viernes, 27 de mayo de 2011

اسم المقالة: طـوبـى للـغـربـاء

هل تعلمون من هم الغرباء؟
اللهم اجعلنا منهم قولوا اميييييييييييييييين
بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً فطوبى للغرباء.
إنها بشرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنها بشرى من نبي الإسلام
ولكن… لمن؟
للغرباء
إنهم قوم صالحون بين قوم سوء كثيرون
إنهم رجال ونساء صدقوا ما عاهدوا الله عليه
يقبضون على الجمر ويمشون على الصخر
ويبيتون على الرماد ويهربون من الفساد
صادقة السنتهم عفيفة فروجهم محفوظة أبصارهم كلماتهم عفيفه وجلساتهم شريفة
الغرباء هم أناس عرفتهم الأسحار بدموعهم بنجواهم في ظلمات الليل
الغرباء هم أناس يفدون دينهم بأرواحهم لتكون كلمة الله هي العليا
الغرباء هم أناس مثاليون ويدفعون ثمن مثاليتهم أنهم أصبحوا
غرباء وحيدون حزينون لكن بربهم يستأنسون وبرحمته يطمعون
الغرباء هم القابضون على الجمر في زمن أصبح الحليم فيه حيرانا
الغرباء ... ليس الزمان زمانهم ولا المكان مكانهم ..كأنهم من عالم آخر غير هذا العالم
غرباء في الأرض ... مسافرون يتزودون بما يعينهم على السفر حتى يصلوا إلى دار القرار
آمنين لهم فيها الحسنى وزيادة
هم المهاجرون إلى الله يدعونه آناء الليل وأطراف النهار
أن يفرج غربتهم وغربة الإسلام ويقبل هجرتهم إليه ويتوفاهم شهداء صديقين ...
الغرباء هم أناس أتقياء .
حتى لا يجد التقي منهم إلا أن يعتزل الناس حتى لا يفتنوه ولا يؤذوه في دينه ...

هم الغرباء هم مع الناس بجسمهم ولكن قلبهم

قد نقب عن الخلق سربا فخفي عنهم

يشعرون بغربة بين أهلهم وأحبابهم فلا الناس ناسهم ولو كانوا أهليهم ،
فيشق عليهم ذلك كثيرا

فتخور قواهم فيهروبون حتى من وجودهم الحقيقي
و من مواجهة أنفسهم و قلوبهم !
لا حول لهم ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

ولا يجدون ملجأ من الله إلا إليه


فيأتيهم اليقين .... وينزل الله السكينة على قلبوبهم ويثبتهم بتثبيته ....
فلا يبقى منهم على هذه الأرض إلا جسد من الأرض ويعود إليها ....
بينما الروح قد سمت إلى مكان أعلى وأسمى ....
وإن بعدت الشقة ... والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا...
وإن زادت الوحشة ...وإن طالت الغربة ...
وإن طال الليل ---وخارت القوى ----وكثر الأنين--وزاد الحنين


ولنتذكر دوماً وعداً كريماً قاله أشرف الخلق
الذي لا ينطق عن الهوى عن ربه الذي لا يخلف الميعاد:
طوبى للغرباء
طوبى للغرباء
طوبى للغرباء

اسم المقالة: معنى الطاغوت ورؤوس انواعه

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ محمد إبن عبد الوهاب إمام الدعوة الإسلامية ,وحامي حمى الملة الحنفية :

اعلم رحمك الله تعالى أن أول ما فرض الله على بن آدم الكفر بالطاغوت والإيمان بالله ، والدليل قوله تعالى : " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " .

فأما صفة الكفر بالطاغوت فهو أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها وتبغضها وتكفر أهلها ، وتعاديهم .

وأما معنى الإيمان بالله فهو أن تعتقد أن الله هو الإله المعبود وحده دون من سواه وتخلص جميع أنواع العبادة كلها لله وتنفيها عن كل معبود سواه ، وتحب أهل الإخلاص وتواليهم ،وتبغض أهل الشرك وتعاديهم .

وهذه ملة إبراهيم التي سفه نفسه من رغب عنها ، وهذه هي الأسوة التي أخبر الله بها في قوله : " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده " .

والطاغوت عام ، فكل ما عبد من دون الله ورضي بالعبادة من معبود أو متبوع أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله فهو طاغوت ، والطواغيت كثيرة ورءوسهم خمسة :

(الأول) : الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله ، والدليل قوله تعالى : " ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين " .

(الثاني) : الحاكم الجائر المغير لأحكام الله تعالى ، والدليل قوله تعالى : " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً " .

(الثالث) : الذي يحكم بغير ما أنزل الله ، والدليل وقوله تعالى : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "
(الرابع) : الذي يدعي علم الغيب من دون الله ، والدليل قوله تعالى : " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً " وقال تعالى : " وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين " .

(الخامس) : الذي يعبد من دون الله وهو راض بالعبادة ، والدليل قوله تعالى : " ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم ، كذلك نجزي الظالمين " .

واعلم أن الإنسان ما يصير مؤمناً بالله إلا بالكفر بالطاغوت
، والدليل قوله تعالى : " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم " . والرشد دين محمد صلى الله عليه وسلم ، والغي دين أبي جهل ، والعروة الوثقى شهادة أن لا إله إلا الله وهي متضمنة للنفي والإثبات تنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله تعالى وتثبت جميع أنواع العبادة كلها لله وحده لا شريك له .

اسم المقالة: ماهي الأمة المسلمة


كاتب المقالة: ابو عبد الرحمن الصومالي
                                                                     اسم المقالة: ماهي الأمة المسلمة    
 
 
ماهي الأمة المسلمة
 خطبة عيد الفطر لعام 1424
"الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللّهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين".
الحمد لله الذي جعلنا مسلمين وجمعنا على الإيمان به والإذعان له واتّباع شرعه وأمره والحمد لله الذي جعلنا متآخين في الله على غير أرحام بيننا ولا أموالٍ نتعاطاها .. اللّهم اجعلنا صادقين فيما نقول .. واجعل أعمالنا موافقةً لأقوالنا .. ولا تجعلنا من المنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يُؤمرون: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾   [آل عمران: 167].
أما بعد : فيا أيها الاخوة .. اذكروا أننا في يوم من أيام الله مباركٍ جعله الله عيداً للأمة المسلمة، عيداً سنوياً يعود بعود السنة، ليجتمع المسلمون فيها لذكر الله وشكره على ما أنعم عليهم من جلائل النِعم التي نعجز عن حصرها وإحصائها ... وكذلك ليتواصى بعضهم بعضاً على ما فيه خير الدنيا والآخرة، ولهذا الغرض شُرعت خطبة العيد بعد الصلاة لتذكير المسلمين وتنبيه الغافلين منهم ودعوة الجميع إلى الصدق في العمل والإحسان فيه، ومحاولة البلوغ إلى الأكمل في تطبيق أوامر الله والامتثال بها.

أيها الاخوة .. إذا علمتم أنّ هذا يوم عيد للإمة المسلمة، فهل علمتم المراد من "الأمة المسلمة" وما هي حقيقتها ودورها في هذه الحياة وصفاتها التي تميِّزها عن غيرها من الأمم الكثيرة المتنوّعة. إن معرفة ما هي الأمة المسلمة ضرورية لنا اليوم لإصلاح واقعنا والتوفيق بين أقوالنا ودعاوينا وبين أعمالنا وسلوكنا.
وأودُّ -هنا- أن أقول عن الأمة المسلمة التي نحبّ أن نكون منها ونظنّ أننا منها بحكم عقيدتنا وديننا الذي نُدين الله به. ليكون ذلك -بإذن الله- ضوءًا كاشفاً، يكشف لنا ضعفنا ونقصنا وأخطاءنا الظاهرة من واقعنا في محاولة تحرّكنا بمنهج الله في وجه الجاهلية الطاغية العاتية، فأقول :

{أولاً} إنها أمة مؤمنة بالله، تعبده وتفرده بالعبادة، كافرة بالمعبودات والطواغيت البشرية وغير البشرية، ولذلك صارت أمة موالية للموحّدين من كل جنس وقبيل، معادية للمشركين متبرأة منهم ومما يعملون من أيّ جنس كانوا ومن أي قبيل انتسبوا إليه. فمن صفاتها في كتاب الله قوله تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ﴾  [المجادلة: 22]
﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾  [الممتحنة: 4].
﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾  [الزمر: 17-18] .

وفي الحديث: {أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله والبغض في الله}.
{ثانياً} إنها أمة صادقة في اتّباع الكتاب وتعظيم شرع الله، تحبّ الطاعات وتبغض المعاصي تحارب النفاق والمنافقين الذين يزعمون الانقياد والطاعة وهم متمرّدون عصاة. فمن صفاتها في كتاب الله قوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾  [التوبة: 71].
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ. أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾  [الأنفال: 2-4].
﴿يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾  [آل عمران: 113-114].
﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾  [التوبة: 112].
{ثالثا} إنها أمة لها غاية واحدة هي بلوغ رضى الله ونيل جنته ليس هدفها العلوّ في الدنيا والفساد فيها. قال الله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾  [القصص: 84].

وهي أمةٌ واعيةٌ مدركةٌ للغاية التي خُلقت لتحقيقها، وتعلم أنها لا تدرك غايتها -رضى الله والجنة- حتى تستسلم لله بالطاعة المطلقة وتُنفّذ أوامره الفردية والجماعية التي منها الجهاد لإعلاء كلمة الله وإظهار دينه على الأديان. قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 33].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ. رَّبَّنَا إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ. رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ. فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾  [آل عمران:190-195].

فدلّت الآيات على أن الإيمان والتوحيد القلبيّ والقوليّ مع الخوف الشديد من عذاب الآخرة، والرجاء الصادق لدخول الجنة مع الذكر المستمرّ قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم لا يحقّق الغاية العظمى المنشودة .. حتى يقترن كل ذلك بالعمل والسعي لإعلاء كلمة الله والتعرّض للأخطار وللقتل والقتال والخروج عن الديار والأحباب فعندئذ تُدرك الغاية ويستحقّ المؤمن حسن الثواب.

{رابعاً} إنها أمة مستعلية على الحياة الدنيا .. لا تعصي الله للحرص على البقاء فيها أو الازدياد منها .. تعلم أن الإيمان أغلى من الحياة الدنيا، فهي تهلك الأموال والأنفس للبقاء على الإيمان، ولا تهلك إيمانها للبقاء على قيد الحياة فيقولون إذا هُدِّدوا بالقتل للعودة إلى الكفر: ﴿لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾  [طه: 72].
﴿قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ. وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ [الأعراف: 125-126].
فهي أمة سائرة على نهج المرسلين متّبعة لملّة إبراهيم الحنيف  الذي امتثل بأمر الله في ذبح ولده : ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ. وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصافات: 103-107].

