- تابع اجراء الاحكام على الناس رقم (3 )
الباب الرابع
ألأصل فى الناس ألاسلام والشرك حادث طارىء
قال تعالى : وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذ...ُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) الأعراف وقوله تعالى (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا(30) الرُّومِ وقوله صلى الله عليه وسلم (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ) .
يقول بن كثير فى تفسير آية ألأعراف :
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ اسْتَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ بَنِي آدَمَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ، شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّ اللَّهَ رَبُّهُمْ وَمَلِيكُهُمْ، وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى فَطَرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَلَهُمْ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الرُّومِ:30] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ -وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ -فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُولَدُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ" وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ [تَعَالَى] إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ فَجَاءَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ، عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ" . انتهى
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطبرى رَحِمَهُ اللَّهُ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى: أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ حَدَّثَهُمْ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سُرَيْعٍ مِنْ بَنِي سَعْدٍ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ غَزَوَاتٍ، قَالَ: فَتَنَاوَلَ الْقَوْمُ الذُّرِّيَّةَ بَعْدَ مَا قَتَلُوا الْمُقَاتَلَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَاوَلُونَ الذُّرِّيَّةَ؟ " قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسُوا أَبْنَاءَ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ: "إِنَّ خِيَارَكُمْ أَبْنَاءُ الْمُشْرِكِينَ! أَلَا إِنَّهَا لَيْسَتْ نِسْمَةٌ تُولَدُ إِلَّا وُلِدَتْ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَمَا تَزَالُ عَلَيْهَا حَتَّى يُبَيِّنَ عَنْهَا لِسَانُهَا، فَأَبَوَاهَا يُهَوِّدَانِهَا أَوْ يُنَصِّرَانِهَا". قَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ] } انتهى .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضى الله عنه : كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ. وأَوَّلَ مَا حَدَثَ الشِّرْكُ فِي بَنِي آدَمَ كَانَ فِي قَوْمِ نُوحٍ . وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ نُوحًا أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْمِهِ إنَّهُمْ قَالُوا: {لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} . قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ: هَؤُلَاءِ كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ فِي قَوْمِ نُوحٍ فَلَمَّا مَاتُوا عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَدُ عَبَدُوهُمْ؛ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
و يقول شارح العقيده الطحاويه فى تفسير آية الميثاق:
( وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالرُّبُوبِيَّةِ أَمْرٌ فِطْرِيٌّ، وَالشِّرْكَ حَادِثٌ طَارِئٌ، وَالْأَبْنَاءُ تَقَلَّدُوهُ عَنِ الْآبَاءِ، فَإِذَا احْتَجُّوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنَّ الْآبَاءَ أَشْرَكُوا وَنَحْنُ جَرَيْنَا عَلَى عَادَتِهِمْ كَمَا يَجْرِي النَّاسُ عَلَى عَادَةِ آبَائِهِمْ فِي الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَنْتُمْ كُنْتُمْ مُعْتَرِفِينَ بِالصَّانِعِ، مُقِرِّينَ بِأَنَّ اللَّهَ ربكم لا شريك له، وقد شَهِدْتُمْ بِذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّ شَهَادَةَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ هِيَ إِقْرَارُهُ بِالشَّيْءِ لَيْسَ إِلَّا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النِّسَاءِ: 135]. وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِكَذَا، بَلْ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ فَقَدْ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِهِ، فَلِمَ عَدَلْتُمْ عَنْ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِقْرَارِ الَّذِي شَهِدْتُمْ بِهِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَى الشِّرْكِ؟ بَلْ عَدَلْتُمْ عَنِ الْمَعْلُومِ الْمُتَيَقَّنِ إِلَى مَا لَا يُعْلَمُ لَهُ حَقِيقَةٌ، تَقْلِيدًا لِمَنْ لَا حُجَّةَ مَعَهُ، بِخِلَافِ اتِّبَاعِهِمْ فِي الْعَادَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَإِنَّ تِلْكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكُمْ مَا يُعْلَمُ بِهِ فَسَادُهَا، وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ لَكُمْ، بِخِلَافِ الشِّرْكِ، فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَكُمْ مِنَ الْمَعْرِفَةِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَا يُبَيِّنُ فَسَادَهُ وَعُدُولَكُمْ فِيهِ عَنِ الصَّوَابِ.
فَإِنَّ الدِّينَ الَّذِي يَأْخُذُهُ الصَّبِيُّ عَنْ أَبَوَيْهِ هُوَ: دِينُ التَّرْبِيَةِ وَالْعَادَةِ، وَهُوَ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الطِّفْلَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ كَافِلٍ، وَأَحَقُّ النَّاسِ بِهِ أَبَوَاهُ، وَلِهَذَا جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ بِأَنَّ الطِّفْلَ مَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى دِينِهِمَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا الظَّاهِرَةِ، وَهَذَا الدِّينُ لَا يُعَاقِبُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ -عَلَى الصَّحِيحِ- حَتَّى يَبْلُغَ وَيَعْقِلَ وَتَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ، وَحِينَئِذٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ: دِينَ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ، وَهُوَ الَّذِي يَعْلَمُ بِعَقْلِهِ هُوَ أَنَّهُ دِينٌ صَحِيحٌ، فَإِنْ كَانَ آبَاؤُهُ مُهْتَدِينَ، كَيُوسُفَ الصِّدِّيقِ مَعَ آبَائِه قَالَ: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يُوسُفَ: 38]، وَقَالَ لِيَعْقُوبَ بَنُوهُ: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [الْبَقَرَةِ: 133]، وَإِنْ كَانَ الْآبَاءُ مُخَالِفِينَ الرُّسُلَ، كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ الرُّسُلَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [العنكبوت: 8] .
فَمَنِ اتَّبَعَ دِينَ آبَائِهِ بِغَيْرِ بَصِيرَةٍ وَعِلْمٍ، بَلْ يَعْدِلُ عَنِ الْحَقِّ الْمَعْلُومِ إِلَيْهِ، فَهَذَا اتَّبَعَ هَوَاهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [الْبَقَرَةِ: 110].
وَهَذِهِ حَالُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مِنَ الَّذِينَ وُلِدُوا عَلَى الْإِسْلَامِ، يَتْبَعُ أَحَدُهُمْ أَبَاهُ فِيمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنِ اعْتِقَادٍ وَمَذْهَبٍ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً لَيْسَ هُوَ فِيهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، بَلْ هومِنْ مُسْلِمَةِ الدَّارِ، لَا مُسْلِمَةِ الِاخْتِيَارِ، وَهَذَا إِذَا قِيلَ لَهُ فِي قَبْرِهِ: مَنْ رَبُّكَ؟ قَالَ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ.
