده { فقد استمسك بالعروة الوثقى } يقول : فقد تمسك بأوثق ما يتمسك به من طلب الخلاص لنفسه من عذاب الله وعقابه كما : -
- حدثني أحمد بن سعيد بن يعقوب الكندي قال حدثنا بقية بن الوليد قال حدثنا ابن أبي مريم عن حميد بن عقبة عن أبي الدرداء : أنه عاد مريضا من جيرته فوجده في السوق وهو يغرغر لا يفقهون ما يريد فسألهم : يريد أن ينطق ؟ قالوا : نعم يريد أن يقول : آمنت بالله وكفرت بالطاغوت قال أبو الدرداء : وما علمكم بذلك ؟ قالوا : لم يزل يرددها حتى انكسر لسانه فنحن نعلم أنه إنما يريد أن ينطق بها فقال أبو الدرداء : أفلح صاحبكم ! إن الله يقول : { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم }
- قال أبو جعفر : والعروة في هذا المكان مثل للإيمان الذي اعتصم به المؤمن فشبهه في تعلقه به وتمسكه به بالمتمسك بعروة الشيء الذي له عروة يتمسك بها إذ كان كل ذي عروة فإنما يتعلق من أراده بعروته
- وجعل تعالى ذكره الإيمان الذي تمسك به الكافر بالطاغوت المؤمن بالله من أوثق عرى الأشياء بقوله : { الوثقى }
- و { الوثقى } فعلى من الوثاقة يقال في الذكر : هو الأوثق وفي الأنثى : هي الوثقى كما يقال : فلان الأفضل وفلانة الفضلى
- وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل
- ذكر من قال ذلك :
- حدثني محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : { بالعروة الوثقى } قال : الإيمان
- حدثني المثنى قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله
- حدثني موسى قال حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط عن السدي قال : { العروة الوثقى } هو الإسلام
- حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو أحمد قال حدثنا سفيان عن أبي السوداء عن جعفر - يعني ابن أبي المغيرة - عن سعيد بن جبير قوله : { فقد استمسك بالعروة الوثقى } قال : لا إله إلا الله) ا هـ
قال أبو الاعلي المودودي في كتاب المصطلحات الأربعة ص53
قال تعالي (قل هل أُنبئكم بشرٍ من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت).(المائدة: 60)
(ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) (النحل: 36)
(والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى) (الزمر: 17)
المراد بعبادة الطاغوت في كل من هذه الآيات الثلاث هو العبودية للطاغوت وإطاعته. ومعنى الطاغوت في إصطلاح القرآن – كما سبقت الإشارة إليه – كل دولة أو سلطة وكل إمامة أو قيادة تبغي على الله وتتمرد، ثم تنفذ حكمها في أرضه وتحمل عباده على طاعتها بالإكراه أو بالإغراء أو بالتعليم الفاسد. فاستسلام المرء لمثل تلك السلطة وتلك الإمامة والزعامة وتعبّده لها ثم طاعته إياها – كل ذلك منه عبادة – ولا شك – للطاغوت!)ا هـ
وجاء في موسوعة توحيد رب العبيد - (ج 7 / ص 29) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد82الشيخ / عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ دراسة وتحقيق:محمد حامد الفقي
(الذي يستخلص من كلام السلف -رضي الله عنهم-: أن الطاغوت كل ما صرف العبد وصده عن عبادة الله وإخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله، سواء في ذلك الشيطان من الجن والشيطان من الإنس, والأشجار والأحجار وغيرها. ويدخل في ذلك بلا شك: الحكم بالقوانين الأجنبية عن الإسلام وشرائعه وغيرها من كل ما وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال, وليبطل بها شرائع الله, من إقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك، مما أخذت هذه القوانين تحللها وتحميها بنفوذها ومنفذيها. والقوانين نفسها طواغيت, وواضعوها ومروجوها طواغيت. وأمثالها من كل كتاب وضعه العقل البشري ليصرف عن الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إما قصدا أو من غير قصد من واضعه، فهو طاغوت).ا هـ
الفصل الثاني تفسير الآيات التي ذكر فيها الطاغوت
اولا - قال تعالى: (اللّهُ وَلِيّ الّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مّنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ وَالّذِينَ كَفَرُوَاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مّنَ النّورِ إِلَى الظّلُمَاتِ أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [سورة: البقرة - الأية: 257]
1- جاء في تفسير البيضاوي
(وقيل : نزلت في قوم ارتدوا عن الإسلام ، وإسناد الإخراج إلى الطاغوت باعتبار التسبب لا يأبى تعلق قدرته تعالى وإرادته بها . " أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " وعيد وتحذير ، ولعل عدم مقابلته بوعد المؤمنين تعظيم لشأنهم ).ا هـ
2- وفي تفسير البغوي
.( قوله تعالى: " الله ولي الذين آمنوا " ناصرهم ومعينهم، وقيل: متولي أمورهم لا يكلهم إلى غيره، وقال الحسن : ولي هدايتهم " يخرجهم من الظلمات إلى النور " أي من الكفر إلى الإيمان، قال الواقدي : كل ما في القرآن من الظلمات والنور فالمراد منه الكفر والإيمان غير التي في سورة الأنعام، " وجعل الظلمات والنور " فالمراد منه الليل والنهار، سمي الكفر ظلمه لالتباس طريقه وسمي الإسلام نوراً لوضوح طريقه " والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت " قال مقاتل : يعني كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وسائر رؤوس الضلالة " يخرجونهم من النور إلى الظلمات " يدعونهم من النور إلى الظلمات، والطاغوت يكون مذكراً ومؤنثاً وواحداً وجمعاً، قال الله تعالى في المذكر والواحد: " يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به " (60-النساء) وقال في المؤنث: " والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها " (17-الزمر) وقال في الجمع: " يخرجونهم من النور إلى الظلمات " فإن قيل: قال: يخرجونهم من النور وهم كفار لم يكونوا في نور قط؟ قيل: هم اليهود كانوا مؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث لما يجدون في كتبهم من نعته، فلما بعث كفروا به، وقيل: هو على العموم في حق جميع الكفار، قالوا: منعهم إياهم من الدخول فيه إخراج كما يقول الرجل لأبيه أخرجتني من مالك ولم يكن فيه، كما قال الله تعالى إخباراً عن يوسف عليه السلام: " إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله " (37-يوسف) ولم يكن قط في ملتهم " أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ").ا هـ
3- وفي تفسيرا لشوكاني
"الله ولي الذين آمنوا" الولي فعيل بمعنى فاعل، وهو الناصر. وقوله: "يخرجهم" تفسير للولاية، أو حال من الصمير في ولي، وهذا يدل على أن المراد بقوله: "الذين آمنوا" الذين أرادوا الإيمان، لأن من قد وقع منه الإيمان قد خرج من الظلمات إلى النور إلا أن يراد بالإخراج إخراجهم من الشبه التي تعرض للمؤمنين فلا يحتاج إلى تقدير الإرادة، والمراد بالنور في قوله: "يخرجونهم من النور إلى الظلمات" ما جاء به أنبياء الله من الدعوة إلى الدين، فإن ذلك نور للكفار أخرجهم أولياؤهم عنه إلى ظلمة الكفر: أي قررهم أولياؤهم على ما هم عليه من الكفر بسبب صرفهم عن إجابة الداعي إلى الأنبياء. وقيل: المرد بالذين كفروا هنا الذين ثبت في علمه تعالى كفرهم يخرجهم أولياؤهم من الشياطين ورؤوس الضلال من النور الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها إلى ظلمات الكفر التي وقعوا فيها بسبب ذلك الإخراج).ا هـ
4- تفسير الطبري - (ج 5 / ص 424)
(قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"الله ولي الذين آمنوا"، نصيرهم وظهيرهم، يتولاهم بعونه وتوفيقه"يخرجهم من الظلمات" يعني بذلك:.
يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان. وإنما عنى ب"الظلمات" في هذا الموضع، الكفر. وإنما جعل"الظلمات" للكفر مثلا لأن الظلمات حاجبة للأبصار عن إدراك الأشياء وإثباتها، وكذلك الكفر حاجب أبصار القلوب عن إدراك حقائق الإيمان والعلم بصحته وصحة أسبابه. فأخبر تعالى ذكره عباده أنه ولي المؤمنين، ومبصرهم حقيقة الإيمان وسبله وشرائعه وحججه، وهاديهم، فموفقهم لأدلته المزيلة عنهم الشكوك، بكشفه عنهم دواعي الكفر، وظلم سواتر [عن ] أبصار القلوب
ثم أخبر تعالى ذكره عن أهل الكفر به، فقال:"والذين كفروا"، يعني الجاحدين وحدانيته="أولياؤهم"، يعني نصراؤهم وظهراؤهم الذين يتولونهم="الطاغوت"، يعني الأنداد والأوثان الذين يعبدونهم من دون الله="يخرجونهم من النور إلى الظلمات"، يعني ب"النور" الإيمان، على نحو ما بينا="إلى الظلمات"، ويعني ب"الظلمات" ظلمات الكفر وشكوكه، الحائلة دون أبصار القلوب ورؤية ضياء الإيمان وحقائق أدلته وسبله.) ا هـ
5 - بحر العلوم للسمرقندي - (ج 1 / ص 212)
{ الله وَلِيُّ الذين ءامَنُواْ } ، أي حافظهم ومعينهم وناصرهم . { يُخْرِجُهُم مّنَ الظلمات إِلَى النور } ، يعني من الكفر إلى الإيمان . واللفظ لفظ المستقبل والمراد به الماضي ، يعني أخرجهم . ويقال : ثبتهم على الاستقامة كما أخرجهم من الظلمات . ويقال : يخرجهم من الظلمات ، أي من ظلمة الدنيا ومن ظلمة القبر ومن ظلمة الصراط إلى الجنة .
{ والذين كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطاغوت } ، يعني اليهود أولياؤهم كعب بن الأشرف وأصحابه . ويقال : المشركون أولياؤهم الشياطين . { يُخْرِجُونَهُم مّنَ النور إِلَى الظلمات } ، يعني يدعونهم إلى الكفر ، كما قال في آية أخرى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بأاياتنآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظلمات إِلَى النور وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله إِنَّ فِى ذلك لآيات لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } [ إبراهيم : 5 ] ، يعني ادع قومك . { أُولَئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون } ، يعني أهل النار هم فيها خالدون أي دائمون)ا هـ
6- .النكت والعيون - (ج 1 / ص 191)
(قوله عز وجل : { اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا } يحتمل وجهين :
أحدهما : يتولاهم بالنصرة .
والثاني : بالإرشاد .
{ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } فيه وجهان :
أحدهما : من ظلمات الضلالة إلى نور الهدى ، قاله قتادة .
والثاني : يخرجهم من ظلمات العذاب في النار ، إلى نور الثواب في الجنة .
{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ } يكون على وجهين :
أحدهما : يخرجونهم من نور الهدى إلى ظلمات الضلالة .
والثاني : يخرجونهم من نور الثواب إلى ظلمة العذاب في النار .
وعلى وجه ثالث لأصحاب الخواطر : أنهم يخرجونهم من نور الحق إلى ظلمات الهوى .
فإن قيل : فكيف يخرجونهم من النور ، وهم لم يدخلوا فيه؟ فعن ذلك جوابان :
أحدهما : أنها نزلت في قوم مُرْتَدِّين ، قاله مجاهد .
والثاني : أنها نزلت فيمن لم يزل كافراً ، وإنما قال ذلك لأنهم لو لم يفعلوا ذلك بهم لدخلوا فيه ، فصاروا بما فعلوه بمنزلة من قد أخرجهم منه . وفيه وجه ثالث : أنهم كانوا على الفطرة عند أخذ الميثاق عليهم ، فلما حَمَلُوهم على الكفر أخرجوهم من نور فطرتهم ).ا هـ
7- تفسير السعدي - (ج 1 / ص 111).