أخبرنا الله تلك القصة لنعقلها، ونفهم منها أن أمر الله مقدّم على المحافظة على النفس والأهل والأولاد والمال، ولذلك لم يكن المسلم في سلفنا الصالح إذا أُرسل إلى جهاد الدعوة أو جهاد الميدان، يعتذر بأنه يخاف على أولاده أو على تجارته وإنما كان يمتثل بالأمر عالماً بأن الله الذي أوجب هذا الواجب هو الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، "إنّ الله لايضيع أهله" كما جاء في الحديث. وإنما كان يعتذر بتلك الاعتذارات المنافقون الفاسقون، مطموسوا البصائر: ﴿لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ. إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ [التوبة: 44-45].
﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾  [التوبة: 24].
﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [الفتح: 11].
﴿وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا﴾ [الأحزاب: 13].
إن الله تعالى الذي أوجد هذه الدنيا جعلها ذات زينة تميل إليها النفوس، والزينة هي المال ,والبنون والنساء والحرث والأنعام وما إلى ذلك.
قال تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا﴾  [الكهف: 46].
وقال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾  [آل عمران: 14].
ثم إن الله تعالى دعانا إلى نعيم الجنة وزينتها والإعراض عن الدنيا الفانية وزينتها ثم ترك لنا الخيار، وهذا هو حقيقة الابتلاء: قال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا﴾ [الكهف: 7].

فيكون الناس أمام ذلك على نوعين:
1)   مستجيبون لربهم معرضون عن الدنيا ساعون للجنة سعيها، وأولئك هم المؤمنون حقًّا الذين يجب الثقة بهم  والاعتماد عليهم في الجهاد.
2)   معرضون عن نداء ربهم قد شغلتهم الدنيا عن دينهم لا يقدرون أن يسعوا لإعلاء كلمة الله عُشْرَ ما يسعون  لتحصيل الدنيا، ركبتهم الدنيا ولم يركبوها فصار أحدهم جيفة بالليل وحماراً بالنهار، والإنسان إذا صار حاله كذلك يكون إما كافراً كفراً ظاهراً أو منافقاً، ويكون من أهل هذه الآيات الآتية: ﴿إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ. أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾  [يونس: 7-8]
   ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ. أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾  [هود: 15-16].
   ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ﴾  [محمد: 12].
إن المؤمن الحقّ إذا قارن بين نعيم الآخرة وزينتها ونعيم الدنيا وزينتها تميل نفسه لا محالة إلى نعيم الآخرة لأنه خير وأبقى فيقدّم الامتثال بأوامر الله على جمع الدنيا ويأخذ من الدنيا ما لا ينقص من دينه قليلاً أو كثيراً.

أما الذي لا تميل نفسه إلى نعيم الآخرة وتملأ الدنيا قلبه ووقته .. فليس له أن يخدع  نفسه وأن يعدّها من المؤمنين وقد ظهرت منه أمارات النفاق وعلم بظهورها. وإنما عليه المبادرة إلى التوبة إلى الله قبل حلول الأجل ونزول العذاب: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ. وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ. أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ. أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. بَلَى قَدْ جَاءتْكَ  آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾  [الزمر: 54-59].

وليعلم المؤمنون أن الذين يدّعون الإيمان والتوحيد بينما هم عن آيات الله غافلون ولخطوات الشيطان متّبعون ..الذين يتصارعون على الدنيا ويغفلون عن الآخرة أنهم المنافقون الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون. وهم أعداء الحركة الإسلامية، كَلٌّ على الجماعة المسلمة التي يجب أن تقوم على أهل التجرّد والإخلاص لا على أهل الدنيا وعبيدها.
﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾  [المنافقون: 4].

كتبها الشيخ ابو عبد الرحمن وكانت خطبة عيد الفطر لعام 1424

ماحكم مجهول الحال في دار الكفر

سؤال الفتوى: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : ماحكم مجهول الحال في دار الكفر؟ ان كان كافرا"فما الدليل؟ وان كان مسلما" فما الدليل؟ وان كان التوقف فما الدليل؟



< جواب الفتوى >

 
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
يحكم على الأشخاص بنص أو دلالة أو تبعية .والمقصود من النص : ما يظهر من كلام الشخص . فإن ظهر من كلامه أنه يؤمن بالله الإيمان الحق ويكفر بجميع أنواع الطواغيت وخاصة طواغيت عصره ولم يكن متلبساً بشرك فهو موحد وان كان على عكس ذلك فهو الكافر المشرك.أما الدلالة : فهي ما يظهر من حال الشخص وأفعاله ، فإذا لم نستطع أن نحكم عليه بالنص فإن حاله وأفعاله تكون شاهداً عليه . فإن كانت أعماله تدل على انه آمن بالله الإيمان الحق وكفر بجميع طواغيت عصره وتبرأ من الشرك وأهله وخاصة الشرك الموجود في عصره ولم يكن متلبساً بشرك فهو مسلم ،  وأما إن كانت أعماله تدل على انه من عبدة الطواغيت ومتابعيهم ومن مؤيدي قوانينهم العفنة أو رفع راياتهم النجسة أو تحاكم إلى قوانينهم الوضعية الوضيعة  أو أعتبرهم ولاة أمره أو لم يكفر من حاله كذلك بعد معرفته بحاله فهو ليس موحد  .فإذا لم يتوفر النص أو الدلالة يلجأ في هذه الحالة إلى حكم التبعية كحكم عملي . مثل  تبعية الوالدين أو تبعية الدار .فمجهول الحال في دار الكفر له حكم الدار كحكم عملي وليس حكم عقدي . والأدلة على ذلك كثيرة منها : يقول الإمام الفقيه الكاساني في كتابه " بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع " :
"
الطرق التي يحكم بها بكون الشخص مؤمنا ثلاثة : نص ، ودلالة ، وتبعية .أما النص فهو أن يأتي بالشهادة ، أو بالشهادتين ، أو يأتي بهما مع التبرؤ مما هو عليه صريحا .وبيان هذه الجملة أن الكفرة أصناف أربعة : صنف منهم ينكرون الصانع أصلا ، وهم الدهرية المعطلة ، وصنف منهم يقرون بالصانع وينكرون توحيده ، وهم الوثنية والمجوس ، وصنف منهم يقرون بالصانع وتوحيده وينكرون الرسالة رأسا ، وهم قوم من الفلاسفة ، وصنف منهم يقرون بالصانع وتوحيده والرسالة في الجملة ، لكنهم ينكرون رسالة نبينا محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام - وهم اليهود والنصارى ، فإن كان من الصنف الأول والثاني ، فقال : لا إله إلا الله يحكم بإسلامه ; لأن هؤلاء يمتنعون عن الشهادة أصلا . فإذا أقروا بها كان ذلك دليل إيمانهم وكذلك إذا قال : أشهد أن محمدا رسول الله ; لأنهم يمتنعون من كل واحدة من كلمتي الشهادة ، فكان الإتيان بواحد منهما - أيتهما كانت - دلالة الإيمان ، وإن كان من الصنف الثالث فقال : لا إله إلا الله لا يحكم بإسلامه ; لأن منكر الرسالة لا يمتنع عن هذه المقالة ، ولو قال : أشهد أن محمدا رسول الله يحكم بإسلامه ; لأنه يمتنع عن هذه الشهادة ، فكان الإقرار بها دليل الإيمان .وإن كان من الصنف الرابع فأتى بالشهادتين فقال : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله لا يحكم بإسلامه حتى يتبرأ من الدين الذي عليه ; من اليهودية أو النصرانية ; لأن من هؤلاء من يقر برسالة رسول الله ; صلى الله عليه وسلم  لكنه يقول : إنه بعث إلى العرب خاصة دون غيرهم فلا يكون إتيانه بالشهادتين بدون التبرؤ دليلا على إيمانه ، وكذا إذا قال يهودي أو نصراني : أنا مؤمن أو مسلم أو قال : آمنت أو : أسلمت لا يحكم بإسلامه ; لأنهم يدعون أنهم مؤمنون ومسلمون , والإيمان والإسلام هو الذي هم عليه وروى الحسن عن أبي حنيفة - رحمه الله - أنه قال : إذا قال اليهودي أو النصراني : أنا مسلم أو قال : أسلمت سئل عن ذلك أي شيء أردت به إن قال : أردت به ترك اليهودية ، أو النصرانية ، والدخول في دين الإسلام يحكم بإسلامه ، حتى لو رجع عن ذلك كان مرتدا وإن قال : أردت بقولي : أسلمت أني على الحق ، ولم أرد بذلك الرجوع عن ديني لم يحكم بإسلامه ولو قال يهودي أو نصراني : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأتبرأ عن اليهودية ، أو النصرانية لا يحكم بإسلامه ; لأنهم لا يمتنعون عن كلمة التوحيد ، والتبرؤ عن اليهودية والنصرانية ، لا يكون دليل الدخول في دين الإسلام لاحتمال أنه تبرأ عن ذلك ، ودخل في دين آخر سوى دين الإسلام ، فلا يصلح التبرؤ دليل الإيمان مع الاحتمال ، ولو أقر مع ذلك فقال : دخلت في دين الإسلام أو في دين محمد صلى الله عليه وسلم حكم بالإسلام ; لزوال الاحتمال بهذه القرينة والله - سبحانه وتعالى - أعلم . " (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع/ فصل في بيان ما يعترض من الأسباب المحرمة للقتال .) أقول : أنظر بالله عليك ما أدق هذا الكلام . قوله : " أما النص فهو أن يأتي بالشهادة ، أو بالشهادتين ، أو يأتي بهما مع التبرؤ مما هو عليه صريحا"  ألا يدل هذا الكلام دلالة صريحة على أن هناك حالات لا ينفع بها الإتيان بالشهادة أو الشهادتين ؟ وأن التبرؤ مع الإحتمال لا يصلح  دليلا على التبرؤ ؟ وهذا واضح في قوله : " فلا يصلح التبرؤ دليل الإيمان مع الاحتمال " لهذا أقول :  إن أكثر الناس اليوم الذين يعيشون في الدول العربية أو بما يسمى بالدول الإسلامية ليس كفرهم بعدم إتيانهم الشهادة أو الشهادتين ، أو عدم قبولهم للإسلام أو بعدم أدائهم بعض الشعائر التعبدية بل أكثرهم مشركون وقعوا بشرك التشريع والولاء للطواغيت  وقسم منهم وقع بشرك القبور ومع هذا فهم يقرون بالشهادة أو الشهادتين عن غير علم بمعناهما وما يقتضي الإقرار بهما ويعتزون بانتسابهم للإسلام ويحرصون على أداء الشعائر التعبدية ويدافعون عن رسول الإسلام عليه أفضل الصلاة والتسليم دفاعاً كبيراً . ومع ذلك يفعلون كثيراً من أنواع الشرك الأكبر ولم يحققوا الشرط الأول لدخول الإسلام وهو الكفر بالطاغوتلهذا لا يجوز اعتبار  مجرد قولهم بالشهادة أو الشهادتين أو أداءهم بعض الشعائر التعبدية أو انتسابهم للإسلام أو دفاعهم عن رسول الإسلام علامة قطعية على دخولهم الإسلام الذي يريده الله ، حتى يتبرؤا وبشكل صريح واضح لا يحتمل  مما هو منتشر في مجتمعهم من الشرك الأكبر الذي وقع فيه أكثرهموهذا معنى قوله : " لأنهم لا يمتنعون عن كلمة التوحيد " وهناك كلام كثير مثل هذا الكلام لعلماء الإسلام ولولا خشية الإطالة لذكرت بعضها .انظر  لكتاب السير الكبير- للشيباني- بشرح الإمام محمد السرخسي / ج 1 في باب الإسلام ص 153/155  ) ، وانتبه لقوله : " فأما اليهود ببلاد العراق فإنهم يشهدون أن لا إله إلا الله  وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، ولكنهم يزعمون أنه رسول إلى العرب لا إلى بنى إسرائيل ، ويتمسكون بظاهر قوله تعالى :  (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) ، فمن يقر منهم بأن محمداً رسول الله  صلى الله عليه وسلم لا  يكون مسلماً حتى يتبرأ من دينه مع ذلك، أو يقر  بأنه دخل في الإسلام " وانظر لتوضيح الإمام ابن قدامه المقدسي لكلام الإمام الخرقي في كتابه المغني ج 8 حكم المرتد .وانتبه لقوله : " فإن أهل البدع كلهم يعتقدون أنهم هم المسلمون ومنهم من هو كافر .. ) (المغنى/ ج 8 حكم المرتد) .وانظر لكلام الإمام ابن حجر في فتح الباريء شرح صحيح البخاري 12|247
وأنظر لما نقله الشوكاني عن البغوي في  نيل الأوطارج9  وركز على قوله :" فإن كان كفره بجحود واجب أو استباحة محرم ، فيحتاج إلى أن يرجع عن اعتقاده " يعني لا يكفي تلفظه بالشهادة أو الشهادتين أو أداءه أي شعيرة من شعائر الإسلام .كل هذا الكلام للعلماء يدل على أن مدخل الشخص للإسلام يختلف باختلاف سبب كفره والحال التي هو عليها ولأن الشرك الذي وقع فيه أكثر الناس اليوم هو شرك التشريع ،شرك التحاكم لغير شرع الله ، شرك مولاة الطواغيت وأتباعهم ، وهناك في بعض المناطق بالإضافة لهذه الأنواع من الشرك  انتشار لشرك القبور ، لهذا يجب التأكد قبل الحكم بالإسلام على من يعيش في هذه المجتمعات من براءته من هذه الأنواع من الشرك وكذلك براءته من فاعليها  ، ولا عبرة بتلفظه بالشهادتين أو أدائه بعض الشعائر التعبدية لأن أكثرهم يقوم بهذه أو أكثر مع تلبسه بالشرك المنتشر في مجتمعه ، والمشرك قد يعبد الله وحده في بعض الدين . لهذا فهذه الدلالات المشتركة بين المسلم والمشرك ليست دلالات كافية على دخول الشخص للإسلام .لأن القرائن المحتملة ليست دليلاً كما قال الإمام  الكساني " فلا يصلح التبرؤ دليل الإيمان مع الاحتمال " أما حكم مجهول الحال في هذه الديار فهو حكم التبعية للدار يعني الكفر ، فالحكم الصحيح لمجهول الحال في دار الكفر هو الكفر ، تبعاً للدار. وهذا الحكم حكم عملي مبني على غلبة الظن وليس عقدي قطعي .وللتفريق بين حكم التبعية وبين الحكم القطعي بالإسلام أو الكفر يقول الإمام أبن القيم رحمه الله :
 "
ومنشأ الاشتباه في المسألة : اشتباه أحكام الكفر في الدنيا بأحكام الكفر في الآخرة ، فإن أولاد الكفار لما كانت تجرى عليهم أحكام الكفر في أمور الدنيا مثل : ثبوت الولاية عليهم لإبائهم وحضانة آبائهم لهم، وتمكين آبائهم من تعليمهم وتأديبهم والموارثة بينهم وبين آبائهم واسترقاقهم إذا كان آباؤهم محاربين وغير ذلك، صار يظن من يظن أنهم كفار في نفس الأمر، كالذي تكلم بالكفر وأراده وعمل به ."
(
أحكام الذمة-ج 2).
 