فَلْيَتَأَمَّلِ اللَّبِيبُ هَذَا الْمَحِلَّ، وَلْيَنْصَحْ نَفْسَهُ، وَلْيَقُمْ مَعَهُ، وَلْيَنْظُرْ مِنْ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ هُوَ؟ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ، فَإِنَّ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، فَإِنَّهُ مَرْكُوزٌ فِي الْفِطَرِ, وَأَقْرَبُ مَا يَنْظُرُ فِيهِ الْمَرْءُ أَمْرُ نَفْسِهِ لَمَّا كَانَ نُطْفَةً، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [وَالتَّرَائِبُ]: عِظَامُ الصَّدْرِ، ثُمَّ صَارَتْ تِلْكَ النُّطْفَةُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ، وَانْقَطَعَ عَنْهَا تَدْبِيرُ الْأَبَوَيْنِ وَسَائِرِ الْخَلَائِقِ، وَلَوْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً عَلَى لَوْحٍ أَوْ طَبَقٍ، وَاجْتَمَعَ حُكَمَاءُ الْعَالَمِ عَلَى أَنْ يُصَوِّرُوا مِنْهَا شَيْئًا لَمْ يَقْدِرُوا, وَمُحَالٌ تَوَهُّمُ عَمَلِ الطَّبَائِعِ فِيهَا، لِأَنَّهَا مَوَاتٌ عَاجِزَةٌ، وَلَا تُوصَفُ بِحَيَاةٍ، وَلَنْ يَتَأَتَّى مِنَ الْمَوَاتِ فِعْلٌ وَتَدْبِيرٌ، فَإِذَا تَفَكَّرَ فِي ذَلِكَ وَانْتِقَالِ هَذِهِ النُّطْفَةِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، عَلِمَ بِذَلِكَ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ، فَانْتَقَلَ مِنْهُ إِلَى تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ, فَإِنَّهُ إِذَا عَلِمَ بِالْعَقْلِ أَنَّ لَهُ رَبًّا أَوْجَدَهُ، كَيْفَ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَعْبُدَ غَيْرَهُ؟ وَكُلَّمَا تَفَكَّرَ وَتَدَبَّرَ ازْدَادَ يَقِينًا وَتَوْحِيدًا، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ، لَا رَبَّ غَيْرُهُ، وَلَا إِلَهَ سِوَاهُ.) العقيده الطحاويه
ويقول البغوى : فإن قيل كيف تلزم الحجة أحد لا يذكر الميثاق؟ قيل: قد أوضح الله الدلائل على وحدانيته وصدق رسله فيما أخبروا، فمن أنكره كان معاندا ناقضا للعهد ولزمته الحجة، وبنسيانهم وعدم حفظهم لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر الصادق صاحب المعجزة.
{ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) } وقوله تعالى: { أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ } يقول: إنما أخذ الميثاق عليكم لمئلا تقولوا أيها المشركون: إنما أشرك آباؤنا من قبل ونقضوا العهد وكنا ذرية من بعدهم، أي كنا أتباعا لهم فاقتدينا بهم، فتجعلوا هذا عذرا لأنفسكم وتقولوا: { أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ } أفتعذبنا بجناية آبائنا المبطلين، فلا يمكنهم أن يحتجوا بمثل هذا الكلام بعد تذكير الله تعالى بأخذ الميثاق على التوحيد{ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ } أي: نبين الآيات ليتدبرها العباد، { وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } من الكفر إلى التوحيد.انتهى تفسير البغوى 3/300
يقول الإمام إبن القيم فى تفسير آيه الميثاق: {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}. فذكر سبحانه لهم حجتين يدفعهما هذا الإشهاد: إحداهما أن يقولوا إنا كنا عن هذا غافلين فبين أن هذا علم فطري ضروري لا بد لكل بشر من معرفته وذلك يتضمن حجة الله في إبطال التعطيل وأن القول بإثبات الصانع علم فطري ضروري وهو حجة على نفي التعطيل.
والثاني أن يقولوا: {إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} وهم آباؤنا المشركون أي أفتعاقبنا بذنوب غيرنا فإنه لو قدر أنهم لم يكونوا عارفين بأن الله ربهم ووجدوا آباءهم مشركين وهم ذرية من بعدهم. ومقتضى الطبيعة العادية أن يحتذي الرجل حذو أبيه حتى في الصناعات والمساكن والملابس والمطاعم إذ كان هو الذي رباه ولهذا كان أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه فإذا كان هذا مقتضى العادة والطبيعة ولم يكن في فطرهم وعقولهم ما يناقض ذلك قالوا: نحن معذورون وآباؤنا هم الذين أشركوا ونحن كنا ذرية لهم بعدهم ولم يكن عندنا ما يبين خطأهم فإذا كان في فطرهم ما شهدوا به من أن الله وحده هو ربهم كان معهم ما يبين بطلان هذا الشرك وهو التوحيد الذي شهدوا به على أنفسهم. فإذا احتجوا بالعادة الطبيعية من اتباع الآباء كانت الحجة عليهم الفطرة الطبيعية الفعلية السابقة لهذه العادة الطارئة وكانت الفطرة الموجبة للإسلام سابقة للتربية التي يحتجون بها. وهذا يقتضي أن نفس العقل الذي به يعرفون التوحيد حجة في بطلان الشرك لا يحتاج ذلك إلى رسول فإنه جعل ما تقدم حجة عليهم بدون هذا وهذا لا يناقض قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} فإن الرسول يدعو إلى التوحيد ولكن الفطرة دليل عقلي يعلم به إثبات الصانع ولم تكن في مجرد الرسالة حجة عليهم فهذه الشهادة على أنفسهم التي تتضمن إقرارهم بأن الله ربهم ومعرفتهم بذلك أمر لازم لكل بني آدم به تقوم حجة الله تعالى في تصديق رسله فلا يمكن أحدا أن يقول يوم القيامة إني كنت عن هذا غافلا ولا أن الذنب كان لأبي المشرك دوني لأنه عارف بأن الله ربه لا شريك له فلم يكن معذورا في التعطيلوالإشراك بل قام به ما يستحق به العذاب ؛
ثم إن الله سبحانه لكمال رحمته وإحسانه لا يعذب أحدا إلا بعد إرسال الرسول إليه وإن كان فاعلا لما يستحق به الذم والعقاب فلله على عبده حجتان قد أعدهما عليه لا يعذبه إلا بعد قيامهما: إحداهما ما فطره عليه وخلقه عليه من الإقرار بأنه ربه ومليكه وفاطره وحقه عليه لازم، والثانية إرسال رسله إليه بتفصيل ذلك وتقريره وتكميله فيقوم عليه شاهد الفطرة والشرعة ويقر على نفسه بأنه كان كافرا كما قال تعالى: {وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} فلم ينفذ عليهم الحكم إلا بعد إقرار وشاهدين وهذا غاية العدل. انتهى أحكام أهل الذمه
فصل
فى تفسير قوله تعالى : {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}
يقول القرطبى :
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ) فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَالَ الزَّجَّاجُ:" فِطْرَتَ" مَنْصُوبٌ بِمَعْنَى اتَّبِعْ فِطْرَةَ اللَّهِ. قَالَ: لِأَنَّ مَعْنَى" فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ" اتَّبِعِ الدِّينَ الْحَنِيفَ واتبع فطرة الله. وقال الطبري:" فِطْرَتَ اللَّهِ" مَصْدَرٌ مِنْ مَعْنَى:" فَأَقِمْ وَجْهَكَ" لِأَنَّ معنى ذلك: فطر الله الناس على ذَلِكَ فِطْرَةً. وَقِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ اتَّبِعُوا دِينَ اللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّاسَ لَهُ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى" حَنِيفاً" تَامًّا. وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يَكُونُ مُتَّصِلًا، فَلَا يُوقَفُ عَلَى" حَنِيفاً". وَسُمِّيَتِ الْفِطْرَةُ دِينًا لِأَنَّ النَّاسَ يُخْلَقُونَ له، قال عز وجل:" وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" [الذاريات: 56]. وَيُقَالُ:" عَلَيْها" بِمَعْنَى لَهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها" [الاسراء: 7]. وَالْخِطَابُ بِ"- أَقِمْ وَجْهَكَ" لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَهُ بِإِقَامَةِ وَجْهِهِ لِلدِّينِ الْمُسْتَقِيمِ، كما قال:" فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ" [الروم: 43] وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ. وَإِقَامَةُ الْوَجْهِ هُوَ تَقْوِيمُ الْمَقْصِدِ وَالْقُوَّةُ عَلَى الْجَدِّ فِي أَعْمَالِ الدِّينِ، وَخُصَّ الْوَجْهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ جَامِعُ حَوَاسِّ الْإِنْسَانِ وَأَشْرَفُهُ. وَدَخَلَ فِي هَذَا الْخِطَابِ أُمَّتُهُ بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. وَ" حَنِيفاً" مَعْنَاهُ مُعْتَدِلًا مَائِلًا عَنْ جَمِيعِ الْأَدْيَانِ الْمُحَرَّفَةِ الْمَنْسُوخَةِ. الثَّانِيَةُ- فِي الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ- فِي رِوَايَةٍ) عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ- أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ) ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هريرة: واقرءوا إن شئتم،" فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ"، في رواية: (حتى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ صَغِيرًا؟ قَالَ: (اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ). لَفْظُ مُسْلِمٍ. الثَّالِثَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَقْوَالٍ مُتَعَدِّدَةٍ، مِنْهَا الْإِسْلَامُ، قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُمَا، قَالُوا: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَاحْتَجُّوا بِالْآيَةِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَضَّدُوا ذَلِكَ بِحَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنَّاسِ يَوْمًا: (أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِمَا حَدَّثَنِي اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ وَبَنِيهِ حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ، وَأَعْطَاهُمُ الْمَالَ حَلَالًا لَا حَرَامَ فِيهِ فَجَعَلُوا مِمَّا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ حَلَالًا وَحَرَامًا .. (الْحَدِيثَ. وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:) خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ ... (فَذَكَرَ مِنْهَا قَصَّ الشَّارِبِ، وَهُوَ مِنْ سُنَنِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ الطِّفْلَ خُلِقَ سَلِيمًا مِنَ الْكُفْرِ عَلَى الْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَى ذُرِّيَّةِ آدَمَ حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ صُلْبِهِ، وَأَنَّهُمْ إِذَا مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكُوا فِي الْجَنَّةِ، أَوْلَادَ مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ أَوْلَادَ كُفَّارٍ .