(ثم ذكر السبب الذي أوصلهم إلى ذلك فقال: { الله ولي الذين آمنوا } وهذا يشمل ولايتهم لربهم، بأن تولوه فلا يبغون عنه بدلا ولا يشركون به أحدا، قد اتخذوه حبيبا ووليا، ووالوا أولياءه وعادوا أعداءه، فتولاهم بلطفه ومنَّ عليهم بإحسانه، فأخرجهم من ظلمات الكفر والمعاصي والجهل إلى نور الإيمان والطاعة والعلم، وكان جزاؤهم على هذا أن سلمهم من ظلمات القبر والحشر والقيامة إلى النعيم المقيم والراحة والفسحة والسرور { والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت } فتولوا الشيطان وحزبه، واتخذوه من دون الله وليا ووالوه وتركوا ولاية ربهم وسيدهم، فسلطهم عليهم عقوبة لهم فكانوا يؤزونهم إلى المعاصي أزا، ويزعجونهم إلى الشر إزعاجا، فيخرجونهم من نور الإيمان والعلم والطاعة إلى ظلمة الكفر والجهل والمعاصي، فكان جزاؤهم على ذلك أن حرموا الخيرات، وفاتهم النعيم والبهجة والمسرات، وكانوا من حزب الشيطان وأولياءه في دار الحسرة، فلهذا قال تعالى: { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } ).ا هـ
8- في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 272)
(الله ولي الذين آمنوا يهديهم إلى الإيمان . والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يقودونهم إلى الكفران )ا هـ.
ثانيا - قال تعالى: (الّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ فَقَاتِلُوَاْ أَوْلِيَاءَ الشّيْطَانِ إِنّ كَيْدَ الشّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) [النساء - 76]
1- قال بن كثير
(ثم قال تعالى الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت أى المؤمنون يقاتلون في طاعة الله ورضوانه والكافرون يقاتلون في طاعة الشيطان ثم هيج تعالى المؤمنين على قتال أعدائه بقوله "فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيف.)ا هـ
2- تفسير الطبري - (ج 8 / ص 546)
(قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: الذين صدقوا الله ورسوله، وأيقنوا بموعود الله لأهل الإيمان به ="يقاتلون في سبيل الله"، يقول: في طاعة الله ومنهاج دينه وشريعته التي شرعها لعباده "والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت"، يقول: والذين جحدوا وحدانية الله وكذبوا رسوله وما جاءهم به من عند ربهم ="يقاتلون في سبيل الطاغوت"، يعني: في طاعة الشيطان وطريقه ومنهاجه الذي شرعه لأوليائه من أهل الكفر بالله. يقول الله، مقوِّيًا عزم المؤمنين به من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحرِّضهم على أعدائه وأعداء دينه من أهل الشرك به:"فقاتلوا" أيها المؤمنون، ="أولياء الشيطان"، يعني بذلك: الذين يتولَّونه ويطيعون أمره، في خلاف طاعة الله، والتكذيب به، وينصرونه) ا هـ
3- تفسير الرازي - (ج 5 / ص 286)
(واعلم أنه تعالى لما بين وجوب الجهاد بين أنه لا عبرة بصورة الجهاد . بل العبرة بالقصد والداعي ، فالمؤمنون يقاتلون لغرض نصرة دين الله وإعلاء كلمته ، والكافرون يقاتلون في سبيل الطاغوت ، وهذه الآية كالدلالة على أن كل من كان غرضه في فعله رضا غير الله فهو في سبيل الطاغوت ، لأنه تعالى لما ذكر هذه القسمة وهي أن القتال إما أن يكون في سبيل الله : أو في سبيل الطاغوت وجب أن يكون ما سوى الله طاغوتا ، ثم إنه تعالى أمر المقاتلين في سبيل الله بأن يقاتلوا أولياء الشيطان ، وبين أن كيد الشيطان كان ضعيفا ، لأن الله ينصر أولياءه ، والشيطان ينصر أولياءه ولا شك أن نصرة الشيطان لأوليائه أضعف من نصرة الله لأوليائه ، ألا ترى أن أهل الخير والدين يبقى ذكرهم الجميل على وجه الدهر وان كانوا حال حياتهم في غاية الفقر والذلة ، وأما الملوك والجبابرة فاذا ماتوا انقرض أثرهم ولا يبقى في الدنيا رسمهم ولا ظلمهم ، والكيد السعي في فساد الحال على جهة الاحتيال عليه يقال : كاده يكيده إذا سعى في إيقاع الضرر على جهة الحيلة عليه وفائدة إدخال { كان } في قوله : { كَانَ ضَعِيفاً } للتأكيد لضعف كيده ، يعني أنه منذ كان كان موصوفا بالضعف والذلة ).ا هـ
4- تفسير السعدي - (ج 1 / ص 187).
(هذا إخبار من الله بأن المؤمنين يقاتلون في سبيله { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ } الذي هو الشيطان. في ضمن ذلك عدة فوائد:
منها: أنه بحسب إيمان العبد يكون جهاده في سبيل الله، وإخلاصه ومتابعته. فالجهاد في سبيل الله من آثار الإيمان ومقتضياته ولوازمه، كما أن القتال في سبيل الطاغوت من شعب الكفر ومقتضياته.
ومنها: أن الذي يقاتل في سبيل الله ينبغي له ويحسن منه من الصبر والجلد ما لا يقوم به غيره، فإذا كان أولياء الشيطان يصبرون ويقاتلون وهم على باطل، فأهل الحق أولى بذلك، كما قال تعالى في هذا المعنى: { إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ } الآية.
ومنها: أن الذي يقاتل في سبيل الله معتمد على ركن وثيق، وهو الحق، والتوكل على الله. فصاحب القوة والركن الوثيق يطلب منه من الصبر والثبات والنشاط ما لا يطلب ممن يقاتل عن الباطل، الذي لا حقيقة له ولا عاقبة حميدة. فلهذا قال تعالى: { فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا } .
والكيد: سلوك الطرق الخفية في ضرر العدو، فالشيطان وإن بلغ مَكْرُهُ مهما بلغ فإنه في غاية الضعف، الذي لا يقوم لأدنى شيء من الحق ولا لكيد الله لعباده المؤمنين.)ا هـ
ثالثا - قال تعالى: (قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرّ مّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطّاغُوتَ أُوْلَـَئِكَ شَرّ مّكَاناً وَأَضَلّ عَن سَوَآءِ السّبِيلِ) [المائدة - 60]
1- قال الشوكاني
(والمعنى: هل أنبئكم بشر من نقمكم علينا أو بشر مما تريدون لنا من المكروه أو بشر من أهل الكتاب أو بشر من دينهم. وقوله: "مثوبة" أي جزاء ثابتاً، وهي مختصة بالخير كما أن العقوبة مختصة بالشر. ووضعت هنا موضع العقوبة على طريقة "فبشرهم بعذاب أليم" وهي منصوبة على التمييز من بشر. وقوله: " من لعنه الله " خبر لمبتدأ محذوف مع تقدير مضاف محذوف: أي هو لعن من لعنه الله أو هو دين من لعنه الله، ويجوز أن يكون في محل جر بدلاً من شر. قوله: "وجعل منهم القردة والخنازير" أي مسخ بعضهم قردة وبعضهم خنازير وهم اليهود، فإن الله مسخ أصحاب السبت قردة وكفار مائدة عيسى منهم خنازير. قوله: "وعبد الطاغوت" قرأ حمزة بضم الباء من عبد وكسر التاء من "الطاغوت" أي جعل منهم عبد الطاغوت بإضافة عبد إلى الطاغوت. والمعنى: وجعل منهم من يبالغ في عبادة الطاغوت، لأن فعل من صيغ المبالغة.) ا هـ
2- تفسير الطبري - (ج 10 / ص 443)
(وإذ كانت القراءة عندنا ما ذكرنا، فتأويل الآية: قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله، من لعنه الله وغضب عليه، وجعل منهم القردة والخنازير، ومن عبد الطاغوت).ا هـ
3- تفسير الرازي - (ج 6 / ص 100)
(المسألة الثامنة : قيل : الطاغوت العجل ، وقيل : الطاغوت الأحبار ، وكل من أطاع أحداً في معصية الله فقد عبده)ا هـ
.4-تفسير السعدي - (ج 1 / ص 237)
({ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ } وهو الشيطان، وكل ما عبد من دون الله فهو طاغوت )ا هـ
رابعا - قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمّةٍ رّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الْطّاغُوتَ فَمِنْهُم مّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُمْ مّنْ حَقّتْ عَلَيْهِ الضّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ) [النحل - 36]) ا هـ
1- قال بن كثير
(وبعث في كل أمة أي في كل قرن وطائفة من الناس رسولا وكلهم يدعون إلى عبادة الله وينهون عن عبادة ما سواه "أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" فلم يزل تعالى يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم في قوم نوح الذين أرسل إليهم نوح وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض إلى أن ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي طبقت دعوته الإنس والجن في المشارق والمغارب وكلهم كما قال الله تعالى "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" وقوله تعالى "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يُعبدون" وقال تعالى في هذه الآية الكريمة "ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" فكيف يسوغ لأحد من المشركين بعد هذا أن يقول "لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء" فمشيئته تعالى الشرعية عنهم منتفية لأنه نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله وأما مشيئته الكونية وهي تمكينهم من ذلك قدرا فلا حجة لهم فيها لأنه تعالى خلق النار وأهلها من الشياطين والكفرة وهو لا يرضى لعباده الكفر وله في ذلك حجة بالغة وحكمة قاطعة ثم إنه تعالى قد أخبر أنه أنكر عليهم بالعقوبة في الدنيا بعد إنذار الرسل فلهذا قال "فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين" أي اسألوا عما كان من أمر من خالف الرسل وكذب الحق كيف "دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها" فقال "ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير".) ا هـ
2- تفسير الطبري - (ج 17 / ص 201)
(يقول تعالى ذكره: ولقد بعثنا أيها الناس في كلّ أمة سلفت قبلكم رسولا كما بعثنا فيكم بأن اعبدوا الله وحده لا شريك له ، وأفردوا له الطاعة ، وأخلصوا له العبادة( وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) يقول: وابعدوا من الشيطان، واحذروا أن يغويكم ، ويصدْكم عن سبيل الله ، فتضلوا ،( فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ ) يقول: فممن بعثنا فيهم رسلنا من هدى الله، فوفَّقه لتصديق رسله ، والقبول منها ، والإيمان بالله ، والعمل بطاعته، ففاز وأفلح ، ونجا من عذاب الله( وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ ) يقول: وممن يعثنا رسلنا إليه من الأمم آخرون حقَّت عليهم الضلالة، فجاروا عن قصد السبيل، فكفروا بالله وكذّبوا رسله ، واتبعوا الطاغوت، فأهلكهم الله بعقابه ، وأنزل عليهم بأسه الذي لا يردّ عن القوم المجرمين ،( فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) يقول تعالى ذكره لمشركي قريش: إن كنتم أيها الناس غير مصدّقي رسولنا فيما يخبركم به عن هؤلاء الأمم الذين حلّ بهم ما حلّ من بأسنا بكفرهم بالله ، وتكذيبهم رسوله، فسيروا في الأرض التي كانوا يسكنونها ، والبلاد التي كانوا يعمرونها ، فانظروا إلى آثار الله فيهم ، وآثار سخطه النازل بهم، كيف أعقبهم تكذيبهم رسل الله ما أعقبهم ، فإنكم ترون حقيقة ذلك ، وتعلمون به صحة الخبر الذي يخبركم به محمد صلى الله عليه وسلم).ا هـ
3- تفسير الألوسي - (ج 10 / ص 156)
{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ } من الأمم الخالية { رَّسُولاً أَنِ اعبدوا الله } وحده { واجتنبوا الطاغوت } هو كل ما يدعو إلى الضلالة ، وقال الحسن : هو الشيطان ، والمراد من اجتنابه اجتناب ما يدعو إليه .
{ فَمِنْهُمْ } أي من أولئك الأمم { مَّنْ هَدَى الله } إلى الحق من عبادته أو اجتناب الطاغوت بأن وقفهم لذلك { وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضلالة } ثبتت ووجبت إذ لم يوفقهم ولم يرد هدايتهم ، ووجه الإشارة أن تحقق الضلال وثباته من حيث إنه وقع قسيماً للهداية التي هي بإرادته تعالى ومشيئته كان هو أيضاً كذلك ).ا هـ
4- بحر العلوم للسمرقندي - (ج 2 / ص 464)
({ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ } أي : في كل جماعة { رَسُولاً } كما بعثناك إلى أهل مكة { أَنِ اعبدوا الله } أي : وحدوا الله ، وأطيعوه { واجتنبوا الطاغوت } أي : اتركوا عبادة الطاغوت ، وهو الشيطان ، والكاهن ، والصنم) ا هـ
5- -تفسير السعدي - (ج 1 / ص 440).
(يخبر تعالى أن حجته قامت على جميع الأمم، وأنه ما من أمة متقدمة أو متأخرة إلا وبعث الله فيها رسولا وكلهم متفقون على دعوة واحدة ودين واحد، وهو عبادة الله وحده لا شريك له { أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } فانقسمت الأمم بحسب استجابتها لدعوة الرسل وعدمها قسمين، { فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ } فاتبعوا المرسلين علما وعملا { وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ } فاتبع سبيل الغي.