ويقول في موضع أخر من نفس الكتاب : ( ومعلوم أن الكافر البالغ إذا سباه المسلمون، لم يصر مسلماً، لأنه صار كافراً حقيقة ، فلو كان الصبي التابع لأبويه كافر حقيقة لم ينتقل عن الكفر بالسباء لأنه كان يجري عليه حكم الكفر في الدنيا تبعا لأبويه ، لا أنه صار كافراً في نفس الأمر .) أ.هـ.أما عن حكم المتوقف في مجهول الحال في دار الكفر فهو مخطأ ولكنه لا يكفر فضلا أن يكفر من لا يكفره ، لأن أحكام  التبعية أحكام ظنية مبنية على غلبة الظن وإن كانت معتمدة على أحكام قطعية . فأحكام التبعية هي أحكام عملية كما قلنا وليست  إعتقادية  وهي من باب تقدير المعدوم مكان الموجود ولهذا تجد هذه الأحكام في كتب الفقه مثل سائر الأحكام العملية التي يعمل فيها بغالب الظن.وكذلك تجد العلماء مختلفين في بعض أحكام التبعية ومع ذلك لا يكفر بعضهم بعضاً ، ولو كانت هذه الأحكام أحكام قطعية لما توقفوا بتكفير المخالف . وإليك هذا المثال من كلامهم .نعرف أن الطفل يأخذ حكم أبواه بالتبعية وكذلك مجهول الحال يأخذ حكم الدار بالتبعية وهذا الحكم هو الحكم الصحيح من الناحية العملية . ولقد اختلف العلماء في هذه الأحكام ومع ذلك لم يكفر بعضهم بعضا وإليك الدليل من كلامهم .قال أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي في كتابه ( بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، كتاب الصلاة ، فصل الغسل ، فصل شرائط وجوب الغسل )
"
وَلَوْ وُجِدَ مَيِّتٌ أَوْ قَتِيلٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ سِيمَا الْمُسْلِمِينَ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سِيمَا الْمُسْلِمِينَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ لِحُصُولِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِكَوْنِهِ مُسْلِمًا بِدَلَالَةِ الْمَكَانِ ، وَهِيَ دَارُ الْإِسْلَامِ ، وَلَوْ وُجِدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ سِيمَا الْمُسْلِمِينَ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سِيمَا الْمُسْلِمِينَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْجَمْعُ بَيْنَ السِّيمَا وَدَلِيلِ الْمَكَانِ ، بَلْ يُعْمَلُ بِالسِّيمَا وَحْدَهُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَهَلْ يُعْمَلُ بِدَلِيلِ الْمَكَان وَحْدَهُ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ , وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ لِحُصُولِ غَلَبَةِ الظَّنِّ عِنْدَهُ ."أقول : فهذا النص يدل وبوضوح على أن العلماء اختلفوا في دليل التبعية للدار ومع ذلك لم يكفر ولم يفسق بعضهم البعض .وجاء في شرح زاد المستنقع للشنقيطي في باب الجنائز :
"
وأما أطفال الكفار ففيهم خلاف مشهور: فمن العلماء من قال: إنهم في النار ، وهذا من أضعف الأقوال ، قالوا لقوله عليه الصلاة والسلام: ( كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه، فمآله إلى دين أبيه ) .أطفال الكفار لهم حالتان: الحالة الأولى: أن يكونوا دون البلوغ وهم أحياء ، فهؤلاء حكمهم حكم آبائهم ، فأنت لو دخلت بلاد كفار وعندهم أطفال ، فالأصل في هذا الطفل أنه يعامل معاملة أبيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يهودانه أو يمجسانه ) والعلماء يقولون: هذا من باب التقدير ، وقد أشار إلى هذه القاعدة العز بن عبد السلام رحمه الله في كتابه النفيس "قواعد الأحكام" قال: التقدير يكون بتقدير المعدوم مكان الموجود، وينزل منزلة الموجود، والموجود مكان المعدوم، وهذا له نظائر.فتقدير المعدوم مكان الموجود من أمثلته أطفال الكفار، فإنهم في الحقيقة لم يكفروا ؛ فقُدّر المعدوم فيهم وهو الكفر ونزّل منزلة الموجود ، فهذا من تقدير المعدومات ؛ لأن أطفال الكفار لا بد فيهم من حكم؛ ولذلك حكم سعد رضي الله عنه في أولاد يهود بني قريظة أن تسبى ذراريهم، فجعل السبي على الذراري؛ وذلك بإلحاق الأطفال بآبائهم ، وهذا من حكم الشريعة ؛ لأنه لابد للشريعة أن يكون لها حكم للصغير والكبير .... ولما حكم سعد رضي الله عنه في ذراري اليهود أن يسبوا، وعاملهم معاملة آبائهم الذين كانوا على الكفر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لقد حكمت فيهم بحكم الجبار من فوق سبع سماوات ) فقُدّر المعدوم -وهو الكفر- بمنزلة الموجود.ومن تقدير المعدوم بمنزلة الموجود: إذا نام المؤمن فإنه ليس في حالة إيمان؛ لأنه ليس معه عقل ولا معه إدراك، فتقول: يقدر المعدوم موجوداً ونحكم بكونه مؤمناً، وهكذا لو كان مؤمناً ثم جنّ فإننا نقول: إنه مؤمن؛ استصحاباً للأصل، فقدر المعدوم بمنزلة الموجود، وهكذا في أطفال الكفار قدّر المعدوم موجوداً، وهكذا أطفال المسلمين يقدر المعدوم -وهو الإسلام- موجوداً بالتبعية.فعلى القول بأنهم كفار لا إشكال أنه لا يصلى عليهم، ولا يأخذون الأحكام الشرعية، وحكمهم حكم آبائهم إذا ماتوا.القول الثاني: أنهم على الإسلام ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل مولود يولد على الفطرة ) وهذا القول من القوة بمكان، فالأصل فيهم الإسلام من حيث الحكم في الآخرة؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب بدون أن يكون هناك عمل من العامل يقتضي تعذيبه كما دلت النصوص من الكتاب والسنة: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } [الإسراء:15] أي: حتى تقام الحجة، فالأصل في هذا الولد أنه على الإسلام لقوله عليه الصلاة والسلام: ( كل مولودٍ يولد على الفطرة ) فجعل قوله: (فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه) بعد عقله وإدراكه، ومن هنا يقولون: إن الأصل فيه الإسلام.وهناك قولٌ ثالث: أنهم خدم المؤمنين في الجنة.وهناك: من توقف فيهم فقال: لا يحكم لهم بإسلامٍ ولا كفر، ولكل هذه الأقوال وجه، فكما ترون كلٌ منهم يتمسك بأصلٍ يدلّ على قوله. فإذا قلنا: إن أطفال الكفار مسلمون؛ فحينئذٍ لو أُسقط أو توفي وهو صغير فإنه يصلى ويعامل معاملة المسلم ، وهكذا لو أن نصرانيةً توفيت وفي بطنها جنين، فإنه يجعل وجهها لغير القبلة وظهرها إلى القبلة ؛ لأن الجنين يكون وجهه إلى ظهر أمه، فتحول أمه عن القبلة ليتوجه إليها هو، فينزل بمنزلة الأصل ويعامل بهذه المعاملة.... "أقول : فكما ترى اختلف العلماء في أحكام ولد الكافر فمنهم من طبق عليه حكم التبعية ومنهم من لم يطبق ومنهم من توقف به ، ومع هذا لم يكفر بعضهم بعضاً لأن الحكم عليه من باب تقدير المعدوم مكان الموجود وليس على الحقيقة وهو من الأحكام العملية وليس الإعتقادية .فالأحكام الإعتقادية يجب أن تكون مبنية على اليقين ولا يكتفى بالظن في العقائد . قال الإمام القرطبي في تفسيره لآية 36 من سورة يونس ما يلي : " وفي هذه الآية دليل على أنه لا يكتفى بالظن في العقائد."ومما يؤكد أيضاً أن أحكام التبعية أحكاماً عملية ظنية تعتمد على غلبة الظن ولا يجوز تكفير المخالف فيها
حكم اللقيط في دار الحرب : فقد جاء في المغني لابن قدامة :
"
دار فتحها المسلمون كمدائن الشام‏ ،‏ فهذه إن كان فيها مسلم واحد حكم بإسلام لقيطها لأنه يحتمل أن يكون لذلك المسلم تغليبا للإسلام وإن لم يكن فيها مسلم بل كل أهلها ذمة حكم بكفره لأن تغليب حكم الإسلام إنما يكون مع الاحتمال وأما بلد الكفار فضربان أيضا أحدهما بلد كان للمسلمين‏، فغلب الكفار عليه كالساحل فهذا كالقسم الذي قبله‏ ،‏ إن كان فيه مسلم واحد حكم بإسلام لقيطه وإن لم يكن فيه مسلم فهو كافر وقال القاضي‏:‏ يحكم بإسلامه أيضا لأنه يحتمل أن يكون فيه مؤمن يكتم إيمانه بخلاف الذي قبله‏ ،‏ فإنه لا حاجة به إلى كتم إيمانه في دار الإسلام" أقول : أنظر كيف اختلف العلماء في حكم اللقيط في دار الحرب وهو من الأحكام الداخلة في حكم التبعية للدار .ومع هذا لم يكفر بعضهم بعض .أما من حكم على مجهول الحال في دار الحرب بالإسلام فهذا لم يعرف التوحيد ولم يعرف كيفية دخول الإسلام بعد.كتبه ضياء الدين القدسي