وَقَالَ آخَرُونَ: الْفِطْرَةُ هِيَ الْبَدَاءَةُ الَّتِي ابْتَدَأَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهَا، أَيْ عَلَى مَا فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَلْقَهُ مِنْ أَنَّهُ ابْتَدَأَهُمْ لِلْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ، وَإِلَى مَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ عِنْدَ الْبُلُوغِ. قَالُوا: وَالْفِطْرَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْبَدَاءَةُ. وَالْفَاطِرُ: الْمُبْتَدِئُ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَكُنْ أَدْرِي مَا فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى أَتَى أَعْرَابِيَّانِ يَخْتَصِمَانِ فِي بِئْرٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فَطَرْتُهَا، أَيِ ابْتَدَأْتُهَا. قَالَ الْمَرْوَزِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ تَرَكَهُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ لَهُ: مَا رَسَمَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ وَذَكَرَ فِي بَابَ الْقَدَرِ فِيهِ مِنَ الْآثَارِ- يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ فِي ذَلِكَ نَحْوُ هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ مَا رُوِيَ عَنْ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:" فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ" [الأعراف: 30] قَالَ: مَنِ ابْتَدَأَ اللَّهُ خَلْقَهُ لِلضَّلَالَةِ صَيَّرَهُ إِلَى الضَّلَالَةِ وَإِنْ عَمِلَ بِأَعْمَالِ الْهُدَى، وَمَنِ ابْتَدَأَ اللَّهَ خَلْقَهُ عَلَى الْهُدَى صَيَّرَهُ إِلَى الْهُدَى وَإِنْ عَمِلَ بِأَعْمَالِ الضَّلَالَةِ، ابْتَدَأَ اللَّهُ خَلْقَ إِبْلِيسَ عَلَى الضَّلَالَةِ وَعَمِلَ بِأَعْمَالِ السَّعَادَةِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ رَدَّهُ اللَّهُ إِلَى مَا ابْتَدَأَ عَلَيْهِ خَلْقَهُ، قَالَ: وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ.انتهى تفسير القرطبى
و(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] » الْآيَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ، فَإِذَا أَعْرَبَ عَنْهُ لِسَانُهُ، فَإِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ) وروى عوف الأعرابي عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود يولد على الفطرة فناداه الناس يا رسول الله وأولاد المشركين قال وأولاد المشركين .الحديث
قلت :وَقَدِ اخْتَلَفَ الناس فِي الْفِطْرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا . كما ذكرابن القيم مختصرلأقوال الناس :
( فَمِنْهَا قَوْلَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُمَا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: وُلِدُوا عَلَى مَا سَبَقَ بِهِ الْقَدَرُ. وَ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: وُلِدُوا عَلَى وُجُودِ الْمُقَدَّرِ، وَكَانُوا مَفْطُورِينَ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ طَوْعًا وَكَرْهًا.
وَقَوْلَانِ مِنْ جِنْسٍ، وَهُمَا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: وُلِدُوا قَادِرِينَ عَلَى الْمَعْرِفَةِ.وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ: وُلِدُوا قَابِلِينَ لَهَا وَلِلتَّهَوُّدِ، وَالتَّنَصُّرِ، إِمَّا مَعَ التَّسَاوِي، أَوْ مَعَ رُجْحَانِ الْقَبُولِ لِلْإِسْلَامِ.
وَقَوْلَانِ مِنْ جِنْسٍ، وَهُمَا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: وُلِدُوا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ.وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ: وُلِدُوا عَلَى الْإِقْرَارِ بِالصَّانِعِ، أَوْ عَلَى الْمَعْرِفَةِ الْأُولَى يَوْمَ أَخْذِ الْمِيثَاقِ.
وَقَوْلَانِ مِنْ جِنْسٍ، وَهُمَا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: وُلِدُوا عَلَى سَلَامَةِ الْقَلْبِ، وَخُلُوِّهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ.وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ: وُلِدُوا مُهَيَّئِينَ لِذَلِكَ قَابِلِينَ لَهُ.
وَقَوْلَانِ مِنْ جِنْسٍ، وَهُمَا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ.وَقَوْلُ مَنْ يَقِفُ فِي مَعْنَاهُ.
وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَالسُّنَّةُ أَنَّهُمْ وُلِدُوا حُنَفَاءَ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ بِحَيْثُ لَوْ تُرِكُوا وَفِطَرَهُمْ لَكَانُوا حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ ). انظر أحكام أهل الذمه ج2 ص414
ويقول ابن القيم قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَدْ ذَكَرَ أَقْوَالَ النَّاسِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثم قال :
وَقَالَ آخَرُونَ: الْفِطْرَةُ هَاهُنَا هِيَ الْإِسْلَامُ. قَالُوا: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ، وَأَهْلُ التَّأْوِيلِ قَدْ أَجْمَعُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} عَلَى أَنْ قَالُوا: فِطْرَةُ اللَّهِ دِينُ الْإِسْلَامِ. وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] .احكام اهل الذمه ج2 ص369
وعلى هذا فيكون قوله صلى اله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطره) وفي رواية: (على هذه الملة) وفى روايه أخرى (خلقت عبادى حنفاء) فيه بيان للحقيقه التى يولد عليها الاطفال وهى الفطره والفطره هى الإسلام على الراجح فيكون كل مولود يولد على الاسلام سواء أكان من اطفال المسلمين او أطفال المشركين لقوله صلى الله عليه وسلم حين سئل ( وأولاد المشركين قال وأولاد المشركين ) .
يقول الشوكانى : (وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْلَادَ الْكُفَّارِ يُحْكَمُ لَهُمْ عِنْدَ الْوِلَادَةِ بِالْإِسْلَامِ،) نيل الاوطار
قلت : ومسألة ألأطفال ومعرفة ما ولدوا عليه من ايمان أو كفر , فعلم هذا موقوف على خبر الشارع فهى مسأله خبريه محضه ولا مجال للعقل فيها , فلو ترك النبى صلى الله عليه وسلم الناس ولم يبين لهم حكم ألأطفال لم يعرفوا المؤمنين منهم من الكافرين مما ولدوا عليه , أما أحكام الدنيا فمعرفة هذا ليست موقوفه على خبر الشارع فقط بل ادراك ذلك بالعقل قبل الخبر فان حكم الطفل فى الدنيا حكم أبويه فاعرفوا ذلك بالابوين فمن كان بين أبوين كافرين حكم عليه بالكفر ومن كان بين أبوين مسلمين حكم له بالاسلام , وأما ايمان ذلك وكفره مما ولد عليه حين ولد فعلم ذلك الى الله تعالى .