{ فَسِيرُوا فِي الأرْضِ } بأبدانكم وقلوبكم { فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } فإنكم سترون من ذلك العجائب، فلا تجدون مكذبا إلا كان عاقبته الهلاك.
{ إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ } وتبذل جهدك في ذلك { فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ } ولو فعل كل سبب لم يهده إلا الله، { وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } ينصرونهم من عذاب الله ويقونهم بأسه).ا هـ
6- أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن - (ج 3 / ص 4)
(قوله تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه بعث في كل أمة رسولاً بعبادة الله وحده ، واجتناب عبادة ما سواه . وهذا هو معنى « لا إله ألا الله » ، لأنها مركبة من نفي وإثبات ، فنفيها هو خلع جميع المعبوادت غير الله تعالى في جميع أنواع العبادات ، وإثباتها هو إفراده جل وعلا بجميع أنواع العبادات بإخلاص ، على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله عليهم صلوات الله وسلامه .
وأوضح هذا المعنى كثيراً في القرآن عن طريق العموم والخصوص . فمن النصوص الدالة عليه مع عمومها قاله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نوحي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون } [ الأنبياء : 25 ] ، وقوله : { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [ الزخرف : 45 ] ، ونحو ذلك من الآيات .
ومن النصوص الدالة عليه مع الخصوص في إفراد الأنبياء وأممهم قوله تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ } [ الأعراف : 59 ] ، وقوله تعالى : { وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ } [ الأعراف : 65 ] ، وقوله : { وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ } [ الأعراف : 73 ] ، وقوله : { وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُه } [ الأعراف : 85 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
واعلم أن كل ما عبد من دون الله ، فهو طاغوت . ولا تنفع عبادة الله إلا بشرط اجتناب عبادة ما سواه . كما بينه تعالى بقوله : { فَمَنْ يَكْفُرْ بالطاغوت وَيْؤْمِن بالله فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى } [ البقرة : 256 ] ، وقوله : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } [ يوسف : 106 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . ).ا هـ
خامسا - قال تعالى: (وَالّذِينَ اجْتَنَبُواْ الطّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوَاْ إِلَى اللّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىَ فَبَشّرْ عِبَادِ) [الزمر - 17]
- 1- قال القرطبي
(قوله تعالى : " والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها " قال الأخفش : الطاغوت جمع ويجوز أن تكون واحدة مؤنثة . وقد تقدم . أ تباعدوا من الطاغوت وكانوا منها على جانب فلم يعبدوها . قال مجاهد و ابن زيد : هو الشيطان . وقال الضحاك و السدي : هو الأوثان . وقيل إنه الكاهن . وقيل : إنه اسم أعجمي مثل طالوت وجالوت وهاروت وماروت . وقيل : إنه اسم عربي مشتق من الطغيان ، و( أن ) في موضع نصب بدلاً من الطاغوت ، تقدير ه : والذين اجتنبوا عبادة الطاغوت . " وأنابوا إلى الله " يأي راجعوا إلى عبادته وطاعته . " لهم البشرى " في الحياة الدنيا بالجنة في العقبى . روي أنها نزلت في عثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد وسعيد وطلحة والزبير رضي الله عنهم ، سألوا أبا بكر رضي الله عنه فأخبرهم بإيمانه فآمنوا .وقيل : نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر وغيرهما ممن وحد الله تعالى قيل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ). ا هـ
- 2- وقال بن كثير
- (قال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه "والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها" نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر وسلمان الفارسي رضي الله تعالى عنهم والصحيح أنها شاملة لهم ولغيرهم ممن اجتنب عبادة الأوثان وأناب إلى عبادة الرحمن فهؤلاء هم الذين لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة).ا هـ
- 3- تفسير الطبري - (ج 21 / ص 273)
- ( وقوله:( وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ ) يقول: وتابوا إلى الله ورجعوا إلى الإقرار بتوحيده، والعمل بطاعته، والبراءة مما سواه من الآلهة والأنداد).ا هـ
- 4- تفسير الألوسي - (ج 17 / ص 444)
- ( قال ابن زيد : نزلت في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون لا إله إلا الله . زيد بن عمرو بن نفيل ، وسلمان ، وأبي ذر . وقال ابن إسحاق : أشير بها إلى عبد الرحمن بن عوف . وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد . والزبير وذلك أنه لما أسلم أبو بكر سمعوا ذلك فجاءوه وقالوا : أسلمت قال نعم وذكرهم بالله تعالى فآمنوا بأجمعهم فنزلت فيهم وهي محكمة في الناس إلى يوم القيامة ثم يقول
- { اجتنبوا الطاغوت أَن يَعْبُدُوهَا } بدل اشتمال من الطاغوت وعبادة غير الله تعالى عبادة للشيطان إذ هو الآمر بها والمزين لها ، وإذا فسر الطاغوت بالأصنام فالأمر ظاهر { وَأَنَابُواْ إِلَى الله } وأقبلوا إليه سبحانه معرضين عما سواه إقبالاً كلياً { لَهُمُ البشرى } بالثواب من الله تعالى على ألسنة الرسل عليهم السلام أو الملائكة عند حضور الموت وحين يحشرون وبعد ذلك) .ا هـ
- 5- تفسير السعدي - (ج 1 / ص 721).
- ( لما ذكر حال المجرمين ذكر حال المنيبين وثوابهم، فقال: { وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا } والمراد بالطاغوت في هذا الموضع، عبادة غير اللّه، فاجتنبوها في عبادتها. وهذا من أحسن الاحتراز من الحكيم العليم، لأن المدح إنما يتناول المجتنب لها في عبادتها.
- { وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ } بعبادته وإخلاص الدين له، فانصرفت دواعيهم من عبادة الأصنام إلى عبادة الملك العلام، ومن الشرك والمعاصي إلى التوحيد والطاعات، { لَهُمُ الْبُشْرَى } التي لا يقادر قدرها، ولا يعلم وصفها، إلا من أكرمهم بها، وهذا شامل للبشرى في الحياة الدنيا بالثناء الحسن، والرؤيا الصالحة، والعناية الربانية من اللّه، التي يرون في خلالها، أنه مريد لإكرامهم في الدنيا والآخرة، ولهم البشرى في الآخرة عند الموت، وفي القبر، وفي القيامة، وخاتمة البشرى ما يبشرهم به الرب الكريم، من دوام رضوانه وبره وإحسانه وحلول أمانه في الجنة.
- ولما أخبر أن لهم البشرى، أمره اللّه ببشارتهم، وذكر الوصف الذي استحقوا به البشارة فقال: { فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ }
- وهذا جنس يشمل كل قول فهم يستمعون جنس القول ليميزوا بين ما ينبغي إيثاره [ ص 722 ] مما ينبغي اجتنابه، فلهذا من حزمهم وعقلهم أنهم يتبعون أحسنه، وأحسنه على الإطلاق كلام اللّه وكلام رسوله، كما قال في هذه السورة: { اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا } الآية.
- وفي هذه الآية نكتة، وهي: أنه لما أخبر عن هؤلاء الممدوحين أنهم يستمعون القول فيتبعون أحسنه، كأنه قيل: هل من طريق إلى معرفة أحسنه حتى نتصف بصفات أولي الألباب، وحتى نعرف أن من أثره علمنا أنه من أولي الألباب؟
- قيل: نعم، أحسنه ما نص اللّه عليه { اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا } الآية.
- { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ } لأحسن الأخلاق والأعمال { وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ } أي: العقول الزاكية.
- ومن لبهم وحزمهم، أنهم عرفوا الحسن من غيره، وآثروا ما ينبغي إيثاره، على ما سواه، وهذا علامة العقل، بل لا علامة للعقل سوى ذلك، فإن الذي لا يميز بين الأقوال، حسنها، وقبيحها، ليس من أهل العقول الصحيحة، أو الذي يميز، لكن غلبت شهوته عقله، فبقي عقله تابعا لشهوته فلم يؤثر الأحسن، كان ناقص العقل).ا هـ
- 6-أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن - (ج 7 / ص 33)
- ( قوله تعالى : { والذين اجتنبوا الطاغوت أَن يَعْبُدُوهَا وأنابوا إِلَى الله } الآية .
- ما تضمنته هذه الآية الكريمة ، من تحقيق معنى لا إله إلا الله ، قد قدمنا إيضاحه بالآيات القرآنية ، في سورة الفاتحة ، ثم يقول في سورة الفاتحة (ج 1 / ص 4)
- قوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } .
- أشار في هذه الآية الكريمة إلى تحقيق معنى لا إله إلا الله : لأن معناها مركب من أمرين : نفي وإثبات . فالنفي : خلع جميع المعبودات غير الله تعالى في جميع أنواع العبادات ، والإثبات : إفراد رب السموات والأرض وحده بجميع أنواع العبادات على الوجه المشروع . وقد أشار إلى النفي من لا إله إلا الله بتقديم المعمول الذي هو { إِيَّاكَ } . وقد تقرر في الأصول ، في مبحث دليل الخطاب الذي هو مفهوم المخالفة . وفي المعاني في مبحث القصر : أن تقديم المعمول من صيغ الحصر . وأشار إلى الإثبات منها بقوله : { نَعْبُدُ } . وقد بين معناها المشار إليه هنا مفصلاً في آيات أخر كقوله : { يَاأَيُّهَا الناس اعبدوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ } [ البقرة : 21 ] الآية - فصرح بالإثبات منها بقوله : { اعبدوا رَبَّكُمُ } وصرح بالنفي منها في آخر الآية الكريمة بقوله : { فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 22 ] وكقوله : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } [ النحل : 36 ] فصرح بالإثبات بقوله : { أَنِ اعبدوا الله } وبالنفي بقوله { واجتنبوا الطاغوت } وكقوله : { فَمَنْ يَكْفُرْ بالطاغوت وَيْؤْمِن بالله فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى } [ البقرة : 256 ] فصرح بالنفي منها بقوله : { فَمَنْ يَكْفُرْ بالطاغوت } [ البقرة : 256 ] وبالإثبات بقوله : { وَيْؤْمِن بالله } [ البقرة : 256 ] وكقوله : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الذي فَطَرَنِي } [ الزخرف : 26-27 ] الآية - وكقوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نوحي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون } [ الأنبياء : 25 ] وقوله : { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [ الزخرف : 45 ] إلى غير ذلك من الآيات ).ا هـ
سادسا قوله تعالي (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) [البقرة/256]
1- تفسير الطبري - (ج 5 / ص 415)
( أكره على الإسلام قوما فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام، وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه، وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب، وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر ومن أشبههم، وأنه ترك إكراه الآخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه وإقراره على دينه الباطل، وذلك كأهل الكتابين ومن أشبههم كان بينا بذلك أن معنى قوله:"لا إكراه في الدين"، إنما هو لا إكراه في الدين لأحد ممن حل قبول الجزية منه بأدائه الجزية، ورضاه بحكم الإسلام.
- ولا معنى لقول من زعم أن الآية منسوخة الحكم، بالإذن بالمحاربة.