واستوضح سائل أخر في نفس المسألة فقال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فضيلة الشيخ سالنا بعض من يحكم باسلام الناس بالشعيرة
فوافقنا علي الاسلام الحقيقي كما وصفه الشيخ جزاه الله خيرا
وقال ان دخول الناس للاسلام ليس بمجرد الشعائر ولكن لا بد من تحقيق الكفر بالطاغوت والايمان بالله
فقلنا له لو ان احدا من الناس اليوم علمت عنه شركا ثم رايته يصلي او القي عليك السلام هل تاسلمه فاجاب لا وذلك انه لا يدخل الابالكفر بالطاغوت والبراءة مما عليه قومه.فقلنا فلم تحكم لمجهول الحال بالاسلام اذا ظهرت منه شعيرة فاجاب بموافقتنا بالاسلام الحقيقي ومخالفته لهذه المسالة بان الحكم عملي وليس عقائدي
واجاب بانه معلوم الحال لا نختلف فيه لا نحن ولا انتم.فهل هذا الذي حاورناه يكفر بهذا الكلام؟؟؟
ولقد سمعنا البعض يكفر من لم يكفره فهل هذا الكلام ايضا صحيح؟؟؟
وجزاكم الله خيرا.

الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الذي يحكم على مجهول الحال في مجتمعاتنا اليوم بالإسلام بمجرد فعله أي شعيرة من شعائر الإسلام ، لا يعرف لماذا نحن نكفر مجهول الحال في هذه المجتمعات . فنحن لا نكفر مجهول الحال في هذه المجتمعات لعدم إتيانه شعائر الإسلام . بل لغلبة الظن به أنه  لم يحقق شروط دخول الدين . وقيامه بشعائر الإسلام في مثل هذه المجتمعات لا يعني البتة أنه حقق شروط دخول الدين . فهو كحال من كان يحج ويصلي من المشركين في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعي أنه على دين إبراهيم عليه السلام
ولا يقال بهذه الشعيرة يغلب الظن أنه مسلم
كتبه : ضياء الدين القدسي .

مختصر سؤال الفتوى: حكم ذبائح المشركين

< جواب الفتوى >

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
ذبيحة غير المسلم وغير أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى حرام لا يجوز الأكل منها سواء ذبحوها للتجارة أو الأكل أو ذبحوها للتعبد لله أو لغيره  وسواء ذكروا عليها أسم الله أو اسم غيره .
والدليل على ذلك قوله تعالى : " الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ " (المائدة :5)
والمقصود من طعامهم هو ذبائحهم . وتدل هذه الآية على أن ذبائح غير أهل الكتاب من أهل الملل الكافرة حرام ..
والمقصود من أهل الكتاب هم اليهود والنصارى . كما بينه الله في قوله تعالى:" أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ " (الأنعام :156)
فالطائفتان المذكورتان في الآية هما اليهود والنصارى بلا خلاف .
وروى الإمام احمد بإسناده عن قيس بن سكن الأسدي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنكم نزلتم بفارس من النبط فإذا اشتريتم لحماً فإن كان من يهودي أو نصراني فكلوا فإن كانت ذبيحة مجوسي فلا تأكلوا).
وروى سعيد بن منصور في سننه، بإسناد جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لا تأكلوا من الذبائح إلا ما ذبح المسلمون وأهل الكتاب"
قال ابن قدامة : ولأنّ الله تعالى قال: " وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ "  فمفهومه تحريم طعام غيرهم من الكفار ولأنهم لا كتاب لهم ، فلم تحلّ ذبائحهم كأهل الأوثان " ( ا ﻫ  )
وقال الجصّاص في " أحكام القرآن " " وقد علّمنا أنّ المشركين وإن سمّوا على ذبائحهم لم تؤكل "
وقال الإمام الطبرى : قوله تعالى : " وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ "  وذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى وهم الذين أوتوا التوراة والإنجيل وأنزل عليهم فدانوا بهما أو بأحدهما  " حِلٌّ لَكُمْ  "  يقول : حلال لكم أكله دون ذبائح سائر أهل الشرك الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب وعبدة الأوثان والأصنام .
وقال ابن كثير : دلّت الآية : " وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ "  بمفهوم المخالفة على أنّ طعام غيرهم من أهل الأديان لا يحلّ " ..
قال الإمام ابن تيمية " ولأنه لما أباح لنا طعام أهل الكتاب دلّ على أنّ طعام المشركين حرام " ( اقتضاء الصراط المستقيم  ص:273 )
وقال الإمام ابن قدامة في الكافي :
" وللذكاة أربعة شروط ، أهلية المذكي بأن يكون مسلماً أو كتابياً عاقلاً  لقول الله تعالى : (إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ )  وقوله سبحانه : " وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ "  . يعنى ذبائحهم ولا تحل ذكاة وثني ولا مجوسي ولا مرتد وإن تديّن بدين أهل الكتاب لأنه لم يثبت له حكم أهل الكتاب ومفهوم الآية تحريم ذبائح من سواهم .. ا ﻫ ..
ولا يدخل في حكم أهل الكتاب المذكور في الآية  من يدعي الإسلام والانتماء للقرآن وهو على الشرك والكفر كما هو حال كثير من الأقوام اليوم التي تعيش في البلاد العربية أو فيما يسمى البلاد الإسلامية .
ولقد وجد مثل هذه الأقوام على مر التاريخ الإسلامي ولم نسمع من عالم واحد من علماء الأمة أعطاهم حكم أهل الكتاب . فقد وجد  القرامطة  من (258-470هـ) وكانت لهم دولة  في البحرين واليمامة وعمان .
ووجد بنو عبيد القداح ( الذين سموا أنفسهم الفاطميين نسبة لفاطمة -رضي الله عنها - زوراً وبهتانا ) : وكانوا من "الإسماعيلية" حكموا المغرب الإسلامي ومصر وغيرها من (297- 567 هـ )  ووجد من التتار من ادعى أنه من أهل القرآن وهو على الشرك  ووجد أهل وحدة الوجود ، ووجد من يعبد القبور وهم مع ذلك يدعون أنهم من أهل القرآن .ومع ذلك لم نسمع من عالم واحد  أعطاهم حكم أهل الكتاب ، بل نجدهم مجمعيين كلهم على تحريم ذبائحكم والزواج من نسائهم .
كتبه : ضياء الدين القدسي