يقول ابن القيم : قَالَ إِسْحَاقُ ابن راهويه : فَلَوْ تَرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ حُكْمَ الْأَطْفَالِ لَمْ يَعْرِفُوا الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ مِنَ الْكَافِرِينَ لِأَنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا جُبِلَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ حِينَ أُخْرِجَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمَ الدُّنْيَا فِي الْأَطْفَالِ بِقَوْلِهِ: " «أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ» " يَقُولُ: أَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ مَا طُبِعَ عَلَيْهِ فِي الْفِطْرَةِ الْأُولَى، وَلَكِنَّ حُكْمَ الطِّفْلِ فِي الدُّنْيَا حُكْمُ أَبَوَيْهِ، فَاعْرِفُوا ذَلِكَ بِالْأَبَوَيْنِ، فَمَنْ كَانَ صَغِيرًا بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أُلْحِقَ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا إِيمَانُ ذَلِكَ، وَكُفْرُهُ مِمَّا يَصِيرُ إِلَيْهِ فَعِلْمُ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ. أحكام أهل الذمه ج2ص396
فان الاسلام الذى ولد عليه الاطفال ليس هو الذى يجرى عليه الحكم فى الدنيا بل هواثبات للحقيقه الباطنه التى فطرهم الله عليها ( وعليها الثواب والعقاب في الآخره ) , فهو ايمان فطرى غير مكتسب فان الايمان الشرعى المكتسب في الظاهر هو المتمثل فى النطق بالشهادتين واقام الصلاه وايتاء والزكاه وصوم رمضان وحج البيت وغير ذلك . أو أن يكون بالتبعية حكماً كتبعية الطفل لأبويه فإن الدين الذى يأخذه الصبى هو دين التربية والعادة بالتعليم والتلقين.
يقول بن القيم فى كتاب شفاء العليل: وقوله "كل مولود يولد على الفطرة" إنما أراد به الإخباربالحقيقة التي خلقوا عليها وعليها الثواب والعقاب في الآخرة إذا عملوا بموجبها وسلمت عن المعارض ولم يرد به الإخبار بأحكام الدنيا .انتهى
ويقول أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى قَوْلِ حَمَّادٍ فِي هَذَا حُسْنٌ، وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالإِيمَانِ الْفِطْرِيِّ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الإِيمَانُ الشَّرْعِيُّ الْمُكْتَسَبُ بِالإِرَادَةِ وَالْفِعْلِ، أَلا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: «فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ».يَعْنِي: فِي حُكْمِ الدُّنْيَا، فَهُوَ مَعَ وُجُودِ الإِيمَانِ الْفِطْرِيِّ فِيهِ، مَحْكُومٌ لَهُ بِحُكْمِ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْن .انتهى شرح السنه
وقوله صلى الله عليه وسلم: فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بهيمه جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ ، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ألأبوين لأنهما الأصل العام الغالب في تربية الأطفال فإن كل طفل لا بد له من كافل وأحق الناس بكفالته أبواه فهما اللذين يربيانه مع بقائهما وقدرتهما عليه فانهما يغيران الفطره التى فطره الله عليها الى التهويد والتنصير فإنه شبه تكفير الأطفال بجدع البهائم تشبيها للتغيير بالتغيير ,وتغيير الابوين للفطره يأتى شيئا فشيئا حتى اعراب اللسان والحديث دل أيضا على تبعية الطفل لأبويه فى الكفر فى احكام الدنيا الظاهره مع استقرار الباطن للفطره حتى يعرب عنه لسانه فان أعرب عنه لسانه واتبع دين أبويه صار كافرا ظاهرا وباطنا وحينئذ تزول الفطره بالكليه لأنه أصبح مختارا , فيصير كافر حقيقى .«كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ، فَإِذَا أَعْرَبَ عَنْهُ لِسَانُهُ، فَإِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا»
فاطفال الكفار مؤمنين فى الباطن للفطره التى خلقهم الله عليها . وقد تنازع العلماء في حكم ألأطفال في أحكام ألآخره ان ماتوا صغارا , فحكم الدار الدنيا غير حكم الدار الاخره
يقول بن القيم :
ومنشأ الاشتباه في هذه المسألة اشتباه أحكام الكفر في الدنيا بأحكام الكفر في الآخرة فإن أولاد الكفار لما كانت تجري عليهم أحكام الكفر في الدنيا مثل ثبوت الولاية عليهم لآبائهم وحضانتهم لهم وتمكنهم من تعليمهم وتأديبهم والموازنة بينهم وبين سبيهم واسترقاقهم وغير ذلك صار يظن من يظن أنهم كفار في نفس الأمر كالذي تكلم بالكفر وعمل به ومن ها هنا قال محمد بن الحسن: "أن هذا الحديث وهو قوله كل مولود يولد على الفطرة كان قبل أن تنزل الأحكام" فإذا عرف أن كونهم ولدوا على الفطرة لا ينافي أن يكونوا تبعا لآبائهم في أحكام الدنيا وقد زالت الشبهة وقد يكون في بلاد الكفر من هو مؤمن يكتم إيمانه ولا يعلم المسلمون حاله فلا يغسل ولا يصلى عليه ويدفن مع المشركين وهو في الآخرة من أهل الجنة كما أن المنافقين في الدنيا تجري عليهم أحكام المسلمين وهم في الدرك الأسفل من النار فحكم الدار الآخرة غير حكم الدار الدنيا وقوله "كل مولود يولد على الفطرة" إنما أراد به الإخبار بالحقيقة التي خلقوا عليها وعلىيها الثواب والعقاب في الآخرة إذا عملوا بموجبها وسلمت عن المعارض ولم يرد به الإخبار بأحكام الدنيا. شفاء العليل لابن القيم ص298
وقد بين النبى صلى الله عليه وسلم حكم اطفال المشركين في الدنيا وأنهم تبع لآبائهم :
فعَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَالَ: مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَبْوَاءِ، أَوْ بِوَدَّانَ، وَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ قَالَ: «هُمْ مِنْهُمْ» ، رواه البخارى فى صحيحه عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ، وعنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ: لَوْ أَنَّ خَيْلًا أَغَارَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَأَصَابَتْ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: «هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ»صحيح مسلم . وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ) .
وقد ثبت الاجماع على حكم الأطفال في الدنيا : يقول بن المنذر:
(وأجمعوا على أن حكم الطفل حكم أبويه إن كانا مسلمين، فحكمه حكم أهل الإسلام، وإن كانا مشركين فحكمه حكم الشرك، يرثهم ويرثونه، ويحكم في ديته إن قتل حكم دية أبويه) الاجماع لابن المنذر322
ويقول ابن القيم : فَإِنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ شَرْعِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَوْلَادَ الْكُفَّارِ يَكُونُونَ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَأَنَّ أَوْلَادَهُمْ لَا يُنْزَعُونَ مِنْهُمْ إِذَا كَانَ لِلْآبَاءِ ذِمَّةٌ، وَإِنْ كَانُوا مُحَارِبِينَ اسْتُرِقَّتْ أَوْلَادُهُمْ، وَلَمْ يَكُونُوا كَأَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ.وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ أَوْلَادَ الْكُفَّارِ الْأَحْيَاءَ مَعَ آبَائِهِمْ، لَكِنْ تَنَازَعُوا فِي الطِّفْلِ إِذَا مَاتَ أَبَوَاهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا هَلْ نَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِ. شفاء العليل لابن القيم ص298
وقد ثبت النزاع في حكم ألاطفال في أحكام ألدنبا أيضا, وهذا لايتعارض مع ألاجماع السابق فان ألاجماع قائم على شرطين ألأول ( حياة ألأبوين ) والثانى ( ألقدره على ألتربيه ) فاذا تعذر تبعية الطفل لأبويه بموت ألأبوين أو أحدهما أو انقطاع نسب كولد ألزنا , وألمنفى باللعان , وأللقيط , والمسبى , و ألمملوك , فاختلف ألفقهاء في حكم ألطفل في هذه ألحال اختلافا كثيرا , وذكر الخلاف مفصلا مبسوط في غير هذا ألموضع .