- فإن قال قائل: فما أنت قائل فيما روي عن ابن عباس وعمن روي عنه: من أنها نزلت في قوم من الأنصار أرادوا أن يكرهوا أولادهم على الإسلام؟
- قلنا: ذلك غير مدفوعة صحته، ولكن الآية قد تنزل في خاص من الأمر، ثم يكون حكمها عاما في كل ما جانس المعنى الذي أنزلت فيه. فالذين أنزلت فيهم هذه الآية - على ما ذكر ابن عباس وغيره - إنما كانوا قوما دانوا بدين أهل التوراة قبل ثبوت عقد الإسلام لهم، فنهى الله تعالى ذكره عن إكراههم على الإسلام، وأنزل بالنهي عن ذلك آية يعم حكمها كل من كان في مثل معناهم، ممن كان على دين من الأديان التي يجوز أخذ الجزية من أهلها، وإقرارهم عليها، على النحو الذي قلنا في ذلك.وقد مر تفسير الآية عندما ذكرنا المعني الشرعي للطاغوت حيث قال (قال أبو جعفر : والصواب من القول عندي في الطاغوت أنه كل ذي طغيان على الله فعبد من دونه إما بقهر منه لمن عبده وإما بطاعة ممن عبده له إنسانا كان ذلك المعبود أو شيطانا أو وثنا أو صنما أو كائنا ما كان من شيء) ا هـ
- 2-فتح القدير - (ج 1 / ص 372)
- ( { قَد تَّبَيَّنَ الرشد مِنَ الغي } الرشد هنا : الإيمان ، والغيّ : الكفر أي : قد تميز أحدهما من الآخر
- ثم قال . قال الجوهري : والطاغوت : الكاهن ، والشيطان ، وكل رأس في الضلال ، وقد يكون واحداً . قال الله تعالى : { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطاغوت وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ } [ النساء : 60 ] وقد يكون جمعاً . قال الله تعالى : { أَوْلِيَاؤُهُمُ الطاغوت } والجمع الطواغيت أي : فمن يكفر بالشيطان ، أو الأصنام ، أو أهل الكهانة ، ورءوس الضلالة ، أو بالجميع { وَيُؤْمِن بالله } عزّ وجلّ بعد ما تميز له الرشد من الغيّ ، فقد فاز ، وتمسك بالحبل الوثيق أي : المحكم .) ا هـ
- 3-تفسير البيضاوي - (ج 1 / ص 287)
- ({ فَمَنْ يَكْفُرْ بالطاغوت } بالشيطان ، أو الأصنام ، أو كل ما عبد من دون الله ، أو صد عن عبادة الله تعالى .. { وَيُؤْمِن بالله } بالتوحيد وتصديق الرسل . { فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى } طلب الإِمساك عن نفسه بالعروة الوثقى من الحبل الوثيق) ا هـ
- 4- في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 271)
- (إن الكفر ينبغي أن يوجه إلى ما يستحق الكفر ، وهو { الطاغوت } . وإن الإيمان يجب أن يتجه إلى من يجدر الإيمان به وهو { الله } .
- والطاغوت صيغة من الطغيان ، تفيد كل ما يطغى على الوعي ، ويجور على الحق ، ويتجاوز الحدود التي رسمها الله للعباد ، ولا يكون له ضابط من العقيدة في الله ، ومن الشريعة التي يسنها الله ، ومنه كل منهج غير مستمد من الله ، وكل تصور أو وضع أو أدب أو تقليد لا يستمد من الله . فمن يكفر بهذا كله في كل صورة من صوره ويؤمن بالله وحده ويستمد من الله وحده فقد نجا . . وتتمثل نجاته في استمساكه بالعروة الوثقى لا انفصام لها .)ا هـ
5- تفسير السعدي - (ج 1 / ص 110)
- ( فمن يكفر بالطاغوت فيترك عبادة ما سوى الله وطاعة الشيطان، ويؤمن بالله إيمانا تاما أوجب له عبادة ربه وطاعته { فقد استمسك بالعروة الوثقى } أي: بالدين القويم الذي ثبتت قواعده ورسخت أركانه، وكان المتمسك به على ثقة من أمره، لكونه استمسك بالعروة الوثقى التي { لا انفصام لها } وأما من عكس القضية فكفر بالله وآمن بالطاغوت، فقد أطلق هذه العروة الوثقى التي بها العصمة والنجاة، واستمسك بكل باطل مآله إلى الجحيم { والله سميع عليم } فيجازي كلا منهما بحسب ما علمه منهم من الخير والشر، وهذا هو الغاية لمن استمسك بالعروة الوثقى ولمن لم يستمسك بها).ا هـ
سابعا قوله تعالي(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) [النساء/60]
- ولما كان طاغوت الحاكمية هو أكثر الطواغيت عبادة اليوم فد فصلنا فيه كثيرا
- 1-تفسير الطبري - (ج 8 / ص 507)
- ( قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه:"ألم تر"، يا محمد، بقلبك، فتعلم = إلى الذين يزعمون أنهم صدقوا بما أنزل إليك من الكتاب، وإلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قلبك من الكتب، يريدون أن يتحاكموا في خصومتهم إلى الطاغوت = يعني إلى: من يعظمونه، ويصدرون عن قوله، ويرضون بحكمه من دون حكم الله، "وقد أمروا أن يكفروا به"، يقول: وقد أمرهم الله أن يكذبوا بما جاءهم به الطاغوتُ الذي يتحاكون إليه، فتركوا أمرَ الله واتبعوا أمر الشيطان ="ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدًا"، يعني: أن الشيطان يريد أن يصدَّ هؤلاء المتحاكمين إلى الطاغوت عن سبيل الحق والهدى، فيضلهم عنها ضلالا بعيدًا = يعني: فيجور بهم عنها جورًا شديدًا)ا هـ
- 2- تفسير ابن كثير - (ج 2 / ص 346)
- (هذا إنكار من الله، عز وجل، على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد التحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله، كما ذكر في سبب نزول هذه الآية: أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخاصما، فجعل اليهودي يقول: بيني وبينك محمد. وذاك يقول: بيني وبينك كعب بن الأشرف. وقيل: في جماعة من المنافقين، ممن أظهروا الإسلام، أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية. وقيل غير ذلك، والآية أعم من ذلك كله، فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة، وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطاغوت هاهنا) ا هـ
- 3-تفسير الألوسي - (ج 4 / ص 108)
- ( { أَلَمْ تَرَ } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتعجيب له عليه الصلاة والسلام أي ألم تنظر أو ألم ينته علمك . { إِلَى الذين يَزْعُمُونَ } من الزعم وهو كما في «القاموس» «مثلث القول : الحق والباطل والكذب ضد ، وأكثر ما يقال فيما يشك فيه» ومن هنا قيل : إنه قول بلا دليل ، وقد كثر استعماله بمعنى القول الحق ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم «زعم جبريل» وفي حديث ضمام بن ثعلبة رضي الله تعالى عنه «زعم رسولك» وقد أكثر سيبويه في الكتاب من قوله : زعم الخليل كذا في أشياء يرتضيها وفي «شرح مسلم للنووي» أن زعم في كل هذا بمعنى القول ، والمراد به هنا مجرد الادعاء أي يدعون . { أَنَّهُمْ ءامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } أي القرآن . { وَمَا أَنَزلَ } إلى موسى عليه السلام { مِن قَبْلِكَ } وهو التوراة ، ووصفوا بهذا الادعاء لتأكيد التعجيب وتشديد التوبيخ والاستقباح ، وقرىء { أَنَزلَ وَمَا أَنَزلَ } بالبناء للفاعل .
{ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطاغوت } بيان لمحل التعجيب على قياس نظائره؛ أخرج الثعلبي وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «أن رجلاً من المنافقين يقال له بشر : خاصم يهودياً فدعاه اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف ، ثم إنهما احتكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى لليهودي فلم يرض المنافق وقال : تعال نتحاكم إلى عمر بن الخطاب ، فقال اليهودي لعمر رضي الله تعالى عنه : قضى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرض بقضائه ، فقال للمنافق أكذلك؟ قال : نعم ، فقال عمر : مكانكما حتى أخرج إليكما فدخل عمر فاشتمل على سيفه ثم خرج فضرب عنق المنافق حتى برد ثم قال : هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فنزلت» ، وفي بعض الروايات «وقال جبريل عليه السلام إن عمر فرق بين الحق والباطل وسماه النبي صلى الله عليه وسلم الفاروق رضي الله تعالى عنه» ، والطاغوت على هذا كعب ابن الأشرف ، وإطلاقه عليه حقيقة بناءاً على أنه بمعنى كثير الطغيان ، أو أنه علم لقب له كالفاروق لعمر رضي الله تعالى عنه ، ولعله في مقابلة الطاغوت ، وفي معناه كل من يحكم بالباطل ويؤثر لأجله ، ويحتمل أن يكون الطاغوت بمعنى الشيطان ، وإطلاقه على الأخس بن الأشرف إما استعارة أو حقيقة ، والتجوز في إسناد التحاكم إليه بالنسبة الإيقاعية بين الفعل ومفعوله بالواسطة ، وقيل : إن التحاكم إليه تحاكم إلى الشيطان من حيث إنه الحامل عليه فنقله عن الشيطان إليه على سبيل المجاز المرسل )ا هـ
4-فتح القدير - (ج 2 / ص 168)
(قوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يَزْعُمُونَ } فيه تعجيب لرسول الله من حال هؤلاء الذين ادعوا لأنفسهم أنهم قد جمعوا بين الإيمان بما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو : القرآن ، وما أنزل على من قبله من الأنبياء ، فجاءوا بما ينقض عليهم هذه الدعوى ويبطلها من أصلها ، ويوضح أنهم ليسوا على شيء من ذلك أصلاً ، وهو إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت ، وقد أمروا فيما أنزل على رسول الله ، وعلى من قبله أن يكفروا به ، وسيأتي بيان سبب نزول الآية ، وبه يتضح معناها . وقد تقدّم تفسير الطاغوت ، والاختلاف في معناه . قوله : { وَيُرِيدُ الشيطان } معطوف على قوله : { يُرِيدُونَ } والجملتان مسوقتان لبيان محل التعجب ، كأنه قيل : ماذا يفعلون؟ فقيل : يريدون كذا ، ويريد الشيطان كذا . وقوله : { ضَلاَلاً } مصدر للفعل المذكور بحذف الزوائد كقوله : { والله أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرض نَبَاتاً } [ نوح : 17 ] أو مصدر لفعل محذوف دلّ عليه الفعل المذكور ، والتقدير : ويريد الشيطان أن يضلهم فيضلون ضلالاً . والصدود : اسم للمصدر ، وهو الصدّ عند الخليل ، وعند الكوفيين أنهما مصدران ، أي : يعرضون عنك إعراضاً .
قوله : { فَكَيْفَ إِذَا أصابتهم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } بيان لعاقبة أمرهم ، وما صار إليهم حالهم ، أي : كيف يكون حالهم { إِذَا أصابتهم مُّصِيبَةٌ } أي : وقت إصابتهم ، فإنهم يعجزون عند ذلك ، ولا يقدرون على الدفع . والمراد : { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } ما فعلوه من المعاصي التي من جملتها التحاكم إلى الطاغوت { ثُمَّ جَاءوكَ } يعتذرون عن فعلهم ، وهو عطف على { أصابتهم } وقوله : { يَحْلِفُونَ } حال ، أي : جاءوك حال كونهم حالفين { إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً } أي : ما أردنا بتحاكمنا إلى غيرك إلا الإحسان لا الإساءة ، والتوفيق بين الخصمين لا المخالفة لك ).ا هـ.
5- تفسير الرازي - (ج 5 / ص 259)
(المسألة الثالثة : مقصود الكلام ان بعض الناس أراد أن يتحاكم إلى بعض أهل الطغيان ولم يرد التحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم . قال القاضي : ويجب أن يكون التحاكم إلى هذا الطاغوت كالكفر ، وعدم الرضا بحكم محمد عليه الصلاة والسلام كفر ، ويدل عليه وجوه : الأول : انه تعالى قال : { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطاغوت وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ } فجعل التحاكم إلى الطاغوت يكون ايمانا به ، ولا شك أن الايمان بالطاغوت كفر بالله ، كما أن الكفر بالطغوت إيمان بالله . الثاني : قوله تعالى : { فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } إلى قوله : { وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً } [ النساء : 65 ] وهذا نص في تكفير من لم يرض بحكم الرسول عليه الصلاة والسلام . الثالث : قوله تعالى : { فَلْيَحْذَرِ الذين يخالفون عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ النور : 63 ] وهذا يدل على أن مخالفته معصية عظيمة ، وفي هذه الآيات دلائل على أن من رد شيئا من أوامر الله أو أوامر الرسول عليه الصلاة والسلام فهو خارج عن الاسلام ، سواء رده من جهة الشك أو من جهة التمرد ، وذلك يوجب صحة ما ذهبت الصحابة اليه من الحكم بارتداد مانعي الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم ) ا هـ
6- في ظلال القرآن - (ج 2 / ص 159)
(إن الناس لا يؤمنون - ابتداء - إلا أن يتحاكموا إلى منهج الله؛ ممثلاً - في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم - في أحكام الرسول . وباقياً بعده في مصدريه القرآن والسنة بالبداهة؛ ولا يكفي أن يتحاكموا - إليه ليحسبوا مؤمنين - بل لا بد من أن يتلقوا حكمه مسلمين راضين :
{ فلا وربك . . لا يومنون . . حتى يحكموك فيما شجر بينهم ، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } . . فهذا هو شرط الإيمان وحد الإسلام .
ويقول لها : إن الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت - أي إلى غير شريعة الله - لا يقبل منهم زعمهم أنهم آمنوا بما أنزل إلى الرسول وما أنزل من قبله . فهو زعم كاذب . يكذبه أنهم يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت :
{ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك ، يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت - وقد أمروا أن يكفروا به - ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً } .
ويقول لها : إن علامة النفاق أن يصدوا عن التحاكم إلى ما أنزل الله والتحاكم إلى رسول الله :
{ وإذا قيل لهم : تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ، رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً } .
ويقول لها : إن منهجها الإيماني ونظامها الأساسي ، أن تطيع الله - عز وجل - في هذا القرآن - وأن تطيع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سنته - وأولي الأمر من المؤمنين الداخلين في شرط الإيمان وحد الإسلام معكم :
{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ، وأطيعوا الرسول . وأولي الأمر منكم } . .
ويقول لها : إن المرجع ، فيما تختلف فيه وجهات النظر في المسائل الطارئة المتجددة ، والأقضية التي لم ترد فيها أحكام نصية . . إن المرجع هو الله ورسوله . . أي شريعة الله وسنة رسوله :
{ فإن تنازعتم في شيء ، فردوه إلى الله والرسول } . .
وبهذا يبقى المنهج الرباني مهيمناً على ما يطرأ على الحياة من مشكلات وأقضية كذلك ، أبد الدهر ، في حياة الأمة المسلمة . . وتمثل هذه القاعدة نظامها الأساسي ، الذي لا تكون مؤمنة إلا به ، ولا تكون مسلمة إلا بتحقيقه . . إذ هو يجعل الطاعة بشروطها تلك ، ورد المسائل التي تجد وتختلف فيها وجهات النظر إلى الله ورسوله . . شرط الإيمان وحد الإسلام . . شرطاً واضحاً ونصاً صريحاً :
{ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } . .
ولا ننسَ ما سبق بيانه عند قوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }
من أن اليهود وصموا بالشرك بالله ، لأنهم كانوا يتخذون أحبارهم أرباباً من دون الله - لا لأنهم عبدوهم - ولكن لأنهم قبلوا منهم التحليل والتحريم؛ ومنحوهم حق الحاكمية والتشريع - ابتداء من عند أنفسهم - فجعلوا بذلك مشركين . . الشرك الذي يغفر الله كل ما عداه . حتى الكبائر . . « وإن زنى وإن سرق . وإن شرب الخمر » . . فرد الأمر كله إلى إفراد الله - سبحانه - بالألوهية . ومن ثم إفراده بالحاكمية . فهي أخص خصائص الألوهية . وداخل هذا النطاق يبقى المسلم مسلماً ويبقى المؤمن مؤمناً . ويطمع أن يغفر له ذنوبه ومنها كبائره . . أما خارج هذا النطاق فهو الشرك الذي لا يغفره الله أبداً . . إذ هو شرط الإيمان وحد الإسلام . { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر . . })ا هـ
و في ظلال القرآن - (ج 2 / ص 165)
وحين ينتهي السياق من تقرير هذه القاعدة الكلية ، في شرط الإيمان وحد الإسلام ، وفي النظام الأساسي للأمة المسلمة ، وفي منهج تشريعها وأصوله . . يلتفت إلى الذين ينحرفون عن هذه القاعدة؛ ثم يزعمون - بعد ذلك - أنهم مؤمنون! وهم ينقضون شرط الإيمان وحد الإسلام . إذ يريدون أن يتحاكموا إلى غير شريعة الله . . { إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به } . .
يلتفت إليهم ليعجب من أمرهم ويستنكر . . وليحذرهم - وأمثالهم - من إرادة الشيطان بهم الضلال . ويصف حالهم حين يدعون إلى ما أنزل الله وإلى الرسول فيصدون . ويعتبر هذا الصدود نفاقاً . كما اعتبر إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت خروجاً من الإيمان - بل وعدم دخول فيه ابتداء).
ثم يقول ج 2 / ص167.
(ألم تر إلى هذا العجب العاجب . . قوم . . يزعمون . . الإيمان . ثم يهدمون هذا الزعم في آن؟! قوم { يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } . ثم لا يتحاكمون إلى ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك؟ إنما يريدون أن يتحاكموا إلى شيء آخر ، وإلى منهج آخر ، وإلى حكم آخر . . يريدون أن يتحاكموا إلى . . الطاغوت . . الذي لا يستمد مما أنزل إليك وما أنزل من قبلك . ولا ضابط له ولا ميزان ، مما أنزل إليك وما أنزل من قبلك . . ومن ثم فهو . . طاغوت . . طاغوت بادعائه خاصية من خواص الألوهية . وطاغوت بأنه لا يقف عند ميزان مضبوط أيضاً! وهم لا يفعلون هذا عن جهل ، ولا عن ظن . . إنما هم يعلمون يقيناً ويعرفون تماماً ، أن هذا الطاغوت محرم التحاكم إليه : { وقد أمروا أن يكفروا به } . . فليس في الأمر جهالة ولا ظن . بل هو العمد والقصد . ومن ثم لا يستقيم ذلك الزعم . زعم أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك! إنما هو الشيطان الذي يريد بهم الضلال الذي لا يرجى منه مآب . .
{ ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً } . .
فهذه هي العلة الكامنة وراء إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت . وهذا هو الدافع الذي يدفعهم إلى الخروج من حد الإيمان وشرطه بإرادتهم التحاكم إلى الطاغوت! هذا هو الدافع يكشفه لهم . لعلهم يتنبهون فيرجعوا . ويكشفه للجماعة المسلمة ، لتعرف من يحرك هؤلاء ويقف وراءهم كذلك .
ويمضي السياق في وصف حالهم إذا ما دعوا إلى ما أنزل الله إلى الرسول وما أنزل من قبله . . ذلك الذي يزعمون أنهم آمنوا به :
{ وإذا قيل لهم : تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ، رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً } .
يا سبحان الله! إن النفاق يأبى إلا أن يكشف نفسه! ويأبى إلا أن يناقض بديهيات المنطق الفطري . . وإلا ما كان نفاقاً . .
إن المقتضى الفطري البديهي للإيمان ، أن يتحاكم الإنسان إلى ما آمن به ، وإلى من آمن به . فإذا زعم أنه آمن بالله وما أنزل ، وبالرسول وما أنزل إليه . ثم دعي إلى هذا الذي آمن ، به ليتحاكم إلى أمره وشرعه ومنهجه؛ كانت التلبية الكاملة هي البديهية الفطرية . فأما حين يصد ويأبى فهو يخالف البديهية الفطرية . ويكشف عن النفاق . وينبئ عن كذب الزعم الذي زعمه من الإيمان!
وإلى هذه البديهية الفطرية يحاكم الله - سبحانه - أولئك الذين يزعمون الإيمان بالله ورسوله . ثم لا يتحاكمون إلى منهج الله ورسوله . بل يصدون عن ذلك المنهج حين يدعون إليه صدوداً!)ا هـ
وخلاصة الموضوع
في ظلال القرآن - (ج 3 / ص 154)
(إن الذين يحكمون على عابد الوثن بالشرك ، ولا يحكمون على المتحاكم إلى الطاغوت بالشرك . ويتحرجون من هذه ولا يتحرجون من تلك . . إن هؤلاء لا يقرأون القرآن ، ولا يعرفون طبيعة هذا الدين . . فليقرأوا القرآن كما أنزله الله؛ وليأخذوا قول الله بجد : { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } وإن بعض هؤلاء المتحمسين لهذا الدين ليشغلون بالهم وبال الناس ببيان إن كان هذا القانون ، أو هذا الإجراء ، أو هذا القول ، منطبقاً على شريعة الله أو غير منطبق . . وتأخذهم الغيرة على بعض المخالفات هنا وهناك . . كأن الإسلام كله قائم ، فلا ينقص وجوده وقيامه وكماله إلا أن تمتنع هذه المخالفات!
هؤلاء المتحمسون الغيورون على هذا الدين ، يؤذون هذا الدين من حيث لا يشعرون . بل يطعنونه الطعنة النجلاء بمثل هذه الاهتمامات الجانبية الهزيلة . . إنهم يفرغون الطاقة العقيدية الباقية في نفوس الناس في هذه الاهتمامات الجانبية الهزيلة . . إنهم يؤدون شهادة ضمنية لهذه الأوضاع الجاهلية . شهادة بأن هذا الدين قائم فيها ، لا ينقصه ليكمل إلا أن تصحح هذه المخالفات . بينما الدين كله متوقف عن « الوجود » أصلا ، ما دام لا يتمثل في نظام وأوضاع ، الحاكمية فيها لله وحده من دون العباد) .ا هـ
7- موسوعة توحيد رب العبيد - (ج 7 / ص 239) نقلا عن فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
الشيخ / عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ
دراسة وتحقيق:
محمد حامد الفقي
الناشر:
مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، مصر
السابعة، 1377هـ/1957م
ص -393- … والتوحيد هو أساس الإيمان الذي تصلح به جميع الأعمال وتفسد بعدمه؛ كما أن ذلك بين في قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}1 الآية. وذلك أن التحاكم إلى الطاغوت إيمان به. )ا هـ
فصل ملخص التفاسير السابقة
1- أن الله حكم أن الإنسان لا يكون مسلما إلا إذا كفر بالطاغوت(فمن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى )
2-إن من يريد التحاكم أو يتحاكم بالفعل إلي أي حكم غير حكم الإسلام (وهو حكم الطاغوت) مؤمن بالطاغوت وكافر بالله حيث إيمانه زعم({ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يَزْعُمُونَ } قال القاضي فجعل التحاكم إلى الطاغوت يكون إيمانا به ، ولا شك أن الإيمان بالطاغوت كفر بالله ، كما أن الكفر بالطاغوت إيمان بالله) ا هـ
وهو ما قاله الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ وذلك أن التحاكم إلى الطاغوت إيمان به.) ا هـ
3-أن من لا يحكم علي المشرك الذي يتحاكم إلي الطاغوت بالشرك لا يكون قد كفر بالطاغوت بل هم مؤمن به كما قال سيد قطب إن الذين يحكمون على عابد الوثن بالشرك ، ولا يحكمون على المتحاكم إلى الطاغوت بالشرك . ويتحرجون من هذه ولا يتحرجون من تلك . . إن هؤلاء لا يقرأون القرآن ، ولا يعرفون طبيعة هذا الدين) ا هـ
- فصل ثم ننقل لك كلاما طويلا لابن القيم تستفيد منه كثيرا
- (وقال بن القيم في إعلام الموقعين الجزء الأول ص47حتى ص 52
(فصل: في تحريم الإفتاء في دين الله بالرأي المتضمن لمخالفة النصوص والرأي الذي لم تشهد له النصوص بالقبول
قال الله: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} فقسم الأمر إلى أمرين لا ثالث لهما إما الاستجابة لله والرسول وما جاء به وإما اتباع الهوى فكل ما لم يأت به الرسول فهو من الهوى.
وقال تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} فقسم سبحانه طريق الحكم بين الناس إلى الحق وهو الوحي الذي أنزله الله على رسوله وإلى الهوى وهو ما خالفه.
وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ، إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} فقسم الأمر بين الشريعة التي جعله هو سبحانه عليها وأوحى إليه العمل بها وأمر الأمة بها وبين اتباع أهواء الذين لا يعلمون فأمر بالأول ونهى عن الثاني.
قال الله: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} فقسم الأمر إلى أمرين لا ثالث لهما إما الاستجابة لله والرسول وما جاء به وإما اتباع الهوى فكل ما لم يأت به الرسول فهو من الهوى.
وقال تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} فقسم سبحانه طريق الحكم بين الناس إلى الحق وهو الوحي الذي أنزله الله على رسوله وإلى الهوى وهو ما خالفه.
وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ، إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} فقسم الأمر بين الشريعة التي جعله هو سبحانه عليها وأوحى إليه العمل بها وأمر الأمة بها وبين اتباع أهواء الذين لا يعلمون فأمر بالأول ونهى عن الثاني.
قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} فأمر باتباع المنزل منه خاصة واعلم أن من اتبع غيره فقد ابتع من دونه أولياء.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله وأعاد الفعل إعلاما بأن طاعة الرسول تجب استقلالا من غير عرض ما أمر به على الكتاب بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقا سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه فإنه أوتي الكتاب ومثله معه ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالا بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول إيذانا بأنهم إنما يطاعون تبعا لطاعة الرسول فمن أمر منهم بطاعة الرسول وجبت طاعته ومن أمر بخلاف ما جاء به الرسول فلا سمع له ولا طاعة كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" وقال: "إنما الطاعة في المعروف" وقال في ولاة الأمور: "من أمركم منهم بمعصية الله فلا سمع له ولا طاعة" وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن الذين أرادوا دخول النار لما أمرهم أميرهم بدخولها: "إنهم لو دخلوا لما خرجوا منها" مع أنهم إنما كانوا يدخلونها طاعة لأميرهم وظنا أن ذلك واجب عليهم ولكن لما قصروا في الاجتهاد وبادروا إلى طاعة من أمر بعصية الله وحملوا عموم الأمر بالطاعة بما لم يرده الآمر صلى الله عليه وسلم وما قد علم من دينه إرادة خلافه فقصوا في الاجتهاد وأقدموا على تعذيب أنفسهم وإهلاكها من غير تثبت وتبين هل ذلك طاعة لله ورسوله أم لا فما الظن بمن أطاع غيره في صريح مخالفة ما بعث الله به رسوله ثم أمر تعالى برد ما تنازع فيه المؤمنون إلى الله ورسوله إن كانوا مؤمنين وأخبرهم أن ذلك خير لهم في العاجل أو حسن تأويلا في العاقبة.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله وأعاد الفعل إعلاما بأن طاعة الرسول تجب استقلالا من غير عرض ما أمر به على الكتاب بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقا سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه فإنه أوتي الكتاب ومثله معه ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالا بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول إيذانا بأنهم إنما يطاعون تبعا لطاعة الرسول فمن أمر منهم بطاعة الرسول وجبت طاعته ومن أمر بخلاف ما جاء به الرسول فلا سمع له ولا طاعة كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" وقال: "إنما الطاعة في المعروف" وقال في ولاة الأمور: "من أمركم منهم بمعصية الله فلا سمع له ولا طاعة" وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن الذين أرادوا دخول النار لما أمرهم أميرهم بدخولها: "إنهم لو دخلوا لما خرجوا منها" مع أنهم إنما كانوا يدخلونها طاعة لأميرهم وظنا أن ذلك واجب عليهم ولكن لما قصروا في الاجتهاد وبادروا إلى طاعة من أمر بعصية الله وحملوا عموم الأمر بالطاعة بما لم يرده الآمر صلى الله عليه وسلم وما قد علم من دينه إرادة خلافه فقصوا في الاجتهاد وأقدموا على تعذيب أنفسهم وإهلاكها من غير تثبت وتبين هل ذلك طاعة لله ورسوله أم لا فما الظن بمن أطاع غيره في صريح مخالفة ما بعث الله به رسوله ثم أمر تعالى برد ما تنازع فيه المؤمنون إلى الله ورسوله إن كانوا مؤمنين وأخبرهم أن ذلك خير لهم في العاجل أو حسن تأويلا في العاقبة.
اتفاق الصحابة في مسائل الصفات:
وقد تضمن هذا أمورا: منها أن أهل الإيمان قد يتنازعون في بعض الأحكام ولا يخرجون بذلك عن الإيمان وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيمانا ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال بل كلهم على إثبات ما نطق به الكاتب والسنة كلمة واحدة من أولهم إلى آخرهم لم يسوموها تأويلا ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلا ولم يبدوا لشيء منها إبطالا ولا ضربوا لها أمثالا ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها ولم يقل أحد منهم يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها بل تلقوها بالقبول والتسليم وقابلوها بالإيمان والتعظيم وجعلوا الأمر فيها كلها أمرا واحدا وأجروها على سنن واحد ولم يفعلوا كما فعل أهل الأهواء والبدع حيث جعلوها عضين وأقروا ببعضها وأنكروا بعضها من غير فرقان مبين مع أن اللازم لهم فيها أنكروه كاللازم فيما أقروا به وأثبتوه.
المؤمنون لا يخرجهم تنازعهم عن الإيمان:
والمقصود أن أهل الإيمان لا يخرجهم تنازعهم في بعض مسائل الأحكام عن حقيقة الإيمان إذا ردوا ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله كما شرطه الله عليهم بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} ولا ريب أن الحكم المعلق على شرط ينتفي عند انتفائه.
الرد إلى الله ورسوله دليل على أن كل الأحكام في القرآن والسنة:
ومنها: أن قوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} نكرة في سياق الشرط تعم كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين دقه وجله جليه وخفيه ولو لم يكن في كتاب الله ورسوله بيان حكم ما تنازعوا فيه ولم يكن كافيا لم يأمر بالرد إليه إذ من الممتنع أن يأمر تعالى بالرد عند النزاع إلى من لا يوجد عنده فصل النزاع.
ومنها: أن الناس أجمعوا أن الرد إلى الله سبحانه وتعالى هو الرد إلى كتابه والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إليه نفسه في حياته وإلى سنته بعد وفاته.
انتفاء الإيمان بانتفاء الرد:
ومنها: أنه جعل هذا الرد من موجبات الإيمان ولوازمه فإذا انتفى هذا الرد انتفى الإيمان ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه ولا سيما التلازم بين هذين الأمرين فإنه من الطرفين وكل منهما ينتفي بانتفاء الآخر ثم أخبرهم أن هذا الرد خير لهم وأن عاقبته أحسن عاقبة ثم أخبر سبحانه أن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكم الطاغوت وتحاكم إليه والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى الطاغوت ومتابعته وهؤلاء لم يسلكوا طريق الناجين الفائزين من هذه الأمة وهم الصحابة ومن تبعهم ولا قصدوا قصدهم بل خالفوهم في الطريق والقصد معا ثم أخبر تعالى عن هؤلاء بأنهم إذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول أعرضوا عن ذلك ولم يستجيبوا للداعي ورضوا بحكم غيره ثم توعدهم بأنهم إذا أصابتهم مصيبة في عقولهم وأديانهم وبصائرهم وأبدانهم وأموالهم بسبب إعراضهم عما جاء به الرسول وتحكيم غيره والتحاكم إليه كما قال تعالى {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} اعتذروا بأنهم إنما قصدوا الإحسان والتوفيق أي بفعل ما يرضي الفريقين ويوفق بينهما كما يفعله من يروم التوفيق بين ما جاء به الرسول وبين ما خالفه ويزعم بذلك أنه محسن قاصد الإصلاح والتوفيق والإيمان إنما يقتضي إلقاء الحرب بين ما جاء به الرسول وبين كل ما خالفه من طريقة وحقيقة وعقيدة وسياسة ورأي فمحض الإيمان في هذا الحرب لا في التوفيق وبالله التوفيق.
وقد تضمن هذا أمورا: منها أن أهل الإيمان قد يتنازعون في بعض الأحكام ولا يخرجون بذلك عن الإيمان وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيمانا ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال بل كلهم على إثبات ما نطق به الكاتب والسنة كلمة واحدة من أولهم إلى آخرهم لم يسوموها تأويلا ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلا ولم يبدوا لشيء منها إبطالا ولا ضربوا لها أمثالا ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها ولم يقل أحد منهم يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها بل تلقوها بالقبول والتسليم وقابلوها بالإيمان والتعظيم وجعلوا الأمر فيها كلها أمرا واحدا وأجروها على سنن واحد ولم يفعلوا كما فعل أهل الأهواء والبدع حيث جعلوها عضين وأقروا ببعضها وأنكروا بعضها من غير فرقان مبين مع أن اللازم لهم فيها أنكروه كاللازم فيما أقروا به وأثبتوه.
المؤمنون لا يخرجهم تنازعهم عن الإيمان:
والمقصود أن أهل الإيمان لا يخرجهم تنازعهم في بعض مسائل الأحكام عن حقيقة الإيمان إذا ردوا ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله كما شرطه الله عليهم بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} ولا ريب أن الحكم المعلق على شرط ينتفي عند انتفائه.
الرد إلى الله ورسوله دليل على أن كل الأحكام في القرآن والسنة:
ومنها: أن قوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} نكرة في سياق الشرط تعم كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين دقه وجله جليه وخفيه ولو لم يكن في كتاب الله ورسوله بيان حكم ما تنازعوا فيه ولم يكن كافيا لم يأمر بالرد إليه إذ من الممتنع أن يأمر تعالى بالرد عند النزاع إلى من لا يوجد عنده فصل النزاع.
ومنها: أن الناس أجمعوا أن الرد إلى الله سبحانه وتعالى هو الرد إلى كتابه والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إليه نفسه في حياته وإلى سنته بعد وفاته.
انتفاء الإيمان بانتفاء الرد:
ومنها: أنه جعل هذا الرد من موجبات الإيمان ولوازمه فإذا انتفى هذا الرد انتفى الإيمان ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه ولا سيما التلازم بين هذين الأمرين فإنه من الطرفين وكل منهما ينتفي بانتفاء الآخر ثم أخبرهم أن هذا الرد خير لهم وأن عاقبته أحسن عاقبة ثم أخبر سبحانه أن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكم الطاغوت وتحاكم إليه والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى الطاغوت ومتابعته وهؤلاء لم يسلكوا طريق الناجين الفائزين من هذه الأمة وهم الصحابة ومن تبعهم ولا قصدوا قصدهم بل خالفوهم في الطريق والقصد معا ثم أخبر تعالى عن هؤلاء بأنهم إذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول أعرضوا عن ذلك ولم يستجيبوا للداعي ورضوا بحكم غيره ثم توعدهم بأنهم إذا أصابتهم مصيبة في عقولهم وأديانهم وبصائرهم وأبدانهم وأموالهم بسبب إعراضهم عما جاء به الرسول وتحكيم غيره والتحاكم إليه كما قال تعالى {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} اعتذروا بأنهم إنما قصدوا الإحسان والتوفيق أي بفعل ما يرضي الفريقين ويوفق بينهما كما يفعله من يروم التوفيق بين ما جاء به الرسول وبين ما خالفه ويزعم بذلك أنه محسن قاصد الإصلاح والتوفيق والإيمان إنما يقتضي إلقاء الحرب بين ما جاء به الرسول وبين كل ما خالفه من طريقة وحقيقة وعقيدة وسياسة ورأي فمحض الإيمان في هذا الحرب لا في التوفيق وبالله التوفيق.
ثم أقسم سبحانه بنفسه على نفي الإيمان عن العباد حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الدقيق والجليل ولم يكتف في إيمانهم بهذا التحكيم بمجرده حتى ينتفي عن صدورهم الحرج والضيق عن قضائه وحكمه ولم يكتف منهم أيضا بذلك حتى يسلموا تسليما وينقادوا انقيادا قال تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} فأخبر سبحانه أنه ليس لمؤمن أن يختار بعد قضائه وقضاء رسوله ومن تخير بعد ذلك فقد ضل ضلالا مبينا
النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله:
وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي لا تقولوا حتى يقول ولا تأمروا حتى يأمر ولا تفتوا حتى يفتي ولا تقطعوا أمرا حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضيه روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: "لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة" وروى العوفي عنه قال: "نهوا أن يتكلوا بين يدي كلامه".
والقول الجامع في معنى الآية: "لا تعجلوا بقول ولا فعل قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يفعل".
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سببا لحبوط أعمالهم فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياستهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه؟! أليس هذا أولى أن يكون محبطا لأعمالهم؟!.
وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوه} فإذا جعل من لوازم الإيمان أنهم لا يذهبون مذهبا إذا كانوا معه إلا باستئذانه فأولى أن يكون من لوازمه أن لا يذهبوا إلى قول ولا مذهب علمي إلا بعد استئذانه وإذنه يعرف بدلالة ما جاء به على أنه أذن فيه. ا هـ
النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله:
وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي لا تقولوا حتى يقول ولا تأمروا حتى يأمر ولا تفتوا حتى يفتي ولا تقطعوا أمرا حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضيه روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: "لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة" وروى العوفي عنه قال: "نهوا أن يتكلوا بين يدي كلامه".
والقول الجامع في معنى الآية: "لا تعجلوا بقول ولا فعل قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يفعل".
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سببا لحبوط أعمالهم فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياستهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه؟! أليس هذا أولى أن يكون محبطا لأعمالهم؟!.
وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوه} فإذا جعل من لوازم الإيمان أنهم لا يذهبون مذهبا إذا كانوا معه إلا باستئذانه فأولى أن يكون من لوازمه أن لا يذهبوا إلى قول ولا مذهب علمي إلا بعد استئذانه وإذنه يعرف بدلالة ما جاء به على أنه أذن فيه. ا هـ
ويقول أيضا في نفس الكتاب ص -244- {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} فقسم الحكم إلى قسمين قسم أذن فيه وهو الحق وقسم افتري عليه وهو ما لم يأذن فيه فأين أذن لنا أن نقيس البلوط على التمر في جريان الربا فيه وأن نقيس القصدير على الذهب والفضة والخردل على البر فإن كان الله ورسوله وصانا بهذا فسمعا وطاعة لله ورسوله وإلا فإنا قائلون لمنازعينا أم كنتم شهداء إذا وصاكم الله بهذا فما لم تأتنا به وصية من عند الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهو عين الباطل وقد أمرنا الله برد ما تنازعنا فيه إليه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم فلم يبح لنا قط أن نرد ذلك إلى رأي ولا قياس ولا تقليد إمام ولا منام ولا كشوف ولا إلهام ولا حديث قلب ولا استحسان ولا معقول ولا شريعة الديوان ولا سياسة الملوك ولا عوائد الناس التي ليس على شرائع المسلمين أضر منها فكل هذه طواغيت من تحاكم إليها أو دعا منازعة إلى التحاكم إليها فقد حاكم إلى الطاغوت. ا هـ
وقال أيضا
(ومن صفاتهم أنك إذا دعوتهم عند المنازعة للتحاكم إلى القرآن والسنة أبوا ذلك وأعرضوا عنه، ودعوك إلى التحاكم إلى طواغيتهم، قال تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعَمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزَلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطاغوت وَقَد أمرُوا أَن يَكْفُروا بهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالُوا إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافقِين يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً فَكَيْف إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيَهِمْ ثُمَّ جَاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُم فِى أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} [النساء: 60-63].
{أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعَمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزَلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطاغوت وَقَد أمرُوا أَن يَكْفُروا بهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالُوا إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافقِين يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً فَكَيْف إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيَهِمْ ثُمَّ جَاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُم فِى أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} [النساء: 60-63].
وفي كتاب طريق الهجرتين ص -37-
("اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ،وَإِلَيْكَ أَنبت، وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ"، فتكون مخاصمة هذا العبد لله لا لهواه وحظه ومحاكمته خصمه إِلى أَمر الله وشرعه لا إِلى شيء سواه، فمن خاصم لنفسه فهو ممن اتبع هواه وانتصر لنفسه، وقد قالت عائشة: "ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه قط"، وهذا لتكميل عبوديته. ومن حاكم خصمه إِلى غير الله ورسوله فقد حاكم إِلى الطاغوت، وقد أمر أن يكفر به، ولا يكفر العبد بالطاغوت حتى يجعل الحكم لله وحده كما هو كذلك فى نفس الأَمر.
والحكم نوعان: حكم كونى قدرى، وحكم أمرى دينى، فهذا الذى ذكره الشيخ فى منازل السائرين وشرحه عليه الشارحون، إنما مراده به الحكم الكونى القدرى، وحينئذ فلا بد من تفصيل ما أَجملوه من مسالمة الحكم والاستسلام له وترك المنازعة له، فإِن هذا الإِطلاق غير مأْمور به ولا ممكن للعبد فى نفسه
والحكم نوعان: حكم كونى قدرى، وحكم أمرى دينى، فهذا الذى ذكره الشيخ فى منازل السائرين وشرحه عليه الشارحون، إنما مراده به الحكم الكونى القدرى، وحينئذ فلا بد من تفصيل ما أَجملوه من مسالمة الحكم والاستسلام له وترك المنازعة له، فإِن هذا الإِطلاق غير مأْمور به ولا ممكن للعبد فى نفسه
بل الأَحكام ثلاثة: حكم شرعى دينى، فهذا حقه أَن يتلقى بالمسالمة والتسليم وترك المنازعة، بل بالانقياد المحض، وهذا تسليم العبودية المحضة فلا يعارض بذوق ولا وجد ولا سياسة ولا قياس ولا تقليد، ولا يرى إِلى خلافه سبيلاً البتة، وإِنما هو الانقياد المحض والتسليم [والإذغان والقبول فإذا تلقى بهذا التسليم والمسألة إقراراً] وتصديقاً بقى هناك انقياد آخر وتسليم آخر له إِرادة وتنفيذاً وعملاً، فلا تكون له شهوة تنازع مراد الله من تنفيذ حكمه، كما لم تكن له شبهة تعارض وإِقراره، إِيمانه وهذا حقيقة القلب السليم الذى سلم من شبهة تعارض الحق وشهوة تعارض الأَمر، فلا استمتع بخلاقه كما استمتع به الذين يتبعون الشهوات، ولا خاض فى الباطن خوض الذين يتبعون الشبهات، بل اندرج خلاقه تحت الأَمر، واضمحل خوضه فى معرفته بالحق فاطمأن إِلى الله معرفة به ومحبة له وعلماً بأَمره وإِرادته لمرضاته، فهذا حق الحكم الدينى.
الحكم الثانى: الحكم الكونى القدرى الذى للعبد فيه كسب واختيار وإِرادة، والذى إِذا حكم به يسخطه ويبغضه ويذم عليه، فهذا حقه أَن ينازع ويدافع بكل ممكن ولا يسالم البتة، بل ينازع بالحكم الكونى أَيضاً، فينازع حكم الحق بالحق للحق ويدافع به، وله كما قال شيخ العارفين فى وقته عبد القادر الجيلانى: "الناس إِذا دخلوا إِلى القضاءِ والقدر أَمسكوا، وأَنا انفتحت لى روزنة فنازعت أَقدار الحق بالحق للحق، والعارف من يكون منازعاً للقدر لا واقفاً مع القدر" ا ه، فإِن ضاق ذرعك عن هذا الكلام وفهمه فتأمل قول عمر ابن الخطاب- وقد عوتب على فراره من الطاعون فقيل له-: "أتفر من قدر الله؟ فقال: نفر من قدر الله إِلى قدره"، ثم كيف ينكر هذا الكلام من لا بقاءَ له فى هذا العالم إِلا به، ولا تتم له مصلحة إِلا بموجبه، فإِنه إذا جاءَه قدر من الجوع والعطش أَو البرد نازعه وترك الانقياد له ومسالمته، ودفع بقدر آخر من الأَكل والشرب واللباس، فقد دفع قدر الله بقدره، وهكذا إِذا وقع الحريق فى داره فهو بقدر الله، فما باله لا يستسلم له ويسالمه ويتلقاه بالإِذعان؟ بل ينازعه ويدافعه بالماءِ والتراب وغيره حتى يطفيء قدر الله بقدر الله وما خرج فى ذلك عن قدر الله، وهكذا إِذا أصابه مرض بقدر الله دافع هذا القدر ونازعه بقدر آخر يستعمل فيه الأَدوية الدافعة للمرض فحق هذا الحكم الكونى أَن يحرص العبد على مدافعته ومنازعته بكل ما يمكنه، فإِن غلبه وقهره، حرص على دفع آثاره وموجباته بالأَسباب التى نصبها الله لذلك، فيكون قد دفع القدر بالقدر ونازع الحكم بالحكم، وبهذا أُمر، بل هذا حقيقة الشرع والقدر، ومن لم يستبصر فى هذه المسأَلة ويعطها حقها لزمه التعطيل للقدر أَو الشرع شاءَ أَو أَبى، فما للعبد ينازع أَقدار الرب [تعالى] بأَقداره فى حظوظه وأَسباب معاشه ومصالحه الدنيوية ولا ينازع أَقداره فى حق مولاه وأَوامره ودينه؟ وهل هذا إِلا خروج عن العبودية ونقص فى العلم بالله وصفاته وأَحكامه؟ ولو أَن عدواً للإِسلام قصده لكان هذا بقدر الله، ويجب على كل مسلم دفع هذا القدر بقدر يحبه الله وهو الجهاد باليد أو المال أو القلب دفعا لقدر الله بقدره فما للاستلام والمسالمة هنا مدخل فى العبودية، اللهم إلا إذا بذل العبد جهده فى المدافعة والمنازلة وخرج الأمر عن يده.
فحينئذ يبقى من أهل الحكم الثالث وهو الحكم القدري الكوني الذي يجري على العبد بغير اختياره ولا طاقة له بدفعه ولا حيلة له في منازعته، فهذا حقه أن يتلقى بالاستسلام والمسالمة وترك المخاصمة وأن يكون فيه كالميت بين يدي الغاسل، وكمن انكسر به المركب في لجة البحر وعجز عن السباحة وعن سبب يدنيه من النجاة فههنا يحسن الاستسلام والمسالمة، مع أن عليه في هذا الحكم عبوديات أخر سوى التسليم والمسالمة، وهي أن يشهد عزة الحاكم في حكمه، وعدله في قضائه، وحمكته في جريانه عليه، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وإن الكتاب الأول سيق بذلك قبل بدء الخليفة، فقد جف القلم بما يلقاه كل عبد، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط، ويشهد أن القدر ما أصابه إلا لحكمة اقتضاها اسم الحكيم جل جلاله وصفته الحكمة، وإن القدر قد أصاب مواقعه وحل في المحل الذي ينبغي له أن ينزل به، وأن ذلك أوجبه عدل الله وحكمته وعزته وعلمه وملكه العادل، فهو موجب أسمائه الحسنى وصفاته العلى، فله عليه أكمل حمد وأتمه، كما له الحمد على جميع أفعاله وأوامره، وإن كان حظ العبد من هذا القدر الذم فحق الرب تعالى منه الحمد والمدح، لأنه موجب كماله وأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وهو موجب نقص العبد وجهله وظلمه وتفريطه، فاقتسم الرب والعبد الحظين في هذا القدر، وكان للرب سبحانه فيه الحمد والنعمة والفضل والثناء الحسن، والعبد حظه الذم واللوم والإساءة واستحقاق العقوبة.
الحكم الثانى: الحكم الكونى القدرى الذى للعبد فيه كسب واختيار وإِرادة، والذى إِذا حكم به يسخطه ويبغضه ويذم عليه، فهذا حقه أَن ينازع ويدافع بكل ممكن ولا يسالم البتة، بل ينازع بالحكم الكونى أَيضاً، فينازع حكم الحق بالحق للحق ويدافع به، وله كما قال شيخ العارفين فى وقته عبد القادر الجيلانى: "الناس إِذا دخلوا إِلى القضاءِ والقدر أَمسكوا، وأَنا انفتحت لى روزنة فنازعت أَقدار الحق بالحق للحق، والعارف من يكون منازعاً للقدر لا واقفاً مع القدر" ا ه، فإِن ضاق ذرعك عن هذا الكلام وفهمه فتأمل قول عمر ابن الخطاب- وقد عوتب على فراره من الطاعون فقيل له-: "أتفر من قدر الله؟ فقال: نفر من قدر الله إِلى قدره"، ثم كيف ينكر هذا الكلام من لا بقاءَ له فى هذا العالم إِلا به، ولا تتم له مصلحة إِلا بموجبه، فإِنه إذا جاءَه قدر من الجوع والعطش أَو البرد نازعه وترك الانقياد له ومسالمته، ودفع بقدر آخر من الأَكل والشرب واللباس، فقد دفع قدر الله بقدره، وهكذا إِذا وقع الحريق فى داره فهو بقدر الله، فما باله لا يستسلم له ويسالمه ويتلقاه بالإِذعان؟ بل ينازعه ويدافعه بالماءِ والتراب وغيره حتى يطفيء قدر الله بقدر الله وما خرج فى ذلك عن قدر الله، وهكذا إِذا أصابه مرض بقدر الله دافع هذا القدر ونازعه بقدر آخر يستعمل فيه الأَدوية الدافعة للمرض فحق هذا الحكم الكونى أَن يحرص العبد على مدافعته ومنازعته بكل ما يمكنه، فإِن غلبه وقهره، حرص على دفع آثاره وموجباته بالأَسباب التى نصبها الله لذلك، فيكون قد دفع القدر بالقدر ونازع الحكم بالحكم، وبهذا أُمر، بل هذا حقيقة الشرع والقدر، ومن لم يستبصر فى هذه المسأَلة ويعطها حقها لزمه التعطيل للقدر أَو الشرع شاءَ أَو أَبى، فما للعبد ينازع أَقدار الرب [تعالى] بأَقداره فى حظوظه وأَسباب معاشه ومصالحه الدنيوية ولا ينازع أَقداره فى حق مولاه وأَوامره ودينه؟ وهل هذا إِلا خروج عن العبودية ونقص فى العلم بالله وصفاته وأَحكامه؟ ولو أَن عدواً للإِسلام قصده لكان هذا بقدر الله، ويجب على كل مسلم دفع هذا القدر بقدر يحبه الله وهو الجهاد باليد أو المال أو القلب دفعا لقدر الله بقدره فما للاستلام والمسالمة هنا مدخل فى العبودية، اللهم إلا إذا بذل العبد جهده فى المدافعة والمنازلة وخرج الأمر عن يده.