مختصر سؤال الفتوى: سؤال عن كيفية ثبوت رؤية الهلال


< جواب الفتوى >             مختصر سؤال الفتوى: سؤال عن كيفية ثبوت رؤية الهلال  


                                                                       
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:   أنه قال : ( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب؛ الشهر هكذا وهكذا  ( يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين ) صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ). متفق عليه .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : "الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتّى تروه فإن غمّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين". رواه البخاريّ ومسلم وغيرهما
قال صلّى الله عليه وسلّم: "لا تقدّموا رمضان بيوم أو يومين صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمّ عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين". رواه البخاريّ وغيره
عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) رواه البخاري ومسلم.
وفي لفظ : ( صوموا لرؤيته فإن غمي عليكم فعدوا ثلاثين )  رواه أحمد
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ( إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما )  رواه مسلم وأحمد وابن ماجة والنسائي.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا ) رواه أحمد والترمذي وصححه.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال بينكم وبينه سحاب فكملوا العدة ثلاثين، ولا تستقبلوا الشهر استقبالا )، رواه أحمد والنسائي والترمذي بمعناه وصححه.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره يصوم لرؤية رمضان فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً ثم صام). رواه أحمد وأبو داوود والدارقطني وقال إسناده حسن صحيح .
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ) . رواه أبو داوود والنسائي.
وعن عبد الرحمن ابن زيد ابن الخطاب أنه خطب في اليوم الذي شك فيه فقال ألا إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألتهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته وانســكوا لها فإن غـــم عليكم فأتموا ثلاثين يوما فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا )  رواه أحمـد ورواه النسائي ولم يقل فيـــه مسلمان .
روي عن ابن عباس رضي الله عنه  قال: (جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبصرت الهلال الليلة ، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله ؟.
  قال: نعم ، قال: يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا) أخرجه النسائي والترمذي وأبو داوود.
قال ابن عمر رضي الله عنه: ( أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيت الهلال ، فصام وأمر الناس بالصيام ) رواه  أبو داوود .
 أخرج الدارقطني والطبراني من طريق طاوس قال: ( شهدت المدينة وبها ابن عمر وابن عباس فجاء رجل إلى واليها شهد عنده على رؤية هلال شهر رمضان فسأل ابن عمر وابن عباس عن شهادته فأمراه أن يجيزه وقالا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة واحد على رؤية هلال رمضان وكان لا يجيز شهادة الإفطار إلا بشهادة الرجلين ) قال الدارقطني تفرد به حفص ابن عمر الأيلي وهو ضعيف .
فهذه الأحاديث وغيرها  تدل على ما يلي :
1- أن ثبوت الهلال شرعاً لا يكون بالحساب بل بالرؤية بالعين المجردة ، ولا عبرة شرعا بمجرد ولادة القمر في إثبات الشهر القمري . فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصوم لرؤية الهلال والإفطار لها في قوله: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"، وحصر ذلك فيها بقوله: "لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه"، وأمر المسلمين إذا لم يروه لغيم أو غيره ليلة الثلاثين أن يكملوا عدة الشهر ثلاثين ، ولم يأمرهم بالرجوع إلى علماء النجوم ، ولو كان الرجوع للحساب جائز في إثبات الشهر لبينه عليه الصلاة والسلام  ، فلما لم ينقل ذلك بل نقل ما يخالفه دل ذلك على أنه لا اعتبار شرعا لما سوى الرؤية أو إكمال العدة ثلاثين في إثبات الشهر، وأن هذا شرع مستمر إلى يوم القيامة .
ودعوى أن الرؤية في الحديث يراد بها العلم أو غلبة الظن بوجود الهلال أو إمكان رؤيته لا التعبد بنفس الرؤية مردودة ؛ لأن الرؤية في الحديث متعدية إلى مفعول واحد فكانت بصرية لا علمية، ولأن الصحابة فهموا أنها رؤية بالعين، وهم أعلم باللغة ومقاصد الشريعة من غيرهم، وجرى العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهدهم على ذلك، ولم يرجعوا إلى علماء النجوم في التوقيت.
فمثلا تحديد أول رمضان هو كالتالي: يراقب الهلال بعد غروب شمس التاسع والعشرين من شعبان فإن رئي الهلال كان اليوم التالي أوّلَ رمضان وإن لم يرَ الهلال يكون اليومُ التالي الثلاثين من شعبان والذي بعده هو أوّل أيّام رمضان.
قال الحافظ وليّ الدين العراقي المتوفَّى سنة 826 هـ: إنّ جمهور أصحاب الشافعيّ على ذلك وإن الحكم يتعلّق بالرؤية دون غيرها قال : وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعيّ وجمهور العلماء من السلف والخلف. ا. هـ .
وقال ابن عابدين المتوفّى سنة 1252 هـ في حاشيته على الدرّ :
"قوله لا عبرة بقول الموقتين أي في وجوب الصوم على الناس" وقال : "لا يعتبر قولهم بالإحماع ولا يجوز للمنجِّم أن يعمل بحساب نفسه ".
وقال الإمام القرطبي في أحكام القرآن :
" وقد زل بعض المتقدمين فقال: يعول على الحساب بتقدير المنازل حتى يدل ما يجتمع حسابه على أنه لو كان صحوا لرؤي لقوله صلى الله عليه وسلم ( فإن غم عليكم فاقدروا له ) معناه عند المحققين فأكملوا المقدار ، ولذلك قال: ( فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما ) وفي رواية فإن غم عليكم، فأكملوا صوم ثلاثين ثم أفطروا ) رواه البخاري ومسلم.
  وقد زل أيضا بعض أصحابنا فحكى عن الشافعي أنه قال: يعول على الحساب وهي عثرة ".( أحكام القرآن )
2- وتدل على أنه من لم يشاهد الهلال بالعين المجردة ولم  يخبره مسلم أنه شاهده بالعين المجردة يكمل عدة شعبان ثلاثين يوماً ثم لا يصوم ولا يجوز له أن يصوم يوم الثلاثين من شعبان.
قال الإمام ابن العربي في تفسير الآية 158 من سورة البقرة:
"المسألة السادسة: لا خلاف أنه يصوم من رآه فأما من أخبره فيلزمه الصوم لأن رؤيته قد تكون لمحة فلو وقف صوم كل واحد على رؤيته لكان ذلك سببا لإسقاطه إذ لا يمكن كل أحد أن يراه وقت طلوعه وإن وقت الصلاة الذي يشترك في دركه كل أحد ويمتد أمده يعلم بخبر المؤذن فكيف الهلال الذي يخفى أمره ويقصر أمده؟".
3- اتفق العلماء أن شهادة الكافر في الصيام والإفطار لا تقبل .
والدليل : قوله : ( فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا )   وكذلك  سؤاله  للأعرابي الذي أخبر أنه شاهد الهلال : ( أتشهد أن لا إله إلا الله ؟.)
ولكن اختلفوا في العدد المجزئ في الخبر :
أ- ذهب إلى العمل بشهادة الواحد ابن المبارك وأحمد ابن حنبل وأبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه ، وقال النووي وهو الأصح .
ب-  وذهب مالك والليث والأوزاعي والثوري إلى أنه لا يعتبر أقل من اثنين .
ت-  ومنهم من قبل في أوله بشهادة الواحد وفي آخره اشترط شهادة اثنين وأكثر كالشافعي .
  يقول الإمام القرطبي في أحكام القرآن عند تفسير الآية 185 من سورة البقرة:
  " الرابعة: واختلف مالك والشافعي هل يثبت هلال رمضان بشهادة واحد أو شاهدين؟  فقال مالك: لا يقبل فيه شهادة لواحد لأنها شهادة على هلال فلا يقبل فيها أقل من اثنين، أصله الشهادة على هلال شوال وذي الحجة.
وقال الشافعي وأبو حنيفة: يقبل الواحد لما رواه أبو داوود عن ابن عمر قال تراءى الناس الهلال فأخبرت به رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه ." (تفسير القرطبي ) 
4- إذا رئي الهلال في ليلة الثلاثين من الشهر بحجم كبير يعتبر ابن ليلته .
يقول الإمام القرطبي رحمه الله:
المسألة العاشرة: إذا رئي الهلال كبيرا فقال علماؤنا: لا يعول على كبره ولا على صغره وإنما هو ابن ليلته. روى مسلم عن ابن البختري قال: خرجنا للعمرة فلما نزلنا ببطن قال: تراءينا الهلال فقال بعض القوم: هو ابن ثلاث، وقال بعض القوم : هو ابن ليلتين ، قال: فلقينا ابن عباس فقلنا: إنا رأينا الهلال فقال بعض القوم هو ابن ثلاث، وقال بعض القوم هو ابن ليلتين .
 فقال أي ليلة رأيتموه ؟
 قال : فقلنا ليلة كذا وكذا .
 فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله مده للرؤية) فهو لليلة رأيتموه."(أحكام القرآن)
5-إختلاف المطالع من المسائل التي حصل فيها خلاف بين أهل العلم .
الأرجح قول من قال إن لكل أهل بلد رؤيته ، عملا بما رواه مسلم في صحيحه من حديث كريب عن ابن عباس ونصه : "عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية في الشام ، قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت؛ فلا نزال نصوم حتى نكمل الثلاثين أو نراه ؛ فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية؟ فقال: لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشك يحيى بن يحيى في نكتفي أو تكتفي". اﻫ.
أقول : إذا وصل الخبر للمسلمين أن أحد المسلمين قد رأى الهلال وكانت رؤيته بالعين المجردة من الناحية الحسابية العلمية ممكنة يجوز لجميع المسلمين أن يلتزموا بهذه الرؤيا .
خلاصة القول : الحساب العلمي لا يعتد به في الإثبات وإنما ما يعتد به هو الرؤيا بالعين المجردة أو الإتمام لأنه أمر تعبدي.
أما بالنفي فالحسابات العلمية معتبرة .
مثلا : لا يجوز اعتبار ثبوت الشهر حسب الحسابات العلمية لأن الشهر لا يثبت إلا برؤية الهلال بالعين المجردة أو الإتمام وهذا أمر تعبدي وشرع مستمر إلى يوم القيامة .ولكن إذا جاء خبر أن أحد المسلمين قد رأى الهلال وكانت رؤيته بالعين المجردة حسب الحسابات العلمية غير ممكنة كأن يغيب قبل طلوع الشمس ، لا يعتد في هذه الحالة بقول من قال أنه قد رآه ، لأن احتمال خطؤه وارد ، والحسابات العلمية أكثر دقة وقطعا ،لأنه قد ثبت ذلك من الناحية العملية المتجردة . لهذا نعتبرها في النفي ولا نعتبرها في الإثبات لأننا كما أثبتنا سابقا  : لا اعتبار شرعا لما سوى الرؤية أو إكمال العدة ثلاثين في إثبات الشهر، وأن هذا شرع مستمر إلى يوم القيامة .
ولا عبرة شرعا في إثبات الشهر القمري بمجرد ولادة القمر أو احتمال رؤيته بالعين المجردة حسب الحسابات الفلكية ما لم يراه مسلم بعينه المجردة .
وقبل أن أنهي هذا الموضوع وزيادة للإستفادة أريد هنا أن أنقل ما قاله ابن قدامة رحمه الله في حال الأسير وما شابه :
جاء في المغني ج3 :
" مسألة : قال الإمام الخرقي : (وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير ، فإن صام شهراً يريد به شهر رمضان فوافقه أو ما بعد أجزأه ، وإن وافق ما قبله لم يجزه).
وجملته : أن من كان محبوساً أو مطموراً ، أو في بعض النواحي النائية عن الأمصار لا يمكنه تعرف الأشهر بالخبر فاشتبهت عليه الأشهر . فإنه يتحرى ويجتهد ، فإذا غلب على ظنه عن أمارة تقوم في نفسه دخول شهر رمضان صامه ، ولا يخلو من أربعة أحوال :
أحدها: أن لا ينكشف له الحال. فإن صومه صحيح ، ويجزئه. لأنه أدى فرضه باجتهاده. فأجزأه كما لو صلى في يوم الغيم بالاجتهاد.
الثاني: أن ينكشف له أنه وافق الشهر أو ما بعده ؛ فإنه يجزئه في قول عامة الفقهاء؛ وحكي عن الحسن بن صالح: أنه لا يجزئه في هاتين الحالتين. لأنه صامه على الشك. فلم يجزئه كما لو صام يوم الشك فبان من رمضان، وليس بصحيح، لأنه أدى فرضه بالاجتهاد في محله، فإذا أصاب أو لم يعلم الحال أجزأه كالقبلة إذا اشتبهت، أو الصلاة في يوم الغيم إذا اشتبه وقتها، وفارق يوم الشك. فإنه ليس بمحل الاجتهاد، فإن الشرع أمر بالصوم عند أمارة عينها فما لم توجد لم يجزِ الصوم.
الحال الثالث: واتفق قبل الشهر فلا يجزئه في قول عامة الفقهاء ، وقال بعض الشافعية: يجزئه في أحد الوجهين: كما لو اشتبه يوم عرفة فوقفوا قبله. 
ولنا: إنه أتى بالعبادة قبل وقتها فلم يجزئه كالصلاة في يوم الغيم ، وأما الحج فلا نسلمه إلا فيما إذا أخطأ الناس كلهم لعظم المشقة عليهم، وإن وقع ذلك لنفر منهم لم يجزئهم، ولأن ذلك لا يؤمن مثله في القضاء بخلاف الصوم.
الحال الرابع: أن يوافق بعضه رمضان دون بعض، فما وافق رمضان أو بعده أجزأه وما وافق قبله لم يجزئه.
فصل : وإذا وافق صومه بعد الشهر اعتبر أن يكون ما صامه بعدة أيام شهره الذي فاته سواء وافق ما بين هلالين أو لم يوافق، وسواء كان الشهران تامين أو ناقصين ، ولا يجزئه أقل من ذلك ."
كتبه : ضياء الدين القدسي