وعن الأَسْوَدُ بْنُ سَرِيعٍ قَالَ : كُنَّا فِي غَزَاةٍ لنا ، فَأَصَبْنَا ظُفُرًا ، وَقَتَلْنَا فِي الْمُشْرِكِينَ ، حَتَّى بَلَغَ بِهِمُ الْقَتْلُ إِلَى أَنْ قَتَلُوا الذُّرِّيَّةَ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " مَا بَالُ أَقْوَامٍ بَلَغَ بِهِمُ الْقَتْلُ إِلَى أَنْ قَتَلُوا الذُّرِّيَّةَ ؟ ! أَلا لا تُقْتَلَنَّ ذُرِّيَّةٌ ، أَلا لا تُقْتَلَنَّ ذُرِّيَّةٌ " ، قِيلَ : لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَيْسَ هُمْ أَوْلادُ الْمُشْرِكِينَ ؟ قَالَ : " أَوَلَيْسَ خِيَارُكُمْ أَوْلادَ الْمُشْرِكِينَ ؟ " .مسند الامام احمد
فكون الطفل يتبع أبويه فى الكفر مما يعلم بالعقل والفطره قبل ورود خبر الشارع ولذلك لما نهى النبى صلى الله عليه وسلم الصحابه عن قتل الذريه قالوا ( اليس هم اولاد المشركين ) فعرفوا حكمهم قبل الخبر, وأيضا ألا ترى أن النبى صلى الله عليه وسلم برهن بالأقيسه ألعقليه على اثبات حكمهم حيث قال صلى الله عليه وسلم: ( فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بهيمه جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ ) .
وقوله تعالى : وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) الاعراف
وهذا العهد والميثاق آخذه الله على كل نسمه هو خالقها وفطرهم على ذلك فلا يسع أحد جحده وهذا ظاهر فى قوله تعالى (مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) فإسم الذريه يطلق على الصغير ويتناول الكبير أيضا وقوله تعالى (أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) فيه دليل على إبطال الاحتجاج بتبعية الاباء فى الشرك وكون الابناء يتبعون آبائهم فى الحياة الدنيا مما يدرك بالفطره والميثاق.فَإِنَّ الدِّينَ الَّذِي يَأْخُذُهُ الصَّبِيُّ عَنْ أَبَوَيْهِ هُوَ دِينُ التَّرْبِيَةِ وَالْعَادَةِ، وَهُوَ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الطِّفْلَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ كَافِلٍ، وَأَحَقُّ النَّاسِ بِهِ أَبَوَاهُ، وَلِهَذَا جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ بِأَنَّ الطِّفْلَ مَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى دِينِهِمَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا الظَّاهِرَةِ، وَهَذَا الدِّينُ لَا يُعَاقِبُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ -عَلَى الصَّحِيحِ- حَتَّى يَبْلُغَ وَيَعْقِلَ وَتَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ، وَحِينَئِذٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ: دِينَ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ , ومسألة ألاطفال وحكمهم في الدنيا والآخره سيأتى الكلام عليها مفصلا في الجزء الثانى من هذا الكتاب لكن ما أردنا بيانه والتنبيه اليه هو أن تبعية الطفل لأبويه تدرك بالفطره قبل ورود الخبر والله المستعان .
والحاصل:
أن الناس ولدوا على الاسلام والشرك حادث طارئ وانما تقلده ألابناء عن ألآباء أو اتباع الشياطين ولقد أخذ الله عليهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وفطرهم على ذلك , فتوحيد الله وترك عبادة غيره علم فطرى ضرورى لاينفك أحد من بنى آدم عن معرفته .
عَنْ جُوبير قَالَ: مَاتَ ابْنٌ لِلضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِم، وَهُو ابْنُ سِتَّةِ أَيَّامٍ. قَالَ: فَقَالَ: يَا جَابِرُ ، إِذَا أَنْت وَضَعْتَ ابْنِي فِي لَحْدِهِ، فَأَبْرِزْ وَجْهَهُ، وحُلّ عَنْهُ عُقَدَهُ، فَإِنَّ ابْنِي مُجْلَس، وَمَسْئُولٌ , فَفَعَلْتُ بِهِ الَّذِي أَمَرَ، فَلَمَّا فَرَغْتُ قُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، عَمَّ يُسأل ابْنُكَ؟ مَنْ يَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟ قَالَ: يُسْأل عَنِ الميثاق الذي أقر به في صلب آدم . قُلْتُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَمَا هَذَا الْمِيثَاقُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فِي صُلْبِ آدَمَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ أَنَّ اللَّهَ مَسَحَ صُلْبَ آدَمَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ كُلَّ نَسَمَةٍ هُوَ خَلَقَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَأَخَذَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقَ: أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَتَكَفَّلَ لَهُمْ بِالْأَرْزَاقِ، ثُمَّ أَعَادَهُمْ فِي صُلْبِهِ. فَلَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ حَتَّى يُولَدَ مَنْ أَعْطَى الْمِيثَاقَ يَوْمَئِذٍ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقَ الْآخِرَ فَوَفَّى بِهِ، نَفَعَهُ الْمِيثَاقُ الْأَوَّلُ. وَمَنْ أَدْرَكَ الْمِيثَاقَ الْآخِرَ فَلَمْ يَفِ بِهِ، لَمْ يَنْفَعْهُ الْمِيثَاقُ الْأَوَّلُ. وَمَنْ مَاتَ صَغِيرًا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ الْمِيثَاقَ الْآخَرَ، مَاتَ عَلَى الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ عَلَى الْفِطْرَةِ . أورده ابن كثير
الباب الخامس
التـقـلـيــد الـمـذمــو م
قال تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ}[البقرة:170]وقوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُا مِنَّا} [البقرة: 166-167] .وقال تعالى (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) (67)وقال تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِى النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّار قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلّ فِيهَا إِن اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر: 47-48]وقال تعالى : (أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) (173)الأعراف وقال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجَعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ القَوْلَ يَقُولُ الذين اسْتُضْعِفُوا لِلِّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ استكبروا للذين اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأمُرُونَنَا أن نَكْفُرِ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَاداً} [سبأ: 31- 33] . وقوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (31) التوبة