فحينئذ يبقى من أهل الحكم الثالث وهو الحكم القدري الكوني الذي يجري على العبد بغير اختياره ولا طاقة له بدفعه ولا حيلة له في منازعته، فهذا حقه أن يتلقى بالاستسلام والمسالمة وترك المخاصمة وأن يكون فيه كالميت بين يدي الغاسل، وكمن انكسر به المركب في لجة البحر وعجز عن السباحة وعن سبب يدنيه من النجاة فههنا يحسن الاستسلام والمسالمة، مع أن عليه في هذا الحكم عبوديات أخر سوى التسليم والمسالمة، وهي أن يشهد عزة الحاكم في حكمه، وعدله في قضائه، وحمكته في جريانه عليه، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وإن الكتاب الأول سيق بذلك قبل بدء الخليفة، فقد جف القلم بما يلقاه كل عبد، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط، ويشهد أن القدر ما أصابه إلا لحكمة اقتضاها اسم الحكيم جل جلاله وصفته الحكمة، وإن القدر قد أصاب مواقعه وحل في المحل الذي ينبغي له أن ينزل به، وأن ذلك أوجبه عدل الله وحكمته وعزته وعلمه وملكه العادل، فهو موجب أسمائه الحسنى وصفاته العلى، فله عليه أكمل حمد وأتمه، كما له الحمد على جميع أفعاله وأوامره، وإن كان حظ العبد من هذا القدر الذم فحق الرب تعالى منه الحمد والمدح، لأنه موجب كماله وأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وهو موجب نقص العبد وجهله وظلمه وتفريطه، فاقتسم الرب والعبد الحظين في هذا القدر، وكان للرب سبحانه فيه الحمد والنعمة والفضل والثناء الحسن، والعبد حظه الذم واللوم والإساءة واستحقاق العقوبة.
استأثر الله بالمحامد والف ضل وولى الملامة الرجلا
ويتبين هذا المقام في أربع آيات. إحداها قوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} الثانية قوله: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} الثالثة قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} الرابعة قوله تعالى: {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْأِنْسَانَ كَفُورٌ} فمن نزل هذه الآيات على هذا الحكم علما ومعرفة وقام بموجبها إرادة وعزما وتوبة واستغفار فقد أدى عبودية الله في هذا الحكم، وهذا قدر زائد على مجرد التسليم والمسالمة، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله )ا هـ
الفصل الثالث المعبود من دون الله وهو كاره لذلك ليس طاغوت
ومن أمثلة ذلك عيسي بن مريم قال الله له (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) )والملائكة (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) [الفرقان/17-19] وقال تعالي أيضا(كما قال تعالى: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ } [ سبأ : 40 -41].
ويوم القيام يدخل الطواغيت والمشركون النار أما الملائكة والأنبياء والصالحين ومن كان يكره ذلك ولا يعلم فلهم الحسني كما قال تعالي (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) )الأنبياء 98-103
وقال ابن تيمية في كتاب الجهاد
(ومن جنس موالاة الكفار التي ذم اللّه بها أهل الكتاب والمنافقين: الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر، أو التحاكم إليهم دون كتاب اللّه، كما قال تعإلى: {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَي مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً} [النساء: 51]. وقد عرف أن سبب نزولها شأن كعب بن الأشرف ـ أحد رؤساء إليهود ـ لما ذهب إلى المشركين، ورجح دينهم على دين محمد وأصحابه. والقصة قد ذكرناها في [الصارم المسلول] لما ذكرنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لكعب بن الأشرف؟ فإنه قد آذي اللّه ورسوله).
ونظير هذه الآية قوله ـ تعإلى ـ عن بعض أهل الكتاب: {وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ على مُلْكِ سُلَيْمَانَ} الآية [البقرة: 101، 102]. فأخبر أنهم اتبعوا السحر وتركوا كتاب اللّه، كما يفعله كثير من إليهود، وبعض المنتسبين إلى الإسلام من اتباعهم كتب السحرة ـ أعداء إبراهيم وموسى ـ من المتفلسفة ونحوهم ،وهو كإيمانهم بالجبت والطاغوت، فإن الطاغوت هو : الطاغي من الأعيان، والجبت: هو من الأعمال والأقوال، كما قال عمر بن الخطاب: الجبت السحر، والطاغوت الشيطان؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العيافة والطيرة، والطرق من الجبت). رواه أبو داود.
وكذلك ما أخبر عن أهل الكتاب بقوله: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عليه وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة: 60] أي: ومن عبد الطاغوت ، فإن أهل الكتاب كان منهم من أشرك، وعبد الطواغيت.
فهنا ذكر عبادتهم للطاغوت، وفي [البقرة] ذكر اتباعهم للسحر، وذكر في [النساء] إيمانهم بهما جميعا بالجبت والطاغوت.
وأما التحاكم إلى غير كتاب اللّه، فقد قال: {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إلىكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إلى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإلى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا } [النساء: 60، 61].
والطاغوت: فعلوت من الطغيان. كما أن الملكوت: فعلوت من الملك. والرحموت، والرهبوت، والرغبوت: فعلوت من الرحمة،والرهبة، والرغبة. والطغيان: مجاوزة الحد، وهو الظلم والبغي. فالمعبود من دون اللّه إذا لم يكن كارها لذلك: طاغوت؛ ولهذا سمي النبي صلى الله عليه وسلم الأصنام طواغيت في الحديث الصحيح لما قال: (ويتبع من يعبد الطواغيت الطواغيت). والمطاع في معصية اللّه، والمطاع في اتباع غير الهدي ودين الحق ـ سواء كان مقبولا خبره المخالف لكتاب اللّه، أو مطاعا أمره المخالف لأمر اللّه ـ هو طاغوت؛ ولهذا سمي من تحوكم إليه، من حاكم بغير كتاب اللّه طاغوت، وسمي اللّه فرعون وعادا طغاة وقال في صيحة ثمود: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ} [الحاقة: 5].
فمن كان من هذه الأمة مولياً للكفار من المشركين أو أهل الكتاب، ببعض أنواع الموالاة، ونحوها: مثل إتيانه أهل الباطل، واتباعهم في شيء من مقالهم، وفعالهم الباطل، كان له من الذم والعقاب والنفاق بحسب ذلك،)ا هـ
ونظير هذه الآية قوله ـ تعإلى ـ عن بعض أهل الكتاب: {وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ على مُلْكِ سُلَيْمَانَ} الآية [البقرة: 101، 102]. فأخبر أنهم اتبعوا السحر وتركوا كتاب اللّه، كما يفعله كثير من إليهود، وبعض المنتسبين إلى الإسلام من اتباعهم كتب السحرة ـ أعداء إبراهيم وموسى ـ من المتفلسفة ونحوهم ،وهو كإيمانهم بالجبت والطاغوت، فإن الطاغوت هو : الطاغي من الأعيان، والجبت: هو من الأعمال والأقوال، كما قال عمر بن الخطاب: الجبت السحر، والطاغوت الشيطان؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العيافة والطيرة، والطرق من الجبت). رواه أبو داود.
وكذلك ما أخبر عن أهل الكتاب بقوله: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عليه وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة: 60] أي: ومن عبد الطاغوت ، فإن أهل الكتاب كان منهم من أشرك، وعبد الطواغيت.
فهنا ذكر عبادتهم للطاغوت، وفي [البقرة] ذكر اتباعهم للسحر، وذكر في [النساء] إيمانهم بهما جميعا بالجبت والطاغوت.
وأما التحاكم إلى غير كتاب اللّه، فقد قال: {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إلىكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إلى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإلى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا } [النساء: 60، 61].
والطاغوت: فعلوت من الطغيان. كما أن الملكوت: فعلوت من الملك. والرحموت، والرهبوت، والرغبوت: فعلوت من الرحمة،والرهبة، والرغبة. والطغيان: مجاوزة الحد، وهو الظلم والبغي. فالمعبود من دون اللّه إذا لم يكن كارها لذلك: طاغوت؛ ولهذا سمي النبي صلى الله عليه وسلم الأصنام طواغيت في الحديث الصحيح لما قال: (ويتبع من يعبد الطواغيت الطواغيت). والمطاع في معصية اللّه، والمطاع في اتباع غير الهدي ودين الحق ـ سواء كان مقبولا خبره المخالف لكتاب اللّه، أو مطاعا أمره المخالف لأمر اللّه ـ هو طاغوت؛ ولهذا سمي من تحوكم إليه، من حاكم بغير كتاب اللّه طاغوت، وسمي اللّه فرعون وعادا طغاة وقال في صيحة ثمود: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ} [الحاقة: 5].
فمن كان من هذه الأمة مولياً للكفار من المشركين أو أهل الكتاب، ببعض أنواع الموالاة، ونحوها: مثل إتيانه أهل الباطل، واتباعهم في شيء من مقالهم، وفعالهم الباطل، كان له من الذم والعقاب والنفاق بحسب ذلك،)ا هـ
وفي كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب
السابعة: المسألة الكبيرة: أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت ففيه معنى قوله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}.
الثامنة: أن الطاغوت عام في كل ما عُبد من دون الله.
الثامنة: أن الطاغوت عام في كل ما عُبد من دون الله.
وقال أيضا في نفس الكتاب باب (23) ما جاء في السحر
وقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} 1، وقوله {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}
قال عمر: "الجبت السحر، والطاغوت الشيطان".
وقال جابر: "الطواغيت كهان كان ينْزل عليهم الشيطان، في كل حي واحد".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات"
وعن جندب مرفوعا: "حد الساحر ضربه بالسيف" رواه التزمذي، وقال: الصحيح أنه موقوف وفي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: "كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. قال: فقتلنا ثلاث سواحر".
وصح "عن حفصة رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت" وكذلك صح عن جندب قال أحمد: عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
الثالثة: تفسير الجبت والطاغوت، والفرق بينهما.
الرابعة: أن الطاغوت قد يكون من الجن، وقد يكون من الإنس.
وقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} 1، وقوله {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}
قال عمر: "الجبت السحر، والطاغوت الشيطان".
وقال جابر: "الطواغيت كهان كان ينْزل عليهم الشيطان، في كل حي واحد".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات"
وعن جندب مرفوعا: "حد الساحر ضربه بالسيف" رواه التزمذي، وقال: الصحيح أنه موقوف وفي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: "كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. قال: فقتلنا ثلاث سواحر".
وصح "عن حفصة رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت" وكذلك صح عن جندب قال أحمد: عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
الثالثة: تفسير الجبت والطاغوت، والفرق بينهما.
الرابعة: أن الطاغوت قد يكون من الجن، وقد يكون من الإنس.
وقال أيضا ص -105- في قوله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} 4.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به". قال النووي: حديث صحيح، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به". قال النووي: حديث صحيح، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح.
وقال الشعبي: "كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد - لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة. وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود لعلمه أنهم يأخذون الرشوة. فاتفقا أن يأتيا كاهنا في جهينة فيتحاكما إليه، فنَزلت: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ}1" الآية.
وقيل: "نزلت في رجلين اختصما، فقال أحدهما: نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف. ثم ترافعا إلى عمر. فذكر له أحدهما القصة. فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم: أكذلك؟ قال: نعم. فضربه بالسيف فقتله".
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية النساء، وما فيها من الإعانة على معرفة فهم الطاغوت.
الثانية: تفسير آية البقرة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ} الآية.
الثالثة: تفسير آية الأعراف: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا}
الرابعة: تفسير {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ)
الخامسة: ما قال الشعبي في سبب نزول الآية الأولى.
السادسة: تفسير الإيمان الصادق والكاذب.
السابعة: قصة عمر مع المنافق.
الثامنة: كون الإيمان لا يحصل لأحد حتى يكون هواه تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.) ا هـ
وقيل: "نزلت في رجلين اختصما، فقال أحدهما: نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف. ثم ترافعا إلى عمر. فذكر له أحدهما القصة. فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم: أكذلك؟ قال: نعم. فضربه بالسيف فقتله".
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية النساء، وما فيها من الإعانة على معرفة فهم الطاغوت.
الثانية: تفسير آية البقرة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ} الآية.
الثالثة: تفسير آية الأعراف: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا}
الرابعة: تفسير {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ)
الخامسة: ما قال الشعبي في سبب نزول الآية الأولى.
السادسة: تفسير الإيمان الصادق والكاذب.
السابعة: قصة عمر مع المنافق.
الثامنة: كون الإيمان لا يحصل لأحد حتى يكون هواه تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.) ا هـ
تا بع الفصل اللا حق من هذه الرسالة انشاء الله
No hay comentarios:
Publicar un comentario