مختصر سؤال الفتوى: حكم صلاة الجمعة في دار الكفر

< جواب الفتوى >                مختصر سؤال الفتوى: حكم صلاة الجمعة في دار الكفر

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
لصلاة الجمعة أهمية كبرى في الإسلام لذلك فقد شدد الرسول عليه السلام على أدائها وحذر المتساهل فيها ، وكما بين الثواب الحاصل من أدائها .
ولكن صلاة الجمعة تختلف عن باقي الصلوات فلها شروطها وأركانها ولا يجب أن نعاملها كباقي الصلوات.
الثابت من السنة النبوية أن صلاة الجمعة فرضت في مكة قبل الهجرة  . فصلاة الجمعة ليست صلاة سادسة بل هي صلاة خامسة تؤدى يوم الجمعة عوضاً عن صلاة الظهر . 
ومع أن صلاة الجمعة فرضت في مكة قبل الهجرة إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصلها هو والصحابة في مكة وفي هذه الأثناء كان المسلمون في المدينة يصلون الجمعة بإمامة مصعب بن عمير رضي الله عنه وبأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة في مكة لم يصلوا الجمعة مع أنها كانت فرض وكانوا يصلون الظهر يوم الجمعة استنتج العلماء أن صلاة الجمعة تختلف عن صلاة الظهر ، وأن لها شروط غير متحققة في مكة ومتحققة في المدينة . فاستنتجوا من هذه الحادثة شروطاً اتفقوا على بعضها واختلفوا في بعضها . ومن أهم الشروط التي اتفقوا عليها أن صلاة الجمعة لا يجوز أداؤها في البيوت . لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستطيع أن يؤديها هو والصحابة في بيت الأرقم  ابن أبي الأرقم رضي الله عنه بدون أن يتعرضوا للأذية ولكنه لم يؤديها وصل الظهر .
وكذلك من الشروط التي اتفقوا عليها أن يستطيع المسلمون الاجتماع  في مكان عام  مفتوح لكل المسلمين لأداء الصلاة بدون خوف من تعرضهم لأي أذية وكذلك بشكل  يستطيع الأمام في الخطبة أن يتحدث بما يهمّ أمر المسلمين في هذه الأثناء بدون أن يتعرض لأي أذية أو يُفرض عليه أن يتكلم بكلام يحدده له الحاكم الكافر .
لهذا صلاة الجمعة غير واجبة على المسلمين الذين يعيشون في دولة يحكمها حاكم كافر يحكم بغير شرع الله ولا يعطي المسلمين الحرية الكاملة للتحدث بما يهم أمر المسلمين وخاصة التوحيد والجهاد .
ومن الظاهر الواضح البين أن الحكام اليوم في البلاد العربية وما يسمى بالإسلامية لا يحكمون شرع الله في كل كبيرة وصغيرة بل يحكمون القوانين الوضعية المستمدة من القوانين الفرنسية والإنجليزية وغيرها من زبالات أفكار البشر . ومع ذلك يدعون أنهم مسلمون ، وحتى ينطلي ذلك على العوام صنعوا لهم علماء أشهروهم  ومنحوهم الشهادات والألقاب العالية في الشريعة ليخدعوا العوام وليلبسوا هؤلاء الحكام الطواغيت لباس أئمة المسلمين وولاة أمورهم .فأفتوا بما يهوى الحاكم الكافر التي صنعهم وأمدهم بالأموال وأعطاهم المناصب . هذا هو الحال في البلاد العربية وما يسمى بالبلاد الإسلامية . فمن الطبيعي  أن لا يسمح هؤلاء الحكام الطواغيت للأمام الموحد أن يبين حقيقتهم في الخطبة على المنبر يوم الجمعة .
في هذه الحالة شروط وجوب صلاة الجمعة غير متوفرة كما كانت غير متوفرة في مكة قبل الهجرة . لهذا يجب على المسلمين أن يصلوا الظهر الذي هو الفرض الأصلي في هذه الحالة كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة في مكة . ومن الخطأ الكبير أن يصلوا الجمعة في البيوت أو في الخلاء أو في مساجد واقعة تحت حكم الطاغوت لا يستطيعوا فيها أن يبينوا التوحيد وموجباته ، ويتركوا صلاة الظهر التي هي الأصل  ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة لم يفعلوا ذلك .
الأصل هي صلاة الظهر وتحل صلاة الجمعة محلها عند  توفر شروط صلاة الجمعة فإذا لم تتوفر هذه الشروط فصلاة الظهر هي الفرض وإذا توفرت شروط صلاة الجمعة فالفرض هي صلاة الجمعة لا صلاة الظهر .
ولا يصار إلى الجمعة إلا حيث تكون الجمعة صحيحة مجزئة بإجماع ، وليست فريضة الجمعة كفريضة الظهر بل دونها . فإن فرض الظهر يتوجه إلى المكلف عند دخول الوقت بلا شروط تعتبر في وجوبه لأنه إنما وجب على الأعيان لنفس العبادة، وفرض الجمعة يتوقف وجوبه على شروط منها المجمع عليه كالحرية والذكورية والحضرية، ومنها المختلف فيه كوجود الإمام والمصر والمسجد .
جاء في كتاب عون المعبود(ج 3 / ص 35) :
" ثُمَّ الْقَوْل بِأَنَّ الْأَصْل فِي يَوْم الْجُمُعَة صَلَاة الْجُمُعَة وَالظُّهْر بَدَل عَنْهَا قَوْل مَرْجُوح ، بَلْ الظُّهْر هُوَ الْفَرْض الْأَصْلِيّ الْمَفْرُوض لَيْلَة الْإِسْرَاء وَالْجُمُعَة مُتَأَخِّرٌ فَرْضهَا . ثُمَّ إِذَا فَاتَتْ وَجَبَ الظُّهْر إِجْمَاعًا فَهِيَ الْبَدَلُ عَنْهُ "
يجوز صلاة الجمعة عوضاً عن  صلاة الظهر في دار الحرب إذا استطاع المسلمون صلاتها علناً بحرية كاملة دون أن يتعرضوا لأي أذية وهذا مع الأسف غير متوفر في دور الحرب اليوم بما فيها الدول الغربية  لمن أراد أن يجهر بالتوحيد ولوازمه .
لهذا شروط صلاة الجمعة في يومنا هذا غير متوفرة وينبغي على المسلمين أن يصلوا الظهر يوم الجمعة  حتى تتوفر لهم شروطها . ومن ترك صلاة الظهر وهي الأصل وصلى الجمعة مع عدم توفر شروطها فقد أضاع صلاة الظهر التي هي فرض عليه في يومنا الحاضر في وضعنا الحاضر . لأن تأدية صلاة الجمعة بدون توفر شروطها لا يسقط على المكلف فرضية صلاة الظهر يوم الجمعة .
وقد جاء في " كشف الأوهام والألتباس "
" وقد صرح الإمام أحمد فيما نقل عنه ابنه عبد الله وغيره أنه كان يعيد صلاة الجمعة وغيرها وقد يفعله المؤمن مع غيرهم من المرتدين إذا كان لهم شوكة ودولة والنصوص في ذلك معروفة مشهورة نحيل طالب العلم على أماكنها ومظانها ."
إن من يقول أن الجمعة كباقي الصلوات تصح من أي عدد في أي مكان على آية حالة كانوا ، قوله مخالف للشريعة ولأقوال السلف والخلف . وهذا القول يؤدي إلى هدم حكمة التشريع في إقامة الجمعة .
وما يشهد لهذا الحكم ويرد على من خالفه ، ما جاء في اجتماع العيد والجمعة . إذ خير  النَّبي صلى الله عليه وسلم أهل الضواحي من المسلمين بين النزول إلى الجمعة وبين الاكتفاء بصلاة العيد .
ثم أخبرهم بأنه سيصلي الجمعة ، ولو كانت صلاة الجمعة تصح منهم في منازلهم وضواحيهم لأرشدهم إلى ذلك وأعفاهم من النزول سواء في يوم العيد الذي يكون في يوم الجمعة أو في الجمعة من غير يوم العيد ، بل كانوا ينزلون من أطراف المدينة كما هو معلوم .
وإليك الآن بعض ما جاء في كتب العلماء عن فرضية الجمعة :
" فصل ولما ارتحل عليه السلام من قباء وهو راكب ناقته القصواء وذلك يوم الجمعة أدركه وقت الزوال وهو في دار بني سالم بن عوف، فصلى بالمسلمين الجمعة هنالك، في واد يقال له وادي رانواناء فكانت أول جمعة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين بالمدينة ، أو مطلقا لأنه والله أعلم لم يكن يتمكن هو وأصحابه بمكة من الاجتماع حتى يقيموا بها جمعة ذات خطبة وإعلان بموعظة وما ذاك إلا لشدة مخالفة المشركين له، وأذيتهم إياه." ( البداية والنهاية - (ج 3 / ص 259)
" وأخرج الطبراني في الكبير والأوسط عن أبي مسعود الأنصاري قال أول من قدم من المهاجرين المدينة مصعب بن عمير وهو أول من جمع بها يوم الجمعة جمعهم قبل أن يقدم رسول الله وهم اثنا عشر رجلا وفي إسناده صالح بن أبي الأخضر وهو ضعيف .
قال الحافظ ويجمع بين رواية الطبراني هذه ورواية أسعد بن زرارة التي عند المؤلف بأن أسعد كان آميراً وكان مصعب إماما .
وروى ابن سعد في الطبقات في ترجمة مصعب بن عمير من حديث الزهري وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعاصم بن عمر بن قتادة قال لما انصرف أهل العقبة الأولى وهم اثنا عشر رجلا وأسلم بعض الأنصار أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا رجلا يعلمنا القرآن وشرائع الدين فبعث إليهم مصعب بن عمير وكان يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام حتى فشا الإسلام في دور الأنصار فكتب مصعب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في أن يجمع بهم فأذن له وكتب إليه أن انظر اليوم الذي تجهز اليهود فيه لسبتها فإذا زالت الشمس فأردف إلى الله بركعتين واخطب فيهم فجمع بهم مصعب بن عمير في دار سعد بن خيثمة وهم اثنا عشر رجلا فهو أول من جمع في الإسلام وروى قوم من الأنصار أن أول من جمعهم أبو أمامة اسعد بن زرارة " (تخريج الأحاديث والآثار ج:4 ص:13)
"روى كعب بن مالك أنه قال أسعد بن زرارة أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخضمات رواه أبو داود وقال ابن جريج قلت لعطاء تعني إذا كان ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم .
قال الخطابي حرة بني بياضة على ميل من المدينة  ." ( تلخيص الحبير ج:2 ص:54 )
"قال البيهقي في المعرفة وروينا عن معاذ بن موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق أن النبي حين ركب من بني عمرو بن عوف في هجرته إلى المدينة مر على بني سالم وهي قرية بين قباء والمدينة فأدركته الجمعة فصلى فيهم الجمعة وكانت أول جمعة صلاها رسول الله حين قدم . "(عون المعبود ج:3 ص:283 )
" أخبرنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ببغداد ثنا علي بن إبراهيم الواسطي ثنا وهب بن جرير ثنا أبي عن محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن عبد الرحمن بن كعب قال كنت قائد أبي حين ذهب بصره إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة واستغفر له فمكثت كثيرا لا يسمع أذان الجمعة إلا فعل ذلك فقلت يا أبي أرأيت استغفارك لأبي أمامة كلما سمعت الأذان للجمعة ما هو قال أي بني كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم النبت من حرة بني بياضة يقال لها نقيع الخضمات قال قلت كم كنتم يومئذ قال أربعين رجلا " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه  (المستدرك على الصحيحين ج:1 ص:417 )
"وجاء مبيناً في البخاري في كتاب الصلاة من رواية أنس رضي الله عنه قال فنزل ( يعني رسول الله ) بأعلى المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف فقام فيهم أربع عشرة ليلة ثم خرج يوم الجمعة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف في المسجد الذي في بطن الوادي وكانت أول جمعة صلاها (رسول الله )  بالمدينة . "( عمدة القاري ج:1 ص:244 )
قولهم : «فأدركته الجمعة» ، يدل على أن صلاة الجمعة كانت مشروعة يومئذٍ وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان عازماً أن يصليها بالمدينة فضاق عليه الوقت فأداها في مسجد بني سالم .
"وفي شرح المنهاج للعلامة ابن حجر إن صلاة الجمعة فرضت بمكة ولم تقم بها لفقد العدد أو لأن شعارها الإظهار وكان صلى الله عليه وسلم بها مستخفياً ، وأول من أقامها بالمدينة قبل الهجرة أسعد بن زرارة بقرية على ميل من المدينة . ( تفسير الألوسي)