يقول بن كثير :
وَقَوْلُهُ {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرَّ إِلَى الشَّامِ، وَكَانَ قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأُسِرَتْ أُخْتُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ قَوْمِهِ، ثمَّ منَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُخْتِهِ وَأَعْطَاهَا، فَرَجَعَتْ إِلَى أَخِيهَا، ورَغَّبته فِي الْإِسْلَامِ وَفِي الْقُدُومِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمَ عَدِيّ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ رَئِيسًا فِي قَوْمِهِ طَيِّئٍ، وَأَبُوهُ حَاتِمٌ الطَّائِيُّ الْمَشْهُورُ بِالْكَرَمِ، فتحدَّث النَّاسُ بِقُدُومِهِ، فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِ عَدِيّ صَلِيبٌ مِنْ فِضَّةٍ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُمْ. فَقَالَ: "بَلَى، إِنَّهُمْ حَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الْحَلَالَ، وَأَحَلُّوا لَهُمُ الْحَرَامَ، فَاتَّبَعُوهُمْ، فَذَلِكَ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ". انتهى
يقول الامام الشوكانى فصل إبِطَال التَّقْلِيد:
وأخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن عبد الْبر عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان أَنه قيل لَهُ فِي قَوْله تَعَالَى : {اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله} أكانوا يَعْبُدُونَهُمْ فَقَالَ لَا وَلَكِن يحلونَ لَهُم الْحَرَام فيحلونه ويحرمون عَلَيْهِم الْحَلَال فيحرمونه فصاروا بذلك أَرْبَابًا وَقد روى نَحْو ذَلِك مَرْفُوعا من حَدِيث ابْن حَاتِم كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَأخرج نَحْو هَذَا التَّفْسِير ابْن عبد الْبر عَن بعض الصَّحَابَة بِإِسْنَاد مُتَّصِل بِهِ قَالَ أما أَنهم لَو أمروهم أَن يعبدوهم مَا أطاعوهم وَلَكنهُمْ أمروهم فَجعلُوا حَلَال الله حَرَامًا وَحَرَامه حَلَالا فأطاعوهم فَكَانَت تِلْكَ الربوبية وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ مَا أرسلنَا من قبلك فِي قَرْيَة من نَذِير إِلَّا قَالَ مترفوها إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة وَإِنَّا على آثَارهم مقتدون قَالَ أولو جِئتُكُمْ بأهدى مِمَّا وجدْتُم عَلَيْهِ آبَاءَكُم} فآثروا الإقتداء بآبائهم قَالُوا {إِنَّا بِمَا أرسلتم بِهِ كافرون} وَقَالَ عز وَجل {إِذْ تَبرأ الَّذين اتبعُوا من الَّذين اتبعُوا وَرَأَوا الْعَذَاب وتقطعت بهم الْأَسْبَاب وَقَالَ الَّذين اتبعُوا لَو أَن لنا كرة فنتبرأ مِنْهُم كَمَا تبرؤوا منا كَذَلِك يُرِيهم الله أَعْمَالهم حسرات عَلَيْهِم وَمَا هم بِخَارِجِينَ من النَّار}وَقَالَ الله عز وَجل {مَا هَذِه التماثيل الَّتِي أَنْتُم لَهَا عاكفون قَالُوا وجدنَا آبَاءَنَا لَهَا عابدين} وَقَالَ {إِنَّا أَطعْنَا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا} فَهَذِهِ الْآيَات وَغَيرهَا مِمَّا ورد فِي مَعْنَاهُ ناعية على المقلدين مَا هم فِيهِ وَهِي وَإِن كَانَ تنزيلها فِي الْكفَّار لكنه قد صَحَّ تَأْوِيلهَا فِي المقلدين لِاتِّحَاد الْعلَّة وَقد تقرر فِي الْأُصُول أَن الِاعْتِبَار بِعُمُوم اللَّفْظ لَا بِخُصُوص السَّبَب وَإِن الحكم يَدُور مَعَ الْعلَّة وجودا وعدما وَقد احْتج أهل الْعلم بِهَذِهِ الْآيَات على إبِطَال التَّقْلِيد وَلم يمنعهُم من ذَلِك كَونهَا نازلة فِي الْكفَّار . القول المفيد فى ادلة الاجتهاد والتقليد ج1 ص71
والتقليد لغة وضع الشيئ فى العنق محيطا به كالقلاده .
وإصطلاحا إتباع من ليس قوله حجه فخرج بقولنا من ليس قوله حجه اتباع النبى صلى الله عليه وسلم وإتباع اهل الاجماع وإتباع الصحابه . يقول ابن القيم :فصل [التَّقْلِيدُ وَالِاتِّبَاعُ] وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ الْبَصْرِيُّ الْمَالِكِيُّ: التَّقْلِيدُ مَعْنَاهُ فِي الشَّرْعِ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلٍ لَا حُجَّةَ لِقَائِلَةِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فِي الشَّرِيعَةِ، وَالِاتِّبَاعُ: مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ حُجَّةٌ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ: كُلُّ مَنْ اتَّبَعْت قَوْلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْك قَبُولُهُ بِدَلِيلٍ يُوجِبُ ذَلِكَ فَأَنْتَ مُقَلِّدُهُ، وَالتَّقْلِيدُ فِي دِينِ اللَّهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَكُلُّ مَنْ أَوْجَبَ الدَّلِيلَ عَلَيْك اتِّبَاعُ قَوْلِهِ فَأَنْتَ مُتَّبِعُهُ، وَالِاتِّبَاعُ فِي الدِّينِ مُسَوَّغٌ، وَالتَّقْلِيدُ مَمْنُوعٌ.اعلام الموقعين ج2 ص137 ويقول ابن تيميه رحمه الله : قد ذم اللّه ـ تعالى ـ في القرآن من عَدَل عن اتباع الرسل إلى ما نشأ عليه من دين آبائه، وهذا هو التقليد الذي حرمه اللّه ورسوله، وهو: أن يتبع غير الرسول فيما خالف فيه الرسول، وهذا حرام باتفاق المسلمين على كل أحد؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والرسول طاعته فرض على كل أحد من الخاصة والعامة في كل وقت وكل مكان؛ في سره وعلانيته، وفي جميع أحواله. مجموع الفتاوى { فصل في التقليد الذي حرمه الله ورسوله}.
وسُئِلَ ابْنُ تَيْمِيَّة رحمه الله:
عَنْ رَجُلٍ قَالَ: إذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ مُقَلِّدِينَ وَالنَّصَارَى مُقَلِّدِينَ وَالْيَهُودُ مُقَلِّدِينَ: فَكَيْفَ وَجْهُ الرَّدِّ عَلَى النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَإِبْطَالِ مَذْهَبِهِمْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ؟ وَمَا الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ عَلَى تَحْقِيقِ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ وَإِبْطَالِ بَاطِلِ الْكَافِرِينَ؟ .
فَأَجَابَ - رَحمه اللَّهُ -: الْحَمْدُ لِلَّهِ، هَذَا الْقَائِلُ كَاذِبٌ ضَالٌّ فِي هَذَا الْقَوْلِ وَذَلِكَ أَنَّ التَّقْلِيدَ الْمَذْمُومَ هُوَ قَبُولُ قَوْلِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ؛ كَاَلَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} قَالَ تَعَالَى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} وَقَالَ: {إنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} وَنَظَائِرُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ. فَمَنْ اتَّبَعَ دِينَ آبَائِهِ وَأَسْلَافِهِ لِأَجْلِ الْعَادَةِ الَّتِي تَعَوَّدَهَا وَتَرَكَ اتِّبَاعَ الْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ اتِّبَاعُهُ: فَهَذَا هُوَ الْمُقَلِّدُ الْمَذْمُومُ وَهَذِهِ حَالُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ بَلْ أَهْلُ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ اتَّبَعُوا شُيُوخَهُمْ وَرُؤَسَاءَهُمْ فِي غَيْرِ الْحَقِّ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ} {وَقَالُوا رَبَّنَا إنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيل} {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} وَقَالَ تَعَالَى. {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا} إلَى قَوْلِهِ: {خَذُولًا} . وَقَالَ تَعَالَى: {إذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} إلَى قَوْلِهِ: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ} إلَى قَوْلِهِ: {إنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ بَيَانُ أَنَّ مَنْ أَطَاعَ مَخْلُوقًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ: كَانَ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ هَذَا الذَّمِّ وَالْعِقَابِ. وَالْمُطِيعُ لِلْمَخْلُوقِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ: إمَّا أَنْ يَتَّبِعَ الظَّنَّ؛ وَإِمَّا أَنْ يَتَّبِعَ مَا يَهْوَاهُ وَكَثِيرٌ يَتَّبِعُهُمَا. وَهَذِهِ حَالُ كُلِّ مَنْ عَصَى رَسُولَ اللَّهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ؛ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْفُجُورِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ . مجموع الفتاوى ص198 ج4
يقول الشاطبى :
مِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافِ التَّصْمِيمُ عَلَى اتِّبَاعِ الْعَوَائِدِ وَإِنْ فَسَدَتْ أَوْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لِلْحَقِّ وَهُوَ اتِّبَاعُ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْآبَاءُ وَالْأَشْيَاخُ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، وَهُوَ التَّقْلِيدُ الْمَذْمُومُ، فَإِنَّ اللَّهَ ذَمَّ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22] الْآيَةَ. ثُمَّ قَالَ: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف: 24]وَقَوْلُهُ: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [الشعراء: 72] فَنَبَّهَهُمْ عَلَى وَجْهِ الدَّلِيلِ الْوَاضِحِ فَاسْتَمْسَكُوا بِمُجَرَّدِ تَقْلِيدِ الْآبَاءِ، فَقَالُوا: {بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 74] وَهُوَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ:«اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا» إِلَى آخِرِهِ، فَإِنَّهُ يُشِيرُ إِلَى الِاسْتِنَانِ بِالرِّجَالِ كَيْفَ كَانَ. الاعتصام ص688 ج2
ويقول ابن تيميه : وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ التَّقْلِيدَ الْمُحَرَّمَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ: أَنْ يُعَارِضَ قَوْلَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ كَائِنًا مَنْ كَانَ الْمُخَالِفُ لِذَلِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا} {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} إلَى قَوْلِهِ: {وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} . وَقَالَ تَعَالَى: {إذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} إلَى قَوْلِهِ: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} فَذَكَرَ بَرَاءَةَ الْمَتْبُوعِينَ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ فِي خِلَافِ طَاعَةِ اللَّهِ ذَكَرَ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ: {وَإِلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ} فَالْإِلَهُ الْوَاحِدُ هُوَ الْمَعْبُودُ وَالْمُطَاعُ فَمَنْ أَطَاعَ مَتْبُوعًا فِي خِلَافِ ذَلِكَ فَلَهُ نَصِيبٌ مِنْ هَذَا الذَّمِّ قَالَ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} إلَى قَوْلِهِ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إلَيَّ} .مجموع الفتاوى ج13 ص263
وعن ابن تيميه انه سئل عَنْ َالتَّقْلِيدِ والاتباع ؟
فَأَجَابَ: أَمَّا التَّقْلِيدُ الْبَاطِلُ الْمَذْمُومُ فَهُوَ: قَبُولُ قَوْلِ الْغَيْرِ بِلَا حُجَّةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} فِي الْبَقَرَةِ وَفِي الْمَائِدَةِ وَفِي لُقْمَانَ {أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ} وَفِي الزُّخْرُفِ: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} وَفِي الصَّافَّاتِ: {إنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} وَقَالَ: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} {وَقَالُوا رَبَّنَا إنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} الْآيَاتِ. وَقَالَ: {إذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} وَقَالَ: {فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ} وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} وَقَالَ: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} . فَهَذَا الِاتِّبَاعُ وَالتَّقْلِيدُ الَّذِي ذَمَّهُ اللَّهُ هُوَ اتِّبَاعُ الْهَوَى إمَّا لِلْعَادَةِ وَالنَّسَبِ كَاتِّبَاعِ الْآبَاءِ وَإِمَّا لِلرِّئَاسَةِ كَاتِّبَاعِ الْأَكَابِرِ وَالسَّادَةِ والمتكبرين فَهَذَا مِثْلُ تَقْلِيدِ الرَّجُلِ لِأَبِيهِ أَوْ سَيِّدِهِ أَوْ ذِي سُلْطَانِهِ وَهَذَا يَكُونُ لِمَنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الصَّغِيرُ: فَإِنَّ دِينَهُ دِينُ أُمِّهِ فَإِنْ فُقِدَتْ فَدِينُ مَلِكِهِ وَأَبِيهِ: فَإِنْ فُقِدَ كَاللَّقِيطِ فَدِينُ الْمُتَوَلِّي عَلَيْهِ وَهُوَ أَهْلُ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَأَمَّا إذَا بَلَغَ وَأَعْرَبَ لِسَانُهُ فَإِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا. وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْإِعْرَاضُ عَنْ هَذَا التَّقْلِيدِ إلَى اتِّبَاعِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رُسُلِهِ؛ فَإِنَّهُمْ حُجَّةُ اللَّهِ الَّتِي أَعْذَرَ بِهَا إلَى خَلْقِهِ. مجموع الفتاوى ج20ص16
والحاصل ؛
ان توحيد الله والبراءه من الشرك والمشركين مما يدرك بالفطره فتقليد الآباء والأجداد أوالكبراء والسلاطين فى الشرك تقليد مذموم بإدراك العقل والفطره, الا نرى ان الله حاجج المقلدين من اهل الشرك بالحجه العقليه قال تعالى ({أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} والايات فى هذا كثيره, فمن حكم للمشرك بالاسلام أو شك أو توقف فى كفره فقد خالف ما تقتضيه الفطره من البراءه من الشرك وأهله .
الباب السادس
ثبوت الأسماء والأحكام للمشركين قبل الرساله
ففِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ؛ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ؛ وَهُوَ كُلُّهُ لِلَّذِي أَشْرَكَ} .
اعْلَمْ أَنَّ الشِّرْكَ بِاَللَّهِ أَعْظَمُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {سُئِلَ: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ . قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ} . وَالنِّدُّ الْمِثْلُ. قَالَ تَعَالَى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} . فَمَنْ جَعَلَ لِلَّهِ نِدًّا مِنْ خَلْقِهِ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْإِلَهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ فَقَدْ كَفَرَ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ. فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ لِذَاتِهِ: لِأَنَّهُ الْمَأْلُوهُ الْمَعْبُودُ الَّذِي تَأْلَهُهُ الْقُلُوبُ وَتَرْغَبُ إلَيْهِ وَتَفْزَعُ إلَيْهِ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَمَا سِوَاهُ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ مَقْهُورٌ بِالْعُبُودِيَّةِ فَكَيْفَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إلَهًا؟ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} وَقَالَ تَعَالَى: {إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ إنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} . وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} فَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - هُوَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ لِذَاتِهِ.أنظر مجموع الفتاوى ج1ص88
وقَدْ بَيَّنَ الله تعالى الشِّرْكَ الأكبر فى مواطن متعدده من كِتَابِهِ كالشرك بِالْمَلَائِكَةِ، وَالشِّرْكَ بِالْأَنْبِيَاءِ، وَالشِّرْكَ بِالْكَوَاكِبِ، وَالشِّرْكَ بِالْأَصْنَامِ - وَأَصْلُ الشِّرْكِ الشِّرْكُ بِالشَّيْطَانِ , وهذه ألأنواع من الشرك هى أفعال قبيحه ومذمومه وقبحها معلوم بالعقل . وقد بين الله تعالى أيضاً تحريم الشرك حيث قال :( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا )الانعام (151 ) فمن إتخذ مع الله ندا من شجر أو حجر أوملك أونبى أو غير ذلك فقد أشرك مع الله غيره فإسم المشرك ثابت قبل قيام الحجه وبعدها كما قال تعالى : ( كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ) الشورى (13) وقوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ) التوبه (6 ) وقد سمى الله تعالى من أشرك به شيئاً كافراً وأجمعت ألأمه على ذلك كما ذكره ابن تيميه. قال تعالى (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ) المائده والكفر والشرك بينهما عموم وخصوص يقول النووى : ( إِنَّ الشِّرْكَ وَالْكُفْرَ قَدْ يُطْلَقَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَيُخَصُّ الشِّرْكُ بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ مَعَ اعْتِرَافِهِمْ بِاللَّهِ تَعَالَى كَكُفَّارِ قُرَيْشٍ فَيَكُونُ الْكُفْرُ أَعَمُّ مِنَ الشِّرْكِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ) انتهى
وقال تعالى(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) فمسمى الكفر يشمل من أشرك وإتخذ مع الله نداً ويشمل أيضاً من جحد أو إستكبر أو أنكر أو كذب أو أعرض أو عاند فكل هذه الأنواع كفر أكبر, فمسمى الكفر من أسماء ذم ألافعال
فمن أشرك بالله يسمى مشركاً قبل قيام الحجه الرساليه وبعدها .