وقال العلامة ابن حجر في «تحفة المحتاج» : فرضت يعني صلاة الجمعة بمكة ولم نقم بها لفقد العدد ، أو لأن شعارها الإظهار ، وكان صلى الله عليه وسلم بها مستخفياً ، وأول من أقامها بالمدينة قبل الهجرة أسعد بن زرارة بقرية على ميل من المدينة انتهى ، فلعلها فرضت ثم نزلت الآية كالوضوء للصلاة فإنه فرض أولاً بمكة مع الصلاة ثم نزلت آيته لكن يعكر على هذا ما أخرجه ابن ماجه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال : " إن الله افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا في يومي هذا في شهري هذا في عامي هذا إلى يوم القيامة فمن تركها استخفافاً بها أو جحوداً بها فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره ألا ولا صلاة له ولا زكاة له ولا حج له ولا صوم له ولا بر له حتى يتوب فمن تاب تاب الله عليه " فإن الظاهر أن هذه الخطبة كانت في المدينة بل ظاهر الخبر أنها بعد الهجرة بكثير إذ ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام فيه : " لا حج له " أن الحج كان مفروضاً إذا ذاك ، وهو وإن اختلف في وقت فرضه فقيل : فرض قبل الهجرة ، وقيل : أول سنيها ، وقيل : ثانيها ، وهكذا إلى العاشرة لكن قالوا : إن الأصح أنه فرض في السنة السادسة فإما أن يقدح في صحة الحديث ، وإما أن يقال : مفاده افتراض الجمعة إلى يوم القيامة أي بهذا القيد ، ويقال : إن الحاصل قبل افتراضها غير مقيد بهذا القيد ثم ما تقدم من كون أسعد أول من جمع بالمدينة يخالفه ما أخرج الطبراني عن أبي مسعود الأنصاري قال : أول من قدم من المهاجرين المدينة مصعب ابن عمير ، وهو أول من جمع بها يوم الجمعة جمع بهم قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم اثنا عشر رجلاً .
وأخرج البخاري على ما نقله السيوطي نحوه وكان ذلك بأمره عليه الصلاة والسلام ، فقد أخرج الدارقطني عن ابن عباس قال : أذن النبي عليه الصلاة والسلام بالجمعة قبل أن يهاجر ولم يستطع أن يجمع بمكة فكتب إلى مصعب بن عمير : أما بعد فانظر اليوم الذي تجهر فيه اليهود بالزبور فأجمعوا نساءكم وأبناءكم فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا إلى الله تعالى بركعتين قال : فهو أول من جمع حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فجمع عند الزوال من الظهر وأظهر ذلك فلعل ما يدل على كون أسعد أول من جمع أثبت من هذه الأخبار أو يجمع بأن أسعد أول من أقامها بغير أمر منه صلى الله عليه وسلم كما يدل عليه خبر ابن سيرين ، وصرح به ابن الهمام . ومصعباً أول من أقامها بأمره عليه الصلاة والسلام ، أو بأن مصعباً أول من أقامها في المدينة نفسها وأسعد أول من أقامها في قرية قرب المدينة ، وقولهم : في المدينة تسامح ، وقال الحافظ ابن حجر : يجمع بين الحديثين بأن أسعد كان أميراً ، ومصعباً كان إماماً وهو كما ترى ، ولم يصرح في شيء من الأخبار التي وقفت عليها فيمن أقامها قبل الهجرة بالمدينة بالخطبة التي هي أحد شروطها ، وكأن في خبر ابن سيرين رمزاً إليها بقوله : وذكرهم ، وقد يقال : إن صلاة الجمعة حقيقة شرعية في الصلاة المستوفية للشروط ، فمتى قيل : إن فلاناً أول من صلى الجمعة كان متضمناً لتحقق الشروط لكن يبعد كل البعد كون ما وقع من أسعد رضي الله تعالى عنه إن كان قبل فرضيتها مستوفياً لما هو معروف اليوم من الشروط ، ثم إني لا أدري هل صلى أسعد الظهر ذلك اليوم أم اكتفى بالركعتين اللتين صلاهما عنها؟ وعلى تقدير الاكتفاء كيف ساغ له ذلك بدون أمره عليه الصلاة والسلام ؟ا وقصارى ما يظن أن الأنصار علموا فرضية الجمعة بمكة وعلموا شروطها وإغناءها عن صلاة الظهر فأرادوا أن يفعلوها قبل أن يؤمروا بخصوصهم فرغب خواصهم عوامهم على أحسن وجه وجاءوا إلى أسعد فصلى بهم وهو خلاف الظاهر جداً فتدبر والله تعالى الموفق .
وأما ما كان من صلاته عليه الصلاة والسلام إياها فقد روي أنه عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة مهاجراً نزل قباً على بني عمرو بن عوف وأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، وأسس مسجدهم ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم فخطب وصلى الجمعة وهو أول جمعة صلاها عليه الصلاة والسلام"
جاء في عمدة القاري شرح صحيح البخاري  (باب الجمعة في القرى والمدن)
"أي هذا باب في بيان حكم صلاة الجمعة في القرى والمدن
- 892حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( أبو عامر العقدي ) قال حدثنا ( إبراهيم بن طهمان ) عن ( أبي جمرة الضبعي ) عن ( ابن عباس ) أنه قال إن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله في مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين ( الحديث 892 - طرفه في 4371 (
ذكر ما يستفاد منه : استدلت الشافعية بهذا الحديث على أن الجمعة تقام في القرية إذا كان فيها أربعون رجلا أحرارا مقيمين حتى قال البيهقي باب العدد الذين إذا حضروا في قرية وجبت عليهم ثم ذكر فيه إقامة الجمعة بجواثى ، قلنا لا نسلم أنها قرية بل هي مدينة كما حكينا عن البكري وغيره حتى قيل كان يسكن فيها فوق أربعة آلاف نفس والقرية لا تكون كذلك وإطلاق القرية عليها من الوجه الذي ذكرناه ولئن سلمنا أنها قرية فليس في الحديث أنه اطلع على ذلك وأقرهم عليه واختلف العلماء في الموضع الذي تقام فيه الجمعة فقال مالك كل قرية فيها مسجد أو سوق فالجمعة واجبة على أهلها ولا يجب على أهل العمود وإن كثروا لأنهم في حكم المسافرين وقال الشافعي وأحمد كل قرية فيها أربعون رجلا أحرارا بالغين عقلاء مقيمين بها لا يظعنون عنها صيفا ولا شتاء إلا ظعن حاجة فالجمعة واجبة عليهم وسواء كان البناء من حجر أو خشب أو طين أو قصب أو غيرها بشرط أن تكون الأبنية مجتمعة فإن كانت متفرقة لم تصح وأما أهل الخيام فإن كانوا ينتقلون من موضعهم شتاء أو صيفا لم تصح الجمعة بلا خلاف وإن كانوا دائمين فيها شتاء وصيفا وهي مجتمعة بعضها إلى بعض ففيه قولان أصحهما لا تجب عليهم الجمعة ولا تصح منهم وبه قال مالك والثاني تجب عليهم وتصح منهم وبه قال أحمد وداود ومذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه لا تصح الجمعة إلا في مصر جامع أو في مصلى المصر ولا تجوز في القرى وتجوز في منى إذا كان الأمير أمير الحاج أو كان الخليفة مسافرا وقال محمد لا جمعة بمنى ولا تصح بعرفات في قولهم جميعا وقال أبو بكر الرازي في كتابه ( الأحكام ) اتفق فقهاء الأمصار على أن الجمعة مخصوصة بموضع لا يجوز فعلها في غيره لأنهم مجتمعون على أنها لا تجوز في البوادي ومناهل الأعراب وذكر ابن المنذر عن ابن عمر أنه كان يرى على أهل المناهل والمياه أنهم يجمعون .
ثم اختلف أصحابنا في المصر الذي تجوز فيه الجمعة فعن أبي يوسف هو كل موضع يكون فيه كل محترف ويوجد فيه جميع ما يحتاج إليه الناس من معايشهم عادة وبه قاض يقيم الحدود وقيل إذا بلغ سكانه عشرة آلاف وقيل عشرة آلاف مقاتل وقيل بحيث أن لو قصدهم عدو لأمكنهم دفعه وقيل كل موضع فيه أمير وقاض يقيم الحدود وقيل أن لو اجتمعوا إلى أكبر مساجدهم لم يسعهم وقيل أن يكون بحال يعيش كل محترف بحرفته من سنة إلى سنة من غير أن يشتغل بحرفة أخرى وعن محمد موضع مصرة الإمام فهو مصر حتى إنه لو بعث إلى قرية نائبا لإقامة الحدود والقصاص تصير مصراً فإذا عز له ودعاه يلحق بالقرى ..............
قال أخبرنا ( سالم بن عبد الله ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال سمعت رسول الله يقول كلكم راع وزاد الليث قال يونس كتب رزيق بن حكيم إلى ابن شهاب وأنا معه يومئذ بوادي القرى هل ترى أن أجمع ورزيق عامل على أرض يعملها وفيها جماعة من السودان وغيرهم ورزيق يومئذ على أيلة فكتب ابن شهاب وأنا أسمع يأمره أن يجمع يخبره أن سالما حدثه أن عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله يقول كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته الإمام راع ومسؤل عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤل عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤلة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤل عن رعيته قال وحسبت أن قال والرجل راع في مال أبيه ومسؤل عن رعيته وكلكم راع ومسؤل عن رعيته
ذكر معناه قوله كلكم راع أصل راع راعي فاعل إعلال قاض من رعى رعاية وهو حفظ الشيء وحسن التعهد له والراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره فكل من كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته فإن وفى ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر والجزاء الأكبر وإن كان غير ذلك طالبه كل أحد من رعيته بحقه ............
الثاني قال بعضهم في هذه القصة يعني القصة المذكورة في الحديث إيماء إلى أن الجمعة تنعقد بغير إذن من السلطان إذا كان في القوم من يقوم بمصالحهم قلت الذي يقوم بمصالح القوم هو المولى عليهم من جهة السلطان ومن كان مولى من جهة السلطان كان مأذونا بإقامة الجمعة لأنها من أكبر مصالحهم والعجب من هذا القائل أنه يستدل على عدم إذن السلطان لإقامة الجمعة بالإيماء ويترك ما دل على ذلك حديث جابر أخرجه ابن ماجه وفيه من تركها في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر استخفافا بها وجحودا لها فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره ألا ولا صلاة له ولا زكاة له ولا حج له ولا صوم له ولا بر له الحديث ورواه البزار أيضا ورواه الطبراني في ( الأوسط ) عن ابن عمر مثله فإن قلت في سند ابن ماجه عبد الله بن محمد العدوي وفي سند البزار علي بن زيد بن جدعان وكلاهما متكلم فيه قلت إذا روي الحديث من طرق ووجوه مختلفة تحصل له قوة فلا يمنع من الاحتجاج به ولا سيما اعتضد بحديث ابن عمر والقائل المذكور أشار بقوله إلى قول الشافعي فإن عنده إذن السلطان ليس بشرط لصحة الجمعة ولكن السنة أن لا تقام إلا بإذن السلطان وبه قال مالك وأحمد في رواية وعن أحمد أنه شرط كمذهبنا واحتجوا بما روي أن عثمان رضي الله تعالى عنه لما كان محصورا بالمدينة صلى علي رضي الله تعالى عنه الجمعة بالناس ولم يرو أنه صلى بأمر عثمان وكان الأمر بيده قلنا هذا الاحتجاج ساقط لأنه يحتمل أن عليا فعل ذلك بأمره أو كان لم يتوصل إلى إذن عثمان . ونحن أيضا نقول إذا لم يتوصل إلى إذن الإمام فللناس أن يجتمعوا ويقدموا من يصلي بهم فمن أين علم أن عليا فعل ذلك بلا إذن عثمان وهو بحيث يتوصل إلى إذنه
وقال ابن المنذر مضت السنة بأن الذي يقيم الجمعة السلطان أو من قام بها بأمره فإذا لم يكن ذلك صلوا الظهر .
 وقال الحسن البصري أربع إلى السلطان فذكر منها الجمعة وقال حبيب بن أبي ثابت لا تكون الجمعة إلا بأمير وخطبة وهو قول الأوزاعي ومحمد بن مسلمة ويحيى بن عمر المالكي .
وعن مالك إذا تقدم رجل بغير إذن الإمام لم يجزهم وذكر صاحب ( البيان ) قولا قديما للشافعي أنها لا تصح إلا خلف السلطان أو من أذن له وعن أبي يوسف إن لصاحب الشرطة أن يصلي بهم دون القاضي وقيل يصلي القاضي ........ أهـ