أمّا إسم الكفر فيسمى كافر جاهل قبل الرساله فإن قامت عليه الحجه الرساليه فيسمى كفر إعراض أو إستكبار أو جحود أو عناد أو كفر تقليد لأهل العناد .
هذا ! ! ! وان الله قد فرق في الأحكام أيضاً ما قبل الرساله وما بعدها سواءً في الدنيا أوفى الآخره , وسيأتى بيان ذلك مفصلا في الباب السابع إن شاء الله تعالى .
يقول شيخ الإسلام , فصل , وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ مَا قَبْلَ الرِّسَالَةِ وَمَا بَعْدَهَا فِي أَسْمَاءَ وَأَحْكَامٍ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي أَسْمَاءَ وَأَحْكَامٍ وَذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ: عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ الْأَفْعَالَ لَيْسَ فِيهَا حَسَنٌ وَقَبِيحٌ. وَمَنْ قَالَ: إنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ سَمَّاهُمْ ظَالِمِينَ وَطَاغِينَ وَمُفْسِدِينَ؛ لِقَوْلِهِ: {اذْهَبْ إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى} وَقَوْلِهِ: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} {قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ} وَقَوْلِهِ: {إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} فَأَخْبَرَ أَنَّهُ ظَالِمٌ وَطَاغٍ وَمُفْسِدٌ هُوَ وَقَوْمُهُ وَهَذِهِ أَسْمَاءُ ذَمِّ الْأَفْعَالِ؛ وَالذَّمُّ إنَّمَا. يَكُونُ فِي الْأَفْعَالِ السَّيِّئَةِ الْقَبِيحَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ تَكُونُ قَبِيحَةً مَذْمُومَةً قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ إلَيْهِمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ إلَّا بَعْدَ إتْيَانِ الرَّسُولِ إلَيْهِمْ؛ لِقَوْلِهِ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} . وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ عَنْ هُودَ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ إنْ أَنْتُمْ إلَّا مُفْتَرُونَ} فَجَعَلَهُمْ مُفْتَرِينَ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِحُكْمِ يُخَالِفُونَهُ؛ لِكَوْنِهِمْ جَعَلُوا مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَاسْمُ الْمُشْرِكِ ثَبَتَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ؛ فَإِنَّهُ يُشْرِكُ بِرَبِّهِ وَيَعْدِلُ بِهِ وَيَجْعَلُ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى وَيَجْعَلُ لَهُ أَنْدَادًا قَبْلَ الرَّسُولِ وَيُثْبِتُ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ اسْمُ الْجَهْلِ وَالْجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ: جَاهِلِيَّةً وَجَاهِلًا قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ وَأَمَّا التَّعْذِيبُ فَلَا. وَالتَّوَلِّي عَنْ الطَّاعَةِ كَقَوْلِهِ: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} {وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} فَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الرَّسُولِ مِثْلَ قَوْلِهِ عَنْ فِرْعَوْنَ. {فَكَذَّبَ وَعَصَى} كَانَ هَذَا بَعْدَ مَجِيءِ الرَّسُولِ إلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى. {فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى} {فَكَذَّبَ وَعَصَى} ,
وَقَالَ: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} . مجموع الفتاوى ج20 ص38
وقال تعالى : شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) الشورى
يقول القرطبى : قَوْلُهُ تَعَالَى:" كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ" أَيْ عَظُمَ عَلَيْهِمْ." مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ" مِنَ التَّوْحِيدِ وَرَفْضِ الْأَوْثَانِ. قَالَ قَتَادَةُ: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَضَاقَ بِهَا إِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ، فَأَبَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَنْ يَنْصُرَهَا ويعليها ويظهرها على من نَاوَأَهَا. انتهى
وقال تعالى :ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)الأنعام:
يقول القرطبى قوله تعالى: {ذَلِكَ} في موضع رفع عند سيبويه؛ أي الأمر ذلك. و{أَنْ} مخففة من الثقيلة؛ أي إنما فعلنا هذا بهم لأني لم أكن أهلك القرى بظلمهم؛ أي بشركهم قبل إرسال الرسل إليهم فيقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير. وقيل: لم أكن أهلك القرى بشرك من أشرك منهم؛ فهو مثل {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]. ولو أهلكهم قبل بعثة الرسل فله أن يفعل ما يريد. وقد قال عيسى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] وأجاز الفراء أن يكون {ذَلِكَ} في موضع نصب، المعنى: فعل ذلك بهم؛ لأنه لم يكن يهلك القرى بظلم. انتهى
وجمع الله تعالى أهل الكتاب والمشركين تحت مسمى الكفر فقال تعالى:(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ )
قال الشوكانى , قال الواحدى , ومعنى الآيه إخبار الله تعالى عن الكفار أنهم لن ينتهوا عن كفرهم وشركهم بالله حتى آتاهم محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن فبين لهم ضلالتهم وجهالتهم ودعاهم إلى الإيمان وهذا بيان عن النعمه والإنقاذ من الجهل والضلاله .فتح القدير
ويقول تعالى:(وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)القصص
يقول إبن كثير , أي: وأرسلناك إليهم لتقيم عليهم الحجة ولتقطع عذرهم إذا جاءهم عذاب من الله بكفرهم، فيحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول ولا نذير، إنتهى. يقول السبكى الشافعى :التَّكْفِيرُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ سَبَبُهُ جَحْدُ الرُّبُوبِيَّةِ أَوْ الْوَحْدَانِيَّةِ أَوْ الرِّسَالَةِ أَوْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ حَكَمَ الشَّارِعُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَحْدًا . فتاوى السبكى ج2 ص586
يقول الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ : بل أهل الفترة الذين لم تبلغهم الرسالة والقرآن وماتوا على الجاهلية لا يسمون مسلمين بالإجماع . رسالة تكفير المعين
والحاصل:
إن من أعظم الذنوب الشرك بالله فمن إتخذ مع الله نداً يسمى مشركاً قبل قيام الحجه أوبعدها فإسم المشرك ثابت قبل قيام الحجه ويسمى أيضاً كافر جاهل وتجرى عليه أحكام الكفر في الدنيا من قطع الموارثه والمناكحه ولا تؤكل ذبيحته ولا يدفن في مقابر المسلمين وغير ذلك أما التعذيب فلا .
فإن قامت عليه الحجه ولم يؤمن بها يسمى كافراً أيضاً سواء كان كفره جحوداً أو إعراضاً أو تكذيباً أوعناداً أو تقليداً لأهل العناد , وتجرى عليه أحكام الكفار مع إباحة قتاله , ويخلد في النار .
تابع اجراع الاحكام على الناس رقم (3)
.....................................
بقلم محمد فولى الدالى
قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

domingo, 28 de octubre de 2012
Suscribirse a:
Enviar comentarios (Atom)
No hay comentarios:
Publicar un comentario