وإليك الآن بعض الفروق بين صلاة الظهر وصلاة الجمعة :
1 ـ صلاة الجمعة لا تنعقد إلا بجمع على خلاف بين العلماء في عدده .
وصلاة الظهر تصح من الواحد والجماعة .
2 ـ صلاة الجمعة لا تقام إلا في القرى والأمصار .
وصلاة الظهر في كل مكان .
3 ـ صلاة الجمعة لا تقام في الأسفار فلو مر جماعة مسافرون ببلد قد صلوا الجمعة لم يكن لهؤلاء الجماعة أن يقيموها .
وصلاة الظهر تقام في السفر والحضر .
4 ـ صلاة الجمعة لا تقام إلا في مسجد واحد في البلد إلا لحاجة .
وصلاة الظهر تقام في كل مسجد .
5 ـ صلاة الجمعة لا تقضى إذا فات وقتها ، وإنما تصلى ظهرا ؛ لأن من شرطها الوقت .
وصلاة الظهر تقضى إذا فات وقتها لعذر .
6 ـ صلاة الجمعة لا تلزم النساء ، بل هي من خصائص الرجال .
وصلاة الظهر تلزم الرجال والنساء .
7 ـ صلاة الجمعة لا تلزم الأرقاء ، على خلاف في ذلك وتفصيل .
وصلاة الظهر تلزم الأحرار والعبيد .
8ـ صلاة الجمعة إذا فاتت الواحد قضاها ظهرا لا جمعة .
وصلاة الظهر إذا فاتت الواحد قضاها كما صلاها الإمام إلا من له القصر .
9ـ صلاة الجمعة يمكن فعلها قبل الزوال على قول كثير من العلماء .
وصلاة الظهر لا يجوز فعلها قبل الزوال بالاتفاق .
10 ـ صلاة الجمعة تسن القراءة فيها جهرا .
وصلاة الظهر تسن القراءة فيها سرّا .
11 ـ صلاة الجمعة تسبقها خطبتان .
وصلاة الظهر ليس لها خطبة .
12 ـ صلاة الجمعة لا يصح البيع والشراء بعد ندائها الثاني ممن تلزمه .
وصلاة الظهر يصح البيع والشراء بعد ندائها ممن تلزمه .
13 ـ صلاة الجمعة إذا فاتت في مسجد لا تعاد فيه ولا في غيره .
وصلاة الظهر إذا فاتت في مسجد أعيدت فيه وفي غيره .
14 ـ صلاة الجمعة يشترط لصحتها إذن الإمام على قول بعض أهل العلم .
وصلاة الظهر لا يشترط لها ذلك بالاتفاق .
15ـ صلاة الجمعة لا يصح جمع العصر إليها في الحال التي يجوز فيها جمع العصر إلى الظهر .
وصلاة الظهر يصح جمع العصر إليها حال وجود العذر المبيح .
هذا ولقد عد  بعض العلماء الفروق  إلى أكثر من ثلاثين فرقاً .
كتبه : ضياء الدين القدسي